علي درويش | نور الدين رمضان
احتفلت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من التحالف الدولي لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، في آذار 2019، بالقضاء على آخر مناطق سيطرة التنظيم في الأراضي السورية.
وسبق ذلك إعلان رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، في كانون الأول 2017، السيطرة على كامل الشريط الحدودي مع سوريا، مؤكدًا نهاية الحرب ضد التنظيم في العراق.
لكن التنظيم لم ينتهِ بشكل فعلي، إذ استمرت هجماته في العراق وسوريا، وطالت مختلف القوى العسكرية في البلدين.
وفي سوريا، استمرت “قسد” وقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية والقوات العسكرية المدعومة من روسيا، كـ”فيلق القدس الفلسطيني” و”الفيلق الخامس”، بإعلان العمليات العسكرية ضد التنظيم الذي انحصر نفوذه في البادية السورية، وعلى شكل خلايا في مناطق أخرى.
وبعد مقتل زعيمه، “أبو بكر البغدادي”، بعملية أمريكية في تشرين الأول 2019، زاد التنظيم من وتيرة عملياته، وخاصة منذ مطلع العام الحالي، إذ استهدف أرتالًا عسكرية للنظام وصهاريج إمداده النفطية من مناطق “قسد”، وأوقع خسائر بشرية ومادية، ما أدى إلى إرسال تعزيزات إلى مناطق البادية لاستكمال العمليات العسكرية ضده، التي بدت دون طائل حتى الآن.
قابلت عنب بلدي في هذا الملف خبراء وباحثين في شؤون الجماعات الجهادية، تحدثوا عن مرحلة “سبات استراتيجي” لنشاط التنظيم، عاد بعدها اليوم للظهور بتغيير استراتيجيته والاعتماد على منطقة البادية السورية وخلايا أمنية تمنع الاستقرار، وتشعِر الأطراف أنه ما زال حيًا، ويضرب خصومه ويرهب الأطراف من أجل بقائه في البادية، وتصاعدت هذه العمليات بشكل خاص بعد مقتل “أبو بكر البغدادي”.
وتبحث عنب بلدي العوامل السياسية والاجتماعية التي ساعدت في عودة نشاط التنظيم، وطبيعة البادية التي تحكم بها التنظيم عبر عملياته العسكرية، وحوّلها إلى “ثقب أسود” لأعدائه، وإلى أين ستتجه الأمور في 2021، ودور القوى العسكرية في ذلك.
التهميش والفساد..
عوامل ساعدت في العودة تحت أعين “قسد”
سمحت الظروف الخارجية المحيطة بالتنظيم بظهوره بقوة، والتطور وتوسيع نشاط عملياته سواء بمناطق “قسد” أو النظام، إذ خلق عدم قدرة روسيا على ضبط البادية السورية، وغياب التنسيق الإيراني- الروسي، مجالًا ضخمًا لعمل التنظيم في مناطق البادية وريف دير الزور، حسب حديث مدير وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الباحث نوار شعبان، إلى عنب بلدي.
واستغل التنظيم في مناطق سيطرة “قسد” الواقع الأمني الهش، وعزز حضوره من خلال بوابات المشاكل بين إدارة “قسد” والمكوّن العربي وغيرهما، بحسب الباحث، الذي يستدل بذلك على ازدياد عمليات التنظيم تزامنًا مع العمليات الأمنية التي تطلقها “قسد”.
وأطلقت “قسد” خلال 2020 عملية “ردع الإرهاب” (المرحلة الأولى والثانية) لملاحقة خلايا التنظيم في مناطق سيطرتها، وأتبعتها بعمليات تمشيط للمناطق الحدودية مع العراق، وأعلنت عن اعتقال العديد من الأشخاص بتهمة الانتماء للتنظيم.
لكن الاعتقالات قوبلت بانتقادات حقوقية، إذ كانت تشمل مواطنين لا علاقة لهم بالتنظيم، سرعان ما تفرج عنهم “قسد” بعدها بوساطات مدنية وعشائرية.
