عنب بلدي – مراد عبد الجليل
“المخيم لا يأبه بجراح الحاضر لأن وظيفته ذاكرة الفلسطيني في بوصلة العودة، ومهنته أن نربي الوجع ولا ننسى، اسمه مخيم وأثره كوطن… مخيم اليرموك”، بهذه الكلمات وصفت الباحثة مجد يعقوب مخيم “اليرموك” جنوبي العاصمة دمشق، الذي يحمل عدة ألقاب أشهرها “عاصمة الشتات الفلسطيني”، “رمز العودة”، “الوطن الآخر”.
يعقوب اعتبرت، في كتابها “مخيم اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني” الصادر في 2015، أن المخيم جزء مؤصل من القضية الفلسطينية، كونه “احتوى اللاجئين الفلسطينيين، الذين بدورهم حملوا الوطن معهم في أسماء أولادهم وشوارعهم والأحياء التي سكنوها… في كل جزء تجد رائحة الوطن”.
لكن هذه الشوارع والأحياء التي تحدثت عنها الكاتبة، وتحمل أسماء مدن وقرى وشهداء فلسطين، في طريقها إلى الزوال والمحو، بعد إصدار محافظة دمشق مخططًا تنظيميًا للمنطقة، في حزيران الماضي، يتضمن بناء مجمعات سكنية وأبراج، دون مراعاة هوية المخيم بالنسبة للفلسطينيين.
وعلى مدى العقود السبعة الماضية، ارتبط الحلم لدى اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بالعودة إلى ديارهم في أرض فلسطين بعد سنوات عاشوها بمخيمات اللجوء، إلا أنهم اليوم يبحثون عن حلم وحق عودة جديد، هذه المرة ليس إلى فلسطين، وإنما إلى “عاصمة الشتات”، بعد محاولة نسفه بشكل نهائي على الرغم من رمزيته وأهميته، باعتباره من أكبر المخيمات الفلسطينية في دول اللجوء.
وأثار المخطط غضب الفلسطينيين بمختلف انتماءاتهم ووظائفهم، من حقوقيين ومهندسين وسياسيين، فانبروا دفاعًا عن حقوقهم عبر تقديم اعتراضات وصلت إلى الآلاف لأول مرة في تاريخ الاعتراضات في سوريا، في دلالة واضحة على رفض المساس بعاصمتهم، كما انبرى الحقوقيون والمهندسون إلى تفنيد المخطط الجديد، وإظهار عيوبه القانونية والهندسية.
ويوجد تحفظان رئيسان على المخطط التنظيمي، قانوني وهندسي، وتحاول عنب بلدي من خلال لقائها مع عدد من الحقوقيين والمهندسين الفلسطينيين، ومن خلال رصدها للأحداث التي سبقت طرح المخطط، تسليط الضوء على أبرز الثغرات، إلى جانب الخطوات التي اتخذتها محافظة دمشق لوضع يدها على المنطقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى سلب واستملاك أملاك اللاجئين العقارية لأهداف تجارية وسياسية.
إلغاء المخيم.. هدف خطط له النظام السوري؟
في 25 من حزيران الماضي، عقد مجلس محافظة دمشق جلسة استثنائية، وأعلن فيها الموافقة على إعلان المصوّر التنظيمي لمخيم “اليرموك”، قبل طرحه إلى العموم وبدء تلقي الاعتراضات عليه من قبل أصحاب الحقوق وأهالي المنطقة، التي وصل عددها إلى الآلاف، بحسب حقوقيين فلسطينيين.
ويعتبر الأحد 9 من آب الحالي، آخر أيام الاعتراضات، لتعقد عقب ذلك اللجنة الإقليمية برئاسة محافظ دمشق، عادل العلبي، جلسة لدراسة الاعتراضات ومعالجتها وتعديل الدراسة وفق المحقة منها، قبل إحالة المخطط إلى المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة الذي يرفعه بدوره إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان من أجل تصديقه وإصدار مرسوم ناظم له وفق أحكام “القانون 23” لعام 2015، بحسب ما أعلنته المحافظة عبر صفحتها في “فيس بوك“.
