tag icon ع ع ع

عنب بلدي: فريق التحقيقات

ما إن اندلعت الثورة السورية، متأثرة بهبوب رياح الربيع العربي مطلع العام 2011، حتى بدأت صور المظاهرات والمواد الفيلمية والفيديوهات المصورة للحشود في الساحات السورية تغزو تلفزيونات عالمية وعربية، سواء عبر البث المباشر، أو عبر تقارير مصورة، كان الناشطون يبثونها لنقل الواقع الجديد. وكانت الصور إلى حد كبير غير مهنية، يدا المصور ترتجفان، صوته يرتجف، جودة التصوير بالكاد تكون “مقبولة”، لكن في النهاية وصلت الرسالة.

تمكن السوريون، وبإمكانيات بسيطة ومحدودة، من كسر القيود التي فرضها نظام الأسد عبر ماكينته الأمنية والعسكرية منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي. فرغم منعه تصوير أي مشهد يخالف روايته حول حقيقة الأحداث، نجح الناشطون في إيصال أصوات السوريين للخارج، وأظهروا صورة الحراك الشعبي وحجمه، وأوضحوا للعالم أنه لم يكن خروجًا “لشكر الله على نعمة المطر”.

 

تكاد الحالة السورية تتفرد بميزات، جعلت الإعلام العربي والعالمي يتناولها من زوايا مختلفة، وسعى لتأطير يومياتها في قوالب تتناسب مع سياساته وتتماشى مع الوضع الراهن للدول المعنية بالواقع الجديد الذي شهدته سوريا. وقد ساهم طول أمد الثورة، والتي تحولت فيما بعد إلى صراع عسكري خالص، وكذلك تعقيد المشهد السياسي والعسكري على الأرض، في تشتيت المشهد الإعلامي، وصعّب المهمة على الصحفيين والإعلاميين في فهم ما يحصل.

وإن لم نكن هنا في معرض الحديث عن تعقيدات المشهد الإعلامي السوري وطريقة تناول المأساة السورية، إلا أننا في صدد الحديث عن “الإعلام السوري الجديد”، أو ما اصطلح على تسميته بـ “البديل”، والذي تصدّر المشهد العام للإعلام السوري منذ اندلاع شرارة الثورة في آذار 2011 وإلى الآن، وأصبح صلة الوصل بين الإعلام الدولي وما يحصل على الأرض، بعدما تعذر إرسال الكوادر الإعلامية إلى الأرض السورية بسبب خطورة العمل الصحفي والتهديد بالقتل والخطف والإخفاء من قبل أطراف الصراع، كما يقول صحفيون وناشطون سوريون لعنب بلدي خلال مقابلات واستطلاعات رأي أجرتها معهم لإعداد هذا الملف.

يتناول الملف إذن، تجربة الإعلام السوري “البديل” بعد خمس سنوات من انطلاقته. وبدون الخوض مطولًا في نشأته وأسبابها، تطرح عنب بلدي من خلال لقاءاتها مع عدد من المؤسسات الإعلامية الجديدة والصحفيين والناشطين الإعلاميين، مجموعة من الأسئلة حول واقع التجربة ومستقبلها والتحديات التي تواجهها.

عشية الربيع العربي كانت سوريا تحتل المرتبة 173 من أصل 178 دولة في تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” لحرية الصحافة، وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد على قائمة أعداء حرية الصحافة التي تضعها المنظمة نفسها، وكذلك تعد سوريا من البلدان التي تعادي الإنترنت.

 

الصحافة الورقية الجديدة.. طفرة ما بعد الثورة

بعد أشهر من اندلاع الثورة، برزت ظاهرة التنسيقيات والصفحات الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أخذت بالانتشار بشكل مطّرد مع انضمام مدن وبلدات جديدة إلى الحراك، فأصبحت لكل بلدة أو ناحية تنسيقية إعلامية خاصة بها، تنقل الأحداث من موقعها.

هذه الظاهرة سرعان ما أخذت أشكالًا أكثر جدية ومهنية، من حيث الشكل على الأقل، فتحولت المناشير التي كانت توزعها التنسيقيات ومجموعات العمل المدني والسياسي إلى منشورات دورية، وبدأ الناشطون ينظمون أفكارهم وتدويناتهم وينقلونها من شبكة الإنترنت إلى الورق.

وتخطى عدد الوسائل الإعلامية التي ظهرت خلال السنوات الخمس حاجز الـ 400، بين جرائد ومجلات وإذاعات ومحطات تلفزيونية ومواقع إلكترونية، وذلك انعكاس واضح لمدى الانفتاح والرغبة في التعبير، بعد كبت طال نصف قرن تقريبًا.

تشير دراسة عن “الصحافة السورية الجديدة” أجرتها الباحثة الفرنسية “سوازييك دوليه” لصالح منظمة CFI ونشرتها صيف العام الماضي، أن المطبوعات السورية التي بدأت منتصف العام 2012 لم تتجاوز العشرين، بينما فقزت في السنوات الثلاث التالية (2012، 2013، 2014) لتتجاوز الـ 250 بالمجمل، بالتزامن مع توقف عدد كبير منها بعد فترات قصيرة من صدورها.

alternative media

وتشير إحصائيات موقع “أرشيف المطبوعات السورية”، الذي يختص بأرشفة ونشر الصحف السورية الجديدة، إلى أن العام 2011 شهد صدور 20 صحيفة (جريدة ومجلة)، بينما شهد العام 2012 صدور  111 صحيفة، و111 صحيفة أخرى في العام 2013، بينما صدر في العام 2014، 35 صحيفة، و15 صحيفة في العام 2015، أما في العام 2016 فلم تصدر حتى الآن سوى صحيفة واحدة جديدة.

وصدرت هذه المطبوعات بدوريات مختلفة، 68 منها أسبوعية، و75 نصف شهرية، و83 بشكل شهري. وبلغ مجموع الصحف حتى أيار الحالي 295 صحيفة، توقف معظمها وبقيت 55 منها فقط تصدر حتى الآن بشكل منتظم.

وتنوعت الصحف في توجهاتها، بين السياسية، والفكرية، والدينية، ومنها ما تخصص بالمرأة والمجتمع، وأخرى موجهة للأطفال.

تراجع انتظام إصدار الصحف وتوقف معظمها يعزى لأسباب عديدة، منها غياب الرؤية الشاملة لعمل هذه المؤسسات الوليدة، وغموض أهدافها، وعدم وجود خطط استدامة لديها، فضلًا عن غياب الكفاءات الإدارية والأكاديمية والمهنية المتخصصة في الإعلام والنشر، ويبقى السبب الأبرز غياب التمويل.

نورس يغن، معد ومقدم برامج في إذاعة نسائم سوريا - عنب بلدي.

نورس يغن، معد ومقدم برامج في إذاعة نسائم سوريا (عنب بلدي)

ويصف المعد والمقدم في إذاعة نسائم سوريا، نورس يغن، الحالة التي وصلت إليها وسائل الإعلام الجديد لجهة الديمومة والقدرة على الاستمرار بـ”الكارثي”، قائلًا “أن تتكلم حاليًا عن وجود عدد كبير من الوسائل الإعلامية بين راديو وتلفزيون وصحيفة، وألا يتجاوز عدد القادرين على الاستمرار النسبة الأكبر، فإننا أمام كارثة، علمًا أن الجميع يملك نفس الإمكانيات المادية، ونفس المستويات من التدريب والتأهيل”.

“غياب الأكاديميين عن التجربة ميزة وليس عيبًا”

أحجم عدد كبير من الصحفيين الأكاديميين عن العمل في الإعلام الجديد منذ نشأته، تاركين الساحة مفتوحة للناشطين، لخوض غمار العمل الإعلامي على تنوع أشكاله، “كان الناشط يتصدر المشهد بالقدرة على الوصول للحدث ونقله، وعندما كان الصحفي الأكاديمي يرغب بالمساعدة في تطوير هذا المنتج، كان الناشط يشعر بأن هذا الأكاديمي يريد ابتلاعه، كونه يملك الخبرة والمعرفة أكثر من الناشط، وبالتالي سيأخذ منه الميزة بالوصول لوسائل إعلام عالمية، وهذا خلق رد فعل سلبيًا عند الأكاديميين”، يقول عبسي سميسم، رئيس تحرير جريدة صدى الشام، وهو واحد من الصحفيين القلائل الذين امتهنوا الصحافة قبل الثورة، وانخرطوا سريعًا في الصحافة الجديدة.

لكن من جانب آخر، تعامل عدد كبير من الأكاديميين، وخصوصًا الذين غادروا سوريا وبدؤوا العمل في مؤسسات عربية وعالمية، بـ “استعلاء وفوقية” مع إعلام الناشطين، كونهم غير مؤهلين علميًا، ومع مرور الوقت اتسعت هذه الفجوة وبدأت تزداد بين الطرفين. يضيف سميسم “بدأت تصدر الأحكام العامة دون أدلة بحق الطرفيين، بأن هذا الإعلام سيئ أو جيد، وأنه يساهم بتقسيم البلد.. كانت أحكام شوارعية”. وكانت هذه التقييمات في الغالب مرتبطة بعلاقة الصحفيين بمن يدير هذه المؤسسات، فإن كانت العلاقة جيدة وصفوا أداء المؤسسة ومنتجها بـ “الجيد”، والعكس صحيح.

منى فرج، مدرسة في جامعة القاهرة (عنب بلدي)

منى فرج، مدرسة في جامعة القاهرة (عنب بلدي)

تصف الدكتورة منى فرج، المدرّسة في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، والتي عملت، منذ نشوء الإعلام السوري الجديد، مع الناشطين والصحفيين السوريين عن قرب، كمستشارة لواحدة من أهم المنظمات الأوروبية لدعم الإعلام (FPU)، تصف التجربة الإعلامية السورية الجديدة بأنها “خالية بشكل كبير من الأكاديميين”، وبرأيها “كانت هذه ميزة أكثر منها عيبًا”، وبحكم تجربتها الأكاديمية تقول إن هناك دائمًا خلاف و”صراع أجيال” بين الأكاديمي والممارس، على اعتبار أن الأول ينظر للآخر أنه شخص غير دارس ولا يملك المعرفة التي تجعله ينطلق بشكل سليم، وفي المقابل يرى الممارس أن الأكاديمي يقبع في برج عاجي تحكمه الكتب والنظريات بعيدًا عن الواقع”، لكن التجربة السورية الجديدة “نجحت وخرجت من براثن هذا القالب”، وتمكنت من المواءمة بين العنصرين، على حد قولها.

تعترف فرج بأن هناك فجوة بين الأكاديمي والممارس في الحالة السورية، وكان الجمع بين العنصرين “أمرًا صعبًا”، ومن امتلكهما في الإعلام السوري “أشخاص نادرون”، لكن “التجربة بكل ما فيها من تلقائية وحماس واندفاع نقّت نفسها بنفسها، وشكلت مع مرور الوقت ملامح خاصة بها واعتمدت على النموذج الناجح”، وتضيف فرج “التجربة الآن لا ينقصها أكاديميون، على الأقل في مرحلة الولادة، ويمكن التعاون معهم في المستقبل من أجل ردم الفجوة”.

تضخّم “أنا” الناشطين و”فوقية” الأكاديميين

شهد الإعلام السوري الجديد، حضور ثلاثة نماذج من الإعلاميين المواكبين للثورة، الصحفي الأكاديمي، والصحفي الممارس (الناشط) المالك لأدوات العمل الصحفي، والمواطن العادي (المواطن الصحفي). وعمل هؤلاء، في ظل التعتيم الذي فرضه النظام على الواقع السوري ومنع الكوادر الإعلامية من العمل واستهدافها مباشرةً، على نقل صورة الأحداث السورية إلى العالم، فظهروا على كبريات الشاشات العالمية، وكان بعضهم مراسلًا ومصورًا ميدانيًا لأشهر الصحف ووكالات الأنباء العالمية. وفي الوقت الذي اعتبرها هؤلاء ميزة، كان بعضهم يسهم بشكل لا إرادي في تدهور الإعلام السوري، بسبب نقص الخبرة.