واتهم ناشطون “قسد” بشن هذه العمليات بعد كل توتر بينها وبين الأهالي، الذين يخرجون بمظاهرات للمطالبة بتحسين الوضع المعيشي ومحاربة الفساد، ورفضًا للتجنيد الإجباري، خاصة تجنيد المعلمين والعاملين في الحقل الطبي، وعمال البلديات.
كما حاصرت “قسد”، في تموز وآب 2020، مناطق ذبيان والشحيل والحوايج وعددًا من القرى شرقي دير الزور أو ما يعرف بـ”خط الجزيرة” ومنطقة العكيدات، ومنعت التجول كاملًا والخروج من المنازل، ونشرت مزيدًا من الحواجز في المنطقة عقب المظاهرات، قائلة حينها، إنها أطلقت حملة تمشيط بين الشحيل والحوايج اللتين تعتبران “معقلًا” لخلايا تنظيم “الدولة”، حسب وصفها.
وانتقدت عدة تقارير حقوقية “قسد”، منها تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في أيلول 2019، الذي اتهمها باعتقال وإخفاء قرابة ثلاثة آلاف شخص، مع استمرار التضييق على منظمات المجتمع المدني العاملة في المناطق التي تسيطر عليها، في محاولة لـ”تشريع جميع عمليات القمع والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والخطف بهدف التجنيد الإجباري، وغير ذلك من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها، تحت ذريعة محاربة الإرهاب والإرهابيين”.
وشبهت “الشبكة السورية” تكتيك “قسد” إلى حد بعيد بـ”ما قام به النظام السوري، الذي اعتبر كل من يعارض سياسته ويطالب بتغيير حكم العائلة الحاكمة والحكومة التي عيّنها بأنه إرهابي يجب اعتقاله وإخفاء صوته، وجعله عبرة لبقية أفراد المجتمع”.
وتدير “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، التي تُتهم “قسد” بالسيطرة على كامل قراراتها، شرق الفرات في سوريا خدميًا واجتماعيًا وعسكريًا وأمنيًا.
الأستاذ الجامعي والباحث في الشؤون الجهادية عبد الرحمن الحاج، يرى أن إدارة “قسد” للمنطقة خلقت بيئة سياسية لعودة التنظيم، بسبب تهميش الأطراف المحلية والعرب بشكل خاص، وتعزيز أيديولوجيتها التي استخدمتها وفرضتها على الجميع، سواء كان عبر “الإدارة المحلية” أو مناهج التعليم، ما أدى إلى مجموعة من الاستفزازات، إضافة إلى موضوع النفط.
و”هناك إحساس واسع بالغبن بعد هزيمة التنظيم، خاصة لدى أبناء المنطقة الذين لعبوا دورًا أساسيًا في العملية، وكانوا في الخط الأول”، بحسب عبد الرحمن الحاج، إضافة إلى أن الأمل بالتغييرات الكبيرة “ربما غير متاح”، وبالتالي حالة النقمة الشعبية ضد الممارسات السياسية لـ”قسد” في ازدياد، وهي بيئة “مواتية جدًا”.
ويسود شعور لدى الأهالي أن مصادر النفط والطاقة ليست تحت سيطرتهم، وهناك قسم كبير منها يذهب إلى أطراف أخرى، ولا تصرف على السكان المحليين في الحد الأدنى، والاستفادة منها شبه معدومة، والمناطق شبه مهملة، ولا يتوفر الحد الأدنى من المعيشة في المنطقة، ولا يوجد تمكين للحكم المحلي، وهذا يضاعف نقمة السكان.
ووثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” استيلاء “لواء الشمال الديمقراطي” المنضوي ضمن “قسد” على أكثر من 80 منزلًا في مدينة الرقة (التي كان تنظيم “الدولة” يتخذها عاصمة لما يسمى الخلافة)، منذ شباط حتى 9 من كانون الأول 2020.