المخطط فاجأ كثيرين من الأهالي لسببين، الأول أنه يلغي هوية المخيم ويغير تنظيمه الهندسي وتركيبته السكانية، كما يلغي شوارع وحارات وأسواقًا ارتبطت بذاكرة الفلسطينيين على مدى العقود الماضية، والسبب الثاني يعود إلى وجود مخطط سابق للمخيم صادر في 2004 ومصدق في 2013، ومتوافق عليه من الأطراف المعنية كافة (الأهالي والهيئات).
إلا أن آخرين لم يتفاجؤوا بصدوره، لأنهم كانوا على يقين أن النظام السوري يدبّر أمرًا خفيًا لمخيم “اليرموك” لإلغائه نهائيًا، معتمدين في ذلك على سرد خطوات سابقة اتخذها النظام السوري، خلال السنوات الماضية، على الصعيد العسكري والإداري، بحسب ما أشار إليه محامون فلسطينيون التقتهم عنب بلدي.
عسكريًا: مجازر.. حصار.. تدمير
على الصعيد العسكري، بدأ مخيم “اليرموك” بدخول حلبة الصراع بعد عام على بدء الثورة السورية، عبر قصفه من قبل النظام السوري، وخاصة فيما يعرف بمجزرة “جامع عبد القادر الحسيني” و”مدرسة الفالوجة”، في 16 من كانون الأول 2012، عندما استهدفته طائرة حربية، ما أسفر عن مقتل وجرح أكثر من 200 شخص، بحسب “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا“.
وكان القصف رسالة واضحة من قبل النظام لأهالي المخيم بالتصعيد، ما دفع أكثر من 80% منهم إلى النزوح عنه، أما من بقي منهم فقد عانى ما بين عامي 2013 و2018، من حصار فرضته قوات النظام، بمشاركة ميليشيات فلسطينية رديفة لها، إلى جانب الاستمرار في قصف المخيم بصورة عشوائية، وتجويع السكان عبر منع إدخال المساعدات الغذائية والطبية، ما أدى إلى وفاة أكثر من 200 شخص، بحسب ما وثقته “مجموعة العمل” وأفادت به عنب بلدي.
ويرى الكاتب والمحامي الفلسطيني أيمن أبو هاشم، في حديث إلى عنب بلدي، أن النظام أكد على نواياه في تغيير هوية المخيم الديموغرافية، وشطب خصوصيته الوطنية، من خلال تدمير ممنهج لأجزاء واسعة طالت أغلبية أحياء المخيم بدعم الطيران الروسي ما بين شهري نيسان وأيار من عام 2018، بذريعة طرد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وعقب ذلك لم يسمح النظام السوري للأهالي بالعودة إلى المخيم بعدة حجج، منها عدم الانتهاء من ترحيل الأنقاض، ووجود متفجرات، وصولًا إلى عدم صلاحية المنازل إلى السكن بسبب الدمار.
تبعية المخيم من اللجنة إلى المحافظة
أما على الصعيد الإداري، فسبق صدور المخطط إلغاء ما يسمى اللجنة المحلية لمخيم “اليرموك”، من قبل رئيس حكومة النظام السوري السابق، عماد خميس، الذي أصدر القرار “رقم 61″، في 11 من تشرين الثاني 2018، المتضمن إحلال محافظة دمشق محل “اللجنة المحلية لمخيم اليرموك”، بما لها من حقوق وما عليها من التزامات، ووضع العاملين في اللجنة المحلية لمخيم “اليرموك” الذين هم على رأس عملهم تحت تصرف محافظة دمشق.
وأُسست اللجنة المحلية في عام 1964، وكانت تابعة لوزارة الإدارة المحلية، ومهمتها، بحسب كتاب صادر عن رئيس مجلس الوزراء في أيار 1987، “حصر مهمة لجنة اليرموك بتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، وإدارة العقارات التابعة للمؤسسة العامة للاجئين الفلسطينيين، وبما لا يتعارض مع أنظمة البناء النافذة في المحافظة والشروط العمرانية المقررة فيها، ومنع التصرف بالعقارات المخصصة لإيواء اللاجئين”.
وبرر وزير الإدارة المحلية والبيئة، حسين مخلوف، إحلال اللجنة بأنه من أجل “تسخير الطاقات الكبيرة المتوفرة لدى محافظة دمشق من إمكانات وكوادر وخبرات، من أجل إعادة تأهيل البنى التحتية لمخيم اليرموك، وبالتالي تسهيل عودة المهجرين من أبناء المخيم إليه”، بحسب ما نقل عنه موقع مجلس الوزراء، في 11 من تشرين الثاني 2018.
