عنب بلدي – لؤي رحيباني
رافقت إعلان “الائتلاف السوري المعارض” عن تشكيل “مفوضية عليا للانتخابات” عدة تساؤلات، فيما إذا كانت خطوة تمثل حضورًا للمعارضة السورية في العملية الانتخابية والتحضير لهذا الاستحقاق، أو أنها تمثل اعترافًا بشرعية النظام السوري في خوض الانتخابات وتعوّمه عن قصد أو غير قصد؟
وعلى الرغم من توضيح رئيس “الائتلاف السوري”، نصر الحريري، في بيان نشره، في 20 من تشرين الثاني الحالي، أكد فيه تمسك “الائتلاف” بهيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات، وتنفيذ مسؤولياته تجاه قرار مجلس الأمن الدولي رقم “2254”، فإن سوريين اعتبروا الدخول في منافسة مع النظام في الانتخابات “ابتعادًا عن ثوابت الثورة”.
وكان “الائتلاف” أعلن، في 20 من تشرين الثاني الحالي، تشكيل “المفوضية”، للمنافسة في أي انتخابات مقبلة في سوريا.
وجاء في نص القرار، أن المفوضية تهدف إلى “تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية، من المنافسة في أي انتخابات مستقبلة رئاسية أو برلمانية أو محلية، وتهيئة الشارع السوري للمشاركة بالاستحقاقات السياسية المقبلة، بما في ذلك خوض غمار الاستحقاق الانتخابي”.
وبحسب “الائتلاف”، يأتي البيان “وفقًا لمقتضيات بيان جنيف رقم 1 والقرار الدولي رقم 2254“.
ومن مهام “المفوضية العليا للانتخابات”، بحسب نص البيان، “وضع خطط واستراتيجيات وتنفيذها، والتحضير للمشاركة بالاستحقاقات السياسية المقبلة، بما في ذلك الاستفتاء على مشروع الدستور، ونشر الوعي للمشاركة فيها”، فضلًا عن “تعزيز شرعية قوى الثورة والمعارضة السورية، وإيجاد آلية كفيلة بتحقيق أوسع مشاركة للسوريين في الداخل والخارج”.
وبحسب قانون الانتخابات السوري، من المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية السورية في نيسان 2021، وهو ما أكده فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السوري، في 12 من تشرين الثاني الحالي.
سعي عبثي للسلطة يخالف وثائق “الائتلاف”
إصدار قرار يقضي بإحداث مفوضية في هذا الظرف، شكّل صدمة بين السوريين المعارضين للنظام السوري، رغم التوضيحات التي صدرت عن “الائتلاف” حول مهام “المفوضية”.
ويرى المحلل السياسي حسن النيفي، في حديث إلى عنب بلدي، أن الحريري يسعى إلى حرق المراحل لترسيخ شرعية “الائتلاف”، كما يسعى لترسيخ وجوده كشخص قابض على “سلطة موهومة”، وفق تعبيره.
وفي رد على توضيح رئيس “الائتلاف” بأن “المفوضية” ستراعي ثوابت الثورة، قال النيفي، “هذا ليس دقيقًا، وكما هي العادة يحاول رئيس (الائتلاف) إضفاء شرعية على قراراته من خلال توفير غطاء لها”، مستشهدًا بتجاوز “الائتلاف” سلة الانتقال السياسي (وفق القرار 2254)، إذ تقتصر المناقشات حاليًا على سلة اللجنة الدستورية فقط، ويواظب النظام السوري على المماطلة في هذا الملف بهدف استثمار الوقت دون أي تفاعل جدي، بينما استبعد النيفي أن يعاد التطرق إلى بقية السلال حاليًا.
بدوره، أكد المحلل السياسي سامر العاني أن هذا القرار جاء برغبة من الحريري للعب دور مستقبلي كبير في سوريا، مع قرب انتخابات ينظمها النظام السوري، ويرى أن هذه الخطوة تدخل في إطار المناكفات الحاصلة بين “الائتلاف” و”الحكومة السورية المؤقتة” التي تنادي بعدم تدخل “الائتلاف” بالعمل التنفيذي وبقرارات الحكومة.
وأشار إلى أن القرار اُتخذ بشكل فردي، إذ كان يجب أن يمر على مركز الدراسات الاستراتيجية في “الائتلاف”، ويعرض على الهيئة السياسية والعامة، ولكن لم يجرِ ذلك.
بحسب وثائق “الائتلاف”، فإنه مع تشكيل “هيئة الحكم الانتقالي” يُحل جسد “الائتلاف” تلقائيًا، وأكد العاني في هذا الخصوص، أن القرار فيه مخالفة واضحة لنظام “الائتلاف” الداخلي، وتساءل قائلًا “كيف ستشكل مفوضية للانتخابات، وفي ذات الوقت يؤكد البيان التمسك بالقرار 2254؟”.