بينما بلغ عدد المنازل المستولى عليها في عموم مدينة الرقة، والتي رفع أصحابها شكاوى ضد جهات عسكرية تابعة لـ”قسد”، منذ أواخر 2019 حتى حزيران 2020، 1200 منزل، بحسب ما أفاد عنب بلدي مصدر خاص من “بلدية الشعب” التي تدير الرقة.
وكان قائد “قسد”، مظلوم عبدي، وقّع اتفاقية مع شركة نفط أمريكية من أجل تحديث آبار النفط التي تسيطر عليها، في تموز 2020.
وتسيطر القوات الأمريكية الداعمة لـ”قسد” على أهم حقول النفط والغاز في شرقي سوريا، وأبرزها حقل “العمر” النفطي، الذي يعد أكبر حقول النفط في سوريا مساحة وإنتاجًا، إضافة إلى حقل “التنك”، وهو من أكبر الحقول في سوريا بعد حقل “العمر”، ويقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، وحقل “كونيكو” للغاز، وهو أكبر معمل لمعالجة الغاز في سوريا، كما يُستفاد منه في إنتاج الطاقة الكهربائية، ويقع في ريف دير الزور الشمالي.
البادية السورية.. ثقب أسود
لم يغادر تنظيم “الدولة” مناطق سيطرة النظام أبدًا، واعتمد على مبدأ الضرب ثم الاختباء، إذ أسهمت البادية في انطلاقة جديدة لعملياته، حيث يخبئ معداته وأسلحته وآلياته ومفخخاته، ليصل مجددًا إلى دير الزور وريفها الشرقي الواقع تحت سيطرة النظام.
وتمتد البادية السورية من ريفي حماة وحمص الشرقيين إلى الحدود العراقية، ومن ريفي دير الزور والرقة شمالي سوريا إلى الحدود الأردنية- السورية، وتبلغ مساحتها أكثر من 75 ألف كيلومتر مربع من مساحة سوريا البالغة نحو 185 ألف كيلومتر مربع.
ويمكن اعتبارها منطقة هشة أمنيًا نظرًا إلى اتساعها وطبيعتها الجغرافية، ومنحت التنظيم التحرك فيها بحرية، وتنفيذ عمليات وكمائن فيها وفق تكتيكاته الخاصة.
الكلمة لمن يسيطر بريًا
المحلل العسكري اللواء محمود علي قال لعنب بلدي، إن للبادية من الناحية العسكرية سلبيات، فالمعارك فيها لها خصوصيتها، ويمكن لكل الأطراف المتحاربة الاستفادة منها، وهي معقدة، لكن أكثر الأطراف المستفيدة هي التي تسيطر على الأرض بريًا.
وأوضح أنه في الوضع القائم الآن، المستفيد من القتال في البادية هو تنظيم “الدولة”، لأن مقاتليه يعرفون طبيعتها الجغرافية تمامًا وقادرون على التعامل مع الظروف الجوية فيها، ويعرفون الوديان والمغارات، مشيرًا إلى أن أي قوة ترغب بالقتال في البادية عليها أن تخضع لتدريبات خاصة.
ونظرًا إلى معرفتهم بها وتأقلمهم فيها، يعرف عناصر التنظيم كيف يستفيدون من كل تحرك وتضريس، فالطيران يمكن أن يحيد عن بعض البوادي، لكن الآليات المستخدمة فيها تتأثر إذا كانت رملية أو وعرة، مع اعتبار أن “القوة للفرد” في البادية.
لماذا لا تُشن عمليات عسكرية في البادية؟
المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر قال لعنب بلدي، إن التنظيم بعد خسارته مناطق شرق الفرات وخروجه منها، انتقل إلى العمل السري أو الخلايا العنقودية النائمة، وتكيّف بمجموعات صغيرة مع أعمال الاستنزاف والكر والفر، وحرب العصابات والكمائن والإغارات الخاطفة، وأعمال التلغيم والاغتيالات ضد خصومه في البادية أو في الجزيرة السورية، التي أصبحت عمليات شبه يومية تؤرق أعداءه وتكلفهم خسائر فادحة بالأرواح والمعدات، كما في “كمين البادية” على طريق تدمر- دير الزور.
