tag icon ع ع ع

تيم الحاج | مراد عبد الجليل | عبد الله الخطيب

كان تاريخ 22 من تشرين الأول 2019 مفصليًا بالنسبة لروسيا، إذ تبدل بعده شكل وجودها العسكري في سوريا، واتسع ليشمل مناطق ما كان لموسكو أن تقترب منها، كونها تُحسب لمصلحة النفوذ الأمريكي، ومن خلفه قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

تمكنت روسيا في هذا التاريخ من إيقاف عمل المدافع التركية التي كانت تنشط في معركة أطلقتها عليها أنقرة اسم “نبع السلام”، هدفت إلى طرد “وحدات حماية الشعب” (الكردية) إلى خارج منطقة شرق الفرات، إلا أن اتفاقًا وقعه الرئيسان، التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية أنهى هذه المعركة، ضمن شروط وضعها الطرفان.

سعت روسيا عقب ذلك إلى التمدد في المنطقة، مدفوعة برغبات سياسية واقتصادية، ومستخدمة أدوات عسكرية وسياسية واجتماعية، تساعدها على التغلغل في منطقة غير مناطق حليفها، وعلى مشارف القواعد والنقاط الأمريكية.

ورغم أن الظروف عقب عملية “نبع السلام” كانت ممهدة، فإن العودة الأمريكية بعد الانسحاب المفاجئ نهاية العام الماضي، أربكت الحسابات الروسية مجددًا، الأمر الذي جعل الوجود في الشرق مغامرة روسية، ومناورة غير معروفة النتائج.

عناصر من القوات الخاصة الروسية بجانب أطفال في دير الزور – (Getty Images)

روسيا تحضر عسكريًا من بوابة “سد الفراغ” الأمريكي

أخذت موسكو المبادرة بعد توقيع اتفاق “سوتشي”، وبدأت بتحقيق حلمها بالتغلغل عسكريًا في شرق الفرات، مستندة إلى بند إبعاد “الوحدات” من الحدود مع تركيا، ولم توفر روسيا في تلك اللحظة حتى القواعد الأمريكية، فملأت ذلك الفراغ، إذ تزامنت معركة “نبع السلام” مع إعلان القوات الأمريكية انسحابها من المنطقة.

وكان وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، أعلن في 13 من تشرين الأول 2019  (أي بعد خمسة أيام من بدء معركة “نبع السلام”) أن بلاده ستسحب نحو ألف جندي من منطقة شمال شرقي سوريا “بأمان وبأسرع وقت ممكن”، مضيفًا أن النزاع بين القوات التركية والمقاتلين الكرد السوريين الذين تدعمهم الولايات المتحدة لا يمكن الوقوف في وجهه من قبل القوات الأمريكية.

مثّلت هذه الخطوة الأمريكية الجسر الذي ستعبر عليه القوات الروسية إلى شمال شرقي سوريا، وعلى الفور دخلت روسيا قواعد أمريكية أُخليت في شمال شرقي سوريا، كقاعدة “السعدية” في منبج و”خراب عشق” في عين العرب بريف حلب، و”قصر يلدا” بريف الحسكة.

ولعل من أهم المكاسب التي حققتها روسيا في شرقي الفرات، هو ازدياد نشاطها في مطار القامشلي، إذ جعلته قاعدة عسكرية لها في المنطقة، بدليل ما جرى في 14 من تشرين الثاني 2019، حين نقلت منظومات من الدفاع الجوي وطائرات حربية من قاعدة “حميميم” العسكرية في ريف اللاذقية إلى مطار القامشلي في الحسكة، بحسب ما نقلته حينها وكالة “tvzvezda” الروسية.

لا يمكن حصر حجم الوجود العسكري الروسي في شمال شرقي سوريا اليوم، وذلك بعد مضي نحو سبعة أشهر على دخولها المنطقة، فوزارة الدفاع الروسية التي اعتبرت هذا الدخول من أهم انجازاتها في سوريا، تنشر منذ توقيع اتفاق “شرق الفرات”، بشكل متواصل، أنباء وصورًا عن وصول قوات جديدة لها إلى المنطقة.

بحسب خريطة لقواعد ونقاط وجود روسيا في سوريا نشرها مركز “جسور” للدراسات، توجد القوات الروسية حاليًا في 15 نقطة أساسية بمنطقة شمال شرقي سوريا.

