“خصومة غير معلنة” تحكم علاقة الصحفيين المستقلين بأولئك العاملين في المؤسسات الإعلامية الجديدة، من محترفين وناشطين، جعلت مسيرة الإعلام الجديد بطيئة وحدت من سرعة تطوره، لاعتبارات يتمسك بها كلا الطرفين، ويعتبرانها مسلمات لا تنازل عنها. ففي حين ينتظر من الإعلام السوري المستقل في هذه المرحلة أن يكون قادرًا على “بناء الرأي العام أو تعديل السلوك، والمساهمة في خدمة الشعب السوري”، ينظر بعض الإعلاميين المحترفين إلى مؤسسات الإعلام الجديد على أنها مؤسسات “غير وطنية”، لأنها غير ممولة من الشعب السوري، وهي “لا تعمل باسمه”، كما يرى الصحفي السوري، مصطفى السيد، وهو صحفي “محترف” يحرر موقع “مدار اليوم”، ويعمل في وكالة “سمارت” الإخبارية.
يقول السيد لعنب بلدي ردًا على سؤاله عن سبب عزوف المحترفين عن الانخراط في إعلام الثورة، “أنا حتى اللحظة لم أجد مؤسسة تعمل لدى الشعب السوري، لا يوجد تمويل وطني”، دون أن يقدم ما يمكن اعتباره “وصفة” للحصول على تمويل محلي أو وطني، لا سيما أن معظم الفعاليات المدنية والإعلامية والإنسانية في سوريا تمولها دول عربية وغربية، ابتداءً من أكبر المؤسسات الثورية وانتهاءً بأصغر المجالس المحلية.
وفي تكرار السؤال عن أسباب غياب الكفاءات عن الساحة الإعلامية في الإعلام الجديد، يربط السيد هذه الظاهرة مجددًا بـ “غياب التمويل الوطني”، معتبرًا أن السوريين لم يمولوا حتى الآن مؤسسة واحدة، وهو ما يراه سببًا لعدم العمل في هذه المؤسسات، قائلًا “رفضت العمل عند الممول الأجنبي”، متهمًا وسائل الإعلام الجديدة بأنها “تلبس لبوس المحلي وتعمل بتمويل خارجي”، وأن “المنظومات” التي مولت من الخارج “تعمل ضد المجتمع السوري”، داعيًا “المجتمع السوري” وأصحاب رأس المال لتوظيف الأموال لبناء إعلام يخدمه، وبرأيه، عندها سيكون أصحاب الكفاءات على استعداد للانضمام للإعلام الجديد، “أنا متى وجدت تمويلًا وطنيًا سأنضم لهذه المؤسسات”.
يصف السيد ما يسميه “عدم تبعية المؤسسات للسوريين” بـ”المشكلة”، لأنها مرتبطة بتمويلات “أجنبية”، معتبرًا أن “المالك” هو من يرسم سياسة المؤسسة الإعلامية، ما يعني بالضرورة تبعية هذه المؤسسات لأجندات خارجية، بحسب رأيه، وأن هذه المؤسسات تتناول الشأن السوري “من منظار الممول”، مضيفًا “الممول هو من يرسم السياسة الإعلامية للصحيفة”، وحتى اللحظة فإن “الأجندة الواضحة (للوسائل الإعلامية الجديدة) لم تكن وطنية، ولم تقدم خدمة جيدة للجمهور”.
سوء فهم
ربطُ السيد وطنية المؤسسات بالتمويل، يعتبره الصحفي عبسي سميسم “سوء فهم” لوظيفة المنظمات الداعمة وآليات عملها، و”خلطًا” في مفهوم الوطنية وعلاقته بتمويل الإعلام. فالمشاريع الإعلامية التي أسسها ناشطون وصحفيون لا يملكون المال، لم يكن من سبيل لاستمرارها إلا بالاستعانة بالمنظمات الدولية الداعمة في هذا المجال. وبحسب سميسم فإن أموال هذه المنظمات مخصصة أصلًا لدعم الإعلام في الدول الناشئة أو تلك التي تشهد حروبًا وصراعات، وتهدف لتطوير الصحافة وتعزيز استقلاليتها، وإن الحد الأعلى من الشروط التي قد تفرضها على المؤسسات المدعومة هي صون حقوق الإنسان وعدم التحريض على العنف والكراهية.