ويعزو الصحفي عبسي سميسم هذه النتيجة إلى “تضخم الأنا” عند بعض الناشطين نتيجة ظهورهم على القنوات، “أعطتهم إحساسًا أنهم امتلكوا كل أدوات العمل الصحفي، وتضخمت الأنا لديهم، ومع الوقت سقطوا جميعًا ولم يستمر منهم إلا القليل، والذي استمر هو من طور أدواته بشكل صحيح”،

لكن سميسم يعتبر في الوقت نفسه أن خمس سنوات من العمل في ظل الثورة تعادل الدراسة الأكاديمية في جامعة أو معهد متخصص، وهي نفس فترة الدراسة الأكاديمية. يضيف “الثورة خرّجت صحفيين يحق لهم العمل في المجال، وخاصة أنهم خضعوا لدورات تدريب مع منظمات دولية، مقابل بقاء بعض الصحفيين الذين مايزالون يعملون في صحافة النظام في نفس المستوى المهني كما كانوا قبل الثورة، دون أي تطور، لعدم الاحتكاك بالخبرات العالمية”، وينظرون بفوقية واستعلاء للإعلام الجديد.

لا يخالف المدرب والمستشار الإعلامي المصري، ياسر الزيات، وهو الإعلامي المعروف في أوساط الصحفيين السوريين في الإعلام الجديد، رؤية كل من الدكتورة فرج والصحفي سميسم، وهو يرفض بالمطلق العودة إلى فكرة التقسيمات (صحفي أكاديمي وناشط ممارس)، لأن هذا النهج تلجأ إليه الأنظمة الشمولية عادةً عندما تريد استبعاد طرف من اللعبة أو تفضيل فصيل على آخر، ويرى الزيات في مقابلة أجرتها معه عنب بلدي، “أننا في زمن أصبح فيه كل من يمتلك جهاز تلفون صحفيًا، وإذا لم نعترف سنقع في مأزق، الصحفي هو من ينقل الحدث، وعند الحديث عن الصحافة كصناعة نحن أمام أمر مختلف، هنا قواعد وأخلاقيات متعارف عليها دوليًا، وبالتالي يجب ألا نعود لفكرة التقسيمات لتقسيم الصحفيين ويجب عدم الوقوع في هذا الفخ”، داعيًا إلى النظر في مستقبل الصحافة المرتبط بالتكنولوجيا أكثر من ارتباطه بالصحفي نفسه.

عداوة الكار بين الأكاديمي والممارس

مقاربة مختلفة في الفرق بين “الصحفي الأكاديمي، والناشط الإعلامي”، يسوقها مدير مركز حلب الإعلامي (AMC)، الصحفي يوسف صدّيق، ويؤكد على وجود “عداوة كار” بين الأكاديمي الذي لا يستطيع تأمين فرص العمل، والناشط الذي دخل غمار الإعلام وبرز وأصبح أشهر من الصحفيين التقليديين، وكان منتجه أفضل، مقابل وجود منتج رديء لا يمكن اعتباره مادة إعلامية، لأنه أنتج بأساليب جديدة غير منتظمة.

ويلتمس صدّيق لهذا الخلط عذرًا يراه مبررًا، بأن “الثورة في الواقع هي فكر جديد وطريقة جديدة في طرح كل الأفكار، الإعلام كان له دور بارز في ذلك”، مشيرًا إلى أن دخول الناشطين “لم يكن ترفًا”، بل كان حاجة كبيرة بسبب غياب وسائل الإعلام الكبرى المؤثرة، والتي غاب معها الأكاديميون، وأمام هذا الواقع دخل الناشطون الإعلاميون، لكن القول بأنهم “خربوا”، وأن الأكاديميين انسحبوا “غير صحيح بالمجمل”.

روح “التنسيقية” تسيطر على رسائل الإعلام الجديد

وسط حالة الجدال بين الناشط الممارس والصحفي المحترف، سار إعلام سوريا الجديد منذ السنوات الأولى للثورة، وبقي المنتج المقدم عبر الوسائل الإعلامية منقوصًا، يعتمد في أغلب محتواه على الأخبار الميدانية، مع إفراده حيزًا للمشكلات الاجتماعية، وأحيانًا الاقتصادية، وغاب عنه الغوص في التحليلات والعمل على ما وراء الخبر. إذن بقيت “روح التنسيقية” وفكر الناشط هما المسيطران إلى وقت قريب، وهو ما منع تطور هذه المؤسسات، واقتصر اعتمادها لدى الجمهور كمصدر أولي للمعلومات على حدوده الدنيا، بحكم ارتباطها المباشر بالحدث سوري، وكان سبب ذلك نقص الخبرات والكفاءات المتخصصة في هذا المجال، كما يقول محللون وخبراء إعلاميون قابلتهم عنب بلدي.

التجربة القائمة على جهود فردية بالمجمل، لم تكن تنظر بعمق إلى مفهوم العمل الإعلامي، إذ لم يتح للناشطين الإعلاميين والمؤسسين أن يفكروا بـ”صوت مرتفع” حول ما يقدمونه، نظرًا لحداثة الفكرة، وسرعة التطورات المواكبة، وعدم وجود مرجعية تساعدهم على اتخاذ القرار، في وقت هم بأمس الحاجة إلى مستشارين ومشرفين، ومظلة جامعة، على اختلاف التسميات، سواء نقابة صحفيين أو جمعية أو غير ذلك.

 

هل مؤسسات الإعلام الجديد “غير وطنية”؟

“خصومة غير معلنة” تحكم علاقة الصحفيين المستقلين بأولئك العاملين في المؤسسات الإعلامية الجديدة، من محترفين وناشطين، جعلت مسيرة الإعلام الجديد بطيئة وحدت من سرعة تطوره، لاعتبارات يتمسك بها كلا الطرفين، ويعتبرانها مسلمات لا تنازل عنها. ففي حين ينتظر من الإعلام السوري المستقل في هذه المرحلة أن يكون قادرًا على “بناء الرأي العام أو تعديل السلوك، والمساهمة في خدمة الشعب السوري”، ينظر بعض الإعلاميين المحترفين إلى مؤسسات الإعلام الجديد على أنها مؤسسات “غير وطنية”، لأنها غير ممولة من الشعب السوري، وهي “لا تعمل باسمه”، كما يرى الصحفي السوري، مصطفى السيد، وهو صحفي “محترف” يحرر موقع “مدار اليوم”، ويعمل في وكالة “سمارت” الإخبارية.

يقول السيد لعنب بلدي ردًا على سؤاله عن سبب عزوف المحترفين عن الانخراط في إعلام الثورة، “أنا حتى اللحظة لم أجد مؤسسة تعمل لدى الشعب السوري، لا يوجد تمويل وطني”، دون أن يقدم ما يمكن اعتباره “وصفة” للحصول على تمويل محلي أو وطني، لا سيما أن معظم الفعاليات المدنية والإعلامية والإنسانية في سوريا تمولها دول عربية وغربية، ابتداءً من أكبر المؤسسات الثورية وانتهاءً بأصغر المجالس المحلية.

الصحفي السوري مصطفى السيد (إنترنت)

الصحفي السوري مصطفى السيد (إنترنت)

وفي تكرار السؤال عن أسباب غياب الكفاءات عن الساحة الإعلامية في الإعلام الجديد، يربط السيد هذه الظاهرة مجددًا بـ “غياب التمويل الوطني”، معتبرًا أن السوريين لم يمولوا حتى الآن مؤسسة واحدة، وهو ما يراه سببًا لعدم العمل في هذه المؤسسات، قائلًا “رفضت العمل عند الممول الأجنبي”، متهمًا وسائل الإعلام الجديدة بأنها “تلبس لبوس المحلي وتعمل بتمويل خارجي”، وأن “المنظومات” التي مولت من الخارج “تعمل ضد المجتمع السوري”، داعيًا “المجتمع السوري” وأصحاب رأس المال لتوظيف الأموال لبناء إعلام يخدمه، وبرأيه، عندها سيكون أصحاب الكفاءات على استعداد للانضمام للإعلام الجديد، “أنا متى وجدت تمويلًا وطنيًا سأنضم لهذه المؤسسات”.

يصف السيد ما يسميه “عدم تبعية المؤسسات للسوريين” بـ”المشكلة”، لأنها مرتبطة بتمويلات “أجنبية”، معتبرًا أن “المالك” هو من يرسم سياسة المؤسسة الإعلامية، ما يعني بالضرورة تبعية هذه المؤسسات لأجندات خارجية، بحسب رأيه، وأن هذه المؤسسات تتناول الشأن السوري “من منظار الممول”، مضيفًا “الممول هو من يرسم السياسة الإعلامية للصحيفة”، وحتى اللحظة فإن “الأجندة الواضحة (للوسائل الإعلامية الجديدة) لم تكن وطنية، ولم تقدم خدمة جيدة للجمهور”.

سوء فهم

ربطُ السيد وطنية المؤسسات بالتمويل، يعتبره الصحفي عبسي سميسم “سوء فهم” لوظيفة المنظمات الداعمة وآليات عملها، و”خلطًا” في مفهوم الوطنية وعلاقته بتمويل الإعلام. فالمشاريع الإعلامية التي أسسها ناشطون وصحفيون لا يملكون المال، لم يكن من سبيل لاستمرارها إلا بالاستعانة بالمنظمات الدولية الداعمة في هذا المجال. وبحسب سميسم فإن أموال هذه المنظمات مخصصة أصلًا لدعم الإعلام في الدول الناشئة أو تلك التي تشهد حروبًا وصراعات، وتهدف لتطوير الصحافة وتعزيز استقلاليتها، وإن الحد الأعلى من الشروط التي قد تفرضها على المؤسسات المدعومة هي صون حقوق الإنسان وعدم التحريض على العنف والكراهية.

وعلى عكس السيد، يرى سميسم أن “المال الوطني”، إن وجد، في هذه الظروف فقد يكون أخطر على استقلالية الإعلام من أموال المنظمات الدولية، لأن المال السوري يضع شروطًا سياسية وأيديولوجية على المؤسسات الإعلامية، كون أصحابه جزءًا من الصراع في سوريا أو طرفًا فيه، مشيرًا إلى عدد من الوسائل الإعلامية تمولها جهات سورية (نتحفظ على تسميتها)، لا تتمتع بالاستقلالية أو المعايير المهنية، وتستخدم منصاتها لنقل رؤى مالكيها وسياسات أحزابهم.

أما وصف الإعلام بأنه “وطني” أو “غير وطني”، فيرى سميسم أن المسألة مرتبطة بشكل مباشر بالعاملين فيه، فأصحاب هذه المؤسسات وكوادرها سوريون، ولم يسبق، على حد علمه، أن تدخلت المنظمات في محتوى أو سياسات تلك المؤسسات، خارج إطار الدعم المادي والتقني.

ويتساءل سميسم: لماذا يستكثر الناس على المؤسسات الإعلامية الجديدة دعم المنظمات الدولية، إن كانت الأخيرة تدعم مشاريع متنوعة في بلدان مستقرة سياسيًا وبتسهيلات حكومية أيضًا، مشيرًا إلى أن جامعة دمشق سبق وتقدمت بطلبات منح إلى منظمات أوروبية لدعم أدائها وبرامجها.

 

دور الإعلام السوري الجديد “ملتبس”

زاد نقص الخبرات، والخلفيات غير الأكاديمية لدى معظم العاملين في حقل الإعلام الجديد، وحداثة التجربة ككل، من غموض المشهد السوري، وساهم في التشويش على الرؤية العامة لسير الأحداث، إذ يعتقد الكثير من المواطنين العرب والغربيين أن السوري هو من دمر بلده بيده، وبأنه “أس” الإرهاب في العالم، وقد عززت الأحداث الدامية في بعض مدن العالم هذا الاعتقاد، وأن القضية السورية كانت عاملًا سلبيًا على استقرار بلادهم، وهذا ما يؤكد عليه صحفيون سوريون وخبراء إعلاميون لعنب بلدي.

يرى الصحفي مصطفى السيد أن هناك قصورًا بتوصيل شكل الثورة السورية للرأي العام الأوروبي والأمريكي، وأن “صورة نمطية” تشكلت عن السوريين في العالم، تقول إن أغلبهم من “جبهة النصرة والقاعدة”، والمسؤول عن هذا هم الإعلاميون السوريون، لعدم قدرتهم على إيصال الصورة الصحيحة.

إذن هناك دور “ملتبس ومتعدد”، وأحيانًا “سَلطة”، بحسب جواد أبو المنى، رئيس تحرير صحيفة سوريتنا، في إشارة إلى الفوضى في المنهج والأداء، لدى بعض وسائل الإعلام السورية الجديدة.

يقول أبو المنى، لعنب بلدي، إن “الدور الذي يؤديه الإعلام ملتبس، لا يوجد لدى معظمنا خلفية أكاديمية لتساعدنا، أغلب الخبرات عربية وأجنبية، والمدربون في الدورات التي نتبعها أغلبهم مصريون أو لبنانيون.. في الحقيقة المفهوم ملتبس وغير واضح، الناس ينتظرون منا كل شيء، ونحاول فعل ذلك.. نحاول أن نقدم كل شيء”. ويضيف “لا يوجد لدينا معايير واضحة وخلفيات يعتمد عليها، كل واحد يعمل حسب الخبرات التي تؤهله، نحن مؤسسة سورية لدينا مستشار إعلامي مصري، لماذا لا يوجد لدينا مستشار سوري؟”، في إشارة منه إلى نقص الكفاءات على مستوى الصحفيين والخبراء، والذي يشكل عامل تأثير كبير على الإعلام وأدائه.