لكن الحقوقي الفلسطيني أيمن أبو هاشم اعتبر أن إلحاق التبعية الإدارية لمخيم “اليرموك” إلى إحدى دوائر الخدمات في محافظة دمشق، يأتي من أجل “تفرد المحافظة في وضع المخطط الجديد، في غياب أي جهة تمثل مصالح وحقوق اللاجئين في ملكياتهم العقارية، وعدم إفساح المجال لأي لاجئ، أصالة عن نفسه أو من خلال وكيله القانوني، للتواصل مع لجان تقييم الأضرار، أو إبداء الرأي أو تقديم الاعتراض المسبق”.
وكانت “اللجنة المحلية لمخيم اليرموك” تعتبر وحدة إدارية تتبع بشكل مباشر لوزارة الإدارة المحلية، ولا تخضع لوصاية محافظة دمشق، بحسب ما قاله المحامي الفلسطيني عمار القدسي، لعنب بلدي، ويُعيّن رئيس اللجنة وإدارتها من قبل “الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين”، بعد التشاور مع “القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي- التنظيم الفلسطيني”، وتشرف اللجنة على تراخيص البناء والنواحي الخدمية، ولديها صلاحيات مشابهة لصلاحية مجالس البلديات.
كل ذلك أعطى اللجنة المحلية استقلالية إدارية، ما مكنها من رسم الخطط التطويرية والعمرانية والخدمية، دون تدخل من قبل محافظة دمشق، التي حاولت سابقًا إدراج المخيم ضمن نطاق مخططاتها التنظيمية فيما يسمى “إقليم دمشق الكبرى“، لكن خصوصية اللجنة المحلية وتبعيتها بشكل مباشر لوزارة الإدارة المحلية حال دون ذلك، بحسب المحامي عمار القدسي.
وأوضح القدسي أنه بإلغاء اللجنة المحلية ووضعها في تصرف المحافظة، صار المخيم خاضعًا لقوانين المحافظة الخاصة بالتنظيم وخاصة القانون “رقم 10” والقانون “رقم 23“، ما يعني إزالته باعتباره منطقة مخالفات، وإحداث منطقة تنظيمية جديدة، ما قد يؤدي إلى تقويض اعتباريته كمخيّم، ليكون تحت تعريف جديد كحي من أحياء مدينة دمشق.
وكان مدير دوائر الخدمات في محافظة دمشق، طارق النحاس، أكد، في 11 من تموز 2018، أي قبل قرار إلغاء “اللجنة المحلية لمخيم اليرموك” بأربعة أشهر، في اجتماع لوزارة الإدارة المحلية، أن “مخيم اليرموك يتبع للجنة المحلية في وزارة الإدارة المحلية، ودوائر الخدمات في محافظة دمشق لا يمكنها تنفيذ أي مشروع في المنطقة كونه لا يتبع لها.”
من جهته، اعتبر المهندس الفلسطيني خالد حمدان، في حديث إلى عنب بلدي، أن محافظة دمشق سلكت ومهّدت كل الطرق القانونية لتغيير الطابع العمراني والسكاني والهوية والهدف الذي أُنشئ من أجله المخيم، مشيرًا إلى أن المادة الخامسة من القانون “رقم 23” الصادر في 2015، تنص على تطبيق التنظيم على المناطق المصابة بكوارث طبيعية من زلازل وفيضانات أو التي لحقها الضرر نتيجة الحروب والحرائق.
ثغرات قانونية وهندسية
بعد صدور المخطط التنظيمي للمخيم، بدأ الفلسطينيون بالتحرك لإيقافه على الأصعدة كافة، سياسيًا عبر إصدار بيانات الرفض، أو عبر إظهار الثغرات في المخطط، التي تنقسم إلى قسمين، ثغرات قانونية، وأخرى هندسية، من قبل حقوقيين ونقابات هندسية فلسطينية.
من الجانب القانوني، حدد الحقوقي الفلسطيني أيمن أبو هاشم، في حديثه إلى عنب بلدي، الخروقات القانونية للحقوق العينية العقارية المكتسبة للأهالي، ومنها تفرد محافظة دمشق بوضع المخطط الجديد، في غياب أي جهة تمثل مصالح وحقوق اللاجئين في ملكياتهم، وعدم التواصل مع لجان تقييم الأضرار، أو إبداء آرائهم أو اعتراضاتهم المسبقة، على المعايير التي اتبعتها الشركة العامة للدراسات الهندسية، في تصنيفها المخيم وفق نسب الأضرار.
