عنب بلدي – صالح ملص
في آذار عام 2019، وبعد إعلان “النصر” على تنظيم “الدولة” من قبل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، النشطة في المنطقة الشرقية من سوريا والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، حذرت صحف ومراكز أبحاث عربية من أن هذا الإعلان لا يعني نهاية التنظيم أو انتهاء خطره، بل إنه لا يزال “حيًا يُرزق“.
وبعد عام من انتهاء العمليات العسكرية ضد آخر جيب لتنظيم “الدولة” بقرية الباغوز في سوريا، زادت وتيرة العمليات العسكرية والتفجيرات التي تبناها التنظيم في مناطق شمال شرقي سوريا، خاصة في تشرين الثاني الحالي، ما يشير إلى أن التنظيم خرج من مرحلة السكون التي مر بها عام 2019.
وتحدثت شبكة “دير الزور 24” المحلية، في 18 من تشرين الثاني الحالي، عن مقتل قائد “الفوج 137″ في قوات النظام السوري، العميد بشير سليم إسماعيل، مع مجموعة من عناصره، نتيجة اشتباكات مع عناصر تنظيم “الدولة” في بادية محافظة دير الزور شرقي سوريا.
وتبنى تنظيم “الدولة الإسلامية” مقتل العميد، وذكرت وكالة “أعماق”، التابعة للتنظيم، في 21 من تشرين الثاني الحالي، أن مقاتليه قتلوا الضابط بشير إسماعيل مع ستة من جنوده، إثر وقوعهم في كمين لمقاتلي تنظيم “الدولة” في بادية الميادين جنوبي دير الزور.
وأوضحت الوكالة أن مقاتلي التنظيم نصبوا الكمين في بادية الميادين، وتمكنوا من قتل الضابط وجنوده، وتدمير آلية رباعية الدفع مزودة برشاش ثقيل كانوا يستقلونها، ثم انسحبوا من الموقع بسلام.
وذكرت وكالة “أعماق”، في 12 من تشرين الثاني الحالي، أن مقاتلي تنظيم “الدولة” قتلوا 12 عنصرًا من قوات النظام السوري، وعنصرًا من ميليشيا “الدفاع الوطني”، وأحرقوا ثلاث ثكنات لهم، شمالي مدينة السخنة في بادية حمص.
كما امتد نشاط التنظيم إلى مناطق يسيطر عليها “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، فتبنى اغتيال الملازم أول في قوات الشرطة حسين الجبلي، الذي قُتل في مدينة الباب شمال شرقي حلب في نفس يوم الإعلان عن مقتل العميد إسماعيل، وهو الاستهداف الرابع الذي يتبناه التنظيم في تشرين الثاني الحالي.
التنظيم لم يهدأ أصلًا
لم يدخل التنظيم بمرحلة سكون سوى ثلاثة أشهر، وهي الفترة الفاصلة بين إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في آذار عام 2019، عن القضاء على التنظيم، وبين إعلان التنظيم في حزيران من العام نفسه بدء ما أسماها “غزوة الاستنزاف” بعد أن تحول إلى النشاط ضمن ولايات أمنية، برأي الباحث السوري في مركز “جسور للدراسات” عبد الوهاب عاصي، في حديث إلى عنب بلدي.
وكثف تنظيم “الدولة” هجماته على ضفتي “الفرات”، مستهدفًا قوات النظام غربًا، و”قسد” شرقًا، تحت عنوان “غزوة الاستنزاف”.
وقالت وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم، في حزيران عام 2019، إن مقاتليه نفذوا عددًا من العمليات في مناطق الرقة ودير الزور الخاضعة لسيطرة “قسد”، إضافة إلى ثلاث هجمات ضد مواقع النظام في بادية حمص الشرقية.
وكانت “غزوة الاستنزاف” ضد خصوم التنظيم في كل من الأراضي العراقية والسورية، عبر هجمات ينفذها في الجيوب الصحراوية التي يوجد فيها أو عبر الخلايا النائمة.
ولم تخفِ “قسد”، في بيان انتصارها قبل عام، بقاء عناصر من التنظيم على شكل خلايا نائمة، وقالت إنها تتحصن في مناطق نائية بالصحراء السورية، وفي مدن عراقية، مشيرة إلى إمكانية شن هذه الخلايا هجمات كلما سنحت الفرصة.