أهمها في مدينة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، وفي مدينتي منبج وعين العرب بريف حلب، وتل تمر ومطار القامشلي ومدينة عامودا في محافظة الحسكة.

وتشهد هذه النقاط تعزيزات مستمرة بالمعدات العسكرية والجنود، كان أبرزها القافلة العسكرية التي أُرسلت مطلع نيسان الماضي، والتي ضمت أكثر من 50 شاحنة عسكرية ودبابة وناقلة جنود، حيث خرجت من نقطة عين عيسى، وتوجهت إلى بلدة تل تمر بريف الحسكة، ومنها إلى مدينة القامشلي عبر الطريق الدولي “M4”، وكانت هذه القافلة تمر من أمام دوريات أمريكية راقبتها دون اعتراض.

كما عززت روسيا وجودها قرب مطار القامشلي، حيث يوجد نحو 200 جندي روسي، وعشرات العربات المدرعة والدبابات إلى جانب ست مروحيات، كما يتخذ الضباط الروس الفيلات القريبة من المطار مقرات لهم، بعد أن وضعوا يدهم عليها.

السياسة.. العشائر.. الإعلام

أدوات روسيا الناعمة في الشرق

يأخذ الوجود الروسي شرق الفرات شكل الضغط على الوجود الأمريكي، ويسير إلى جانب التعزيز العسكري على مستويين آخرين، سياسي وعشائري، بحسب رأي الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية” بدر ملا رشيد.

على الجانب السياسي حاولت روسيا أن تلعب دور ميسّر الحوارات ومحفز للنظام و”الإدارة الذاتية” للتفاوض على صيغة للحل، حول كيفية إدارة المنطقة شمال شرقي سوريا، سواء قبل قرار الانسحاب الأمريكي أو بعده.

وفي حين كانت روسيا تحاول بجدية عقد اتفاق بين الطرفين قبل إعلان انسحاب أمريكا، غيّر التراجع مجددًا عن الانسحاب الأسلوب الروسي في إدارة ملف المفاوضات، ليكون ضغطًا على “الإدارة الذاتية” وبالتالي على أمريكا، بعد أن خسرت “الإدارة” كثيرًا من نقاط سيطرتها المباشرة من تل أبيض امتدادًا لرأس العين، كما خسرت جزءًا مهمًا من تفردها بالسيطرة على مناطق أوسع، كالرقة، ومنبج، وعين العرب (كوباني)، وجزء من محافظة الحسكة.

المسار الثاني، بحسب الباحث، يتمثل بتواصل موسكو مع عشائر المنطقة، ومحاولة تشكيل فصيل عسكري جديد في المناطق الواقعة في الريف الجنوبي لمدينة القامشلي، والتي تتصل بالمدينة من جهة أحيائها الجنوبية.

وفي حال نجاح هذه المحاولة ستشكل خرقًا يحدث للمرة الأولى في المنطقة عبر إيجاد فصيل عسكري مدعوم من قبلها، يستطيع إزعاج الدوريات الأمريكية، وتشكيل تهديد على ما تبقى من مشروع “الإدارة الذاتية”.

روسيا تتودد لعشائر المنطقة

ترى روسيا في التقرب من العشائر العربية، وحتى الكردية الموجودة في منطقة شمال شرقي سوريا، فرصة لتوسعة نفوذها والتغلغل أكثر، إلى جانب تحركاتها العسكرية.

وشهد نيسان الماضي، عقد ضباط من القوات الروسية اجتماعات مكثفة مع وجهاء وشيوخ من العشائر في ريف الحسكة، حيث تحاول روسيا تصدير نفسها على أنها القادرة على حل الأزمات في المنطقة، عبر تقديم وعود بتسريع عجلة حل المشاكل الخدمية.

وتعددت زيارات الوفود الروسية في شمال شرقي سوريا، إذ شملت بلدة عامودا، التي التقت بمجلسها المحلي. وإلى جانب عامودا، زار وفد روسي بلدة تل تمر، والتقى بوجهاء العشائر وأعضاء المجالس المحلية فيها، ووعدهم بالإسراع بحل مشاكلهم الخدمية.

وكانت الرئيسة المشتركة لمجلس ناحية عامودا، سلمى حسين، قالت في تصريحات صحفية، في 18 من نيسان الماضي، إن وفدًا روسيًا برئاسة مسؤول قوات حفظ السلام في المنطقة، التقى بجميع مسؤولي المجالس في المنطقة، مبديًا استعداده لتقديم المساعدات اللازمة لتلك المجالس.

