اعتمد نظام السجل العقاري في سوريا على القوة الثبوتية المطلقة لقيود السجلات العقارية، وذلك بموجب المادة رقم “13” من القرار رقم “188” لعام 1926، الذي أسس لتصنيف العقارات بشكل قانوني من خلال السجل العقاري.
ونصت المادة رقم “13” من القرار على أن “كل من يكتسب حقًا في مال غير منقول (عقار) مستندًا إلى قيود وبيانات السجل العقاري يبقى له هذا الحق المكتسب (…) غير أنه لا يمكن أن يتذرع بمفعول القيود الأشخاص الآخرون الذين عرفوا، قبل اكتساب الحق، بوجود عيوب أو أسباب داعية لإلغاء الحق أو لنزعه من مكتسبه”.
هذا يعني أن الحق العيني العقاري ينتقل إلى المتصرف إليه في السجل العقاري بصرف النظر عن السبب، أي سواء كان التصرف المنشئ للالتزام بنقل الحق العيني العقاري صحيحًا أو معيبًا.
وإذا اتضح بعد ذلك أن التصرف كان معيبًا بعيب من عيوب الإرادة (عيوب الرضا مثل الغلط، والتدليس، والإكراه، والاستغلال)، وأن الحق العيني انتقل دون سبب، فليس للمتضرر إلا الرجوع بدعوى شخصية على المتصرف إليه، وهي دعوى “الإثراء بلا سبب”.
وهذا يعني أن تصرف تسجيل الحق العيني في السجل العقاري يعتبر تصرفًا مجردًا، أي لا يعتد فيه لعيوب الإرادة، وبذلك التجريد يكون هذا التصرف غير قابل للإبطال لعيب الإرادة، وبذلك يكون التصرف المجرد أداة قوية من أدوات الائتمان، وتشتد حاجة التعامل إليه كلما اشتدت الحاجة إلى الاستقرار، بحسب الفقيه القانوني محمود زكي شمس في شرحه لـ”التشريعات العقارية النافذة”.
اقرأ: ما الحقوق الواجب تسجيلها في السجل العقاري
وتختلف قوة تصرف قيد الحق العيني العقاري في السجل العقاري تبعًا لما إذا كان هذا القيد ناتجًا عن أعمال التحديد والتحرير أو عن عقد قانوني بعد التحديد والتحرير:
1- القوة الثبوتية للقيد الصادر عن أعمال التحديد والتحرير: نصت المادة “17” من القرار رقم “188” على أنه “لا يمكن وقوع خلاف في الحقوق العينية المقيدة في السجل العقاري وفقًا لمنطوق محاضر التحديد والتحرير، والقيود المتعلقة بهذه الحقوق، تعتبر، وحدها، مصدرًا لهذه الحقوق وتكتسب قوة ثبوتية مطلقة، ولا يمكن أن تكون عرضة لأي دعوى كانت بعد انقضاء مدة سنتين ابتداء من التاريخ الذي يصبح فيه قرار التصديق وقرارات القاضي الفرد العقاري”.
وفي حال استأنف قرار القاضي، فإن قرار محكمة الاستئناف الصادر وفقًا لأحكام القرار رقم “186” قابل للتنفيذ، وإذا لم يدوّن في أثناء هذه المدة أي اعتراض أو أي دعوى كانت في صحيفة العقار الأساسية، أو إذا ردت هذه الاعتراضات أو الدعاوى يمكن لذوي الشأن في حال الغبن فقط (ضرر يلحق الفرد في عقد التزام محدد، لخداع في البيع والشراء)، أن يقيموا دعوى “عطل وضرر” على مسبب الغبن.
وتعتبر مهلة السنتين التي نصت عليها المادة “17” والتي لا يجوز سماع أي دعوى بعد مرورها على تسجيل الحقوق العينية العقارية في قيود السجل العقاري، هي مهلة يسقط الحق بعدها في رفع الدعوى، وتعتبر من النظام العام.
وهذه المدة للادعاء بحق ملكية أو بحق عيني عقاري على الطرق العامة لا يمكن أن يحصل مطلقًا إلا بعد تثبيت جميع محاضر تحديد المنطقة العقارية الواقعة ضمن نطاقها، وبعد الفصل في جميع الاعتراضات الواردة على محاضرها من قبل القاضي العقاري، وفقًا لما شرحه محمود زكي شمس.
والادعاء يمكن أن يحصل بعد تثبيت المحاضر والفصل في الاعتراضات، ولقبول دعوى الاعتراض على القيود المستندة إلى محاضر التحديد والتحرير شرطان: أن تقدم الدعوى في مهلة السنتين، وأن تدوّن إشاراتها في المهلة ذاتها، وألا تبرم القيود، وإلا فسيُرد الاعتراض شكلًا.
وبناء عليه، فإذا انقضت مدة السنتين يصبح القيد الناجم عن أعمال التحديد والتحرير مجردًا من أسباب كسب الملكية أو الحق العيني التي أدت إليه، ويصبح القيد بذاته المصدر الوحيد للحق المتمثل فيه، فلا يجوز الطعن به باعتبار أن هذا القيد يتمتع بقوة ثبوتية مطلقة تجاه الكافة، ولا يجوز الطعن به من أي أحد. وبهذا نصت المادة “13” من القرار “188”.
2- القوة الثبوتية للقيد بعد أعمال التحديد والتحرير: وهي مطلقة فيما يتعلق بالوقائع والحقوق المدونة بالسجل العقاري، وتبعًا لذلك تكون الوقائع والحقوق المذكورة فيه حجة على الجميع، فإذا حصل نزاع حول حدود وارتفاع بين عقارين متجاورين، أحدهما داخل في السجل والآخر غير محدد أو محرر بعد، فتؤخذ في الحسبان الحدود المبنية في قيود السجل العقاري.
ولا يمكن أن يقع خلاف في الحقوق العينية المقيدة في السجل العقاري، لأن هذه القيود تعتبر وحدها مصدرًا لها وتكتسب قوة ثبوتية مطلقة، ولذلك لا يمكن أن تكون عرضة لأي دعوى إلا إذا كان موضوعها إبطال القيد العقاري لسبب من أسباب الإبطال القانونية المدنية.
ولذلك يجب أن تكون قيود السجل العقاري صحيحة وكاملة تجاه الغير الذي يشتري عن حسن نية، وأما إذا كان سيئ النية فبإمكان صاحب الحق العيني أن يدعي عليه مباشرة مستندًا إلى عدم مطابقة التسجيل للقانون أو أنه تم دون وجه حق، مع إلزامه بالعطل والضرر في حال كان لذلك فائدة.
و”لا يمكن للأشخاص الآخرين أن يتذرعوا بالقوة الثبوتية لقيود السجل العقاري إذا ثبت أنهم عرفوا قبل اكتساب الحق وجود عيوب داعية لإلغاء الحق. كأن يثبت علم المشتري الثاني بوقوع البيع الأول” بحسب اجتهادات محكمة النقض السورية.
وبحسب اجتهاد محكمة النقض في قرارها رقم “532/ 2002” فلا يمكن دحض حجية الحقوق في السجل العقاري ما بين طرفي العقد “إلا بدليل مماثل في القوة، فلا يجوز إثبات عكس العقد أمام أمين السجل العقاري الجاري ما بين البائع والمشتري بالبينة الشخصية طالما أنه لا توجد مخالفة النظام العام”.
ونظام السجل العقاري يحول دون نشوب المنازعات لقيامه على مبدأ العلانية، متيحًا بذلك لكل شخص الاطلاع على العقار لمعرفة مدى سلامة تصرفه بصورة مستقلة، كما أن قيد الحقوق بصورة إجبارية في السجل العقاري يضمن دائمًا وبصورة مستمرة انطباقها على واقع الحال، وهذا يوفر مناخًا ملائمًا لاستقرار المعاملات على أسس ثابتة من الثقة التي يوفرها السجل العقاري.
–