 

جواد أبو المنى، رئيس تحرير صحيفة سوريتنا، عنب بلدي.

جواد أبو المنى، رئيس تحرير صحيفة سوريتنا (عنب بلدي)

وبحسب “أبو المنى”، فإن معيار نجاح المؤسسات الإعلامية واستدامتها، هو الإنتاج، “فلدينا صحف بدأت في العام 2011 وتصدر بشكل أسبوعي ومنتظم حتى الآن، ولديها منتج ملموس وأثر واضح على الجمهور، وبينما صحف ومجلات أخرى تنتج كل شهرين أو ثلاثة حسب ظروفها”.

وتعد “سوريتنا”، وهي جريدة أسبوعية مطبوعة، من أوائل الصحف التي صدرت في سوريا بعد انطلاق الثورة (صدر العدد الأول منها في 29 أيلول 2011)، وهي واحدة من صحف قليلة، حافظت على انتظام صدورها أسبوعيًا طيلة خمس سنوات دون انقطاع، رغم ملاحقة كوادرها في دمشق، وخروجهم تدريجيًا، ليستقر بهم الحال أخيرًا في تركيا.

 

تجربة غير واضحة.. كيف ينظر إليها إعلام النظام؟

من جهة أخرى يرى الصحفي كفاح عزام، الموظف في جريدة صدى الشام، أن التجربة التي مر بها الشعب السوري منذ اندلاع الثورة، والزخم الذي حصل بالتزامن مع اندلاعها “إعلامي بالأصل”، فقد شهدت بداية المظاهرات الشعبية والحراك الجماهيري على مستوى سوريا “زخمًا شعبيًا”، وخلال السنوات الخمس من عمر الثورة “تطور الإعلام واتجه نحو الاحترافية”، لكنه يعترف بأن التجربة غير واضحة لحد الآن، “لأنه إعلام جديد وبديل”.

ويشاطر الصحفي محمد نور (اسم مستعار)، والعامل في إحدى صحف النظام حاليًا، رأي زميله عزام، حول قصور التأثير ومحدودية الأدوات التي تخلق استجابة لدى الجمهور السوري، مقابل الرسائل الإعلامية التي يتلقاها من الإعلام الجديد، “للأسف لم يتمكن الإعلام الجديد، رغم أن المعطيات والأحداث كانت في صالحه، من التأثير”، ويضرب مثالًا “عندما نشاهد أن إحدى الوسائل تنقل حادثة حريق العصرونية في دمشق وتستشهد برواية صحفي موجود في تركيا لإلقاء التهم على جهة ما، فإن هذا يضعف رواية القصة ويحد من مصداقية الناقل، وهنا تتشابه روايته مع رواية إعلام النظام إبان اندلاع المظاهرات”.

 

“إعلام جديد” مقابل تنظيم “داعش” والنظام

نظرًا لتسارع الأحداث على الأرض، وتوزع قوى السيطرة الرئيسية، وتمدد تنظيم الدولة على مساحات واسعة من الجسم السوري، وهو الذي امتلك إعلامًا خاصًا، برزت هياكل إعلامية أساسية تتبع لهذه القوى وتعبّر عنها، تمجد بطولاتها وتتجاوز عن إساءاتها، مثلها مثل أي “بروباغندا” إعلامية عرفتها الحروب عبر التاريخ، وكان “الإعلام السوري الجديد” ينازل على الحلبة وينافس من أجل استقطاب الجمهور إلى جانب إعلام كل من النظام السوري وتنظيم “الدولة”، لكن، هل من المفيد المقارنة بين هذه الأنماط الثلاثة في ظل اختلاف تجربة كل منها، وإمكانيات وخبرات كل طرف؟ أليس من الضروري الإجابة على السؤال التالي: من كان يمثل السوريين بحق؟

يوسف صديق، الرئيس التنفيذي لمركز حلب الإعلامي (عنب بلدي)

يوسف صديق، الرئيس التنفيذي لمركز حلب الإعلامي (عنب بلدي)

يشير مدير مركز حلب الإعلامي، يوسف صدّيق إلى “أن إعلام التنظيم والنظام كان لهما تأثير بسبب المركزية في إصدار القرار”، وعلى حد وصفه فإن “مركزية القرار الإعلامي تشبه مركزية القرار العسكري”، وكان لهذين الإعلامَين دور في التأثير والتركيز على نقطة معينة، وقد نجحا إلى حد ما بسبب “عدم وجود التشويش والأخطاء”. وبحسب صدّيق فإن هذا النموذج من الإعلام ينجح في الأنظمة الشمولية، لكنه لا ينجح في خلق أثر على كامل المجتمع، لأنه يُشعر المواطنين بأنهم منقادون باتجاه فكرة موحدة وشاملة ولا تمثلهم، وفي المقابل كان “إعلام (الثورة) الجديد على العكس تمامًا، فقد رسخ للتعددية الفكرية السورية والتي لم تمارس منذ 50 عامًا”، يضيف صدّيق “نحتاج إلى توازن بين التعددية الفكرية الإعلامية، وتنظيم هذا عبر مأسسته وتنظيمه، لسنا بحاجة لوزارة إعلام بقدر حاجتنا إلى قواعد أخلاقية لا تحد من حرية هذا الإعلام”.

من جهة أخرى يرى رئيس تحرير صحيفة “سوريتنا”، جواد أبو المنى، أن الإعلام السوري خُلق كإعلام مستقل ومرآة للناس، تعكس همومهم ومشاكلهم وتوصلها إلى صاحب القرار، هو “رقيب على التنفيذيين، وهذا هدفنا”، مشيرًا إلى أن الإعلام الجديد يوفق وجهات النظر بين مختلف الأطراف، ويوثق الانتهاكات بحق السوريين، ويعيش معهم في حالة الحرب داخل سوريا وحالة الهجرة واللجوء خارج سوريا.

الإعلام السوري الجديد في “غربال” المنظمات الداعمة

تعيش معظم وسائل الإعلام الجديد حالة من “التخبط” وعدم التوازن والاستقرار في المرحلة الراهنة، وقد يبدو هذا الواقع متفهمًا لاعتبارات كثيرة، أبرزها الاغتراب عن الوطن، والبعد عن “عيش الحالة السورية” بتفاصيلها، فأغلب الكوادر الإدارية والتحريرية تدير هذه المؤسسات من دول الجوار، فضلًا عن عدم وجود ضمانات لاستمرارية تمويل هذه المؤسسات، ويمكن القول إن الجو العام السائد في هذه الأوساط يدعو لأخذ الحذر، لأن المرحلة الحالية هي مرحلة “غربلة”، لن يستمر بالعمل بعدها إلا كل “طويل عمر”، بعد أن مكن نفسه ومن معه في المؤسسة وقدم إنجازات وأثبت جدارة تؤهله لخوض غمار المرحلة المقبلة.

يقول رئيس تحرير صحيفة “سوريتنا”، جواد أبو المنى، إن عددًا كبيرًا من الناشطين والعاملين في الإعلام أخذوا المهنة كإحدى وسائل “الانتفاع” من الثورة، وكانت علة وجودهم الثورة، وقد قدمت المنظمات الدولية دعمًا كبيرًا لهم، قابلوه بإنتاج “متواضع” وغير متناسب مع حجم الدعم.

الدكتورة منى فرج الخبيرة الصحفية والمستشارة لدى منظمة FUP الأوروبية، والتي تعد من أهم المنظمات الداعمة للإعلام السوري “الحر”، تشير إلى أن المرحلة الأولى من الدعم المقدم من المنظمة للمؤسسات السورية الإعلامية كانت “مرحلة فرز”، مضيفة “لم نكن نعلم من سيكمل أو يتوقف، وجاء اهتمامنا بدعم المشروعات الإعلامية المستقلة انطلاقًا من (حق الإنسان أن يعرف)، وكانت تجربتنا على مستوى العديد من الدول والتجربة السورية حالة خاصة، إذ إنه وبمجرد انطلاق الثورة انطلق الإعلام البديل، وكانت مبادرات فردية شخصية، وكانت معظمها من غير العاملين بالإعلام، بل ناشطين في الثورة، بمرور الوقت بدأت تتشكل لهذه الحركة ملامح، وبدأت خريطة الإعلام البديل تتحدد، وقد عملنا على مساعدة هذه المؤسسات لكي تقف على قدميها”.

المنظمات لن تدعم الإعلام السوري إلى الأبد

لا يخفى على طواقم الإعلام السوري الجديد أن المرحلة الحالية “حرجة”، لجهة التمكن من الاستمرار والاعتماد على أموال الداعمين، فالمرحلة الحالية وصلت معها المؤسسات إلى حالة من النضج مكنت الداعمين من معرفة الغث من السمين، وجعلت الداعم يركز أكثر على الوسائل التي تستحق الدعم، من تلك التي ظهرت كمشاريع “استرزاق” استفادت من الطفرة الوليدة مع بداية الثورة السورية.

ففي الوقت الذي تؤكد فيه الدكتورة منى فرج من منظمة FPU أن الدعم لن يستمر إلى الأبد، يدعو الخبير الإعلامي، ياسر الزيات، هذه المؤسسات للتفكير بالاستدامة وتحويل المؤسسات إلى “بزنس” ومشاريع ربحية تموّل نفسها ذاتيًا، “وبالتالي الاستغناء عن أموال الداعمين، ولو بجزء بسيط خلال هذه الفترة”.

ورغم نجاح بعض المؤسسات الإعلامية في اعتماد هذا النهج، والتوجه للتفكير بهذا الاتجاه، والعمل على إنتاج منتج إعلامي وتسويقه وبيعه بقصد سد بعض التكاليف التشغيلية، إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة، كما يقول الصحفي مصطفى سميسم، ويضيف “نحن في بيئة غير قادرين على تأمين موارد للاستدامة كالإعلانات والتوزيع والبيع والاشتراكات، ولتجاوز ذلك نحاول كمؤسسات بيع المحتوى لوسائل إعلام عربية ودولية”، لكن سميسم أكد أن هذا التوجه كان عاملًا سلبيًا “لأن المنظمات الداعمة عندما رأتنا نحقق مكاسب مالية من المبيعات، بدأت تقلل الدعم وتغيّرت سياستها”.

رئيس تحرير صحيفة صدى الشام، عبسي سميسم (عنب بلدي)

عبسي سميسم، رئيس تحرير صحيفة صدى الشام – (عنب بلدي)

ولمواجهة ذلك يقترح سميسم حلًا “يبدو معقولًا”، وقد طرحه في أكثر من محفل، لكن لم يؤخذ به حتى الآن، يقول “أقترح أن تتوجه المنظمات الإغاثية والطبية وغيرها للجمهور عبر الإعلانات في الصحف ووسائل الإعلام الجديد، كون جمهور هذه المنظمات هو نفسه جمهور الصحف، لكن لم تطبق هذه الرؤية حتى الآن”.

ويعتبر ياسر الزيات، مسألة الدعم “تبعية ما”، وحتى لو كان الدعم لا يتطلب تبعية، فهو يمثل حدّي سكين، وربما يكون غير قائم في المستقبل، ومن وجهة نظره فإنه وعلى مستوى النتائج العامة يجب أن تحرص المؤسسات السورية الجديدة على فكرة الاستدامة، هذه المؤسسات “لا تحتاج إلى رأس المال، وتجاوزت مخاطر التأسيس، على المستوى الفني والأخلاقي على الأقل”، ولابد لهذه المؤسسات من المبادرة إلى اتخاذ الخطوة الأولى نحو الاستدامة والتحول لمؤسسات هادفة للربح، وإلا فإنها ستموت في المستقبل إذا توقف الدعم، “وسنخسر تجربة مهنية ونعود للصفر من جديد”.

استشارات دولية لا فائدة منها

لا شك أن تغير الأحوال السياسية والاقتصادية في بلد تشهد تحولًا سياسيًا، يغير الدعم من قبل المنظمات، وكان هدف الداعمين للإعلام السوري، على حد قول بعضهم أن يكون هناك استدامة لهذه المؤسسات يجعلها تستمر بمعزل عن الداعمين، من حيث التركيز على الجانب الإداري والمؤسسي، وخاصة لتلك المؤسسات التي أثبتت نجاحها. تقول الدكتورة فرج “سيأخذ هذا الجانب حيزًا مهمًا من الدعم والتركيز في الفترات المقبلة”.