مركبات عسكرية روسية تجوب محافظة الحسكة السورية على الحدود مع تركيا- 22 من شباط 2020 (AFP)

قوة عشائرية تبعد “قسد”

الباحث في التاريخ الاجتماعي والسياسي السوري وابن مدينة القامشلي مهند الكاطع، يرى أن التحركات الروسية باتجاه العشائر جاءت بعد تحركات أمريكية مشابهة في دير الزور، لافتًا إلى أن الحاضنة العشائرية في الحسكة يمكن لها أن تتقبل الروس بدرجة أكبر من الأمريكيين، لأنها لم تدخل بمواجهات مع النظام تحمل طابعًا عشائريًا.

ويؤكد الكاطع في حديث لعنب بلدي، أن التركيز الروسي، وكذلك الأمريكي، على العشائر يستبعد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بمعنى أن هناك سعيًا للتمهيد لتشكيل قوة عشائرية تتجاوز “قسد”، وفق تقديره.

ويقول إن التعويل على المجتمع العشائري ومحاولة كسب وده من قبل جميع الأطراف بما فيها النظام، لم ينقطعا في شرق الفرات، موضحًا أن أكثر طرف نجح في استمالة العشائر، وبعبارة أدق “مقاتلين من أبناء العشائر”، هي “قسد”، مستغلة الظروف المادية لأهالي المنطقة.

ومن الممكن أن تكون التحالفات مثمرة، وفق الكاطع، إذا كانت جدية وتوفر البديل المادي للعشائر يغنيها عن الانضمام لـ”قسد”، معتبرًا أن نجاحها يتوقف على شكل وطبيعة التنسيق والإشراف من قبل القوى التي تريد إنشاء هذه التحالفات بشكل كامل.

ويعتقد الباحث في التاريخ الاجتماعي والسياسي السوري، أن روسيا تسعى لاستثمار الرفض الشعبي لـ”قسد” واستثماره لمصلحتها، إذ تسعى لتحريض العشائر ضد الوجود الأمريكي باللعب على وتر الورقة الكردية التي يمكن استثمارها بجمع العشائر العربية حولها.

ويشدد الكاطع على أن الأمر يتعلق بتوفير بديل عن “قسد”، خاصة أنها باتت مسؤولة عن توفير آلاف فرص العمل في القطاعين العسكري والمدني لأبناء المنطقة.

تأجيج روسي: لا لأمريكا.. لا لأمريكا

تعمل روسيا على تفعيل أجندة أخرى من شأنها أن تخلق مزيدًا من الضغط على الولايات المتحدة في شرق الفرات، ومنها استخدام الإعلام وتأجيج الشعب في الداخل ضدها.

وتوجه روسيا إعلامها ضد أمريكا من خلال تصريحات مسؤوليها، واتهامهم لها بكونها محتلة للأراضي السورية، وهذا ما يعزز أهدافها في المنطقة ويزيد من الضغط الشعبي عليها.

يتحدث تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، منشور في 15 من شباط الماضي، أن روسيا كثفت في الآونة الأخيرة حملة الضغط على القوات الأمريكية المتبقية في شمال شرقي سوريا.

وتنقل الصحيفة عن نائب رئيس قيادة العمليات الخاصة في الجيش الأمريكي، الأميرال تيم شيمانسكي، قوله “نعرف أنهم يضغطون”، معربًا عن ثقته بأن روسيا ستحاول الاستمرار في البحث عن نفوذها على الأرض في شمال شرقي سوريا حتى في المناطق التي تنفذ فيها الولايات المتحدة و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المدعومة منها، دورياتهما.

وسبق أن انتشر تسجيل مصوّر لجندي روسي يحرض مدنيين سوريين في ريف الحسكة، على الهتاف ضد أمريكا، وذلك خلال وجود دورية روسية مرت بالأهالي في المنطقة التي تنشط فيها إلى جانب قوات أمريكية.

ويظهر في الفيديو جندي روسي يحث حشدًا متجمعًا من السوريين في قرية خربة عمو، على ترديد شعارات ضد القوات الأمريكية في سوريا، ليهتفوا بالقول: “لا لأمريكا.. لا لأمريكا”.

ورصدت عنب بلدي، في تقرير سابق، تحركات روسية متسارعة في ريف الحسكة، تسعى من ورائها إلى التقرب من العشائر العربية، وحتى الكردية الموجودة في منطقة شمال شرقي سوريا.

