لم تعد طبيعة الجبهات في إدلب تشبه الحال التي كانت عليها قبل 5 من آذار الماضي، حين وقع الرئيسان الروسي والتركي اتفاقًا قضى بوقف توغل قوات النظام السوري الذي كان متسارعًا في ريفي إدلب وحلب، حيث كان متوقعًا أن تصل جحافل النظام حينها إلى مشارف مدينة إدلب والحدود التركية، بعد أن عكست جبهات قوات المعارضة ضعفًا وتشتتًا أمام الضربات التي كانت تتلقاها.
وعلى الرغم من مضي أكثر من شهر على توقف سكان إدلب عن شم رائحة البارود القادمة من الجبهات القريبة، وانشغالهم في اتخاذ إجراءات تقيهم من عدوى فيروس “كورونا” الذي شغل العالم، يرسم واقع عسكري جديد على تلك الجبهات من شأنه أن يجعل أي معركة مقبلة مختلفة عن سابقاتها.
لهذه التغييرات أثر بالغ على قوات النظام، التي تحشد الآن على تلك الجبهات، في حالة توحي باستعدادها لتبادر كالعادة بالهجوم، فقد تكون صافرة البداية للمعركة القادمة سحبت من يدها وفق المعطيات التالية.
نقاط تركية تكاثرت
الخبر الدائم الذي اعتاد عليه السوريون خلال الأشهر الأخيرة الماضية، هو دخول أرتال من الجيش التركي إلى الشمال السوري.
وقد كان لهذه الأرتال مبررًا لدخولها إلى إدلب قبل توقيع اتفاق آذار، إذ كان الرئيس التركي قد أنذر النظام بحرب مدمرة له على انتقامًا لمقتل عشرات الجنود الأتراك في إدلب.
لكن اليوم، وفي ظل إصرار روسيا وتركيا على تنفيذ الاتفاق عبر بند تسيير الدوريات المشتركة على طريق “M4″، والذي إذا نفذ سيعني بالضرورة توقف المعارك، تواصل أنقرة استقدام التعزيزات العسكرية إلى الشمال السوري، ولم يعد بالإمكان حصر عدد النقاط التركية في إدلب ومحيطها، بحسب سكان تلك المناطق.
كما أن تركيا لا تفصح عن عدد مقاتليها ونوعية الأسلحة التي تدخلها إلى المنطقة، لكن “معهد دراسات الحرب” الأمريكي قدر عدد المقاتلين الأتراك الذين دخلوا إلى الشمال السوري بالفترة بين 1 من شباط و31 من آذار الماضيين، بقرابة 20 ألف مقاتل.
وقال المعهد، بحسب دراسة نشرها مطلع نيسان الحالي، إن المقاتلين الأتراك هم من القوات الخاصة التركية ذات الخبرة، إلى جانب الوحدات المدرعة والمشاة المعروفة أيضًا باسم “الكوماندوز”، بما في ذلك لواء “الكوماندوز الخامس” المتخصص في العمليات شبه العسكرية والحروب الجبلية.
ويؤكد مراسل عنب بلدي في إدلب أن معظم مناطق إدلب باتت تشهد حضورًا للجيش التركي الذي أدخل مؤخرًا غرفًا أسمنتية وأنشأ عدد من النقاط.
النظام في مأزق
في هذا السياق، لفت المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث لعنب بلدي، إلى أن الوجود التركي في الشمال السوري لم يعد يقتصر على بعض النقاط المتفرقة هنا وهناك، والتي كانت تعد على أصابع اليد الواحدة، وفق قوله.
وأضاف أن أي معركة قادمة سيفكر النظام في شنها على إدلب ستكون مختلفة، إذ أن الجيش التركي بات ينتشر على مسافة واسعة على طول خط عرض جميع الجبهات التي ممكن أن يهاجم منها النظام، مما سيصعب عليه مسألة تجنب وجود عناصر الجيش التركي وسيدخله في مأزق.
وإلى جانب تمدد الجيش التركي في إدلب، فإن أنقرة بدأت مؤخرًا بإعادة ترتيب المشهد العسكري في إدلب، عبر إقامة معسكرات تدريبية للفصائل العسكرية المعارضة، ودمجها جميعًا في جسم عسكري واحد.
وفي وقت سابق، قال قيادي في “الجبهة الوطنية للتحرير”، لعنب بلدي طلب عدم ذكر اسمه، إن تركيا بدأت خلال الأسابيع الماضية، بسحب عناصر من الفصائل، وفقًا لأعداد المقاتلين في كل فصيل، ودمجهم مع مقاتلين أتراك داخل النقاط التركية الموجودة في المنطقة، والسماح لهم بالتحرك كما يشاؤون باستثناء الدخول إلى غرفة العمليات العسكرية الخاصة بالأتراك.