لكن الصحفي سميسم، يرى أن الاستشارات الإدارية التي قدمتها المنظمات لم تكن ذات جدوى، بسبب غياب الدعم المادي وعدم القدرة على تنفيذ ما يراه المستشار الإعلامي في هذه المؤسسات، وضرب مثالًا “أحيانًا يطلب المستشار تعيين أعضاء جدد في المؤسسة أو مساعدين للمديرين، لكن ببساطة لا نتمكن بسبب قلة الموارد، وهذا كان بمثابة هدر وقت للمستشار، إذن عدنا للمربع الأول”.

لم يكن تعميم الدعم على كل المؤسسات والتعامل معها من زاوية واحدة مفيدًا بسبب اختلاف احتياجات كل مؤسسة، لكن ما البديل؟

تجيب فرج: “البديل القادم هو الاستمرار ولا خيار آخر، علينا بالتخطيط لكن للأسف الشديد كثقافة عربية لا نمتلكها، يجب التخطيط بالورقة والقلم.. نحن نسير بالطريق الصحيح، الإعلام الجديد إن لم يقد المرحلة المقبلة فإنه سيفرض نفسه ككيان أساسي فيها”.

منظمات دولية دعمت الإعلام السوري الجديد

– International media support)  IMS)، منظمة دنماركية، غير ربحية تعمل على دعم الإعلام المحلي في بلدان الصراعات والحروب والتي تشهد انتقالًا سياسيًا.

–   Free press unlimited) FPU)، منظمة هولندية، تشرف على مشاريع إعلامية في 36 بلدًا حول العالم، تؤمن بحرية وصول المعلومات إلى الجمهور.

–  Association de Soutien aux Médias Libre)  ASML)، مؤسسة دعم الإعلام الحر، هي مؤسسة سورية مسجلة في فرنسا، دعمت طباعة صحف سورية، وقدمت لها منحًا مالية محدودة.

– French operation in media cooperation) CFI)، منظمة فرنسية، تنسق المساعدات الفرنسية لتنمية وسائل الإعلام في بلدان الجنوب وتتعاون مع القطاعين العام والخاص.

–  Creative associates international، منظمة أمريكية، تسعى لدعم المجتمعات والإعلام لتحقيق التغيير الإيجابي، دعمت الإذاعات السورية بشكل رئيسي.

–   Irex، منظمة أمريكية، غير ربحية تدعم البرامج المبتكرة التي تشجع على التغيير الإيجابي على المستوى العالمي.

– Usaid، منظمة أمريكية تقود الجهود الحكومية لدعم المجتمعات وتحقيق التطور، وقد دعمت مشاريع مدنية عديدة في سوريا، من ضمنها الإعلام الجديد.

–  mict-international، منظمة ألمانية، غير ربحية، تنفذ مشاريع لتطوير وسائل الإعلام في مناطق الأزمات، وتدعم إذاعات سورية.

–  Democracyendowment، منظمة أوروبية تدعم المبادرات في عدد من بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا.

–  Institute for war and peace reporting) iwpr)، معهد صحافة السلم والحرب، يدعم المعهد المراسلين المحليين، ويساهم في تعزيز الأمن الرقمي للصحفيين والعاملين في حقل الإعلام.

–  Reporters without Borders،  مراسلون بلا حدود: تأسست المنظمة في مدينة مونبيليه، جنوب فرنسا، عام 1985، وحصلت قانونيًا على صفة جمعية ذات منفعة عامة، وسرعان ما تحوّلت إلى منظمة عالمية.

– internews، منظمة اوروبية، أشرفت على تدريب مجموعة من المؤسسات الإعلامية السورية.

تأثير في مناطق المعارضة.. وغياب عن “مناطق النظام”

تتباين حالة الرضا عند القائمين على الإعلام السوري الجديد، لجهة القدرة على التأثير في الجمهور الذي يتجه إليه هذا الإعلام، سواء كان إذاعة، تلفزيون أو صحيفة، وبالرغم من أن الإعلام الجديد يعتبر الوصول إلى كل السوريين أينما وجدوا من المسلّمات، إلا أن أرض الواقع تكشف غير ذلك تمامًا، فأغلب الصحف التي تطبع في تركيا لا توزع إلا في مناطق شمال سوريا “المحررة”، وبعض المدن التي تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية، في حين تغيب بشكل شبه كامل عن جنوب سوريا وشرقها وكذلك دمشق وريفها، ذات الشيء ينطبق على الإذاعات، والتي تتنافس على ما تبقى من سوريين في شمال سوريا، وخاصة حلب وإدلب وبعض مناطق ريف حماة واللاذقية.

فوسائل الإعلام الجديدة “شبه معدومة” في كامل مناطق سيطرة النظام، حيث لا صحف جديدة توزع وهناك، ولا مواقع إلكترونية يمكن الدخول إليها، بسبب الحجب من قبل وزارة الاتصالات والتقانة، وكذلك لا إذاعات، عدا بعض مناطق التماس في حلب المدينة.

كل هذه العوامل تجعل من التأثير في الجمهور السوري محدودًا، ومقتصرًا على قاطني المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ورغم مضي خمس سنوات على التجربة الإعلامية، ماتزال أدوات قياس التأثير في الرأي العام “ضعيفة”، نظرًا للظروف الأمنية واللوجستية التي تخضع لها معظم المناطق السورية، بما فيها المحررة. وقد أجرت مؤسسات محلية ودولية عددًا من استطلاعات الرأي والمسوحات، بغية تشخيص جمهور وسائل الإعلام وتحديد حجم التأثير الذي أحدثته في رأيه، وقد نشر معظمها على نطاق ضيق وتم تناقلها بين وسائل الإعلام نفسها وبعض المؤسسات الداعمة.

يقول الصحفي عبسي سميسم “هناك مشاكل في عدم القدرة على التأثير بالجمهور وتأطير العمل الإعلامي عبر توجيه رسائل صحيحة فيها ميزات محددة”، ويعتبر جواد أبو المنى أن معظم المؤسسات غير قادرة على التأثير، لأن قسمًا منها لا يصل إلا إلى جمهور محدد، ”وهو جزء من المعارضة وعلى نطاق محدود”، مشيرًا إلى أن هناك مشاريع إعلامية جمهورها المنظمات فقط، ما يعني أنها “صحافة منظمات”، كونها تلبي متطلباتهم فقط، بحسب “أبو المنى”.

الصحفي رامي الجراح - مدير راديو صوت دمشق (إنترنت)

الصحفي رامي الجراح – مدير راديو صوت دمشق (إنترنت)

أما الصحفي رامي الجراح، أحد الإداريين في إذاعة “صوت دمشق”، فيؤكد لعنب بلدي أنه لا توجد طريقة لقياس التأثير على الرأي العام في الداخل، “رغم أن وسائل الإعلام في الداخل السوري متابعة أكثر من وسائل الإعلام الدولية”.

عدنان حداد، مدير إذاعة “حارة إف إم”، يعترف بأن هناك ضعفًا في تأثير وسائل الإعلام السورية الجديدة، ومنها الراديو، داعيًا إلى التفريق بين شيئين أساسيين، أولًا “إعلام ناضج إلى حد كبير ومتوازن لم تصله هذه المؤسسات بعد”، وثانيًا: “لولا الإعلام الجديد الذي يغطي في سوريا، لما أمكن الاستمرار بصمود السوريين”، مشيرًا إلى أن الإعلام الجديد ساهم في خلق حملات إعلامية أثرت على الرأي العام الدولي، مثل حملة “#حلب_تحترق”.

عدنان حداد، مدير إذاعة حارم FM  (عنب بلدي)

عدنان حداد، مدير إذاعة حارم FM  (عنب بلدي)

وقد أظهر استطلاع رأي أجراه “مركز عمران للدراسات” على صحف “الشبكة السورية للإعلام المطبوع” مطلع العام عبر مجموعات مركزة من جمهور الصحف في الشمال السوري، وشمل 725 عينة، أن 57.6% من المشاركين بالاستطلاع يثقون بدرجة عالية بالأخبار التي تصلهم عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، تليها الصحف بنسبة 53.5%، ثم التلفزيون 42.6%، ثم المواقع الإخبارية 34.5%، وأخيرًا الراديو بنسبة 16%.

 

 

الإعلام في الداخل لا يحظى بفرص الدعم والتدريب

في الوقت الذي تعيش فيه مؤسسات الإعلام السوري الجديدة والمؤسسة في الخارج، وخاصة تركيا، في “بحبوحة” بسبب قربها من الداعمين وتكوين علاقات تمكنها من التواصل معهم والحرص على إخضاع الكوادر لدورات مهنية وإدارية مختلفة، يعيش إعلاميو وناشطو الإعلام الجديد في الداخل في ضيق مادي، أثّر على جودة وأداء هذه الكوادر، وذلك بعد أن أمضوا قرابة الخمس سنوات في العمل الإعلامي الميداني. فبرغم الخطر الذي يتعرض له هؤلاء بسبب التضييق والاستهداف المباشر والخطف والاعتقال، إلا أنهم مايزالون مستمرين في العمل الذي مهّد وأسس لما بات يعرف اليوم بالإعلام الجديد، وكان هؤلاء الناشطون لبنة الأساس في مدماكه.

يقول محمد العبدالله، مدير مؤسسة “شاهد” الإعلامية في درعا، إن قلة الدعم والإمكانيات أخرت النهوض بالمؤسسة، لكن إعلام درعا يعيش حالة تكامل ويحقق الفائدة المرجوة، وبحسب العبدلله، فإن “أبرز ما يميز إعلام الثورة هو أنه ابن بيته، وقد تمكن من فضح جرائم نظام الأسد رغم صعوبة ظروفه التقنية والأمنية وقلة الخبرة في مواجهة آلة النظام الإعلامية ومن يساندها من حلفائه، ورغم افتقاده للدعم التقني والمهني”.

ويعتبر العبدالله أن السبيل لتحقيق نهضة إعلامية في الداخل هو “إيجاد أرضية صلبة تجمع شتات الناشطين، وتكون مرجعًا لهم في مواجهة التحديات الكبرى والانتقال لمرحلة متطورة من العمل بالتوازي مع إعطاء كل ذي حق حقه وعدم دعم جهات أو أفراد على حساب مؤسسات”.

أما الناشط الإعلامي ومراسل جريدة “عين على الوطن” في إدلب، حسن مختار، فيرى أنه لا يمكن مقارنة إعلام النظام بالإعلام الثوري من حيث الإمكانيات، ويرى أن هناك ضرورة لإخضاع الناشطين في المناطق المحررة لدورات إعلامية مكثفة، من أجل توعيتهم أكثر بالعمل الصحفي، ولإعداد ناشطين أكثر حرفية ومنحهم معدات تساعد على إنتاج مواد صحفية أكثر حرفية في المستقبل.

يقترح مختار إدخال جامعات افتراضية تعليمية للمناطق المحررة من قبل منظمات داعمة تتبنى جيلًا جديدًا من الصحفيين السوريين بشهادات أكاديمية، ما سيعزز “إعلام الثورة” من وجهة نظر الوسائل الإعلامية العربية والأجنبية، ويدفعه للأمام.

وتلقى الناشطون الإعلاميون داخل سوريا جملة تدريبات صحفية عبر الإنترنت (أون لاين)، كان أبرزها برنامج “الأصوات السورية” الذي أداره الصحفي غسان ابراهيم، وبرنامج “سيريا نيوز” للتدريب الذي دعمته منظمة internews الأوروبية، لكن هذه البرامج لم تحقق النتائج المطلوبة نظرًا لقصر مدتها، واصطدامها بعوائق تقنية، مثل غياب شبكات الإنترنت وتخلف حضور الإعلاميين.

“مصداقية” تحتاج إلى “حماية” داخل سوريا

يعتقد معظم الناشطين الإعلاميين الذين التقتهم عنب بلدي في المناطق السورية المحررة، أن الإعلام الجديد تمكن فعليًا من مجاراة إعلام النظام وتفوق عليه من حيث الموضوعية والمصداقية، بعيدًا عن الضغوط، وقد عمل على مواجهة دعاية إعلام النظام وسعيه المستمر عبر الرسائل التي يقدمها للجمهور من أجل قلب الحقائق، من خلال الشفافية التي اعتمدها كمنهج، فنقل الأحداث بدقة، وأصبح في حالات كثيرة مصدرًا لوكالات عالمية.