وينشط التنظيم في منطقة جغرافية واسعة، حيث يتمركز في قلب البادية السورية التي تمتد من ريفي حماة وحمص الشرقيين إلى الحدود العراقية، ومن ريفي دير الزور والرقة شمالي سوريا إلى الحدود الأردنية- السورية.
وبعد هذه “الغزوات” من قبل الخلايا النائمة للتنظيم، ارتفعت وتيرة هجماته بشكل متفاوت نتيجة امتلاك التنظيم القدرة على تذخير وتسليح وتمويل نفسه، وفقًا للباحث عاصي، وذلك من خلال الاستراتيجية الأمنية التي اتبعها والتي استمدها أصلًا من الخبرات التي اكتسبها خلال نشاطه في العراق قبل عام 2013.
أسباب تمنح التنظيم فرصة للعودة
يمتلك عناصر التنظيم صفات تمكنهم من العيش في نظام بيئي صحراوي بشكل طبيعي، على خلاف الأطراف الأخرى في النزاع، بحسب ما يراه الباحث عاصي، ما يجعل التنظيم يحافظ على “جيوب” مقاومة للقوى المحلية، الاجتماعية أو السياسية أو العسكرية، في سياق خططه لإعادة هيكلته والتكيف مع البيئة المحيطة، وهي بيئة معادية في الغالب.
واستغل التنظيم انتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) الذي وصفه بـ”أسوأ كوابيس الصليبيين”، بتكثيف هجماته على عدة جبهات، وإعادة ترتيب صفوفه، بحسب دراسة بحثية أصدرها مركز “عمران للدراسات”، وينظر التنظيم إلى آثار الفيروس كظروف ملائمة لاتخاذ تكتيكات أمنية تتناسب مع مصالحه.
ويمتلك التنظيم أيضًا إمكانية القدرة على النفاذ داخل القوات المحلية سواء الحكومية أم غير الحكومية على اختلافها، بحسب الباحث بمركز “جسور” عبد الوهاب عاصي، مستفيدًا من انتشار الفساد فيها، بما يسهل من نشاطه الأمني، وغياب الحوكمة الأمنية والأمن المحلي والسياسات المتوازنة في التعامل مع السكان المحليين، ما يشكل بيئة ملائمة لنشاط التنظيم.
ويضاف إلى ما سبق، الأهمية الجغرافية للمنطقة الشرقية في تمويل عمليات التنظيم من ناحية السيطرة على حقول النفط هناك، وشن هجمات لتسليح وتذخير عناصره وخلاياه.
وتُنذر التوترات الأمنية في المنطقة الشرقية لسوريا بعودة التنظيم، الذي ينشط خلال أي حالة عدم استقرار تعيشها المنطقة، كما تلعب “الخلايا الهادئة” الموالية لتنظيم “الدولة” دورًا في استمرار التوتر الأمني الداخلي في محافظة دير الزور شرقي سوريا، من خلال تنفيذ العديد من العمليات والحملات الأمنية، وهي لا تزال نشطة في المنطقة، وتنفذ اغتيالات تستهدف المدنيين والعشائر العربية وأعضاء من “الإدارة الذاتية”.
ولا يزال التنظيم يحافظ على “مستوى منخفض” من عملياته داخل المنطقة الشرقية في سوريا، بحسب تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، صدر في 31 من آذار الماضي، بالإضافة إلى قدرته على اتخاذ إجراءات دفاعية محدودة من حيث النطاق والمدة وعدد المقاتلين.
ولدى الإدارة الأمريكية تخوف من قدرة تنظيم “الدولة” على إعادة تشكيل نفسه في البادية السورية في وقت قصير، بحسب التقرير، “بما يتجاوز القدرات الحالية للولايات المتحدة لتحييده دون وجود أرضية تشارك في ذلك”.
كما تتخوف وزارة الدفاع الأمريكية من تطور التوترات الأمنية، وفشل إدارة المنطقة الشرقية من قبل حكومة “الإدارة الذاتية” العاملة هناك، بسبب الخلافات الثقافية والقومية بينها وبين العشائر العربية، وهي نفس الظروف التي سمحت بظهور تنظيم “الدولة”، وتكرارها يعطي مجالًا للظهور مجددًا.