كما تحدث أبو هاشم عن مدة الاعتراض، وهي شهر واحد فقط، وعلى الرغم من وجود آلاف الاعتراضات، فإن آمال إيقاف المخطط ضئيلة، لأن اللجنة التحكيمية المختصة بالنظر بطلبات الاعتراض، والمؤلفة من قاضٍ يعيّنه وزير العدل وثلاثة أعضاء يمثلون الدولة وعضو يمثل المالكين، لا تتمتع بالاستقلالية المطلوبة للنظر بموضوعية في حيثيات الاعتراضات، وهي مراجع صورية وشكلية، لإسباغ الشرعية القانونية على أعمال تعسف السلطة.
مالك “إذن السكن”.. المتضرر الأكبر
تجاهل المخطط الجديد الحقيقة العمرانية للمخيم بأنه “منطقة عقارية واحدة، تضم أحياء وحارات المخيم كافة، بمسمياتها المذكورة”، التي أكدها المخطط الصادر في 2004، أما المخطط الجديد فقسّم المخيم إلى ثلاث مناطق بسبب الأضرار التي لحقت به جراء الحرب، ما يعني إعادة تصنيف المخيم كمناطق ذات أوصاف عقارية مختلفة، وتجزئة الوحدة العقارية للمخيم، لمنع إعادة إعماره وفق المخطط القديم.
وبحسب المخطط، الذي نشرته صحيفة “الوطن” المحلية، فإن مساحة مخيم “اليرموك” البالغة 220 هكتارًا، تقسم إلى ثلاث مناطق، الأولى صُنفت بأنها عالية الأضرار، وتبلغ مساحتها 93 هكتارًا، والثانية صُنفت كمتوسطة الأضرار، ومساحتها 48 هكتارًا، والثالثة خفيفة الأضرار، ومساحتها 79 هكتارًا.
وأوضح أبو هاشم أن شمول المنطقتين، الكبيرة والمتوسطة الأضرار، بإعادة التنظيم، يعني بالضرورة إزالة ما يزيد على 60% من أراضي المخيم، وتحويلها إلى أبراج سكنية وأسواق تجارية وحدائق عامة، مشيرًا إلى أن المخطط اعتبر المساكن المسجلة في قيود الهيئة العامة لمؤسسة اللاجئين بموجب “إذن سكن”، بمثابة إنشاءات وأنقاض، لا تشملها قوانين التملك، لأنها أُقيمت على أراضٍ مؤجرة من الدولة، وبالتالي لا يحق لأي لاجئ يملك إذن سكن أن يطالب بسكن بديل.
وتختلف أنواع الملكيات في مخيم “اليرموك”، وتصل إلى خمسة أنواع حددها المحامي عمار القدسي، أولها “سند التمليك الدائم”، ويسمى عرفًا بـ”الطابو الأخضر”، وهو عبارة عن وثيقة رسمية تُثبت ملكية شخص ما لعقار معيّن، لكن نسبة المالكين بهذا السند لا تتجاوز 6% من سكان المخيم، بحسب القدسي، الذي حدد أنواعًا أخرى من الملكية، وهي “وكالة كاتب عدل غير قابلة للعزل”، و”قرار محكمة”، و”عقد بيع قطعي”.
أما النوع الخامس من العقارات فهي التي يمتلك سكانها “إذن السكن”، وهي وثيقة كانت “الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين” تؤكد من خلالها منح اللاجئ الفلسطيني قطعة أرض تتراوح بين 50 و70 مترًا من أجل الإعمار، على أن تبقى ملكية الأرض للدولة السورية الممثلة بـ”الهيئة”، أما صاحب العقار فله الإنشاءات المشيّدة على الأرض.
اطلعت عنب بلدي على وثيقة “إذن سكن” جاء فيها أن “الأرض تعود ملكيتها للدولة ممثلة بالهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين، والإنشاءات عليها تعود لصاحب العلاقة. هذه الوثيقة لا تصلح نهائيًا للكاتب بالعدل، ولا تمنح صاحبها حق البيع أو التنازل دون الحصول على موافقة الهيئة العامة، ويعتبر أي إجراء من هذا القبيل باطلًا”.