يقول أبو البراء الإدلبي، الصحفي في مركز إدلب الإعلامي، “أعتقد أن المصداقية بنقل الأخبار هي من أهم العوامل التي تؤدي إلى نجاح هذا الإعلام بعيدًا عن الإملاءات، لكن ما يحتاجه الصحفيون والناشطون هو الدورات التدريبية لإكمال تكوينهم الإعلامي، إضافة إلى الحماية داخل الأراضي السورية، فمعظمهم يتعرضون لضغوطات في التنقل من قبل فصائل وكتائب، وهناك صعوبات في التصوير ما يضطر المصور في منطقة معينة للتوجه إلى المسؤول والحصول على إذن لتحديد الأماكن المسموح التصوير فيها، وإلا نتعرض للاعتقال”.

درعا.. تجارب إعلامية محلية تشوبها “المناطقية” وتنقصها الخبرات

الإعلام الإلكتروني يغطي درعا

في الوقت الذي تغيب فيه صحف الإعلام الجديد وإذاعاته عن مدينة درعا والمنطقة الجنوبية عمومًا، أسوة بالمناطق المحاصرة في دمشق وريفها، كان لا بد من إطلاق مشاريع إعلامية تواكب الحراك المدني والعسكري وتشبع رغبات الجمهور في تلك المناطق، واليوم تحفل مدينة درعا وريفها بتجارب إعلامية “مميزة” كان عمادها الإنترنت، بعدما تعذر توزيع الصحف والمجلات الجديدة هناك، ورغم ذلك تبقى هذه المشاريع على تجربتها المحلية والخبرات المتواضعة عاملًا مهمًا في نقل الصورة ونقل واقع جنوب سوريا بعين أخرى مغايرة لرؤية النظام وإعلامه.

يقول محمد العبدالله، مدير مؤسسة “شاهد” الإعلامية المحلية، إن “هذه أول تجربة إعلامية ضمن مساحة واسعة من الحرية، وتعبر عن الرأي العام في الظروف الاستثنائية التي تعيشها سوريا دون وجود تلك القيود التي ألفناها عند الإعلام الرسمي التابع للنظام”. وبحسب العبدالله، يتميز عمل مؤسسة شاهد بتغطية شاملة للأحداث في المحافظة، وبوجود عدد كبير من الناشطين الإعلاميين ضمن التغطية المدنية والإنسانية والعسكرية والسياسية، وهذا لا يعني أن جهود وعمل المؤسسات الأخرى غير مؤثر بل هو رافد ومكمل للعمل الإعلامي المؤسساتي في محافظة درعا.

ويتميز الإعلام البديل في درعا بالفكر الجديد والمغاير، من حيث التناول والعرض لواقع السوريين، وما يميز هذه التجربة أن كوادر العاملين في هذا المجال أقرب إلى الناس وعايشوا مأساة الشعب السوري، بحسب العبدالله، لكن أهم ما ينقص التجربة هو وجود التنظيم والإمكانيات الكافية “التي تلبي طموحات الشعب السوري في ثورته”، على حدّ تعبيره.

ويسعى الناشطون لاتباع دورات منهجية تزودهم بالمهارات والخبرات الكافية للتعامل في ظل ظروف الحرب، بالإضافة لتوفير ما يلزم من معدات ووسائل تخدم العمل الإعلامي بطريقة احترافية.

فصل بين الإعلام العسكري والمدني في درعا

تتضمن المؤسسات الإعلامية في درعا عددًا من الإعلاميين الأعضاء في المكاتب الإعلامية للفصائل العسكرية المختلفة، ما يولّد سؤالًا، من وجهة نظر مهنية، عن الآلية التي يتم بها التنسيق بين العمل الإعلامي الخاص بالمؤسسة والعمل الإعلامي الخاص بالفصيل العسكري، فيجيب العبدالله “تقوم المؤسسة على مبدأ الفصل بين الإعلام المدني ونظيره العسكري ضمن التخصصات الموجودة، ويعتبر وجود أي إعلامي تابع لفصيل شاهدًا للمؤسسة، باعتبار أن هذا هو سبب التسمية والغاية منها، أما العلاقة مع الفصائل العسكرية فهي علاقة يفرضها الدور الإعلامي الذي يغطي كل الأحداث ويواكب كل الآراء.

يتابع العبدالله “هنالك تكامل إلى حد ما بين الأدوار الإعلامية، مع وجود بعض الاختلاف ببعض الآراء التي لا تشكل خطورة كبيرة على العمل من مبدأ الفصل بين تخصصات المؤسسات واحترام الإعلام لاستقلالية المؤسسات الأخرى، بما يحقق الطموحات الكاملة لثورة الشعب السوري”.

أسامة الزعبي - الهيئة السورية للإعلام (عنب بلدي)

أسامة الزعبي – الهيئة السورية للإعلام (عنب بلدي)

أسامة الزعبي، مسؤول الهيئة السورية للإعلام، التي تركز في عملها على جنوب سوريا، يرى أنه من الضروري التصحيح بأنه لا يوجد شيء اسمه إعلام رسمي في سوريا، “وإنما هنالك إعلام النظام الذي يكذب ويلمع سياسته، وإعلام الثورة الذي ينقل معاناة الشعب السوري ويحاول إيصال مطالبه وحقوقه إلى العالم”.

ويوضح الزعبي أن إعلام الثورة “يحمل مبادئ أساسية، أهمها نقل الحقيقة والمطالبة بحق الشعب السوري”، معتبرًا أن “كل إعلام يؤثر به الدعم الخارجي يحيّده عن مبادئه هو إعلام مرتزقة وليس إعلامًا ثوريًا، حتى وإن كان القائمون عليه من أوائل الذين خرجوا ضد النظام”.

وتعتبر الهيئة السورية للإعلام ناطقًا رسميًا باسم الجبهة الجنوبية التابعة للجيش السوري الحر، ولدى السؤال عن الخطوط الحمراء التي يمكن أن يفرضها القادة العسكريون على الإعلاميين، يؤكد الزعبي أن “الخطوط الحمراء المفروضة على الهيئة هي العمل دون مهنية والولاء لغير الوطن والثورة، فمبادئ وأهداف الهيئة واضحة تنقل الحقيقة بحرفية ومهنية، عبر العمل بنظام مؤسسة متكامل، لها أهداف وسياسة تحريرية تتماشى والثورة السورية”.

“المناطقية” إحدى سلبيات الإعلام الحوراني

معاوية الزعبي، مدير مؤسسة يقين الاعلامية (عنب بلدي)

معاوية الزعبي، مدير مؤسسة يقين الاعلامية (عنب بلدي)

أما معاوية الزعبي، مدير مؤسسة يقين الاعلامية، فيقول إن “أغلب العاملين في هذا المجال هم شباب ناشطون، كانوا قبل الثورة بعيدين عن المجال الإعلامي، وأجبرتهم ظروف الحرب على الخوض في هذا المجال، ومنذ البداية لا يمكن مقارنة الإعلام الرسمي بإعلام الثورة لأن إعلام النظام يمتلك المال والدعم، وإعلام الثورة اعتمد على نفسه وبدأ من نقطة الصفر، ولكن “الصدق في نقل الوقائع هو ما ميز الإعلام الثوري”، على حد قوله.

تتوزع المؤسسات الإعلامية في درعا بشكل جغرافي، وإلى اليوم هناك سلبيات كبيرة تعاني منها “بسبب مناطقية المؤسسات، والبعد الجغرافي”، ويرى الزعبي أن “إعلام حوران اليوم مازال يخط الخطوط الأولى لمرحلة جديدة من الاحتراف والعمل المهني المكمل لبعضه البعض رغم كل معوقات العمل”.

وتعمل مؤسسة يقين على إيجاد مصادر دخل لدعم مشاريعها المستقبلية، وتسعى لتطوير المنتج الإعلامي الذي تقدمه كوادرها، والانتقال من نقل الأخبار إلى إعداد مواد أكثر عمقًا، يغلب عليها الطابع التحقيقي والبحثي، لكن هذه المساعي تصطدم بعائقين أساسيين، هما الحاجة لأشخاص أصحاب خبرة كبيرة في هذا المجال، والثاني عدم وجود جهة تحمي الإعلامي أو المؤسسة في هذه الظروف.

“حلب اليوم” تلفزيون “ثوري”.. ينقد الثورة

تعد تجربة تلفزيون “حلب اليوم” من التجارب الفريدة على الساحة الإعلامية السورية، فالتلفزيون الذي انطلق من داخل مدينة حلب قبيل اندلاع الثورة بفترة وجيزة، بطريقة “ناعمة” ذات توجه تجاري “لا شأن له بالسياسة”، سرعان ما استقطب إعلانات، وبدأ يتحول إلى مشروع استثماري.

لكنه مع الثورة عمل على تغطية المظاهرات، فلوحق أمنيًا، ما اضطر كوادره للانتقال إلى تركيا وتعيين مراسلين في الداخل. ومنذ عام ونصف تقريبًا اتخذت إدارة المحطة قرارًا بتغطية سوريا بالكامل، وأصبح للمحطة مراسلون في كل أنحاء البلاد وفي مناطق النظام أيضًا.

حاولت المحطة الاعتماد على البرامج المحلية، مثل برنامج “هنا حمص” المحلي الأسبوعي، وبرنامج “نوافذ دمشقية” المحلي أيضًا، وتناولت الشأن السياسي عبر البرامج ونشرات الأخبار.

خليل أحمد، مدير تلفزيون حلب اليوم في مقابلة مع عنب بلدي.

خليل أحمد، مدير تلفزيون حلب اليوم – (عنب بلدي)

يقول المهندس خليل أحمد، مدير التلفزيون، “منذ البداية، لم تكن القناة حيادية أو موضوعية، العاملون في القناة مع الثورة ضد النظام السوري، وبرغم ذلك، من اللحظة الأولى كانت ناقدة لأخطاء من يسيء في الثورة، كالنقد الموجه لكتائب عسكرية خالفت وارتكبت أخطاءً، وهذا خلق لنا أعداءً كثر، وكان عاملًا سلبيًا”.

يرفض أحمد، وبالرغم من الموقف المعلن للتلفزيون والعاملين فيه، أن تكون المحطة “تشبيحية” أو “بروباغندا” للثورة.

أضاف تلفزيون “حلب اليوم” بصمة جديدة للإعلام السوري الجديد، كما يقول مديره، لكن لا يوجد رضا كامل عما قدم “كنا إعلامًا مجتمعيًا يتناول هموم الناس، لكن لم ننجح بهذا الجانب، ومنذ تأسيس القناة عملنا على الجانب الإخباري، وقدمنا أخبارًا وجوانب مجتمعية لكن لم نكن مقتنعين بها، إننا تحتاج إلى تطوير أكثر”.

يرى أحمد أن “سقف الحرية” الذي ارتفع خلال الثورة السورية ساعد كثيرًا في تطوير عمل المؤسسة، ورغم سوء الوضع الإعلامي إلا أنه أفضل من السابق، يقول “أنت تعمل دون ضابط أو رقيب أو وزارة إعلام، وتتلقى تهديدات، لكن بالنهاية لست كما كنت في الفترة الماضية تُمنع من الكلام نهائيًا”.

كبقية الصحفيين السوريين المهددين في الداخل والخارج، يخيم الخوف على مجريات حياتهم اليومية، فهناك من ينبذهم ويحاول الانتقام منهم، وبالنسبة لتلفزيون “حلب اليوم” يعد الخوف والعمل في ظروف التهديد من أبرز العقبات التي تواجه كادر المحطة، وخاصة أنها فقدت أحد أهم كوادرها، الصحفي زاهر الشرقاط، الذي تبنى تنظيم “الدولة” اغتياله في مدينة غازي عنتاب التركية، في نيسان الماضي.

المحطة تموّل من قبل بعض المغتربين السوريين، الذين إذا أوقفوا الدعم فجأة فسيكون الإغلاق مصير  التلفزيون، كما يقول أحمد، إذ إن التمويل من الموارد المحلية غير متاح، بسبب ارتفاع تكاليف العمل التلفزيوني.

وكحال بقية وسائل الإعلام السورية الجديدة، يعدّ نقص الكوادر من أكثر العوائق التي تحد من تطور المحطة، فالبحث عن محرر أخبار، أو تقني صوت لسد شاغر في القناة قد يستغرق شهورًا،  يقول أحمد “هناك صعوبة بتأمين الكوادر الإعلامية، لأن عددًا كبيرًا من المهنيين والصحفيين، هاجروا أو غيّروا مهنتهم، ومنهم من رفض العمل في هذه المؤسسات الجديدة كونها ضد النظام”.