تكتيكيًا، يرى العقيد فايز الأسمر أن قوات النظام السوري وروسيا في البادية، و”قسد” في الجزيرة، مدعومة بالتحالف من جهة أخرى، تخوض أحد أصعب أنواع الحروب، لأن التنظيم غير مرئي ولا يملك منطقة جغرافية محددة، فهو مستعد لهذا النوع من الحروب في البادية السورية، التي يعرف مداخلها ومخارجها وتضاريسها وما تقدمه له وأفضل الطرق للتقرب من أهدافه، علمًا أن البادية متسعة، ويستخدم التنظيم المغارات والكهوف والملاجئ، ويعرف كيف يخفي ويموّه فيها آلياته وتحركاته وكيف ينقل عناصره.
وبحسب الأسمر، فلا تنهي الضربات الجوية التنظيم بهذه السهولة، مشيرًا إلى أن عملًا عسكريًا ضد التنظيم في البادية يحتاج إلى تمشيط دقيق وقوات بأعداد كبيرة مدربة، وهو ما لا تملكه قوات النظام المنهكة عسكريًا.
وفشلت جميع الحملات الإيرانية والروسية بالقضاء على وجود التنظيم، وتعرضت الأرتال العابرة من البادية، وخاصة التابعة للميليشيات الإيرانية، لهجمات، أدت إلى خسائر في الأرواح والمعدات.
بينما قللت سياسة التحالف من خسائره وخسائر حليفته “قسد”، باستثناء الخسائر التي تتعرض لها القوات المحلية في عمليات أمنية تستهدف خلايا التنظيم.
إذ تعمل الولايات المتحدة على مسألة الاستطلاع والتجسس والتنصت على بعض قادة التنظيم ومجموعاته، وتشن غارات مفاجئة، لذلك تحقق بعض النجاحات بخلاف الروس، الذين يعتمدون على القوة المفرطة وليس على تكتيك الحرب النظيفة.
وبحسب ورقة بحثية لمركز “جسور للدراسات”، فإن التعزيزات التي أرسلها الروس والنظام في تشرين الثاني 2020، تبعها إطلاق روسيا المرحلة الثالثة من معركة “الصحراء البيضاء” التي بدأتها أواخر آب من العام ذاته، لملاحقة خلايا التنظيم الموجودة في منطقة البادية.
وبدأت روسيا عملية “الصحراء البيضاء” عقب مقتل الجنرال فياتشيسلاف جلاديخ، بانفجار عبوة ناسفة، في 18 من آب 2020، وشملت قسمًا من بادية ريف دير الزور الواقع غرب نهر “الفرات”، بينما شملت المرحلتان الأولى والثانية بادية السخنة شرقي حمص.
وشارك في الحملة العسكرية “الفيلق الخامس” و”لواء القدس الفلسطيني” بقيادة مباشرة من ضباط الجيش الروسي، ومجموعتان من تشكيلات القوات الروسية، واحدة تتبع للقوات الخاصة الروسية بقوام 75 مقاتلًا، وأخرى تتبع لمرتزقة “فاغنر” بقوام 120 مقاتلًا، حسب ورقة بحثية لمركز “جسور للدراسات”.
وشكّك الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، بقدرة هذه القوات على التصدي لهجمات التنظيم أو نجاحها في القضاء على خلاياه، متسائلًا عن مدى جاهزية هذه القوات للقتال ومدى تدريبها وتسليحها، وهل هي قوات مشاة أم خاصة.
وأصبح من الواضح، حسب شعبان، أن هناك نقصًا في التدريب والحنكة العسكرية للقوات المدربة من قبل روسيا، لذلك كثفت مؤخرًا من التدريب الذي تقوم به الشركات الخاصة الروسية كـ”فيغا” و”باتريوت” و”موران”، ولكن “من الصعب تأكيد التدريب، أو الحصول على توثيق أن التدريب يحصل فعلًا من قبل هذه الشركات الروسية، ونكتفي بالأخبار التي تنشرها هذه الشركات”.