وأشار القدسي إلى أنه وفقًا لقوانين التنظيم الصادرة، وخاصة القانون “رقم 10″، فإن التعويض سيكون على الأرض فقط، ما يعني تضرر نسبة كبيرة من سكان المخيم.
ثغرات هندسية
أما من الجانب الهندسي فتواصلت عنب بلدي مع “الاتحاد العام للمهندسين الفلسطينيين- فرع تركيا”، للوقوف على الثغرات الهندسية في المخطط، إلا أنها لم تلقَ جوابًا، كما تواصلت مع مهندسين في العاصمة دمشق، إلا أنهم رفضوا التعليق لمخاوف أمنية.
لكن “الاتحاد العام للمهندسين الفلسطينيين- فرع سوريا” أصدر بيانًا توضيحيًا حول المخيم، واعتبر أن المخطط يفتقر إلى المهنية، ويتسم بعدم الوضوح والعشوائية باختيار المناطق التي يراد تنظيمها، متسائلًا لماذا يجري تنظيم منطقة “شارع 15” علمًا أنها حديثة التنظيم، وهي أفضل من مثيلاتها في حيي المزة- الشيخ سعد أو الميدان في دمشق.
واعتبر البيان أن أكثر من 80% من أبنية المنطقة قابلة للسكن، بعد القيام بصيانة بسيطة للبيوت، وأن المتضرر بشكل كامل لا يتجاوز 20% من الأبنية، مع العلم أنه يمكن تدعيم بعضها وإيجاد حلول هندسية لمنع هدمها والاستفادة منها.
أما “الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب”، التي شكلت لجنة خاصة لدراسة المخطط ووضع ملاحظاتها عليه، فأصدرت بيانًا، في 19 من تموز الماضي، اعتبرت فيه أن نسبة الدمار التي اعتمدتها “الشركة العامة للدراسات الهندسية”، التي أعدت المخطط التنظيمي لـ”اليرموك”، “هي نسبة مبالغ بها، كونها وُضعت بإرادة منفردة من قبل الشركة، ودون العودة إلى أصحاب الحقوق من كتلة المالكين أو من يمثلهم أصولًا”.
وأكدت اللجنة التي شكلتها “الهيئة” أنه، بحسب الدراسة التي أعدتها سابقًا، في 2018، فإن نسبة الدمار لا تتجاوز 20% في العقارات المستملكة لمصلحة “الهيئة”، مطالبة بتشكيل لجنة مشتركة مع “الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب” و”دائرة خدمات اليرموك” وممثلين عن المجتمع في المخيم للوقوف على نسبة الدمار الحقيقية ورفع تقريرها بذلك.
وشمل المخطط التنظيمي عقارات مستملكة لمصلحة “الهيئة”، بحسب بيان اللجنة، وهي في “طرفي شارع اليرموك- شارع القدس، شارع الكرامة، شارع عطا الزير، شارع نوح إبراهيم، شارع عبد الله الأصبح، شارع عبد الرحيم الحاج محمد وجاداتهم، امتداد شارع القدس باتجاه دوار فلسطين، بما فيها الجادات المتفرعة منه، سعيد العاص، شارع بولعيد، أبو القاسم الشابي، زكي الأرسوزي، باتجاه مقبرة الشهداء القديمة وحتى المركز الثقافي، والشريط الممتد من مركز حلوة زيدان حتى مستوصف محمد الخامس التابع لوكالة الغوث (أونروا)”.
كما شمل المخطط أملاكًا خاصة للاجئين الفلسطينيين، ومنها “شارع الـ15” وبناء “مجمع الخالصة” التابع لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة”.
وقالت “الهيئة” إن الاتفاق كان مع “الشركة العامة للدراسات الهندسية” بعدم المساس بهذه العقارات وإبقائها خارج التنظيم.
وطالبت “الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب” بإيقاف المخطط والعودة عنه، وإبقاء مخيم “اليرموك” خاضعًا للمخطط التنظيمي الصادر في 2004 والمصدّق في 2013، أو التعديل على المخطط الحالي بما تم الاتفاق عليه سابقًا مع “الشركة العامة للدراسات الهندسية”.
