عنب بلدي – حلب
استحوذ عضو مجلس الشعب ورجل الأعمال حسام الدين قاطرجي على عشرات المنازل ضمن أحياء جبل بدرو وأرض الحمرا والأحمدية ومساكن هنانو، مقدمًا أقل من نصف قيمتها للسكان، بحجة تصنيف بعض أحيائها بـ”العشوائيات” المفتقدة للسجلات العقارية المثبتة لدى الدولة، أو بحجة أن أصحاب تلك المنازل مطلوبون للنظام.
خلال يومين فقط، رصدت عنب بلدي بيع 23 منزلًا ضمن منطقة جبل بدرو، القريبة من مطار “حلب الدولي”، عن طريق سمسار مطلع على عمليات البيع (رفض نشر اسمه لمخاوف أمنية)، وقال لعنب بلدي، إن بعض تلك المنازل كانت تحت الحجز بسبب انضمام أصحابها لصفوف “المعارضة المسلحة”، بينما كان القسم الآخر من تلك البيوت مهدمًا ولا قدرة لأصحابها على الترميم.
وأضاف السمسار أن سكان بعض المنازل المهدمة، في الأحياء التي لا تتضمن منزلًا أو اثنين قابلين للسكن، يقبلون بالبيع لأن الشارع بأكمله عرضة للهدم.
وقُدمت عروض بيع لسكان منازل عشوائية في حي مساكن هنانو مع مهلة أسبوع للموافقة، وإلا ستهدم بيوتهم بحجة أنها “مخالفة”، وبرأي السمسار فإن السعر “يكون مقبولًا للبعض”، وهناك من يبيع منزله وهو يملك غيره للسكن، والبعض يسعون لمغادرة سوريا بعد حصولهم على المال.
بالمال أو الاعتقال
شهدت محافظة حلب أعلى نسب الدمار في سوريا، وفقًا لتقييم مبادرة “REACH” عام 2019، مع تحمل القسم الشرقي من أحيائها آثار الحملة العسكرية التي انتهت بسيطرة النظام السوري وروسيا على المدينة عام 2016، بعد تهجير السكان نحو الريف الشمالي، الذي ما زال تحت سيطرة الفصائل المعارضة.
وحسبما قال مصدر من ضمن التشكيلات العسكرية التابعة لقاطرجي، فإن العناصر التابعين لرجل الأعمال يهددون أصحاب المنازل الذين لا يرغبون ببيعها بالاعتقال، إما بسبب وجود أقرباء لهم في مناطق سيطرة المعارضة إلى الآن، وإما بحجة أنهم تعاملوا مع الفصائل في أثناء سيطرتها على الأحياء الشرقية للمدينة.
ولفت المصدر إلى أن المنازل التي اشتراها قاطرجي في منطقتي جبل بدرو والأحمدية، وبلغ عددها نحو 60 منزلًا، بعضها مدمر وبعضها مهدد بالانهيار، كما عمل العناصر على التواصل مع العائلات التي نزحت من حلب لإجراء عملية البيع، إذ أُجريت عملية الشراء عن طريق وكلاء للعائلات التي تسكن في محافظات أخرى، مثل دمشق أو طرطوس.
بيع بلا تراضٍ
تردد العناصر التابعون لقاطرجي لزيارة مالك أحد المنازل في حي مساكن هنانو بشكل شبه يومي، (طلب المالك عدم الكشف عن اسمه لمخاوف أمنية)، لإقناعه ببيع منزله، و”زادت المضايقات يومًا تلو آخر”.
اضطر المالك للقبول بالبيع مقابل 15 مليون ليرة سورية (خمسة آلاف دولار)، وهو سعر “قليل”، لكن حجة “هدم المنزل العشوائي دون تعويض” لم تترك له مجالًا للرفض، حتى وإن لم يمكّنه المبلغ من شراء أي منزل بديل مع ارتفاع أسعار العقارات في المدينة، ما اضطره للسكن مع أخيه في حي قاضي عسكر.
وتعرض شاب رفض بيع بيت أهله في حي الأحمدية للتهديد المباشر بالاعتقال، بتهمة “المساس بهيبة الدولة”، كما قال لعنب بلدي، (طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية)، “جاءني أحد عناصر قاطرجي وسألني إن كان المنزل للبيع، ولكني رفضت بيعه، وبعد عدة أيام تلقيت اتصالًا من مجهول نقل لي التهديد بالاعتقال”.