مركبة أمريكية ومن خلفها عربات لقوات كردية شمال شرقي سوريا (AFP)

ثروات شرقي سوريا..

مطامع روسية أم حاجة لمساندة النظام؟

انطلاقًا من عدم إمكانية فصل السياسة عن الاقتصاد، كونهما خطين يسيران بطريق متوازٍ، يبرز صراع بين الدول صاحبة التأثير القوي في شمال شرقي سوريا، على بسط سيطرتها على الثروات التي تضمها المنطقة، والتي تشكل موارد جيدة للجهة التي يمكن أن تسيطر عليها.

وخلال السنوات الماضية، خرجت الأطراف السورية المحلية من أي صراع على هذه الموارد، على غرار المشهدين السياسي والعسكري، وما يعتريهما من تحكم الدول الفاعلة بالملف السوري بأي قرار، وانحسر الصراع بين الأمريكيين الذين يسيطرون على آبار النفط عبر حراسة خاصة ومشددة، والروس الذين يحاولون بشتى السبل بسط النفوذ على ثروات الشرق السوري.

أهم الثروات في شرقي سوريا

تضم المنطقة الخاضعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من أمريكا، في شرق الفرات، أهم موارد سوريا من الطاقة والزراعة والمياه.

وتضم المنطقة حقولًا نفطية وغازية ذات أهمية استراتيجية، منها “الرميلان” و”الشدادي” و”الجبسة” و”السويدية”، التي سيطرت عليها “وحدات حماية الشعب” (الكردية) المدعومة أمريكيًا منتصف العام 2012، إضافة إلى مصفاة “الرميلان”، وحقول “كراتشوك” و”حمزة” و”عليان” و”معشوق” و”ليلاك”.

ويبلغ عدد الآبار النفطية التابعة لحقل “الرميلان” 1322 بئرًا، إلى جانب 25 بئرًا للغاز المسال في حقل “السويدية”، وتدار الحقول من قبل “إدارة حقول الرميلان” (تتبع لهيئة الطاقة في الإدارة الذاتية)، وتتركز مهامها في إنتاج النفط الخام ومعالجته (فصل الغاز المرافق عن الماء).

ويبلغ احتياطي سوريا من النفط 2.5 مليار برميل، بحسب “الوكالة الدولية“، وهو ما يعادل 0.14% فقط من احتياطي النفط العالمي، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في 29 من تشرين الأول 2019.

وإلى جانب النفط، تعتبر المنطقة الخزان الاقتصادي لسوريا، كون الأراضي فيها كانت تؤمّن 64% من حاجة سوريا من القمح المروي، و38% من القمح البعلي، و63% من القطن، و29% من العدس، بحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية (فاو).

كما تبرز أهمية المنطقة باحتوائها على أهم السدود في سوريا، التي تعتبر مصدرًا مهمًا للمياه وتوليد الطاقة الكهربائية، وأهمها سد “الفرات” و”تشرين” و”البعث”.

ما حاجة روسيا إلى النفط السوري؟

على الرغم من أهمية هذه الثروات للدولة السورية، وكونها تسهم في الاكتفاء الذاتي وعدم الحاجة لاستيراد بعض المواد، لكن ما تنتجه المنطقة من كميات من النفط والقمح، تعتبر ضئيلة عالميًا، ولا تفتح شهية أو تغري الدول للاقتتال عليها، إذا ما قورنت بالكميات التي تنتجها روسيا وأمريكا. ذلك يطرح إشارات استفهام حول الهدف الاقتصادي الذي تسعى إليه روسيا، بالسيطرة على الثروات.

يقول الباحث الاقتصادي خالد تركاوي لعنب بلدي، إن للروس مجموعة من الأهداف الاقتصادية في هذه المنطقة، منها السيطرة على آبار النفط، من أجل مساعدة النظام السوري في الحصول على المحروقات، كونه يعاني منذ سنوات من أزمة وقود بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه وصعوبة استيراده لها.

وعملت روسيا، خلال السنوات الماضية، وكمحاولة لتحصيل فاتورة دعمها للنظام السوري، للاستحواذ على القسم الأكبر من عقود النفط والغاز، والتنقيب عنهما واستخراجهما وبيعهما.

