عنب بلدي – تيم الحاج
يحاول تنظيم “الدولة الإسلامية” رسم خريطة عمليات ينفذها في آسيا وإفريقيا، ازدادت منذ مقتل زعيمه السابق، “أبو بكر البغدادي”، في تشرين الأول 2019، بغارة أمريكية في سوريا.
تأخذ سوريا وجارتها العراق، حيث كان النفوذ الأكبر للتنظيم، حيزًا كبيرًا من هذا النشاط، وفق ما تنشره الآلة الإعلامية للتنظيم، ما يدعو للتساؤل عن أهداف التنظيم المستقبلية، وما إذا كان يبحث عن موطئ قدم ليعلن عن دولته مجددًا، مستذكرًا ما قام به في 2014، خاصة أنه بات يمتلك زعيمًا جديدًا وناطقًا باسمه، هدد في رسالته الأخيرة جميع من يعادي التنظيم بحرب طويلة الأمد وتبدلات مهمة في المشهد، وخاصة في الدول العربية.
تكيّف مع الهزيمة.. نسج علاقات
الخبير في الجماعات الإسلامية الدكتور هشام الهاشمي، يرى أن قيادة التنظيم الجديدة بقيادة “أبو إبراهيم القرشي”، قد تعمل على مراجعة علاقاتها مع الفصائل المسلحة الأخرى لإحداث مصالحة مع المجتمع السني.
وقال الهاشمي، لعنب بلدي، إن التنظيم في سوريا والعراق أخذ يتكيف مع الهزيمة، ويطور طرائقه من أجل البقاء أطول مدة ممكنة في المنطقة، دون الاضطرار إلى هجرها بشكل كلي تجاه مناطق ينشط فيها حاليًا كغرب إفريقيا وشرق آسيا.
ولفت إلى أن هذا التكيف لن يحدث إلا في حال العمل على مبدأ جديد في العلاقات مع البيئات التي يتستر فيها التنظيم، وهو ما وصفه بمبدأ “تدمير وإبعاد عيون القوات الأمنية من الموارد البشرية المتعاونة مع دوائر الاستخبارات”.
ويبدو أن هذا المبدأ معمول به عند التنظيم، ويتجلى في حملات الاغتيالات المتسلسلة والمنظمة التي يقوم بها، وفق الهاشمي.
واستعاد التنظيم نشاطه على الرغم من فقدانه السيطرة على الأرض، خاصة في سوريا والعراق، منذ مطلع 2019، وزاد من ذلك بعد مقتل زعيمه “أبو بكر البغدادي”، والمتحدث السابق باسمه “أبو حسن المهاجر” في سوريا، في تشرين الأول 2019.
في سوريا والعراق.. على ماذا يعتمد
ينشط تنظيم “الدولة” حاليًا في كل من سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن ووسط إفريقيا والصومال وباكستان، وغيرها، عبر هجمات تنفذها خلاياه في تلك المناطق.
ويعتقد الهاشمي أن مستقبل التنظيم في العراق وسوريا مرتبط إلى حد كبير بمدى استعداده لمراجعة أطروحاته المنهجية الأحادية، وأهدافه القتالية، واستراتيجياته، للاستفادة من دروس الماضي.
تنظيم “الدولة” يعد أحد أهم التنظيمات المصنفة على أنها “إرهابية”، بحسب الهاشمي، ويعتمد بصورة أساسية على الدمج بين القدرات التقليدية للجيوش النظامية، وتلك التي تُستخدم في حروب العصابات.
ويوضح الهاشمي أن هذا الدمج يتجسد في نجاح التنظيم بالاستيلاء على معدات وأسلحة الجيش العراقي، خاصة بعد انهياره في محافظة نينوى، بالإضافة لاستيلائه على أسلحة كانت موجهة لمجموعات سورية تصفها حكومات غربية بـ”المعتدلة”، وقدرته على استخدام هذه الأسلحة.
ويرجع ذلك بصورة أساسية، بحسب الهاشمي، إلى أن جانبًا من كوادر التنظيم، وبعض قياداته العليا، كانت قد خدمت في الجيش العراقي، وهو ما أعطاها قدرة على استخدام هذه الأسلحة، بالإضافة إلى قدرة التنظيم على التخطيط لحملات عسكرية وتنفيذها، إذ يتمتع بالقدرة على تحديد القوة البشرية والمادية الواجب نشرها على الجبهات المختلفة، بما يعنيه ذلك من امتلاكه القدرة على القيادة والسيطرة، وهو الأمر الذي مكّنه من شن عدة عمليات هجومية على أكثر من جبهة.
القيادة الجديدة
يرفض قادة التنظيم الجدد مقولة إن القوى المحلية من القوات المسلحة العراقية والسورية النظامية والشعبية هي التي كانت سبب هزيمتهم، وطردهم من المناطق السنية في العراق وسوريا، التي كانوا يسيطرون عليها بين عامي 2014 و2019، وإنما هم مؤمنون بأن سلاح الجو للتحالف الدولي وأدواره الاستخباراتية كانت وراء الهزيمة، وفق رأي الهاشمي.
وقال إن قيادة التنظيم الجديدة تعد من أهم الكوادر الوسطية والميدانية في مرحلة التأسيس للتنظيم في فترة 2010 و2014، وأنها تمتلك تجربة في الإدارة المالية والعمليات المخابراتية.
وأضاف الهاشمي أن متابعة نشاط التنظيم منذ مقتل “أبو بكر البغدادي”، تُظهر بداية عهد جديد للتنظيم، رُصدت خلاله جملة من الخطوات المنهجية والتنظيمية والاستراتيجية المقبلة، لهؤلاء القادة الجدد.
منها الحرص على ارتباط التنظيم بفكر “أبو مصعب الزرقاوي” المعروف بكونه الأشدّ دموية بين أقرانه من القادة “الجهاديين”، إضافة إلى الاعتماد على مبدأ “حرب الإنهاك المجهد الدائمة” التي تقوض الاستقرار في أي نظام، إذ لا يمكن أن يكون أي نظام مستقرًا سياسيًا في ظل وجود أزمات أمنية، تستهدف الأمن الاقتصادي والاجتماعي، بحسب الهاشمي.
وكانت وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم نشرت كلمة صوتية للمتحدث الجديد باسم التنظيم، “أبو حمزة القرشي”، هي الثانية له مذ مقتل الزعيم السابق للتنظيم، “أبو بكر البغدادي”.
وركز “القرشي”، في الكلمة التي اطلعت عليها عنب بلدي، في 28 من أيار الحالي، على جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، وعلى استمرار التنظيم في “غزوة الاستنزاف” بعدة دول، وربط بين انتشار جائحة “كورونا” في كل العالم و”محاربة المسلمين”، وفق تعبيره، إذ أكد أن الجائحة أضرت باقتصادات دول كبرى، وجعلتها تتخلى عن حلفائها.
وأثنى المتحدث باسم التنظيم على النشاط الذي تبديه خلايا التنظيم في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا ونيجيريا ومصر والصومال وباكستان، ومناطق أخرى من إفريقيا.
وطالب تلك الخلايا بتكثيف الهجمات، بناء على طلب من زعيم التنظيم الجديد، “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي”، الذي أعلنه التنظيم “خليفة”، في 31 من تشرين الأول 2019.