ونص الاتفاق على “المحافظة على منطقة المخيم القديم، المحصور بين شارعي اليرموك وفلسطين وشارع الثلاثين جنوبًا”، كون أغلبية العقارات في المنطقة مملوكة من قبل “الهيئة”، إضافة إلى المحافظة على المنطقة الغربية لشارع “اليرموك”، باستثناء الشريط المتضرر المحاذي لشارع “الثلاثين”، وإعادة تفعيل دور “اللجنة المحلية لمخيم اليرموك”، والسماح للأهالي بالعودة إلى منازلهم مباشرة.
كما أصدرت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” تقريرًا توثيقيًا سلّط الضوء على المخاطر الكامنة وراء المخطط التنظيمي الأخير الذي طرحته محافظة دمشق لمخيم “اليرموك”، وأوضحت أن ما يزيد على 50% من الأبنية والبيوت والمحلات في المخيم ستقضم في التنظيم الجديد دون تعويض معظم أصحابها عن هذا الفقدان، بينما سيحصل بعضهم على أسهم تنظيمية لا تعادل نصف مساحة عقاراتهم.
كما قال مدير الدراسات الفنية في محافظة دمشق، معمر دكاك، خلال جلسة لمجلس المحافظة، في 6 من تموز الماضي، إن سكان “اليرموك” والقابون لن يحصلوا على سكن بديل نتيجة تنظيم المنطقتين، وإنما ستكون لهم أسهم تنظيمية.
فلسطينيو سوريا يتّحدون في وجه المخطط
أثار المخطط غضب واستنفار فلسطينيي سوريا بمختلف توجهاتهم السياسية، إذ بلغ عدد الاعتراضات المقدمة من قبل الأهالي ضد المخطط التنظيمي في محافظة دمشق أكثر من عشرة آلاف اعتراض، بحسب ما نقلته “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” عن محامين داخل دمشق.
وقالت المنظمة الحقوقية، إن الاعتراض على المخطط يعتبر الأكبر في تاريخ سوريا، وبآلاف المرات من أي مخطط تنظيمي آخر، واعتبرت أن حجم الاعتراضات دلالة واضحة على رفض الأهالي بشكل مطلق للمخطط التنظيمي، مطالبة محافظة دمشق بالاستجابة لمطالب الأهالي وإيقاف تنفيذ المخطط.
كما جرت اتصالات ولقاءات من قبل قيادات الفصائل وهيئات فلسطينية مع جهات سياسية في النظام السوري، إضافة إلى رفع مذكرة إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، تحدد الأبعاد السياسية ورمزية مخيم “اليرموك”، وتطالب بإعادة النظر بقرار محافظة دمشق، بحسب ما أكده الأمين العام لـ”جبهة النضال الشعبي الفلسطيني”، خالد عبد المجيد، في مقابلة مع وكالة “القدس للأنباء“.
كما رفضت حركة “حماس” الفلسطينية المخطط التنظيمي، وعبّر رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة بالخارج، رأفت مرة، عن رفضه أي محاولة لتغيير طابع مخيم “اليرموك”، أو إجراء تغيير في ملكية الأهالي، أو نقل الأهالي إلى أماكن أخرى، سواء تحت عنوان مخطط توجيهي أو غيره، بحسب الموقع الرسمي لـ“حماس”، في 21 من تموز الماضي.
وطالب مرة بالسماح لأهالي المخيم بالعودة وإعمار ممتلكاتهم والإقامة في المخيم، بالتوازي مع إعادة إعمار المخيم، وإعادة جميع اللاجئين، داعيًا إلى تثبيت اللاجئين في المخيم وبأماكنهم وممتلكاتهم القديمة التي كانوا يشغلونها.
أما المسؤول الأمني والعسكري في “الجبهة الشعبية- القيادة العامة” الفلسطينية، خالد أحمد جبريل، فحمّل أهالي مخيم “اليرموك” مسؤولية ضياعه، وليس المخطط التنظيمي الصادر عن محافظة دمشق.
وقال جبريل، في تسجيل نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، في 19 من تموز الماضي، إن “الذي باع اليرموك ليست محافظة دمشق، وإنما سكان المخيم الذين تركوه للبيع وغادروا إلى أوروبا”.