أحدث العقود الموقّعة كان في كانون الأول 2019، عندما صدّق مجلس الشعب في سوريا على ثلاثة عقود موقّعة بين وزارة النفط وشركتين روسيتين للتنقيب عن النفط، وبحسب المجلس، فإن الشركتين الروسيتين “ميركوري” و” فيلادا” هما اللتان ستبدآن التنقيب عن البترول وتنمية إنتاجه بمنطقتين في سوريا.

وأعلن وزير النفط آنذاك، علي غانم، أن شركة “ميركوري” ستنقّب عن النفط في حقول منطقتي البلوك “رقم 7” و”رقم 19″، في المنطقة الشرقية شمال نهر الفرات الخاضعة لسيطرة أمريكا، أما شركة “فيلادا” فستختص بالتنقيب عن النفط في منطقة البلوك “رقم 23” شمال العاصمة دمشق على مساحة 2159 كيلومترًا مربعًا، بحسب غانم.

ويرى تركاوي أن النظام السوري حاول عبر توقيع هذه العقود زج الروس في مواجهة مباشرة مع الأمريكيين في المنطقة لمنع تمددهم، لكن السؤال الذي يبقى مطروحًا هل تقول الدراسات إن هذه المناطق تحتوي على كميات كبيرة من النفط والغاز، معتبرًا أن الشركات الروسية لو لم تكن لديها دراسات حول هذه المنطقة ودوافع في المستقبل، لم تدخل وتوقّع العقود.

إغراء تجارة القمح

يرى الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، أن جودة القمح السوري ونوعيته قد يشكلان مطامع لتجار القمح في العالم، لأن الكمية التي كانت سوريا تنتجها ممتازة إلى حد كبير مقارنة بالمساحات بالمزروعة.

ووجهت روسيا اهتمامها نحو الاستحواذ والسيطرة على قطاع القمح، خلال السنوات الماضية، إذ أعلنت شركة “سوفوكريم” الروسية، في شباط 2017، عن بنائها أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص السورية، بتكلفة 70 مليون يورو، وأن عملية الإنشاء ستكون بالتعاون بين المهندسين الروس والسوريين، وستغطي الحكومة السورية تكاليف البناء، إلى جانب تصدير آلاف الأطنان من القمح إلى سوريا.

في حين تحدث وزير النقل في حكومة النظام، علي حمود، عن مقترح قُدم لإنشاء مركز توزيع للقمح الروسي في سوريا، اعتمادًا على مخزون القمح الكبير لروسيا المعد للتصدير، وقال، بحسب صحيفة “الوطن” المحلية، في آذار 2018، إن روسيا في ظل احتياطيات القمح الكبيرة تحتاج إلى سوق تصريف، لذلك تم اقتراح أن تكون سوريا مركزًا لتوزيع القمح الروسي في منطقة الشرق الأوسط.

واعتبر البعض أن تحكّم روسيا في إنتاج وتوريد القمح إلى سوريا يساعد في السيطرة على لقمة السوريين وإخضاع أي حكومة مستقبلية لها، لكن تركاوي استبعد ذلك كون سوريا تعتبر بالنسبة لروسيا محافظة صغيرة جدًا من ناحية المصارف ومن ناحية الموارد، من وجهة نظره.

مصفاة القحطانية في محافظة الحسكة بشمالي شرقي سوريا- 12 من آذار 2020 (AFP)

أمريكا أم روسيا

لمن ترجح الكفة في شرق الفرات؟

يتشابه الهدف الروسي من الضغط على الولايات المتحدة و”الإدارة الذاتية”، مع الهدف الروسي في سوريا عمومًا، بحسب الباحث في “مركز عمران للدراسات” بدر ملا رشيد، إذ ترمي روسيا لمساعدة النظام للسيطرة على كل الجغرافيا السورية، ما جعل من قرار انسحاب واشنطن الشامل من سوريا العام الماضي، جائزة مجانية منحتها واشنطن لروسيا وإيران والنظام.

لكنّ التراجع الأمريكي خفّض سقف التوقعات والرغبات الروسية فيما يخص إعادة بسط السيطرة على كامل الأراضي السورية وشبكات الطرق الدولية، وفيما يخص شمال شرقي سوريا بالسيطرة والتحكم بمخزون سوريا من النفط والغاز والقمح.

