عنب بلدي – خولة حفظي
تنامى دور “الأمانة السورية للتنمية” في مناطق سيطرة النظام منذ مطلع عام 2020، وبرزت بشكل لافت على مختلف الأصعدة.
وتُعرّف “الأمانة السورية للتنمية” عن نفسها بأنها منظمة غير ربحية وغير حكومية، ولكنها ترتبط بشكل مباشر بأسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
ويتناقل سوريون اسم المنظمة باسم “منظمة السيدة الأولى”، لشغلها منصب رئيس مجلس الإدارة فيها.
وتزامنت تحركات “الأمانة” مع نشاط ملحوظ لأسماء الأسد، ومع ظواهر تُعد “الأولى من نوعها” على مستوى سوريا، مثل تعليق صورة ضخمة لأسماء إلى جانب بشار الأسد، خلال فعالية في محافظة حمص وسط سوريا، إضافة إلى ظهور صورتها في مكاتب وزراء.
وأثار كل ما سبق، تساؤلات فيما إذا كانت تلك التحركات المتلاصقة إلى درجة يصعب الفصل بينها، تندرج ضمن “تحديث أركان السلطة”، أو إذا كان بالإمكان اعتبارها مؤشرًا على ظهور طبقة سياسية جديدة في سوريا تقودها أسماء الأسد.
تمويل بقاء النظام
أسست أسماء الأسد، التي تم تصويرها كرمز لتحوّل الأسرة الحاكمة، عددًا كبيرًا من المنظمات غير الحكومية، المسجلة حكوميًا، بعد زواجها من بشار الأسد عام 2000، كما شجعت على تأسيس منظمات أخرى.
ثم دمجت معظم هذه المنظمات في “الأمانة السورية للتنمية” عام 2007، فأصبحت “الأمانة” أحد أكثر مشاريع العلاقات العامة “قيمة” لدى النظام تجاه الغرب والمجتمع الدولي، بحسب ما جاء في دراسة حول “دور العمل الخيري في الحرب السورية”، للباحثين في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أيمن الدسوقي وسنان حتاحت.
وفي حديث إلى عنب بلدي، قال الدسوقي، إن “الأمانة” لعبت، ولا تزال، دورًا في استراتيجية النظام المعروفة بالبقاء، إذ “تولت جذب التمويل الأجنبي ومحاولة احتكار تمثيل المجتمع المدني، وتحسين صورة النظام لدى الغرب عبر تنفيذ حملة علاقات عامة على أكثر من صعيد”.
وواصلت “الأمانة”، بقيادة أسماء الأسد، تأدية الأدوار السابقة عقب اندلاع الحراك الاحتجاجي، مع مزاحمتها لأدوار بعض مؤسسات الدولة فيما يتصل بالرعاية الاجتماعية وتنظيم الفضاء المدني، بحسب الدسوقي.
وأضاف أن “دور الأمانة كان، ولا يزال، محددًا بما يمكن أن تقوم به لدعم بقاء النظام، عبر تعزيز قدرته على مواجهة التحديات التي يتعرض لها”.
مؤسس موقع “كلنا شركاء”، الإعلامي السوري المعارض أيمن عبد النور، يعتقد أن “الأمانة” تستغل دورها في توزيع المساعدات الإنسانية والطبية داخل سوريا لـ”كسب الولاءات وتعاطف الناس”، بالإضافة إلى “جمع المعلومات الأمنية والتدريب على الدفاع عن النظام”.
وبلغت القيمة الإجمالية للجهود الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة في سوريا نحو 12.1 مليار دولار، منذ عام 2012، وخُصّصت منها نحو أربعة مليارات دولار للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
وسمح النظام للمنظمات غير الحكومية المحلية بتلقي التبرعات الدولية بشرط نيلها موافقة السلطات السورية، ودخلت وكالات الأمم المتحدة في شراكة مع 128 منظمة غير حكومية سورية على الأقل، منها “الأمانة السورية للتنمية”، بحسب ما ورد في دراسة الباحثين الدسوقي وحتاحت.
وتُظهر البيانات المتوفرة عن طريق “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية”، أن الأمم المتحدة تبرعت لـ”الأمانة” على الأقل بأكثر من 750 ألف دولار في عام 2016، وأكثر من 732 ألف دولار في عام 2017، إضافة إلى 4.3 مليون دولار في عام 2018.
دور في البيئة الحاضنة
أصبحت “الأمانة السورية للتنمية” في العام 2010، “أكثر المنظمات السورية غير الحكومية أهمية من حيث الموارد المالية والبشرية، وصوّرت نفسها كحاضنة لجميع قطاعات المجتمع المدني”.
وقال الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، إن “الأمانة” استُخدمت في سياق حملة “مركز القوة” بالعائلة الحاكمة وإقصاء المنافسين، ويستدل على ذلك بعملها على ملء الفراغ الناجم عن تفكيك شبكات جمعية “البستان الخيرية”، التابعة لرامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خال رئيس النظام، بشار الأسد.