من جهته، قال المهندس خالد حمدان لعنب بلدي، إن “تجار الأزمات والفاسدين يسعون إلى تحويل المخيم إلى أبراج لقربه من مدينة دمشق ولغايات أخرى”، معتبرًا أنه يجب أن يكون هناك قرار سياسي يجبر المحافظة وغيرها على تغيير سياستها وتفكيرها تجاه المخيم وسكانه، وهناك مكتب لـ“رئاسة الجمهورية” يستقبل الشكاوى، ولا أعتقد أن أمرًا كهذا لم يصل إليه.
استطلاع: النظام لن يتراجع
لكن هذه الاعتراضات وإمكانية تراجع محافظة دمشق عن المخطط، لا تتوافق مع آراء متابعي عنب بلدي على مواقع التواصل الاجتماعي.
فوفقًا لاستطلاع أجرته عنب بلدي عبر صفحتها في “فيس بوك” بشأن إمكانية إيقاف المخطط، اعتبر 85% من مجموع المصوّتين، وعددهم أكثر من 200 شخص، أن النظام لن يوقف المخطط، في حين ترى البقية أن هناك إمكانية لذلك.
“اليرموك”.. عاصمة الشتات
أُنشئ مخيم “اليرموك” عام 1959 من القرن الماضي، وجرى إلحاقه لجهة الخدمات ببلدية يلدا القريبة منه، قبل فصله في 1962 بموجب قرار وزارة الشؤون البلدية آنذاك، التي فوضت مؤسسة “اللاجئين الفلسطينيين العرب” بتأليف لجنة محلية تقوم بمهام المجلس البلدي وتخضع للإشراف الوصائي للمؤسسة، وتقدم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، وتدير العقارات التابعة لـ”المؤسسة العامة للاجئين”.
يعتبر “اليرموك” أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين من حيث المساحة، التي تصل إلى 220 هكتارًا، على بعد ثمانية كيلومترات جنوبي مركز العاصمة، وهو الأكبر من حيث عدد السكان أيضًا، إذ كان يسكنه قبل الثورة السورية أكثر من 230 ألف لاجئ فلسطيني، بحسب إحصائيات حصلت عليها عنب بلدي من “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”.
وعرف المخيم تحولًا مفصليًا في الثورة السورية، عندما قصفت طائرات النظام السوري جامع “عبد القادر الحسيني”، بحجة دخول من يسميهم النظام “مسلحين” إليه، ونزح 80% من سكانه إلى أماكن مختلفة.
وشهد المخيم معارك بين فصائل “الجيش الحر” وقوات النظام، وسط انقسام الفصائل الفلسطينية بين الجانبين، قبل سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على ثلثي المخيم عام 2015.
لكن قوات النظام سيطرت بشكل كامل على منطقة الحجر الأسود ومخيم “اليرموك”، في أيار 2018، بعد عملية عسكرية استمرت شهرًا، طُرد خلالها تنظيم “الدولة” من المخيم، غداة اتفاق إجلاء غير رسمي نُقل بموجبه عناصر التنظيم إلى بادية السويداء.
وبحسب إحصائيات “مجموعة العمل”، فإن حوالي ثلاثة آلاف عائلة من مخيم “اليرموك” موجودون حاليًا في بلدة يلدا، وخمسة آلاف عائلة في قدسيا، وهناك المئات من العائلات سكنت في منطقة جرمانا ومخيمها، ونحو 100 عائلة في جديدة الفضل التابعة إداريًا لمحافظة القنيطرة، و300 في جديدة عرطوز، وكذلك في صحنايا، وخربة الورد، وغيرها من المناطق.
خارجيًا، لجأت حوالي خمسة آلاف عائلة إلى لبنان، إضافة إلى مئات الأُسر التي خاطرت بأنفسها وألادها وركبت قوارب الموت للوصول إلى دول أوروبا بحثًا عن الأمن والأمان، وتوزعت بحسب متابعات ورصد “مجموعة العمل” على أكثر من 20 دولة.
ويوجد حاليًا في مخيم “اليرموك” ما بين 100 و150 عائلة، قسم من العائلات هم ممن عايشوا حصار مخيم “اليرموك”، وعاشوا فيه طوال تلك الفترة، التي استمرت من عام 2013 حتى 2018، أما القسم الآخر فهم عائلات عناصر الفصائل الفلسطينية التي قاتلت إلى جانب النظام السوري.
وتعتبر شوارع “الثلاثين” و”لوبية” و”صفد” من أشهر الشوارع في مخيم “اليرموك”، واشتهرت بأسواقها ومحلاتها الشعبية.