عنب بلدي – تيم الحاج
على مدار الشهرين الأخيرين، برزت مؤشرات في محافظة الحسكة على وجود توتر بين النظام السوري و”الإدارة الذاتية”، حيث يدير الطرفان المحافظة مع فارق كبير في السيطرة لـ”الإدارة”.
وتعددت طبيعة هذه التوترات، بين تصريحات تتهم النظام بمحاولة نشر فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في شمال شرقي سوريا، وصولًا إلى اقتتال بين الطرفين داخل مدينة القامشلي.
وأمام هذا المشهد، يبرز تساؤل عن دوافع الطرفين من هذا التوتر، ومصير المنطقة في حال تطورت الأمور وزادت رقعة المواجهات المسلحة.
“كورونا”.. فتيل أزمة
في الأسبوع الأول من نيسان الحالي، حمّلت “هيئة الصحة” التابعة لـ”الإدارة الذاتية” حكومة النظام السوري مسؤولية حدوث أي إصابات بفيروس “كورونا” في شمال شرقي سوريا.
وذكرت “الهيئة” في بيان رسمي أنها تحمّل النظام السوري مسؤولية حدوث الإصابات بسبب “استهتاره”، وعدم التزامه بقواعد وإجراءات الوقاية، واستمراره في إرسال المسافرين وإدخالهم إلى مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”.
ويرى الباحث في “مركز عمران للدراسات” بدر ملا رشيد أنه يمكن إدراج التوتر، فيما يخص اتهام “الإدارة الذاتية” للنظام بمحاولة نشر “كورونا” في شمال شرقي سوريا، ضمن عدة أطر، منها مواجهة إهمال النظام لضبط عملية نقل المسافرين من دمشق إلى القامشلي دون أي تنسيق مع “الإدارة الذاتية”، وتسهيل الطريق لكثير من المسافرين ليعبروا دون المرور بحواجز “أسايش” (الذراع الأمنية لـ”قوات سوريا الديمقراطية”) في المنطقة، وفق قوله.
وأضاف بدر ملا رشيد لعنب بلدي أن سلوك النظام هذا يقابله سعي “الإدارة الذاتية” لتوجيه رسالة للأهالي في المنطقة بأنها تقوم بعملية مواجهة احتمال انتشار الفيروس، والتأكيد على أنها السلطة الفعلية في المنطقة.
وكانت “الإدارة الذاتية”، المدعومة من واشنطن، أغلقت جميع المعابر مع مناطق سيطرة النظام السوري، ما عدا مطار القامشلي، كتدابير وقائية لمنع وصول فيروس “كورونا” إلى مناطق سيطرتها.
وسبق أن وجهت رئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”، إلهام أحمد، انتقادات إلى النظام السوري، أكدت فيها تجاهله التنسيق مع “هيئة الصحة” في المنطقة، كما أنه لم يوقف حركة الطيران من مطار دمشق إلى القامشلي، رغم المباحثات الكثيرة لاتخاذ تدابير لفحص القادمين ووضعهم في الحجر الصحي لحماية المنطقة، دون تجاوب مع هذه التدابير.
وأعلنت “الإدارة الذاتية“ عن أول حالة وفاة متأثرة بفيروس “كورونا”، في 17 من نيسان الحالي، في مشفى القامشلي الذي يديره النظام، لكن وزارة الصحة في حكومة النظام ردت على هذا الإعلان بشكل غير مباشر بأن جميع الحالات (الإصابات والوفيات) التي سجلتها كانت في دمشق وريفها.
ونقل الروس هذا النزاع بين الوكيلين المحليين (تدعم موسكو النظام وتدعم واشنطن الإدارة الذاتية) إلى صورة أبعد، عندما قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن هناك تقارير تفيد بانتشار الفيروس بين صفوف القوات الأمريكية في المنطقة، متهمة واشنطن بالتكتم على ذلك، ومحملة إياها مسؤولية سلامة المدنيين في المنطقة، بحسب ما نقلت عنها وكالة “تاس“ الروسية الرسمية.
نزاع على السيطرة
إلى جانب التصريحات السياسية التي تحمل اتهامات للنظام السوري لجهة إهمال تدابير الوقاية من فيروس “كورونا” في محافظة الحسكة، تشهد مدينة القامشلي صدامات بين “أسايش” وميليشيا “الدفاع الوطني” الرديفة لقوات النظام، يتخللها انفجارات تستهدف مقرات الطرفين، بتوقيع مجهولين.
