حوار: أسامة آغي
لا تزال مفاوضات وفد المعارضة المشارك في اللجنة الدستورية، تحتاج إلى مصارحات عديدة وشفافة تجاه الشعب السوري، خاصةً في أعقاب قرار رئيس “الائتلاف السوري لقوى المعارضة”، نصر الحريري، تشكيل لجنة عليا للانتخابات، وما تلاها من ردود فعل من سياسيين ومواطنين، ثم توارد أخبار عن “أوراق تنازل” قدمتها الهيئة في أثناء اجتماعات اللجنة الدستورية.
تأتي هذه التحركات والأخبار في ظل عدم تحقيق اللجنة الدستورية أي تقدم ملموس يسهم في تقدم الحل السياسي الذي يؤكد عليه عشرات السياسيين يوميًا، أو المضي بتطبيق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن في عام 2015.
ويرتبط ما سبق، باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السورية في حزيران المقبل، وتسريبات من قبل معارضين سوريين حول تقديم النظام السوري وروسيا “إغراءات” لشخصيات معارضة للمشاركة في هذه الانتخابات.
للوقوف على هذه النقاط، التقت عنب بلدي، رئيس اللجنة المشتركة لوفد المعارضة في أعمال اللجنة الدستورية هادي البحرة.
لا تمرير لأي أوراق إلى مجلس الأمن أو غيره
نفى هادي البحرة في 7 من كانون الثاني الحالي، التنازل عن قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، وتجاهل ذكر هيكلية الجيش والأمن وإعادة بناء النظام السياسي ومضامين دستورية أخرى، في الورقة المقدمة من قبل وفد المعارضة خلال الجولة الرابعة من محادثات اللجنة الدستورية في جنيف السويسرية.
وقال البحرة، عبر صفحته في “فيس بوك”، إن المخاوف من نص فقرة “يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية وعن طريق صناديق الاقتراع من دون تدخل خارجي وفقًا لحقوق الدولة السورية”، ناتجة عن عدم وضوح تسلسل العملية السياسية لدى الكثيرين، مضيفًا أن النص المقترح هو لدستور سوريا الجديد، ما بعد تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
نفي البحرة جاء في أعقاب انتقادات من قبل المعارض السوري محمد صبرا، نص الفقرة، معتبرًا أنه “يشير بوضوح إلى حجم الخطأ أو الخطايا التي يتم ارتكابها من قبل هذه اللجنة”، والبند يعني عمليًا أن الحل في سوريا يجب أن يكون عبر صناديق الاقتراع حصرًا، وهو ما يعني في حقيقته التنازل عن كل قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة الخاصة بالقضية السورية، خاصة أن الفقرة لا تدع مجالًا للاجتهاد عندما تضيف من دون تدخل أحد ووفقًا لحقوق الدولة السورية.
وقال البحرة الذي شغل منصب رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” سابقًا، إنه “لا صحة بالمطلق لما أشيع، ولا وجود لأي أوراق قُدمت أو تقدم للمبعوث الدولي، خارج سياق الأمور اللوجستية، واقتراحات جداول الأعمال”، معتبرًا أن المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون، “يقوم بدوره كميسر بين الرئيسين المشاركين، وأطراف اللجنة الدستورية، لتسهيل الوصول إلى توافقات بخصوصها”.
كما نفى البحرة أن يكون أحد من اللجنة الدستورية مجتمعة، أو أي أحدٍ من ممثلي المعارضة، أو من قبله كرئيس مشارك، “تقدم بأي مقترحات أو أوراق لبيدرسون، ليقوم باعتمادها، أو تمريرها إلى مجلس الأمن، أو لأي جهة أخرى” بحسب تعبيره.
وكان بيدرسون طالب في 20 من كانون الثاني عبر حسابه في “تويتر”، الجهات المتصارعة في سوريا إلى حل النزاع بالعمل سوية لتنفيذ القرار 2254.
اللجنة الدستورية “ملكية سورية”
البحرة الذي ترأس وفد “الائتلاف” في مفاوضات “جنيف 2” مع النظام السوري في كانون الثاني 2014، شرح طبيعة عمل اللجنة الدستورية بأنها “محددة الولاية والاختصاصات، وتنحصر أعمالها بصياغة مشروع الدستور الجديد، عبر عملية إصلاح دستوري شاملة، بالتالي فإن القضايا السياسية والاتفاق السياسي بخصوص المرحلة الانتقالية هو خارج إطار تفويضها”.