تخطط حلب اليوم للانتقال إلى البث المباشر في خطة مستقبلية واستراتيجية، وهذا يقتضي تطوير كل شيء، المعدات والمراسلين، وهذه أهم خطة، وعلى التوازي مع ذلك تحاول تغطية سوريا بالكامل. مدير المحطة، خليل أحمد.

 

الإذاعات السورية.. صراع من أجل البقاء ومسيرة يعرقلها “مزاج الداعم”

تنافس على جمهور الشمال وغياب عن بقية سوريا

تتنافس الإذاعات الجديدة على بقعة محددة من الأرض السورية، بسبب محدودية الوصول إلى الجمهور، المنقسم تحت سيطرة قوى مختلفة، وبالذات النظام السوري، فالجمهور الذي يعيش في مناطق سيطرته بالكاد تصله إشارات بث الإذاعات التي تصنف بأنها “معارضة”.

وتسعى الإذاعات السورية، التي تدار من تركيا وتبث في الشمال السوري، وتحديدًا في حلب وإدلب والحسكة، إلى إيصال رسائل إعلامية “جديدة” تخاطب الجمهور السوري في الشمال، في وقت يعيش فيه المواطنون ظروفًا معيشية صعبة، بسبب انهيار البنية التحتية بشكل شبه كامل وانعدام الكهرباء النظامية وشبكات الإنترنت وأبراج البث، ما صعّب فرص الحصول على أخبار ومعلومات من وسائل إعلام تتطلب وجود الطاقة، كالتلفزيون والراديو والمواقع الإلكترونية.

وقد ساهمت طبيعة الصراع السوري وتنوع القوى المسيطرة على الأرض واختلاف أيديولوجيتها ومنهجها الفكري في التأثير على سير هذه الإذاعات، وأثرت، إلى حد ما، في رسم ملامح برامجها، وأخضعتها لنظام “الممنوع والمسموح”، إذ حافظت بعض الإذاعات على بث البرامج الدينية للتأثير على الجمهور الذي تسيطر عليه جماعات ذات ميول إسلامية، في حين امتنعت إذاعات أخرى عن بث موسيقى وأغان غربية أو أغان لمغنيين ومطربين معروفين بولائهم للنظام السوري، ما يهدّد بفرض أنماطٍ محددة من الذوق على السوريين، وتغيير في ميولهم وفي خطط الإذاعات، على حد سواء.

تعاني الإذاعات أيضًا من صعوبات جمّة، أبرزها تباين التكاليف بين الداخل والخارج، أي بين تركيا وسوريا، إذ تدفع الإذاعات التي تبث من الداخل أو تدير كوادرها في الداخل تكاليف أقلّ من تلك التي تتخذ من المدن التركية، وخاصة غازي عنتاب، مقرًا لها، بسبب تباين تكلفة المعيشة بين البلدين. ويعد معيار الأجور الذي تتلقاه كوادر الإذاعات مثالًا واضحًا على هذا التباين، ففي الوقت الذي يبلغ فيه معدل أجور موظفي الإذاعات في تركيا بين 700 – 1000 دولار شهريًا، تتراوح أجور الموظفين داخل سوريا بين 250 و 350 دولارًا، وقد يصل إلى 500 دولار في الحد الأعلى، بحسب سيروان بركو، مدير إذاعة “آرتا إف إم”، والذي يدير فريقًا يبلغ عدد أفراده 65 عاملًا. إلى جانب ذلك هناك تكلفة مرتفعة إضافية لضمان استمرارية البث على موجات FM وشبكة الإنترنت وحماية الأبراج والطواقم العاملة على الأرض.

لكن ورغم ذلك، يلاحظ المتتبع لتجربة الإذاعات السورية أن توجهها الأساسي كان للبث عبر موجات FM رغم ارتفاع تكاليف تشغيله، وقد فضلت بعض الإذاعات الاعتماد على البث عبر الإنترنت لتجنب التكاليف، لكن صعوبة وصول السوريين في مناطق المعارضة للإنترنت حد من وصول هذه الإذاعات. وفي دراسة نشرتها الوكالة الفرنسية للتعاون الإعلامي (CFI) في حزيران 2015، يعتبر الباحث المتخصص في الإعلام السوري، إنريكو دي أنجليس، أن اختيار تأسيس إذاعة يعود لكون أن إدارتها أسهل من التلفزيون أو الصحيفة، ولكون أغلب من أسسها غير صحفيين أو متمرسين، لكن زاد من صعوبة المهمة أمام المؤسسات الإذاعية “الوليدة”، الحاجة إلى خبرات فنية وتقنية، ومهارات محددة لا تتطلبها وسائل الإعلام المطبوعة، فكان العبء على المؤسسين مضاعفًا.

ورغم النجاحات التي تحققت على أكثر من صعيد، إلا أن هذا القطاع مايزال يعاني، كحال بقية وسائل الإعلام الجديد، من نقص الكوادر وهجرتها إلى أوروبا، وضعف التمويل ومحدوديته، والتهديد المباشر الذي تتعرض له الأصول والمعدات والمواقع في الداخل السوري، بما فيها من أجهزة البث والإرسال، سواء بسبب القصف أو السرقة.

“المازوت” يحدّد ساعات البث

يُجمع من التقتهم عنب بلدي من مديري الإذاعات السورية على أن العائق الأبرز في عمل الإذاعات وقدرتها على الوصول إلى الجمهور هو تكاليف البث العالية، والمرتبطة بشكل مباشر بالطاقة، وهنا نتحدث عن المازوت، الوقود الرئيسي للمولدات “الضخمة” التي تشغل أبراج وأجهزة البث. ويرى عدنان حداد، مدير راديو “حارة إف إم” أن “كلفة البث هي المعضلة الأساسية، لا سيما أنها متباينة بين منطقة وأخرى داخل سوريا، فيبلغ سعر الليتر على سبيل المثال في الحسكة 35 ليرة، بينما يصل في حلب إلى 350 ليرة، ما يعني فارقًا يقدّر بعشرة أضعاف”.

تضاف إلى ذلك قيمة المولدات وكلف صيانتها الدورية، بالإضافة إلى كلف حمايتها وتأمينها، ويقدر رامي جراح، من إذاعة “صوت دمشق”، الكلفة التشغيلية لبرج البث لمدة 24 ساعة متواصلة، بـ 30 ألف دولار أمريكي، موضحًا أن تشغيل البرج يحتاج لثلاث مولدات كبيرة، تتناوب في العمل على مدار ساعات البث. ويعتقد جراح أن هذه الكلفة “الضخمة” دفعت مجموعة من الإذاعات السورية للتعاون فيما بينها والاشتراك في نفس الأبراج من أجل التشارك في كلف تشغيلها، وهو ما يبدو أنه لم ينجح تمامًا، لما تفرضه هذه الحالة من تقسيم لساعات البث وتباين أوقاتها بما لا يتناسب مع سياسات كل إذاعة على حدة.

فيما يقدر حداد التكاليف الشهرية الوسطية لتشغيل إذاعة بحوالي 20 ألف دولار، وتتوزع بين الرواتب والأمور الفنية واللوجستية الأخرى. ويشير إلى أن القسم الأكبر من تكاليف الإذاعات يذهب باتجاه الأجور والتي تشكل نحو 80% من النفقات.

الإذاعات السورية تلجأ إلى الإنتاج المرئي

يضيف حداد إلى جملة المصاعب والعوائق التي تواجهها الإذاعات السورية مشكلة الوضع القانوني، وغياب تصاريح العمل الرسمية في بلدان الجوار، وهو ما يحد من حماسة المؤسسات الدولية للتعاون معها، وهذا حال العديد من وسائل الإعلام السورية الأخرى، كمركز حلب الإعلامي، والذي منعه عدم الاعتراف القانوني به كجسم إعلامي من التعاقد مع وكالات دولية ومؤسسات عالمية، وبقي التعاون معها على مستوى شخصي، وعلى نطاق الأفراد.

هاجس آخر، لا يكاد يغيب عن تصريحات مديري المؤسسات الإعلامية السورية، هو الاستدامة ومشكلة الدخل الذاتي، ويظهر هذا التحدي بقوة أكبر لدى الإذاعات، التي تفوق تكاليف تشغيلها تكاليف الصحف والمواقع الإلكترونية بعشرات المرات. ويبدو أن معظم الإذاعات، التي زرناها في جولتنا في مدينة غازي عنتاب التركية، تتجه نحو الإنتاج المرئي، لتحقيق دخل قد يعوض جزءًا من تكاليف تشغيلها، وهو ما ظهر في الاستديوهات المعدة داخل هذه الإذاعات، والمخصصة للتصوير التلفزيوني والأفلام الوثائقية، وأكده كل من عدنان حداد (راديو حارة إف إم)، ورامي الجراح (إذاعة صوت دمشق)، وريم حلبي (راديو نسائم سوريا). يقول حداد إن 20% من تمويل إذاعته يأتي من بيع المسلسلات ومقاطع الفيديو، وهذا “يمكن أن يبنى عليه في المستقبل”.

وفي هذا السياق، تمكنت إذاعة “صوت دمشق” وخلال وقت قصير، من إيجاد موارد ذاتية تجعل وضعها “جيدًا”، وهو ما يدفعها لتبني هذا النهج من أجل ضمان الاستمرارية، كما يقول رامي الجراح، فقد تمكنت إذاعته من توفير 25% من ميزانيتها عبر بيع تحقيقات لصحف عربية وعالمية، معتبرًا أن هذه النسبة كفيلة بأن تجعل الإذاعة تستمر فيما لو توقف الدعم “بالحدّ الأدنى”.

ورغم المخاطر التي تهدد دعم الإعلام السوري ككل، والإذاعات بشكل خاص، يعتقد عدنان حداد أن الاعتماد على برامج الدعم سيستمر خلال الحرب، إذ لا بديل لهذه المؤسسات عنها، فالاقتصاد السوري غير مستقر، ولا توجد سوق حقيقية للإعلانات والاشتراكات، والمبيعات الإعلامية المحلية.

بالعموم، يرى حداد أن تجربة الراديو في سوريا خلال هذه الفترة استثمار غير خاسر، لأنالراديو لا يموت بالتقادم، إذ تثبت الدراسات أن الراديو مستمر، على عكس التلفزيون، وأصبح الإنترنت المصدر الأساسي للمعلومات، وفق ما يقول، وهنا تأتي فكرة البث عبر الإنترنت، لكن هذه التجربة لها محاذير، أبرزهاعدم الوصول إلى الجمهور الحقيقي كون جمهور الإنترنت في كل مكان، وهنا يبرز تحد آخر أمام الإذاعات السورية، هو كيفية الوصول إلى الشريحة الأوسع من الجمهور السوري.

أين يتدخل الداعم في عمل الإذاعات السورية؟

تقول مؤسسات الإعلام “الجديد” إن تغطية الحرب السورية ومعايشة واقع الإنسان السوري خلال الثورة هو أساس عملها وبوصلة تحركها، ويؤكد معظم من التقتهم عنب بلدي أن أجندة هذه المؤسسات سوريّة خالصة، ردًا على من يتهمها بأنها أذرع المنظمات الداعمة وأنها أحجار شطرنج في أيدي الداعمين، كونها تعيش على أموالهم.

وينفي عدنان حداد التدخل في سياسة إذاعته، قائلًا “نحن لدينا أجندة سوريّة، والداعم لا يتدخل بالأمور التحريرية على الإطلاق”، مشيرًا إلى أن هناك منظمات وشركات تدعم الإعلام السوري وهي ليست خبيرة بالإعلام، وهي لا تصرف الأموال على مقاييس تطوير الإعلام بل على معايير التنمية الدولية، ويؤكد أن لا بديل أمام هذا الإعلام سوى استثمار الدعم الدولي لتطوير نفسه، والاتهامات لوسائل الإعلام  “لن تنتهي”.

ويقول رامي الجراح، “سياستنا في الإذاعة ضد إملاءات أي أحد، ضيوف الإذاعة يهاجمون أمريكا وفرنسا وأوروبا، وهذه نقطة مهمة بالنسبة لنا، نحن نؤكد أن الداعم لا يتحكم بنا”.

تعد منظمة CREATIVE الأمريكية أهم ممول للإذاعات السورية الجديدة، غير أن العقود التي تبرمها مع هذه الإذاعات لا تتجاوز مدتها ثلاثة أو أربعة أشهر، ما يمنع هذه الإذاعات من وضع تصور لعملها المستقبلي وتنظيم شؤونها على المدى الطويل، ويؤدي غياب الشفافية في التمويل إلى المنافسة بين الإذاعات، ما يصعب عمليات اللحمة والتضامن بينها.