ويخوض مخلوف صراعًا مع الحكومة السورية منذ أن وضعت، في صيف 2019، يدها على جمعية “البستان” التي شكلت “الواجهة الإنسانية” لأعماله خلال سنوات النزاع، كما حلت مجموعات مسلحة مرتبطة به.
وكان من اللافت أن “الأمانة السورية للتنمية”، خصصت مبلغ ثمانية مليارات ليرة سورية من “التبرعات الشعبية” لتعويض متضرري الحرائق في الساحل السوري، وذلك بعد أن أعلن مخلوف عن تبرعه بمبلغ سبعة مليارات من أمواله المحجوزة للسبب ذاته.
وتراجع مخلوف في وقت لاحق، قائلًا إن دوره “تكميلي وليس تنافسيًا”، وأوضح أنه سيتبرع بالمبلغ لذوي “الشهداء والجرحى وبعض العائلات الفقيرة المحتاجة في كل المحافظات السورية”، وهو دور تؤديه “الأمانة” ضمن أحد مشاريعها أيضًا.
وأوضح الدسوقي لعنب بلدي، أن “الأمانة” تُستخدم أيضًا، إلى جانب الأدوار السابقة، في إعادة ترميم الحاضنة الموالية للنظام عبر ربطها بشبكة من الخدمات الاجتماعية التي تقدمها هي أو أذرعها ومؤسساتها الفرعية.
وظهرت أسماء الأسد في الساحل السوري عقب الحرائق، وأرسلت رسائل مكتوبة بخط يدها إلى متضرري الحرائق، إضافة إلى مشاركتها “النشطة” خلال الأشهر الأخيرة في العديد من الورشات والاجتماعات، ومن بينها “جريح الوطن“.
ترويج عبر مسارين
يرى الباحث أيمن الدسوقي أن النظام يوظّف “الأمانة السورية للتنمية” لكسر العزلة الدولية والإقليمية، من خلال “دبلوماسية المساعدات والمؤتمرات والمنظمات”.
وفازت “الأمانة” برتبة محكّم دولي في انتخابات هيئة التقييم الدولية ضمن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، في 17 من كانون الأول 2020.
وتحدث مؤسس موقع “كلنا شركاء”، الإعلامي السوري المعارض أيمن عبد النور، عن معلومات تفيد بأن “الأمانة” تتولى إرسال أشخاص إلى أوروبا لتصدير رواية النظام، لا سيما حول العقوبات، عبر واجهة “المجتمع المدني”، الأمر الذي لا يمكن لمسؤولين حكوميين تأديته.
وعلى مسار موازٍ، قال الدسوقي، إن “الأمانة” تُستخدم داخليًا من أجل “الترويج” لأسماء الأسد داخل الحاضنة الموالية للنظام، ومحاولة تسويق أفكارها ومشاريعها السياسية داخل المجتمع السوري.
وطالما مررت أسماء الأسد رسائل سياسية تدعم النظام السوري عبرها من خلال إلقاء كلمات بمناسبات لها.
ونبّه الدسوقي إلى أن “الأمانة” هي الجسد الأكبر، ولكنه “ليس الوحيد الذي تحاول من خلاله أسماء الأسد تصدير قيادات جديدة للمرحلة المقبلة، أكثر تقبلًا من السوريين والمجتمع الدولي”.
بينما يرى عبد النور أن التحركات “غير المعهودة” لأسماء الأسد، منفردة أو عبر “الأمانة”، تشير إلى أنها ستكون المرشح “ب” في حال عقد اتفاق روسي- أمريكي على منع ترشح بشار الأسد.
ويعتقد عبد النور أنه “لا يمكن أن يكون للأسد خيار واحد، أنا أو نترك الحكم، ولذلك يحاول النظام تسويق أسماء الأسد، على أن تكون بديلًا ناجحًا للوقوف في وجه أي شخصية معارضة بالانتخابات”، بحسب قوله.
ودفعت تحركات أسماء الأسد الإدارة الأمريكية إلى فرض عقوبات، في 22 من كانون الأول 2020، شملت أسماء الأسد والعديد من أفراد عائلتها، وهم فواز الأخرس وسحر عطري الأخرس وفراس وإياد الأخرس.
وقال المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جويل ريبورن، في إيجاز صحفي هاتفي، حصلت عنب بلدي على نسخة منه، في 23 من كانون الأول 2020، إن العقوبات التي طالت عائلة أسماء الأسد بسبب “انخراط أسماء وعائلتها في محاولة للسيطرة على المزيد من الأصول والموارد في قلب مافيا نظام الأسد، وأصبحوا نشطين سياسيًا ومحوريين بجهود نظام الأسد في إطار مواصلته حشد الموارد لاستمرار حربه ضد الشعب السوري”.