ووصف البحرة طبيعة اللجنة الدستورية لعنب بلدي بأنها “لجنة سورية- سورية، بملكية وقيادة سورية، وتحتفظ بمحاضر اجتماعاتها المسجلة صوتيًا والمفرّغة كتابيًا في أرشيف السكرتارية التابعة لها، والخاضعة لإدارتها، في مكتبها الذي تستضيفه الأمم المتحدة ضمن مقرها في مدينة جنيف السويسرية.
كما نفى البحرة لعنب بلدي أن تكون اللجنة المصغرة، المنبثقة عن اللجنة الدستورية تملك أي صلاحيات لاتخاذ قرارات ملزمة للجنة الدستورية، وإنما تقدم اقتراحات لصياغات دستورية ثم ترفعها إلى اللجنة الموسعة، والتي بدورها تناقشها ثم تقرّها أو ترفضها.
وفي حال إقرارها تصبح “مضامين دستورية في مشروع الدستور السوري”، والذي سيعرض على الشعب السوري لإقراره وفقًا للبحرة.
ومن المفترض أن تناقش اللجنة الدستورية، المكونة من ثلاثة وفود (المعارضة والنظام والمجتمع المدني)، آلية وضع دستور جديد لسوريا، وفق قرار الأمم المتحدة 2254، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالية، وتنظيم انتخابات جديدة.
وأشار البحرة إلى أن “فكرة تشكيل اللجنة الدستورية، أول ما بُحثت، كان خلال الجلسات التشاورية للعملية السياسية في جنيف، خلال مرحلة المبعوث الخاص ستيفان ديمستورا، والذي أدى مهامه في الفترة بين تموز 2014 وكانون الأول 2018، قبل أن يقدم استقالته.
|
لا بديل عن جنيف
مع تعقد الملف السوري، والتدخلات الدولية والإقليمية، بما فيها روسيا وإيران الحليفين الرئيسين للنظام السوري، والشكوك حول مماطلة الأخير بدعم من حلفائه بالعمل على الحل السوري، يبرز السؤال الأهم “هل تقبل هذه الأطراف بدستور سوري خارج نفوذهم؟”.
إجابة هذا السؤال لدى البحرة بأن هناك واقع سوري وإقليمي ودولي يفرض نفسه، ولا يمكن تجاوزه، وهو أمر تعيه كل الأطراف، ولا يمكن لأي طرف تحقيق نصر عسكري حاسم.
وأضاف البحرة “كل طرف يرغب بما يريده، أو يعتقد أن بإمكانه الحصول عليه، ويحاول تحقيقه”.
وبرأي البحرة أن الحل السياسي الوحيد القابل للاستدامة، هو تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، بشكل كامل وصارم، “ولا يمكن لأي مسار آخر أن يكون بديلاً عن مسار جنيف”.
ويعتقد البحرة أن أي مسار آخر يمثل طرفًا، أو مجموعة من الأطراف، لا اجماع دولي بخصوصه، وأن العملية السياسية لن تتحرك بشكل جدي قبل إغلاق الملف العسكري، بتحقيق وقف إطلاق النار شامل ودائم في سوريا.
وينص القرار 2254، الصادر عن مجلس الأمن في عام 2015، على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.
ويحدد القرار جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملًا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة.
“سنناقش المبادئ الأساسية للدستور”
وحول ما ستطرحه اللجنة الدستورية في الجولة الخامسة قال البحرة لعنب بلدي، “تمّ الاتفاق على جدول أعمال اجتماعات الدورة الخامسة مسبقًا، بناءً على ولاية واختصاصات اللجنة الدستورية، والعناصر الأساسية للوائح الداخلية، وسيتم مناقشة المبادئ الأساسية في الدستور التي تؤسس وتبنى عليها صياغات بافي فصول الدستور”.
وأضاف البحرة، “الدورة الخامسة لاجتماعات اللجنة، ستُظهر للمجتمع الدولي نوايا الأطراف كافة بخصوص عمل اللجنة الدستورية والعملية السياسية، وتنفيذ القرار 2254″، معتبرًا أن المجتمع الدولي يجب أن يتحمّل مسؤولياته تجاه الطرف المعيق.