وأدى عدم التنسيق بين الروس والإيرانيين، وغياب آلية التعاون العسكري والاستراتيجي بين الجهتين في العمليات العسكرية ضد التنظيم إلى فشلها، حسب نوار شعبان.
كما تنطلق قوات النظام أو الميليشيات الموالية لروسيا وإيران من مناطق مختلفة في سوريا خلال العمليات العسكرية ضد التنظيم في البادية، ومع دخولها المنطقة تصبح مكشوفة، خاصة في حال وجود فرق استطلاع للتنظيم، فالأرتال الداخلة ليست عبارة عن مجموعات تعتمد على سيارات رباعية الدفع عددها لا يتجاوز خمس سيارات، كما يفعل التنظيم في تحركاته، بحسب رصد عنب بلدي لعدة إصدارات وصور للتنظيم.
أهمية اقتصادية للبادية؟
وللبادية أهمية استراتيجية لجميع الأطراف في سوريا، فبالنسبة إلى النظام السوري تعتبر أهم طريق إمداد له بالموارد الحيوية من المنطقة الشرقية ولا سيما النفط، ويعني بسط سيطرته عليها تأمين وصول تلك الموارد، ولها أهمية أيضًا عند روسيا التي ترغب ببسط النظام سيطرته على كامل الأراضي السورية.
ومثّل الاستهداف المتكرر لقوات النظام وصهاريج شركة “القاطرجي” على طريق حماة- الرقة، وريف حماة وحمص الشرقيين، تهديدًا لمصالح النظام و”قسد” الاقتصادية.
وقال الباحث الاقتصادي أحمد قاروط، لعنب بلدي، إن من الواضح أن هدف التنظيم من استهداف عملياته وقف إمدادات النظام والتضييق عليه بشكل أكبر.
قطع الطريق يؤثر على إمدادات النظام الاقتصادية، “لكن الأمر ليس استراتيجيًا بشكل مباشر في هذه المرحلة، لأنه لم تحصل تطورات كبيرة على الأرض”، ومع ذلك يجب على النظام الدفاع عن الطريق بشكل أكبر لأنه لا بديل له عنه، حسب أحمد قاروط.
إعادة بناء الشبكات بطريقة متسارعة
استطاع التنظيم، مستفيدًا من الأوضاع على الأرض، إعادة بناء شبكة تجنيده مرة أخرى وترميمها، سواء من الأشخاص الذين كانوا سابقًا منضمين له، أو أقربائهم، أو من الأشخاص الذين كانوا أطفالًا وأصبحوا شبابًا وعاشوا في هذه المنطقة في ظل الجو المناسب للتنظيم، حسب الأستاذ الجامعي والباحث في شؤون الجماعات الجهادية عبد الرحمن الحاج.
وساعده أمن المنطقة الضعيف في التحرك وبناء هذه الشبكة مجددًا بسرعة، وهي سرعة كبيرة بالنسبة لوضع التنظيم وانهياره، حسب الحاج، كما أن عملياته الأمنية المتوالية جذب من خلالها أنظار الشبكة الدولية للتجنيد، الأمر الذي فتح له طريق إعادة ترميم شبكة لأنصاره، وربما يستجلب دعمًا ماليًا عبر شبكته الخاصة.
“تعمل الحركات العنيفة بمنطق القيام بعمليات، العمليات تجذب أنظار أطراف ترغب بفعل شيء، وتزيد من التجنيد، والتجنيد يزيد من مصادر التمويل، وهكذا”.
وأوضح عبد الرحمن الحاج أن التنظيم الذي احتفظ بقسم جيد من مصادره المالية، خاصة التي كان يجنيها من النفط، أعاد الاستثمار فيها حاليًا، وبدأ يعيد بناء الشبكة، وفي الوقت نفسه بدأ يستثمر في الشبكة من الناحية المالية.