وقّع الشاب على عقد البيع، خوفًا من التهديد، وبعد أن شهد على هدم 16 منزلًا بالجرافات ضمن الحي، لمنازل كانت تحت الحجز، تعود ملكيتها لأشخاص كانت تهمتهم تتعلق بـ”المعارضة”.
بخسارة تجاوزت نصف قيمة المنزل، باع مالك آخر بيته في حي مساكن هنانو، بعد أن سمع تهديدات بـ”خطف ابنه” من قبل العناصر، حسبما قال لعنب بلدي، طالبًا عدم الكشف عن اسمه.
تبلغ مساحة المنزل 150 مترًا وهو مكون من طابقين، وسعره يبلغ 55 مليون ليرة سورية، لكن العقد والتسلّم اقتصر على 20 مليونًا فقط، “أُجبرتُ خوفًا على أبنائي”، كما قال لعنب بلدي، مشيرًا إلى أنه اضطر للانتقال للسكن في منزل للأقرباء.
وبعد اعتقاله لمدة أسبوعين، باع رجل منزله ضمن منطقة جبل بدرو، وتسلّم 15 مليون ليرة سورية لقاء المنزل الذي لا تقل قيمته عن 40 مليونًا، “اُعتقلتُ من قبل عناصر كانوا يستقلون سيارة مجهولة الهوية، وخلال بقائي في السجن لم يتم التحقيق معي أو ضربي وإنما طلبوا مني تلبية طلب المعلم (في إشارة إلى حسام الدين قاطرجي)”، كما قال لعنب بلدي، وهو ما تم بعد إطلاق سراحه، إذ بحث عن منزل بديل نقل إليه حاجياته، ووكّل شخصًا آخر لإتمام عقد البيع ومتابعة إجراءات التسلّم والتسليم.
لا يقتصر مصير المنازل المباعة على الهدم، حسب شهادة سكان المدينة، إذ يقدم رجل الأعمال بعض المساكن للعناصر المنضمين لشعب “المخابرات العامة”، والذين يتبعون له، حيث ينتشرون في أحياء بستان القصر والكلاسة والسكري والفردوس، بينما يقوم بتسوية أوضاع بعض العائدين إلى منازلهم، بشرط انضمام أحد أفراد العائلة إلى التشكيلات المقاتلة التابعة له، والتي يبلغ تعداد أفرادها نحو 4500 مقاتل، حسبما قال العنصر الذي تحدث لعنب بلدي.
من هو حسام قاطرجي؟
من أبرز رجال الأعمال الذين صعدوا خلال سنوات الحرب السورية، يبلغ من العمر 39 عامًا، ولد في الرقة، وارتبط اسمه بالأنشطة التجارية مع مناطق شرقي سوريا خلال فترة وقوعها تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من بعده، عن طريق شراء النفط والقمح لمصلحة النظام السوري.
يرأس “مجموعة قاطرجي الدولية”، وأسهم بتأسيس ست شركات وامتلك حصصًا منها، حسبما ذكر موقع “الاقتصادي“، وهو ممثل عن محافظة حلب في مجلس الشعب منذ عام 2016، وكان رجل الأعمال اعتذر، عام 2019، أمام المجلس عن مقطع للفيديو أظهر تقديم مقاتلين تحية عسكرية له في ريف الرقة، قائلًا إن المقطع هدفه تشويه سمعته، كونه ليس شخصية عسكرية.
وفي تشرين الثاني الماضي، أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية ضمن لائحة رجال الأعمال الخاضعين للعقوبات الاقتصادية، ضمن حزم عقوبات قانون “قيصر”، للصفقات التجارية التي قام بها بالنيابة عن النظام السوري.
وأسست عائلة قاطرجي، بداية عام 2019، شركة “فولاذ للصناعة المعدنية” في حلب برأس مال 100 مليون ليرة سورية، معلنة إنشاء معمل لصناعة وتشكيل الصاج على البارد، وسحب الأسلاك الحديدية، وصهر وسكب المعادن، ويحق لها تجارة واستيراد الآلات والمحركات ومواد البناء، والقيام بأعمال التعهدات والمقاولات.