(تقرير الإذاعات السورية الجديدة، حزيران 2015)

مرحلة “تحسس” رؤوس.. هل يستمر الإعلام الجديد؟

عددٌ من أسماء وسائل الإعلام الجديدة “اختفت” بعد أشهرٍ على تأسيسها، رغم توجه بعضها إلى شريحة واسعة من السوريين، وهو ما يظهر جليًا في حالة الإذاعات.

تتوجه إذاعة “صوت دمشق” إلى 300 ألف مواطن في حلب، وهي واحدة من ثماني إذاعات ماتزال مستمرة بالبث من الداخل السوري، بعد أن كان عددها قرابة 25 إذاعة انطلقت منذ اندلاع الثورة.

وبحسب رامي الجراح، فإن “صوت دمشق” يراهن على المدى الطويل على الوصول للجمهور الذي لا يمكن لوسائل إعلام أخرى أن تصل إليه، لكنه يعترف بصعوبة تحقيق ذلك إذ “لا توجد إحصائية تدل على من يسمع الراديو ومن لا يسمعه بسبب عدم استقرار بالجمهور”.

ويضيف الجراح “ينقص الإذاعات السورية وراديو صوت دمش الخبرة، والتمويل الكافي”، لكنه يؤكد أن الإعلام الجديد سيستمر في يخوض “حرب البقاء”، رغم خطر “الغربلة” الذي باتت تستشعره معظم المؤسسات الإعلامية السورية، وبرأيه لن يكون ممكنًا لمن يتّكل على الداعم بنسبة 100% أن يستمر.

الإذاعات السورية  الجديدة التي ظهرت منذ 2011

سوريالي، روزنة، هوا سمارت، أورينت، نسائم سوريا، SMO، فري سوريا، ولات، حلب اليوم، ألوان، الآن اف ام، وطن، صوت راية، حارة، أنا، العهد، 963، ياسمين الشام، روح، شرق المتوسط، بلدنا، فكرة، العاصمة، arta، الكل.

تجربة شبكة أبراج.. الأولوية “ليست للعمل الجماعي”

مع نضج الإذاعات السورية ومرور فترة “جيدة” على تأسيسها، ظهرت الحاجة للتحول إلى العمل الجماعي، عبر تأسيس تحالف إذاعي تحت مسمى “أبراج”، وهي شبكة بدأت بست إذاعات وأطلقت في تشرين الثاني العام 2014، وسرعان ما رست التجربة على خمس إذاعات فقط منذ أيار 2015، هي راديو صوت دمشق، وآرتا FM، وصوت راية، ونسائم سوريا، وحارة FM، وألوان.

كان الهدف من الشبكة الجديدة العمل معًا وبروح الجماعة، لتحقيق أفضل النتائج على صعيد الانتشار والوصول للجمهور والتشارك بالبث وتوفير النفقات، وإنجاز المبادرات المشتركة، لكن هذه التجربة لم يكتب لها النجاح كما كان مخططًا، بسبب الصعوبات والمشكلات الداخلية في تلك الإذاعات، وعدم قدرتها على إعطاء العمل الجماعي الأولوية، وكان العامل المادي أحد أسباب الحد من نجاح الشبكة، وفق ما ورد في بحث متخصص عن “الإذاعات السورية الجديدة” في حزيران 2015، أصدرته منظمة “CFI” الفرنسية.

ما هي أوجه معاناة الإذاعات السورية الجديدة؟

  • انعدام استقرار ترددات البث.

  • التهديد الذي تتعرض له أجهزة البث، والقصف المستمر لأجهزة الإرسال في مناطق المعارضة.

  • غياب وجود شبكة كهرباء نظامية يمكن الاعتماد عليها لتشغيل أبراج البث.

  • تشتت الجمهور وتوزعه داخل وخارج سوريا ما يضعف الخطط البرامجية الهادفة ومعها التأثير.

  • غياب الخطط الزمنية الواضحة، والمنافسة الشديدة بينها.

تجارب إعلامية تتأسس في الحسكة بعد ارتخاء قبضة النظام

على غرار بقية المناطق السورية المحررة من النظام السوري، كان للمناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية (شمال شرق سوريا) تجربتها الخاصة في المجال الإعلامي، بعد أن سمح خروج النظام وارتخاء قبضته في تلك المناطق بإطلاق مشاريع إعلامية جديدة، كالإذاعات والصحف. يقول فريدون قجو، صحفي في راديو “عامودا إف إم”، إنه بالرغم من الإمكانيات المحدودة لإعلام المعارضة، إلا أنه تمكن من إيصال معاناة الشعب إلى العالم واستطاع توثيق جرائم النظام بحق المدنيين. ويؤكد قجو أن “الإعلام البديل نابع من مصداقية الجهة الإعلامية، فهناك وكالات تمكنت من الوصول إلى القمة من خلال مصداقيتها”، لافتًا إلى أن أهم ميزات الإعلام السوري الجديد هو إمكانية نقله لأدق أحداث الثورة السورية بالرغم من ظروف الحرب والإمكانيات القليلة.

ومنذ ثلاث سنوات بدأت تجربة راديو آرتا FM في الحسكة، حيث كان الإعلام بعيدًا جدًا عن الناس في تلك المنطقة وفق، شيرين إبراهيم، الصحفية ومعدة البرامج في الإذاعة، وذلك “بسبب الإعلام المركزي السلطوي الموجود في سوريا، والذي يهتم بالأشخاص المقربين من السلطة”.

وتشير إبراهيم لعنب بلدي إلى أنه توجد في المنطقة ثقافات متعددة، وليس الكرد فقط، وكل هذه الثقافات كانت غائبة عن الإعلام السوري التابع للنظام، وبحسب إبراهيم “لاقت الإذاعة نجاحها لأنها خاطبت الناس الموجودين في المنطقة جميعًا، بلغتهم واهتمت بأعيادهم، بغض النظر عن قوميتهم أو دينهم، كما اهتمت بالقضايا التي يهتم بها الناس، فالمواطن الآن يستطيع أن يتكلم في قضايا كبيرة لم يكن له رأي فيها في الماضي، ويجد من يسمعه”.

آرتا FM تبتعد عن “التحزب”.. والثمن: إحراقها

حققت إذاعة آرتا FM نجاحًا كبيرًا حسبما يقوله عاملون فيها ومواطنون من المنطقة، وذلك في وقت قصير، لاعتبارات عديدة، منها اعتمادها “المهنية”، وهو ما مكنها من احتلال مرتبة متقدمة في محافظة الحسكة، “حيث كانت بعيدة عن الشعارات الحزبية ولم تتبع لأي جهة، فاهتمت بالرأي والرأي الآخر، وأخذت على عاتقها توعية الناس في المنطقة التي أرادت أن تشارك في التغيير ولم يعد لها تقبل للسلطة الشبيهة بسلطة الأسد القمعية، أو أن تفرض عليها خطط أو آراء مستوردة من الخارج”، بحسب شيرين إبراهيم.

خلق هذا المجال عددًا من المشكلات، بحسب الصحفية، أبرزها أن توجّه الإذاعة كان مرفوضًا من قبل الجهات السياسية، فكل جهة تتهم الإذاعة بالتبعية للجهة الأخرى، “فالمجلس الوطني الكردي يتهمنا بالتبعية للإدارة الذاتية التي تتهمنا بدورها بأننا تابعون لحكومة تركيا أو النظام أو الائتلاف”.

وتعتقد إبراهيم أن رفض الإذاعة من قبل الهياكل السياسية الموجودة في المنطقة، “دليل على نجاحها، وأنها تمتهن الحيادية في عملها”.

وكنتيجة لهذا السياسية، والنجاحات التي حققتها الإذاعة، تعرض مبنى آرتا إف إم في 26 نيسان الماضي لحريق متعمد التهم معظم أجزائها، واتهم سيروان بركو، مدير الإذاعة، مجموعة مسلحة تابعة للإدارة الذاتية بافتعال الحريق، وقد جوبه الفعل باستنكار السوريين ومنظمات دولية عديدة.

تأسست آرتا FM في حزيران 2013 في مدينة عامودا، وهي إذاعة سورية مستقلة، بحسب ما تعرف عن نفسها.

ويعمل فيها فريق متعدّد الأعراق السورية، وتبث في العديد من مناطق الحسكة وحلب بأربع لغات محلية هي: الكردية، والسريانية، والعربية، والأرمنية.

وتمتلك الإذاعة خمسة مكاتب، أربعة منها في الجزيرة وخامس في عين العرب (كوباني)، وفي كل مكتب جهاز بث خاص بالإذاعة.

مدير إذاعة آرتا FM سيروان بيركو وطاقم العمل (إنترنت)

“شام”.. أقدم شبكة إعلامية في الثورة بدون تمويل

تعد شبكة “شام” الإخبارية من أقدم الشبكات الإعلامية في الثورة السورية وأشهرها، فقد بدأت بـ “تنسيقية” على صفحات “فيس بوك”، لتتحول مع مرور سنوات الثورة إلى منبر إعلامي يتبنى أفكار الثورة ويدافع عنها.

يقول أحمد أبازيد، أحد مؤسسي شبكة شام ورئيس تحريرها، إنه لم يتوقع أن تكون الثورة بهذا الشكل، فقد كان يعتقد أن الحالة السورية تشابه الثورة المصرية في 25 كانون الثاني، وأن عملهم سينتهي بمجرد انتهاء الثورة.

وبدأت شبكة شام، مع ستة أشخاص، سرعان ما تطورت مع مرور الوقت وأصبحت مصدرًا لمختلف الوكالات العالمية، فقد عمل المراسلون فيها على إعداد التقارير وبث الصور والفيديوهات الموثقة، يقول أبازيد “الإضافة التي حققتها شبكة شام هي إيصال المعاناة خلال الثورة”.

بطاقات في مكتب شبكة "شام" الإعلامية (عنب بلدي)

مكتب شبكة “شام” الإعلامية في اسطنبول – (عنب بلدي)

وأعطى انطلاق الثورة من درعا زخمًا لإطلاق شبكة شام الإعلامية، وكانت هذه “أصعب” مرحلة تمر بها الشبكة والمؤسسون، بسبب الخوف من القتل والاعتقال، لكن خلف هذا كان هناك هدف كبير هو “تشجيع الناس على التصوير والحصول على المواد الإعلامية والمعلومات وهذا ما حدث”.

يؤكد أبازيد أن الشبكة التي بدأت كـ “تنسيقية” تنقل الأخبار اليومية، وبعد مضي ثلاث سنوات على تأسسيها “انتقلت من مرحلة الإعلام الناقل إلى مرحلة الناقد عبر تقديم المواد التحليلية ومقالات الرأي التي تدعم الفكر التحليلي، إضافة إلى فتح مجالات للتفاعل مع الجمهور”.

تعاني شبكة شام خلال هذه المرحلة من شح التمويل وقلة الدعم، وهذا يؤثر على أدائها، يقول أبازيد “لسنا قادرين على التطور ماديًا، وهذا يحدّ من القدرة على إعداد تقارير بنوعية مهمة، كما أن فريق الشبكة بحاجة لتدريب… لدينا خطط كثيرة لتأسيس جريدة وإذاعة، لكن لا يوجد تمويل كاف يساعدنا”، وأضاف “نحن في مرحلة توقف التمويل فيها عن شبكة شام لأسباب يصعب التكلم فيها حاليًا”.

زين مصطفى، مدير تحرير شبكة شام الإخبارية يرى أن الإعلام الجديد تم تسييسه، “لُعب بالإعلام كما لعب بالفصائل والحكومة المؤقتة والمنظمات فقد اختُرق هذا الجهاز منذ انطلاق الثورة، وظهرت 400 مؤسسة إعلامية بقي منهم 40 – 50 فقط”.

ويتساءل مصطفى “أين الـ 350 مؤسسة” معتبرًا أن للدعم المقدم دورًا كبيرًا في فشل الإعلام، وكذلك الإملاء على المؤسسات الإعلامية، وهذا ساهم بزعزعة البوصلة الخاصة بالثورة عبر التأثير على اللاوعي للمواطن، حسب رأيه. ويضيف “تشتت دعم الإعلام هو سبب أساسي في تشتت الإعلام وإضعافه”.

استمرارية الإعلام السوري الجديد على المحك

يتنبأ العاملون في المجال الإعلامي بأن نسبة قليلة من المؤسسات الإعلامية العاملة في السوق الجديدة ستستمر لمرحلة ما بعد الثورة، بسبب غياب التخطيط، وانقطاع الدعم وتأرجحه، وغموض المشهد إلى حد كبير، وبالمجمل “لا توجد هوية محددة لمعظم المشاريع الإعلامية لأسباب مادية بحتة” ولعدم وجود فريق متكامل ومتجانس ضمن المؤسسة الواحدة، ما يؤدي إلى تراجع مستويات التأثير لهذه الوسائل وضياع الرسالة قبل أن تصل للمتلقي، أو على الأقل تعرضها للتشويش، ما يفقدها التأثير. يقول يوسف صدّيق، مدير مركز حلب الإعلامي، “لا أعتقد أن عددًا كبيرًا من المؤسسات الحالية ستستمر، 90% لن يستمر لأنها تعتمد على تمويل خارجي”.