وهذا ما سيدفع بروسيا دومًا للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، سواء لزيادة نفوذها المباشر في مناطق شرقي القامشلي وجنوبها، أو لدفع واشنطن لتقبل أكثر بصيغ الحل النهائي التي تحاول روسيا فرضها عبر السلاح، وفق ملا رشيد.

هل تتوجس أمريكا؟

ومع الانتشار الروسي المتزايد في شمال شرقي سوريا، بدأت أمريكا تتوجس من أن تتمكن موسكو من بسط نفوذها على كامل المنطقة، فبدأت منذ مطلع العام الحالي بتوجيه رسائل التحذير لها، عبر اعتراض الدوريات الروسية في كامل منطقة شرق الفرات، ومنعها من الوصول إلى مناطق النفوذ الأمريكي.

وكشف العدد المرتفع لهذه الاعتراضات عن حجم الحذر الأمريكي، الذي تُرجم فعليًا في شهري آذار ونيسان الماضيين على الأرض، إذ زادت القوات الأمريكية من حجم وجودها العسكري في شرق الفرات مجددًا، حتى إن روسيا بدت مندهشة لحجم القوات الأمريكية التي تدخل إلى المنطقة.

وشهد معبر”سيمالكا” بين إقليم كردستان العراق ومناطق “الإدارة الذاتية” (الكردية) نشاطًا كبيرًا للقافلات العسكرية الأمريكية، التي دخلت منه وتوزعت على القواعد الأمريكية في المنطقة.

ولم يقتصر الإمداد الأمريكي على البر، بل زودت واشنطن بعض قواعدها بمعدات عسكرية عبر إنزالات جوية، كما حدث في قاعدة “حقل العمر النفطي” في دير الزور.

وتتركز أهم القواعد الأمريكية  في شمال شرقي سوريا حاليًا في الشدادي، تل بيدر، تل حجر، القحطانية، المالكية، عامودا، تل تمر، الوزير بريف الحسكة، صرين جنوبي مدينة عين العرب بريف حلب، قاعدة جزرا في الرقة، إضافة إلى قواعدها في دير الزور.

بينما تقلل أمريكا إعلاميًا من الانتشار الروسي في شرق الفرات، وقال مبعوثها الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، في 2 من أيار الحالي، “لا وجود لقوات عسكرية روسية حقيقية وكبيرة على الأرض. وليس هناك ما يسمى الاحتلال الروسي، وينسحب الأمر نفسه على الحكومة السورية، باستثناء بعض القواعد العسكرية القليلة في القامشلي، ومدينة دير الزور“، مشددًا على أن السيادة في الأرض لـ“قسد“.

مدرعات روسيا قرب حقل من النفط في شرق الفرات (ASO)

الكفة الراجحة

يرى المحلل العسكري العقيد أحمد حمادة، أن القوات الأمريكية هي المسيطرة على شمال شرقي سوريا، على الرغم من انسحاباتها المتكررة من المنطقة، وتحديدًا تلك التي حدثت في أثناء عملية “نبع السلام” التركية.

ومن وجهة نظر حمادة، فإن الروس والنظام السوري فكروا بملء الفراغ الأمريكي في وقت من الأوقات، فدخلوا إلى عين العرب وإلى مناطق في الحسكة ومطار القامشلي، لكن أمريكا ظلت موجودة في تل بيدر وحقول النفط في دير الزور ومناطق القامشلي حتى الحدود العراقية.

تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أهمية المنطقة وأهمية النفط والثروات فيها، ولذلك هي تمنع النظام وروسيا وإيران من الاستفادة منها، وبناء على ذلك، عزّزت أمريكا منذ بداية اقتراب روسيا من منطقة شرق الفرات قواتها عند حقول النفط.

ويذكّر حمادة، في حديثه لعنب بلدي، بالرد القاسي الذي تلقته مجموعات من المقاتلين الروس وقوات النظام السوري من قبل القوات الأمريكية، حينما حاولت الاقتراب من حقول النفط في دير الزور. في إشارة إلى قصف الطائرات الأمريكية لمرتزقة “فاغنر” الروسية في شباط 2018 بمحافظة دير الزور، الذي قيل إنه أوقع نحو 200 قتيل.

لذا، فإن وجود القوات الأمريكية في شمال شرقي سوريا يشكل حجر عثرة أمام التمدد الروسي في المنطقة، تدعمه مخاوف من عودة تمدد النظام السوري بالتزامن مع المحاولات والوعود الروسية “غير الموثوق بها”.

English version of the article

مقالات متعلقة