ولا تعتبر هذه المواجهات جديدة، فالطرفان لهما تاريخ طويل من المواجهات الدامية، التي أدت إلى مقتل العشرات منهما، لكن ما يميزها الآن هي تزامنها مع جائحة “كورونا” ووجود مكثف في شمال شرقي سوريا للقوات الروسية، التي باتت تلعب دور الشرطي بين الطرفين.
وأوضح الباحث ملا رشيد أن مدن القامشلي والحسكة شهدت مواجهات عدة بين “الدفاع الوطني” وقوات “أسايش” وتطورت أحيانًا لتتدخل “وحدات حماية الشعب” (نواة “قوات سوريا الديمقراطية”).
ولفت إلى أن “أسايش” بسطت سيطرتها على مدينة الحسكة بعد نزاع طويل مع النظام، في إشارة إلى ما جرى في تموز 2016، عندما سيطرت قوات النظام على كل من كلية الآداب ومشفى الأطفال ومدرسة عياض الفهري بالقرب من حي النشوة داخل مدينة الحسكة، إلا أن هذه الاشتباكات هدأت بعد أيام، حين انسحب النظام من هذه المواقع.
أما فيما يخص القامشلي، فلفت ملا رشيد، إلى أن حي طي في المدينة لا يزال يمثل نقطة توتر بين “أسايش” والنظام، حيث لا تستطيع “الإدارة لذاتية” اليوم القيام بالمواجهة ذاتها كالتي حدثت في مدينة الحسكة، لأسباب عدة منها القوة الموجودة في المنطقة للنظام بالإضافة لوجود الريف الجنوبي لمدينة القامشلي الذي يحوي مناصرين للنظام و”الدفاع الوطني”، بالإضافة إلى أن المدينة تعتمد في إدارة كثير من دوائرها الرسمية على حكومة النظام السوري.
الروس بدور الشرطي.. ماذا يريدون؟
وكان لافتًا في كل توتر حدث مؤخرًا بين الطرفين، مسارعة القوات الروسية إلى حل الخلاف، إذ تحاول القوات الروسية في القامشلي نزع أي فتيل أزمة بين الطرفين، من شأنه أن يؤدي إلى تفجر الوضع واندلاع مواجهات مفتوحة بينهما.
وعن الدور الروسي الآخذ في التوسع في شمال شرقي سوريا، قال ملا رشيد إننا أمام منافسة بين الطرفين الروسي والإيراني لتثبيت فاعلية ضمن العشائر المناصرة للنظام في المنطقة.
وقال إن موسكو حاولت تشكيل قوى عسكرية عبر تجنيد الشباب في المنطقة، وبالأخص من الكُرد بداية، إلا أنها فشلت، وستحاول الآن (موسكو) زيادة ضغطها على التحالف الدولي وواشنطن في المنطقة عبر زيادة دعمها للعشائر، لأنها ترى النظام غير قادر على تفعيل العشائر بشكل أقوى، إضافة إلى أن موسكو تسعى للتقليل من فرص إيران في تحقيق أمر مشابه لما فعلته في دير الزور ومناطق من ريف حلب.
ورصدت عنب بلدي، في تقارير سابقة، تحركات روسية متسارعة في ريف الحسكة، تسعى من ورائها إلى التقرب من العشائر العربية، وحتى الكردية الموجودة في منطقة شمال شرقي سوريا.
وتستغل روسيا وجودها الذي فُرض في المنطقة نتيجة اتفاق مع تركيا، في 22 من تشرين الأول 2019، والذي أدى إلى وقف معركة “نبع السلام” التركية ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، في منطقة شرق الفرات.
وشهدت الفترة الماضية عقد ضباط من القوات الروسية اجتماعات مع وجهاء وشيوخ من العشائر في ريف الحسكة. وإلى جانب محاولتها التغلغل في المجتمع عبر لقاءات مع العشائر، استقدمت روسيا، في نهاية آذار الماضي وبداية نيسان الحالي، عشرات الجنود إضافة إلى عربات عسكرية.
وأرسلت روسيا قبل نحو أسبوعين قافلة عسكرية ضمت أكثر من 50 شاحنة عسكرية ودبابة وناقلة جنود، خرجت من مدينة عين عيسى بريف الرقة، وتوجهت إلى بلدة تل تمر بريف الحسكة، ومنها إلى مدينة القامشلي عبر الطريق الدولي “M4”.
كما عززت روسيا وجودها قرب مطار القامشلي، حيث يوجد نحو 200 جندي روسي، وعشرات العربات المدرعة والدبابات إلى جانب ست مروحيات، كما يتخذ الضباط الروس الفيلات القريبة من المطار مقرات لهم، بعد أن وضعوا يدهم عليها، وفق وكالة “الأناضول“ التركية.