الانتخابات المقبلة “غير شرعية”
من المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية في سوريا في حزيران المقبل، وهي انتخابات تجري خارج قرار مجلس الأمن 2254، الصادر في عام 2015، ودون وجود أي تمثيل حقيقي للمعارضة السورية أو شخصيات مستقلة قادرة على منافسة الأسد.
كما أن الانتخابات تجري دون أي رقابة دولية أو ضمانات حقيقية لنزاهتها أو شفافيتها.
يرى هادي البحرة أن الانتخابات المقبلة “غير شرعية”، ولن يكون هناك انتخابات إلا ضمن إطار التنفيذ الكامل والصارم للقرار 2254.
كما أن شرعية الانتخابات وفقًا للبحرة تتصل بشكل مباشر بإطلاق سراح المعتقلين ومعرفة مصير المغيبين قسريًا في سوريا.
ووفقًا لـ “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، فإن ما لا يقل عن 99 ألفًا و479 شخصًا ما يزالون قيد الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، منذ آذار 2011 وحتى آب من العام الماضي (2020)، منهم 84 ألفًا و371 غُيبوا على يد قوات النظام السوري.
وأكد البحرة على أنه “لا انتخابات شرعية في سوريا إلا ضمن إطار التنفيذ الكامل والصارم لقرار مجلس الأمن 2254، وفق التراتبية التي ذكُرت فيه”، نافيًا في الوقت نفسه قبول أيًا من أعضاء وممثلي المعارضة بالترشح أو الدخول بانتخابات ينظمها النظام السوري، مضيفًا “كل ممثلينا ومؤسساتنا تلتزم بما ذكرته بشكل مطلق”.
كما اعتبر البحرة أن هذه الانتخابات ستؤدي إلى تعقيد الأوضاع في سوريا، وأنها لن تلقى اعترافًا ودعمًا إلا من الدول الداعمة للنظام السورية، بحسب رأيه.
كما يرى البحرة أن صياغة قرار نصر الحريري تشكيل لجنة عليا للانتخابات كانت “غير سليمة” وبالتالي شكلت “لغطًا” لدى السوريين، وألغي القرار.
لكن البحرة يرى في الوقت نفسه أن تشكيل “هيئة دستورية مستقلة للانتخابات” هو أمر هام جداً، وسيأتي في سياق الصياغات الدستورية، التي سنناقشها في اللجنة الدستورية”، معتبرًا أن “الهيئة الدستورية”، ستكون مستقلة ومسؤولة عن ترتيب العملية الانتخابية في سوريا بعد تنفيذ القرار 2245.
وكان “الائتلاف” أعلن في تشرين الأول من العام الماضي 2020، تشكيل “مفوضية” مهامها وضع خطط واستراتيجيات وتنفيذها والتحضير للمشاركة بالاستحقاقات السياسية المقبلة، بما في ذلك الاستفتاء على مشروع الدستور ونشر الوعي للمشاركة فيه.
ثم أوقف الائتلاف تشكيل المفوضية “حتى إجراء مزيد من المشاورات مع القوى الثورية والسياسية للوصول إلى صيغة مناسبة”، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من القرار الأول، وفقًا لتصريح صحفي نشره الموقع الرسمي لـ “الائتلاف”.
كما قال البحرة لعنب بلدي إن أي انتخابات تأتي بعد تنفيذ “إجراءات بناء الثقة” والتي تشمل إطلاق سراح المعتقلين، كما تأتي بعد توقيع اتفاق سياسي لتنفيذ 2254 وإقامة حكم ذو مصداقية وشامل للجميع (هيئة الحكم الانتقالي)، وتأمين البيئة الآمنة والمحايدة التي يمكن أن تجري من خلالها عملية انتقال سياسي وتحقيق عدالة انتقالية.
ويأتي في هذا السياق أيضًا تنظيم استفتاء “حر ونزيه” على مشروع الدستور الجديد بإشراف الأمم المتحدة ثم الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، وفق ما يحدده الدستور الجديد، معتبرًا أن أي تجاوز لهذه التراتبية لن تؤدي إلى حل سياسي شامل ومستدام.