خطوة تؤدي إلى الاعتراف بالأسد
ولفت العاني إلى أن في هذه الخطوة شيئًا من شرعنة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بمعنى أنه إذا خاض الحريري الانتخابات ونجح الأسد، فعلى المعارضة أن تعترف بشرعية الأسد.
بينما قال حسن النيفي، إن “المعارضة أسهمت بتعويم النظام بقصد أو بغير قصد منذ أن قبلت بتجاوز هيئة الحكم الانتقالي والاكتفاء بمناقشة الدستور (من خلال اللجنة الدستورية)، ومن ثم انتخابات تحت سلطة الأسد”.
وفي 21 من تشرين الثاني الحالي، شدد عضو الهيئة السياسية لـ”الائتلاف الوطني السوري” ياسر الفرحان، على رفض “الائتلاف” أي عملية انتخابية يشارك فيها الأسد، أو أي أحد من الضالعين بجرائم ضد الإنسانية من أركان حكمه.
وقال الفرحان في تصريحات إعلامية، نقلها موقع “الائتلاف” الرسمي، إن “الائتلاف الوطني لن يعطي أي شرعية لانتخابات مقبلة في سوريا قبل توفير البيئة الآمنة والمحايدة”، مضيفًا أن ذلك يستدعي بالضرورة بلوغ الانتقال السياسي من خلال تشكيل هيئة حكم انتقالي وفقًا لبيان جنيف وقرارات مجلس الأمن “2118” و”2254″.
سوء فهم.. فكرة “المفوضية” ليست بجديدة
عقاب يحيى، نائب رئيس “الائتلاف السوري المعارض”، علّق في مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، في 20 من تشرين الثاني الحالي، على ردود الفعل حول قرار تشكيل “المفوضية”، معتبرًا أن البعض ربما لم يفهم الهدف من القرار.
وقال يحيى، “هناك لجنة تابعة لهيئة المفاوضات السورية، تعمل منذ سنوات حول العملية الانتخابية، وعلينا التفكير بخيارنا لانتخابات حرة ونزيهة وفقًا لبيان جنيف 1 والقرار 2254”.
وأوضح يحيى أن “الائتلاف يحضّر منذ سنوات لما تطلبه السلال الأربع، بدءًا من الأولى الخاصة بالانتقال السياسي، أو ما صار يعرف بـ(البيئة الآمنة) وما تحتاج إليه من وثائق، والأمر نفسه فيما يتعلق بالعملية الدستورية، ليكون لدينا مشروع صياغة دستور جديد يتوافق أو ينبثق من أهداف الثورة، والأمر ذاته فيما يخصّ السلة الرابعة الخاصة بالانتخابات”.
السلال الأربع التي أعلن عنها المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، ستيفان ديمستورا، عام 2017، هي: الأولى لإنشاء حكومة جديرة بالثقة، وشاملة للجميع غير طائفية خلال ستة أشهر، والسلة الثانية لبدء عملية صوغ دستور جديد خلال ستة أشهر أيضًا.
أما السلة الثالثة فتتضمن مناقشة إجراء انتخابات حرة نزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل أعضاء من الجالية في المهجر التي يحق لها التصويت، وتكون بعد وضع الدستور في غضون 18 شهرًا، والرابعة مناقشة استراتيجية مكافحة الإرهاب. |
وتابع يحيى، “رغم إدراكنا أن النظام لن يوافق لا على التقدّم في اللجنة الدستورية ولا على العملية السياسية، وأن الاتجاهات الواضحة، بدعم روسي وإيراني، لإجراء انتخابات وفقًا للوضع القائم، ودون أي تغيير في الأجهزة الأمنية، والمؤسسة العسكرية وبقية الإجراءات المطلوبة، كإطلاق سراح المعتقلين، ومعرفة مصير المفقودين، وإطلاق ممرات الإغاثة، وغير ذلك من شروط لا بدّ من توفرها، وفي الأساس منها إشراف الأمم المتحدة كاملاً عليها”.
وأضاف نائب رئيس “الائتلاف”، “لأننا ندرك أن ذلك غير متوفر، فموقفنا المسبق معروف بمقاطعة انتخابات كهذه، وسيكون لنا خيارنا الذي نعمل على تهيئة مقوماته في ميادين مختلفة”.
وأكد أن “موقف الائتلاف واضح وملتزم بثوابت الثورة، وبعملية انتقال سياسي تفضي إلى تغيير جذري للنظام، وإقامة النظام البديل المدني التعددي الديمقراطي الذي لا مكان فيه لرئيس النظام، بشار الأسد، وكبار رموزه”.