وعلى عكس السيد، يرى سميسم أن “المال الوطني”، إن وجد، في هذه الظروف فقد يكون أخطر على استقلالية الإعلام من أموال المنظمات الدولية، لأن المال السوري يضع شروطًا سياسية وأيديولوجية على المؤسسات الإعلامية، كون أصحابه جزءًا من الصراع في سوريا أو طرفًا فيه، مشيرًا إلى عدد من الوسائل الإعلامية تمولها جهات سورية (نتحفظ على تسميتها)، لا تتمتع بالاستقلالية أو المعايير المهنية، وتستخدم منصاتها لنقل رؤى مالكيها وسياسات أحزابهم.
أما وصف الإعلام بأنه “وطني” أو “غير وطني”، فيرى سميسم أن المسألة مرتبطة بشكل مباشر بالعاملين فيه، فأصحاب هذه المؤسسات وكوادرها سوريون، ولم يسبق، على حد علمه، أن تدخلت المنظمات في محتوى أو سياسات تلك المؤسسات، خارج إطار الدعم المادي والتقني.
ويتساءل سميسم: لماذا يستكثر الناس على المؤسسات الإعلامية الجديدة دعم المنظمات الدولية، إن كانت الأخيرة تدعم مشاريع متنوعة في بلدان مستقرة سياسيًا وبتسهيلات حكومية أيضًا، مشيرًا إلى أن جامعة دمشق سبق وتقدمت بطلبات منح إلى منظمات أوروبية لدعم أدائها وبرامجها.
تابع قراءة ملف: الإعلام “البديل” في “الغربال”.. تحسّس رؤوس مع انطفاء بريق الداعمين
الصحافة الورقية الجديدة.. طفرة ما بعد الثورة
هل مؤسسات الإعلام الجديد “غير وطنية”؟
دور الإعلام السوري الجديد “ملتبس”
“إعلام جديد” مقابل تنظيم “داعش” والنظام
الإعلام السوري الجديد في “غربال” المنظمات الداعمة
منظمات دولية دعمت الإعلام السوري الجديد
تأثير في مناطق المعارضة.. وغياب عن “مناطق النظام”
درعا.. تجارب إعلامية محلية تشوبها “المناطقية” وتنقصها الخبرات
“حلب اليوم” تلفزيون “ثوري”.. ينقد الثورة
الإذاعات السورية.. صراع من أجل البقاء ومسيرة يعرقلها “مزاج الداعم”
مرحلة “تحسس” رؤوس.. هل يستمر الإعلام الجديد؟
تجربة شبكة أبراج.. الأولوية “ليست للعمل الجماعي“
تجارب إعلامية تتأسس في الحسكة بعد ارتخاء قبضة النظام
“شام”.. أقدم شبكة إعلامية في الثورة بدون تمويل
استمرارية الإعلام السوري الجديد على المحك
ناشطون: الإعلام الجديد.. يشبه كل السوريين “الأحرار”
تطور آليات التوظيف في المؤسسات الإعلامية الجديدة
الوضع القانوني شرط أساسي لاستدامة المؤسسات
تجارب جديدة في التمويل الذاتي.. “التفكير خارج الصندوق”
شبكات ومجموعات عمل للنهوض بالمؤسسات الإعلامية إداريًا وتنظيميًا
إعلاميون: “الإعلام الجديد” سيقود القاطرة في سوريا
لقراءة الملف كاملًا في صفحة واحدة: الإعلام “البديل” في “الغربال”.. تحسّس رؤوس مع انطفاء بريق الداعمين
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :