عنب بلدي- علي درويش
أعلنت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا انتهاء المرحلة الأولى من حملة أذرعها العسكرية والأمنية في مخيم “الهول” جنوبي الحسكة، التي أطلقت عليها اسم “الإنسانية والأمن”، متحدثة عن اعتقال العشرات، بينهم قياديون في تنظيم “الدولة الإسلامية”.
إلا أن خطر التنظيم لم ينتهِ، بحسب “قوى الأمن الداخلي” (أسايش)، مشيرة إلى استمراره طالما لم يعتبر المجتمع الدولي مخيم “الهول” معضلة دولية جدية، ولم يشارك في إيجاد الحلول المناسبة لإعادة الدول رعاياها من سكان المخيم إلى أراضيها.
وبررت “الإدارة الذاتية” العملية الأمنية بحالات القتل التي تجري في المخيم، ولضمان حماية قاطني المخيم، علمًا أن عمليات القتل في المخيم ليست جديدة.
وقُتل داخل مخيم “الهول” 47 شخصًا منذ بداية العام الحالي، و82 شخصًا خلال النصف الثاني من عام 2020، على الرغم من الحراسة المشددة التي تفرضها “قسد” عليه.
وتتهم “الإدارة الذاتية” خلايا التنظيم، وخاصة قسم “النساء” الذي يضم عوائل تنظيم “الدولة”، بالوقوف خلف الاغتيالات وعمليات القتل، حسب عدة تصريحات لها.
الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، أشار في حديث لعنب بلدي، إلى أن الحملة الأمنية جاءت بعد تعليق منظمة “أطباء بلا حدود” عملها في المخيم”، وهو ما يفتح الباب لتعليق بقية المنظمات عملها، وبالتالي تحمّل “الإدارة الذاتية” الأعباء المالية للمخيم، وهو “السبب المباشر للحملة”، حسب رأيه.
كيف سيرد تنظيم “الدولة”
المستهدف الرئيس من العملية الأمنية في “الهول”، بحسب تصريحات “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، هو خلايا تنظيم “الدولة” الموجودة في المخيم، وهو ما يعني استهدافًا مباشرًا للتنظيم، الذي لا يكاد يمر يوم دون تنفيذه عمليات أمنية ضد العسكريين والأمنيين ومسؤولي المؤسسات المدنية في مناطق سيطرة “قسد” (الذراع العسكرية للإدارة الذاتية).
وبحسب الباحث أنس شواخ، من “المؤكد كنتيجة مباشرة للعملية انخفاض أو توقف العمليات الأمنية للتنظيم داخل المخيم، لكن غالبًا التوقف أو الانخفاض لن يكون طويل الأمد”.
وسيعيد عناصر التنظيم الموجودون في المخيم تشكيل خلاياهم من جديد، ما يعني عودة العمليات الأمنية بشكل تدريجي، وهو مشابه لما جرى خلال عمليات ملاحقة خلايا التنظيم من قبل “قسد” بدعم التحالف الدولي، حسب الباحث أنس شواخ.
إذ يخفض التنظيم من نشاطه العسكري، وتبتعد خلاياه عن مراكزها بعد اعتقال عناصر منه، حتى تتبيّن الإجراءات أو المعلومات التي حصل عليها التحالف و”قسد”، وبعد فترة يعود للتمركز لكن بأساليب وربما مناطق مختلفة.
وتوقع الباحث أنس شواخ زيادة نشاط التنظيم قبل بدء “قسد” عمليتها الأمنية، خاصة في المنطقة الأكثر ارتباطًا بالمخيم وهي الشدادي جنوبي الحسكة، التي تشكل صلة وصل بين المخيم والأراضي العراقية، وبين المخيم وبقية مناطق وجود خلاياه.
كما رجح تزايد العمليات خلال الفترة المقبلة لكن ليس بشكل كبير، مع احتمال تنفيذ عمليات نوعية كاستهداف أرتال لـ”قسد”.
وتبنى تنظيم “الدولة” في عدد صحيفة “النبأ” التي تصدر عنه، الخميس الماضي، مقتل وجرح عشرة من “قسد” في دير الزور، بينهم عضوان في المجالس المحلية، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
كما تبنى التنظيم تفجيرًا استهدف موكبًا لتشييع عنصر من “أسايش” في بلدة الكرامة، شرق مدينة الرقة، الجمعة الماضي، بتفجير عدد من العبوات الناسفة، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرة عناصر، حسب التنظيم.
بينما ذكرت شبكات محلية أن التفجير أدى إلى مقتل عنصر وإصابة عدد آخر من المشاركين في التشييع.
وقُتل عنصران من “أسايش”، وأُصيب ثلاثة آخرون، في 29 من آذار الماضي، بهجومين منفصلين في بلدة الكرامة، الأول نفذه أشخاص ملثمون على دراجات نارية استهدفوا فيه سيارة نقل مياه (صهريج)، كانت تحمل أربعة عناصر، قُتل أحدهم وأُصيب الثلاثة الآخرون، بينما استهدف الهجوم الثاني عنصرًا أمام منزله وسبب مقتله على الفور.
المدنيون في المخيم ورقة ضغط سياسية بيد “قسد”
من يسمع باسم مخيم “الهول” قد يعتقد بأنه مخيم يحوي فقط عناصر تنظيم “الدولة” وعائلاتهم، إلا أن الأمر ليس كذلك، فالمخيم يؤوي عددًا كبيرًا من المدنيين واللاجئين العراقيين ونازحين سوريين من مناطق شرقي سوريا.
وقال الباحث أنس شواخ، إن “قسد” تحتفظ بالمدنيين في المخيم “كورقة ضغط سياسي” لها، وهي قادرة على تخفيض 60% من عدد سكان المخيم.
إذ أُنشئ مخيم “الهول” في التسعينيات لاستيعاب خمسة آلاف لاجئ عراقي، ثم افتتحته “الإدارة الذاتية” منتصف نيسان 2016، لاستقبال النازحين الفارين من مناطق خاضعة لتنظيم “الدولة” واللاجئين من مناطق العراق الحدودية القريبة من بلدة الهول شرقي الحسكة.
وشهد المخيم تدفق أعداد كبيرة من النازحين من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة”، خلال شن “قسد” مدعومة بالتحالف الدولي هجومًا ضد معاقله الأخيرة، إذ تمكنت من السيطرة عليها معلنة عن إنهاء التنظيم في 23 من آذار 2019.
كما استقبل المخيم الآلاف من عائلات التنظيم ومقاتليه والعديد من أسراه ومختطفيه، مع أهالي القرى والبلدات التي شهدت المعارك.
وبلغ عدد قاطني مخيم “الهول” نحو 62 ألف شخص، يشكل العراقيون نحو نصفهم (أكثر من 30 ألفًا و700 شخص)، والسوريون 22 ألفًا و616 شخصًا، والأجانب أقل من تسعة آلاف، حسب إحصائية نقلتها وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة الذاتية” عن إدارة المخيم، في 13 من كانون الثاني الماضي.
وتناقص عدد السوريين في المخيم نتيجة خروج دفعات من المدنيين ينحدرون من أرياف دير الزور والرقة والحسكة شمال شرقي سوريا، كانت نزحت إلى المخيم نتيجة المعارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وتوصلت “الإدارة الذاتية” مع المسؤولين عن المخيم، في 23 من أيار 2019، إلى اتفاق لإعادة النازحين من النساء والأطفال إلى بلداتهم، وجاء ذلك بعد عقد ملتقى في بلدة عين عيسى بريف الرقة، حمل اسم “ملتقى العشائر”.
ونتجت عن الملتقى مخرجات تقضي بإخراج النساء والأطفال من أبناء مناطق شمالي وشرقي سوريا، الذين نزحوا إلى مخيم “الهول” نتيجة للأوضاع التي مرت بها مناطقهم في أثناء المعارك ضد تنظيم “الدولة”.