“عودة التنظيم ليست سهلة على الإطلاق، وإمكانية ضربه ليست بنفس اليسر التي كانت سابقًا”، حسب الحاج، إذ كان انتقال التنظيم من تكتيك الكمائن إلى تكتيك الهجوم، باعتبار أن شبكته كبرت، وازداد عدد أعضائه، ما يعني أن الأسلحة أصبحت متوفرة لديه أكثر، إضافة إلى خبرته بشبكات تهريب السلاح وكيفية شرائه، و”العمليات الأخيرة مؤشر على نمو قدراته”.
بعد فشل الجميع.. ما شكل المواجهة في 2021
أوضح الأستاذ عبد الرحمن الحاج أن الشيء الأساسي في مواجهة التنظيم يتعلق بتغيير البيئة (السياسية والاجتماعية) التي هيأت عودته، وهذا يتطلب من الإدارة الأمريكية والمعنيين بمنطقة شرق الفرات، وخاصة المناطق ذات الأغلبية العربية، عملًا كبيرًا من أجل تأمين الاستقرار من جهة، وتقديم حلول على مستوى التعاطي مع “قسد”، وإدارة المنطقة من قبل السكان المحليين إدارة حقيقية.
وحتى يتمكن السوريون بمساعدة التحالف والفاعلين المحليين من أن يواجهوا هذا التنظيم، يحتاج الأمر إلى تغيير وضع القيادة وعلاقة “قسد” في المواجهة، وتطويرها باتجاه إقامة تنظيمات محلية تقوم بهذا الدور، بحسب الحاج، فإذا لم يكن هناك تحول في إدارة المنطقة الجنوبية والجنوبية الشرقية والشرقية الوسطى ذات الأغلبية العربية (في مناطق سيطرة قسد)، ولم يُمنَح السكان القدرة على التحكم لتحقيق مصالحهم، سيكون من شبه المستحيل مواجهة هذا التنظيم، الذي يمكن أن يعيش لعقود بهذه الطريقة دون أن تكون هناك إمكانية لمواجهته وحسمه إذا لم تكن هناك حلول سياسية.
بمعنى ألا ينتقل السكان من حكم أقلية إلى حكم أقلية أخرى، لأن هذا سيعزز الأزمة الأساسية التي نشأ على أساسها التنظيم، والآن يتوقف الأمر على تغيير جذري أو حقيقي في الممارسة، ويتوقف على ضغط الإدارة الأمريكية، باتجاه تعميق التحولات في “قسد”.
لكن الإدارة الأمريكية الجديدة مثيرة للقلق بخصوص هذا الملف، فبينما لديها تخوف من عودة التنظيم، تريد تكريس دور أكبر لحزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” (PYD)، وتعزيز سيطرته على “الإدارة الذاتية” باتجاه حكم ذاتي، بحسب عبد الرحمن الحاج.
ورجح الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” نوار شعبان، أن 2021 سيشهد عمليات عسكرية في البادية ضد التنظيم مع اختلاف الجهات العسكرية، وحتى الأساليب والجاهزية العسكرية بالمعارك، و”قسد” هي القوة المهاجمة الأفضل بين القوى بسبب الدعم الأمريكي.
ولم يرجح شعبان سيطرة التنظيم على مناطق جديدة، “لأن الأسلوب الذي يتبعه أفضل له، فهو ينفذ عملياته العسكرية دون أن يعرف أحد مكان وجوده، ويسيطر على أسلحة من الأطراف الأخرى، ويعيد خلق ونشر الرعب”.
وهو ما يتفق معه عبد الرحمن الحاج، ففي ظل هذه الظروف، سيستمر التنظيم في التقدم، وسيسيطر على مناطق أخرى، لكن ليست كالسيطرة على منطقة جغرافية محددة وإقامة نظام إداري فيها (سيطرة حكمية)، بل سيسيطر على مناطق لا يمكن السيطرة عليها من قبل النظام و”قسد” وحتى التحالف الدولي، لتصبح تحت نفوذ التنظيم حكمًا، وهذا سيعزز فرصه في المستقبل لأن يزيد من عملياته وتأثيره، وربما يقترب من منطقة تدمر والمناطق القريبة منها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :