درعا – حليم محمد
في معمل لصناعة “الراحة”، يرتدي يونس مريولًا أبيض وكمامة وقفازات، وهو يصفّ قطع الحلوى المكسوة بالسكر الناعم في العبوات الكرتونية المربعة. يعمل الشاب الدرعاوي بصناعة الحلوى التي اعتاد عليها من صغره، واشتهرت بها محافظته الجنوبية وارتبطت باسمها، وتمتاز بالطراوة والحلاوة ورخص الثمن الذي أبقاها مفضلة لدى المشترين.
في إناء واسع مدوّر مصنوع من النحاس، يصب يونس عبد الكريم السكر والماء والنشاء وحمض الليمون، ويترك المكونات لتغلي وتنضج، قبل البدء بمرحلة العجن التي تستمر لساعتين، وإضافة “المستكة” وماء الزهر، وصبّ الخليط في قوالب من صاج، حتى يبرد، ثم يمدد على طاولات ويقطع، ويعبأ بعلب كرتونية.
عاد الأمل إلى معامل “الراحة الحورانية” بالبيع لبقية المحافظات السورية بعد فتح الطرقات، والتصدير خارجًا نحو الخليج العربي والأردن، بعد فتح معبر “نصيب” الحدودي، الذي تعرض للإغلاق مرتين بسبب انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، منذ آذار الماضي.
وتأثرت صناعة “الراحة” في درعا، خلال سنوات الحرب الماضية، بتدمير عدد من المنشآت الصناعية، وتقطيع أوصال المحافظة، وعزل المناطق عن بعضها، وعن بقية المحافظات والدول.
ومن أصل 32 منشأة كانت تعمل قبل عام 2011، عادت 12 منشأة حسب تصريح رئيس المكتب الإداري والقانوني في “اتحاد الجمعيات الحرفية في درعا”، أيمن الضماد، لـوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في أيلول الماضي.
ولكن الصناعة لم تسلم من المتاعب بعد إعادة فتح الطرقات وتوقف القصف الذي استهدف منشآتها، إذ كان للأزمة الاقتصادية التي تعانيها سوريا وقع عليها أيضًا، حسبما قال مالك معمل لـ”الراحة” في درعا، طلب عدم الكشف عن اسمه، لعنب بلدي.
تدهور الأوضاع الأمنية رغم مساوئه أبقى على سعر ثابت محدد للحلوى الحورانية، حسبما قال مالك المعمل، “ولكن الآن أصبحنا نعاني من شح المواد الأساسية من نشاء وسكر…، ناهيك عن الأسعار التي تتقلب كل يوم بسبب العملة الأجنبية (الدولار) التي يحتج بها التجار برفع القيمة الشرائية”.
وكان لرفع أسعار المحروقات وعدم تأمينها للمنشآت الصناعية أثر سلبي في القدرة على تشغيل آلات المعمل، إضافة إلى رفع تكاليف الإنتاج، ما أجبر معامل “الراحة” على رفع سعر المنتج، إذ وصل سعر الكيلو إلى 1500 ليرة سورية، بعد أن كان سعره 700 ليرة نهاية عام 2019.
ورفعت الحكومة السورية، في تشرين الأول الماضي، سعر المازوت الصناعي والتجاري غير المدعوم من 296 إلى 650 ليرة سورية، كما ارتفعت أسعار الغاز بعد شحه في مراكز التوزيع المدعوم، والذي تعتمد عليه المعامل بشكل رئيس، إذ وصل سعر الأسطوانة على “البسطات” إلى 40 ألف ليرة.
وبعد قرار “مجلس مدينة درعا”، عام 2019، إجبار المعامل والورشات الفنية، ومن ضمنها معامل “الراحة” التي توجد ضمن المدينة، على نقل منشآتهم إلى “المنطقة الصناعية” شرقي درعا، مع زعمه تجهيزها بالمرافق الفنية والخدمية، إلا أن مدير المعمل اشتكى من قلة الخدمات الفنية المقدمة، التي تعوق توفير المنتج من المعمل مباشرة، مضيفًا أن المبيعات تراجعت 40% عما كانت عليه قبل الحرب.
منافسة على الجودة
تقف إيمان في محل للبقالة بمدينة طفس، في ريف درعا الغربي، لتشتري علبتين من “الراحة”، مع كيلوغرام من البسكويت السادة.
ورغم كثرة معامل “الراحة” في درعا، فإن المنافسة تكون على جودة المنتج، “السكان في درعا ذواقون لهذه المادة، ويميزون أصنافها ويختارون الجيد من منتجاتها”، حسبما قالت الشابة الثلاثينية لعنب بلدي.
تراجع إيمان قبل الشراء تاريخ الإنتاج المسجل على العبوة، فهي تفضل “الراحة” الحديثة الصنع، “عندما يتأخر إنتاج الراحة تؤثر الرطوبة على جودتها وخاصة في فصل الشتاء”.
ولـ”الراحة” أنواع، منها بالمكسرات، كالجوز والكاجو والفستق، ومنها “الراحة السمسمية”، و”الراحة بجوز الهند”، و”الراحة العادية”.
وفي حين لا يقل سعر الحلويات العربية عن ثلاثة آلاف ليرة سورية، تجد أم حسان، ربة منزل وأم لأربعة أطفال، “الراحة” الخيار الأفضل في ظل الغلاء، الذي جعل الطعم الحلو من “الكماليات”.
يفضل محمد المصطفى، وهو رجل ستيني من سكان ريف درعا، تناول “الراحة الحورانية” على بقية الحلويات، “هي من الحلويات الخفيفة، طعمها لذيذ وسهلة الهضم، وأفضّل الراحة العادية، وأحتفظ دائمًا بعبوات منها وخاصة في فصل الشتاء”، كما قال لعنب بلدي.
ويستذكر محمد طفولته ومدى فرحته عندما كان والده يشتري “الراحة” للعائلة، مضيفًا أن صناعتها “قديمة” في المحافظة، وبدأت مع ستينيات القرن الماضي، ولكنها تطورت مع مرور الزمن وتعددت أنواعها، لكنها “حافظت على جودتها”.