وخرجت عدة دفعات من المدنيين السوريين بعد تصريح رئيسة الهيئة التنفيذية في “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، في 4 من تشرين الأول 2020، أن “مسد” عقد اتفاقًا مع “الإدارة الذاتية” يتضمن إخراج جميع السوريين من “الهول”.
كما استعادت بعض الدول الأجنبية مواطنين لها كانوا محتجزين في المخيم.
ما الحل لإيقاف استهداف المدنيين
الحل الجذري إما تفريغ المخيم، وإما فرز القاطنين فيه وإخراج المدنيين، فعندما تبقي “قسد” المخيم على ما هو عليه، تعرّض المدنيين المضطرين للتعامل معها والمنظمات الدولية للاستهداف من قبل عناصر التنظيم.
بينما تجب إحالة عناصر التنظيم أو المشتبه بانتمائهم إليه إما إلى التحقيق وإما إلى المحاكمة، بحسب الباحث أنس شواخ.
وكانت “أسايش” بررت عمليات القتل التي تجري في مخيم “الهول”، على لسان عضو إدارة “أسايش” في “الهول”، ديرسم حسن، في 13 من كانون الثاني الماضي، أن “الأسر التي خرجت من بلدة الباغوز من السوريين والعراقيين شكّلت ما يشبه الولاية في الجزء الذي تقطنه بالمخيم”، كما تدخل أسلحة خفيفة إلى عناصر من التنظيم “عبر العاملين في المنظمات العاملة بالمخيم”.
وقال المسؤول في إعلام “قسد”، سيامند علي، إنّ العملية الأمنية الأخيرة والتمشيط جاءت بعد تزايد وتيرة تحرّك أسر تنظيم “الدولة” داخل المخيم، وبعد تزايد الجرائم ضمن المخيم وتنظيم نسوة “التنظيم” لأنفسهن.
وأضاف أن العملية جاءت بناء على مناشدات شيوخ العشائر في المنطقة للحد من خطورة هذا المخيم على المنطقة في الدرجة الأولى وعلى العالم بشكل عام، بحسب تعبيره.
ما جدوى العملية الأمنية
شارك في المرحلة الأولى من عملية “الهول” الأمنية أكثر من خمسة آلاف عنصر من “قسد” و”أسايش” و”وحدات حماية المرأة” و”وحدات حماية الشعب” (الكردية)، واستمرت ستة أيام (من 28 من آذار الماضي إلى 2 من نيسان الحالي).
وذكرت “أسايش” أنها اعتقلت 125 عنصرًا من خلايا تنظيم “الدولة” النائمة، منهم 20 مسؤولون عن الخلايا والاغتيالات التي حدثت في المخيم، كما عُثر على مستلزمات عسكرية في أثناء حملة التفتيش، إضافة إلى دارات إلكترونية تُستخدم في تحضير العبوات الناسفة.
أوضح الباحث أنس شواخ أن الخلايا ما زالت موجودة، مستبعدًا صحة الأرقام التي تحدثت عنها “أسايش”.
ويوجد احتمال أن يكون عدد من المعتقلين ليسوا من خلايا التنظيم، لأنه من الصعب أن يكون لدى “قسد” معلومات عن الخلايا على الرغم من اعتمادها في حملتها الأمنية على معلومات استخباراتية من التحالف الدولي.
كما استبعد أنس شواخ نقل المدنيين معلومات لـ”قسد” عن خلايا التنظيم تخوفًا من عمليات انتقامية، فـ”خلايا التنظيم هي التي تسيطر على المخيم ليلًا”.
ولدى “قسد” حالات في عدم دقة المعلومات التي تنشرها حول المعتقلين، فقد اعتقلت أطفالًا ذوي إعاقة بريف دير الزور في وقت سابق مورطة بذلك التحالف الدولي بمعلومات خاطئة، حسب شواخ.
وأشار شواخ إلى أن معظم الذين اعتقلوا في حملة “الهول” من الجنسية العراقية أو جنسيات أخرى، ما يجعل أمر تتبعهم إن كانوا من التنظيم أم لا صعبًا، بينما يسهل ذلك مع السوريين لأن معظمهم من أبناء العشائر ومعروفون للمتعاونين مع “قسد”.