اقرأ أيضًا: تركيا ترسم هيكلية عسكرية جديدة في إدلب
وأوضح أن تركيا تهدف إلى إنشاء جيش منظم في المنطقة وإلغاء الفصائل، عبر سحب المقاتلين منها بشكل بطيء، معتبرًا أن الخطوة إيجابية لقطع الطريق على أي جهة تحاول التقرب من الأتراك على حساب جهات أخرى، وخلق صراع داخلي.
ضوء أحمر روسي
وعلى الرغم من أن النظام يعي تمامًا الحجم الهائل الذي بات يشكله التواجد التركي في إدلب ومحيطها، تحدثت مصادر إعلامية، نهاية آذار الماضي وخلال الأيام الأولى من نيسان الحالي، عن وصول تعزيزات عسكرية للنظام إلى أطراف إدلب.
كما أن بعض مراسلي القنوات الرسمية والموالية باتوا يروجون عبر حساباتهم في “تلغرام” إلى أن هجوم على إدلب بات وشيكًا، وراحوا إلى أبعد من ذلك فقد رسموا شكل خطة الهجوم التي قالوا إنها ستستهدف بداية القوة الأساسية في إدلب وهي النقاط التركية.
لكن على الطرف المقابل لا تعكس التصريحات الروسية أي بادرة لتدخلها في أي هجوم قادم للنظام على إدلب، إذ تشير التصريحات الرسمية الصادرة من موسكو على المضي قدمًا في تنفيذ اتفاق آذار، ما يعني أن صافرة بداية الهجوم على إدلب نزعت من يد قوات النظام.
كما أن تقريرًا لموقع “MiddleEastEye” البريطاني صدر مؤخرًا، عزز فكرة وجود رفض روسي لأي هجوم على إدلب.
إذ كشف التقرير عن رفض روسي لصفقة كانت ستتم بين بشار الأسد وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، تهدف إلى استئناف النظام الهجوم على إدلب مستهدفًا الوجود التركي مقابل الحصول على أموال من الإمارات.
وأكد التقرير أن روسيا علمت بهذه الصفقة، وأرسلت على عجل وزير دفاعها، سيرغي شويغو، إلى دمشق ليبلغ الأسد بأن موسكو تعارض الصفقة، وأنها ستمنع أي محاولة لخرق وقف إطلاق النار، الذي أبرمه بوتين وأردوغان، ما دفع الأسد لإلغاء الاتفاق مع الإمارات.
إيران بديل غير نافع
يتزامن الموقف الروسي الرافض لخرق اتفاق إدلب، مع إنهاء القيادة العامة في جيش النظام السوري احتفاظ واستدعاء ضباط الاحتياط المحتفظ بهم والملتحقين من الاحتياط المدني.
وبحسب مارصدت عنب بلدي، فإن هذا القرار لم يؤثر على حركة استقدام التعزيزات العسكرية وعمليات النقل وتبديل الجنود والإمداد في جبهات إدلب.
لكن لم يسبق للنظام أن شن معركة ضد فصائل المعارضة دون دعم إيراني بري وروسي جوي. وأمام بروز رفض الأخير تشير المعطيات إلى أن النظام سيعمل على الاعتماد على إيران لمساندته في هجومه المحتمل.
ومؤخرًا زادت تعزيزات الميليشيات الإيرانية في محاور ريف حلب الغربي، لكنها ما زالت دفاعية في المرحلة الحالية، بحسب ما أفاد به مراسلو عنب بلدي في المنطقة نقلًا عن مصادر عسكرية ميدانية.
اقرأ أيضًا: ما تأثير إنهاء الاحتفاظ وكورونا على شن هجمات جديدة في سوريا
مدير وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات”، نوار شعبان، استبعد في حديث سابق لعنب بلدي، أن تكون إيران تريد التوسع في مناطق ريف إدلب، معددًا عدة أسباب لذلك منها، أن إمكانياتها الحالية المحدودة بسبب أزمتها الاقتصادية والعقوبات الأمريكية، إضافة إلى ما تواجه من الانتشار الكبير لفيروس “كورونا”، لكنه أكد في الوقت ذاته أن إيران تسعى لوضع قدم لها في هذه المنطقة.
وأضاف شعبان أن تركيز إيران في التوسع منصب في دير الزور وحلب أكثر منه في إدلب.