إضافة إلى التمويل وصعوبة تأمينه وضمان استمراريته، يبدو أن ما يعيب هذا الإعلام أيضًا هو “المناطقية” فلكل مدينة أو بلدة مكتب أو عدة مكاتب إعلامية متفرقة لا يجمعهم أي مرجعية، والسبيل الوحيد لتعزيز مصداقية هذا الإعلام وتحويله إلى مصدر أساسي للمعلومات، وفق مدير المركز الاعلامي المستقل في داريا، حسام الأحمد، هو أن يكون هناك هيئة إعلامية حقيقية على أرض الواقع تشمل كل سوريا وتصدر باسم واحد وصوت واحد هو صوت الشعب السوري.

هل ينتهي الإعلام الجديد مع نهاية النظام؟

يعاب على الإعلام الجديد أنه لا يعطي نظرة للمستقبل، ويشعر المتابع أن هذه الوسائل ستتوقف مع سقوط النظام، وقليلة هي الوسائل التي تحاول إيصال صورة لرغبتها في الاستمرار والتحول إلى إعلام سوري حقيقي للمستقبل.

الافتقار للمهنية، وعدم وجود جهات تضع خطوطًا عامة يمكن السير عليها، يعتبر أيضًا من العوامل التي قد تودي إلى التوقف مع سقوط النظام، فالعاملون في هذا المجال بقوا لفترات طويلة في علاقة جدلية بين “النزق الثوري” وبين “المهنية الصحفية”، كما يقول نورس يغن، معد في راديو نسائم سوريا، ويضيف “كان هناك افتقار للمهنية ولم تكن آليات الحصول عليها بشكل سريع، وهذا أوقعنا بأخطاء كثيرة”.

وأثر عدم وجود الموارد على نوعية المواد الإعلامية، “إننا نبني تجربة من لا شيء، وهذا جعل أخطاء الإعلام الجديد تتقبل من قبل الناس”، يقول يغن، مشيرًا إلى أن أكبر مشكلة تواجه الإعلام وخاصة الراديو والتلفزيون أنها تبث من الخارج، وهذا “انفصال عن المحيط الجغرافي”. لكنه يؤكد على أن هذا الإعلام خلق حالة من تكافؤ الفرص، فهناك مساحة لإثبات الذات دون الحاجة إلى “الواسطات” التي كانت “دينمو” الإعلام والصحافة في عهد النظام.

ولعل الاتفاق العام على النهج الثوري، ووجود استراتيجية مشتركة بإبراز حجم المشاركة الشعبية في الثورة، دفع الإعلام لكي يصبح “فئويًا مؤدلجًا”، لا يهمه التعبير عن الثورة ككل، بل فرض وجهات نظر، يعكس تضارب هذه الفئات والتيارات، وفق همام الحصري، وهو إعلامي في الغوطة الشرقية لدمشق ومدير مؤسسة “فرونت لاين” للإنتاج الإعلامي.

ضريبة الإعلام الجديد… غياب الرؤية الشاملة

ويعد غياب الرؤية الشاملة، عن الإعلام الجديد من أهم المشكلات أيضًا، ويرى يوسف صدّيق، مدير مركز حلب الإعلامي، أن “هذه مشكلة المجتمع الباحث عن الجديد في الحرية وبناء دولة، إلى الآن لم يقرر كيف تكون هذه الدولة ومستوى الحرية والعلاقة بين مكونات المجتمع، الإعلام وقع في نفس الدوامة”. وينصح  ببدء الاعتماد على أشخاص أصحاب خبرة وعلى الأقل أن يكونوا مستشارين، مؤكدًا أن على الناشط أو الممارس ألا يكون رئيس تحرير أو في منصب إداري كبير، على مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب.

يقول صديق “يجب أن يكون هناك مهنية في الطرح، ويجب استخدام المصطلحات الإعلامية بشكل صحيح، وأن نحترم الجمهور وأن نقدم له مادة على مستوى الحدث”، وبرأيه لم يقدم الإعلام شيئًا على مستوى الحدث، حتى الآن، “ما يحدث في سوريا شيء استثنائي على مستوى البشرية والعالم، ونحن غير قادرين على تقديم شيء استثنائي لسبيين: عدم وجود خبرات، وإن وجدت، عدم وجود مؤسسات تستثمرها”.

ناشطون: الإعلام الجديد.. يشبه كل السوريين “الأحرار”

يعتبر الإعلام الجديد نقلة نوعية في الإعلام السوري، لأن يطرح لهجة جديدة أكثر موضوعية، فالصحفيون العاملون في هذه المؤسسات يمكنهم الكتابة في أي مجال، وانتقاد أي شخصية أو مسؤول ضمن حدود الحريات، وترى ريم حلبي، مديرة مجموعة ID غروب الإعلامية، وإذاعة نسائم سوريا التي تعتبر أحد مشاريع المجموعة، أن ما يميز الإعلام الجديد هو مستوى الحرية مقارنة بالفترة السابقة، حيث الأجندات المحددة والسقف المحدود، لكن عندما بدأت المؤسسات الجديدة رفعت هذا السقف وتوازى ذلك مع رغبة الناس بسماع صوت جديد خارج المألوف، تغلفه حرية الطرح والتناول.

يقول همام الحصري، مدير مؤسسة “فرونت لاين” للإنتاج الإعلامي في الغوطة الشرقية، “العمل في هذا المجال متاح للجميع، ولا يطلب من أحد أن يبرز شهادته للعمل في الإعلام، على عكس القطاعات الأخرى، الجميع يدخل به وهذا شيء جيد.. الإعلام البديل قائم على المواطن الصحفي ويعكس هذا مستوى ثقافة المجتمع وانتباهه لأهمية الإعلام والتعبير عن ذاته بالمشاركة في المجتمع”.

إعلام شعبي… مصيره النجاح

بما أن القائمين على الإعلام السوري الجديد يدركون أنه تفوق على إعلام النظام الحالي، من حيث تحقيق أهداف الإعلام المتمثلة في الإخبار والتسلية والترفيه، واكتساب المصداقية والموثوقية من الجمهور ومن وسائل إعلام عالمية، فإنهم يعتقدون أن أهم أسباب نجاح الإعلام الجديد هو أنه “إعلام شعبي” وهذا أكبر ضامن لاستمراره، إذ لا أجندة سياسية للعاملين فيه، رغم أنهم بالمجمل “ضد النظام السوري”، وكذلك هو إعلام حر يعمل “دون قيد أو شرط”.

لكن من التقيناهم من الصحفيين والممارسين يجمعون على أن “الحرية في هذا الإعلام ليست مطلقة” وأن هناك تجارب تثبت ذلك، فالعديد من الناشطين اصطدموا بالحدود التي رسمها المجتمع عندما رغبوا بالحديث عن مواضيع تشكل “تابوهات” يمنع الخوض فيها اجتماعيًا، وهذا دليل على نجاح التجربة ونجاح الإعلام ووصوله لمستويات وعي بدعم اجتماعي.

ويرى قسم آخر من الصحفيين أن “نجاح الإعلام الجديد” كان لأشخاص وليس لمؤسسات، فعدد من الصحفيين تم تكريمهم وحصلوا على جوائز دولية، وأن هناك حالات قليلة كرمت فيها مؤسسات إعلامية جديدة، “وهذا ليس عيبًا بل نجاح أيضًا”.

تطور آليات التوظيف في المؤسسات الإعلامية الجديدة

يتباين حال الكوادر الإعلامية ومستوياتها المهنية من مؤسسة إلى أخرى، لكن وبعد خمس سنوات من عمر هذه المؤسسات أصبحت الصيغة أو “التوليفة” العامة المتبعة في الموارد البشرية تعتمد على الخلط بين الناشطين والصحفيين الأكاديميين في هذه المؤسسات، وإن كانت هذه التجربة في المزج محدودة التطبيق وفي مؤسسات قليلة، إلا أنها آخذة في التطور وتتزامن مع تطور هذه المؤسسات، فالحال في مؤسسة “فرونت لاين الإعلامية” في الغوطة الشرقية مشابه كثيرًا، إذ يتولى القائمون على العمل الإعلامي في المؤسسة من هم مجازون بالإعلام، وهم مشرفون على العمل في مستوى معين ضمن الخطوط العامة المرسومة، أما باقي الخطط والمهمات فيقوم بها الناشطون الإعلاميّون.

يقول همام الحصري، مدير المؤسسة، “هناك قلة كوادر في الوسط الإعلامي، وبالنسبة لتهيئة الفرق فقد كان للدورات دور كبير في تطويرهم، بحيث يكتسب المتدربون خبرات بتخصص معين، سواء في التحرير أو التصوير أو المونتاج، وعلى مدى عام كامل أصبحنا قادرين على إنتاج نشرة أخبار بشكل يومي دون انقطاع”.

وهو ما تبدو عليه الصورة العامة للمؤسسات الإعلامية الجديدة حاليًا، إذ بدأت العديد منها بتطعيم كوادرها بالصحفيين الأكاديميين، وأصحاب الخبرة ما قبل الثورة، رغم اتفاق عدد من الخبراء بأن الناشطين الممارسين تخطوا مشكلة المعرفة الأكاديمية بالخبرة الفعلية التي اكتسبوها بالتدريب والممارسة العملية لمهنة الصحافة، وتفوقوا في أدائهم على الأكاديميين التقليديين.

الوضع القانوني شرط أساسي لاستدامة المؤسسات

تدعو ريم حلبي مديرة إذاعة “نسائم سوريا” إلى اعتماد التخطيط الاستراتيجي لاستدامة المؤسسات الإعلامية، وهو أهم ما ينقص هذا الإعلام خلال هذه الفترة، وتعتبر أن المؤسسات أشبعت دورات تدريبية من أجل تحقيق “المهنية”، ووصلت إلى مستوى متطور “واليوم لابد من التفكير بكيفية الحفاظ على استمرارية المؤسسة”.

وتؤكد ريم على ضرورة تسوية أوضاع المؤسسات السورية وموظفيها قانونيًا، لأن أي تغيير سياسي في بلدان اللجوء، وتحديدًا تركيا، يمكن أن يؤثر على استقرار وسائل الإعلام واستمرار عملها، وتعتقد أن هذا الإجراء لا بد منه أثناء التفكير بـ “الاستمرارية”.

تدير ريم مجموعة إعلامية أطلقت عليها “ID غروب”، وتضم كلًا من راديو نسائم سوريا المحلي، ويبث في الشمال السوري منذ 2012، ومجلة نسائم سوريا، وتوزع في سوريا وجنوب تركيا، ومشروع بكسل للإنتاج المرئي، الذي انطلق من 2015. وتعمل المجموعة على إطلاق مشروع رابع، هو راديو خاص باللاجئين السوريين جنوب تركيا على موجات FM.

وانطلقت فكرة تأسيس راديو نسائم سوريا، من تجربة شخصية لمواطن صحفي في نهاية 2011، حيث كانت المؤسسة ريم حلبي تعمل مراسلة لقنوات الجزيرة والعربية في حلب، وتعد التقارير وتزود وسائل الإعلام بالمستجدات، لكن مع بداية العمل المسلح وبداية القصف الجوي والمدفعي على حلب بدأت حلبي بالخطوة الأولى لتأسيس راديو في المدينة، وتم البث عبر جهاز بث صغير “ترانزمتر” 50 واط في كانون الأول 2012.

أما مجلة “نسائم سوريا”، فكان هدفها مواكبة النشاط النسائي الثوري، لأن هذا النشاط، تراجع مع بداية الحراك المسلح، وتوزعت الأعمال النسائية على الجوانب الإغاثية والطبية وغيرها، تقول حلبي “كنا نبحث عن منبر عبر مجلة تعنى بالمرأة تغطي نشاطها”.

 تجارب جديدة في التمويل الذاتي.. “التفكير خارج الصندوق”

لا هاجس لوسائل الإعلام الجديدة والمستمرة بالصدور أو البث هذه الأيام داخل وخارج سوريا سوى البقاء، أينما توجهت كصحفي، وحيثما كنت، ستصادف العاملين في هذا المجال يتحدثون عن التمويل واستمراريته، وستسمع من الموظفين عن تأخر في تسليم الرواتب والمستحقات آخر كل شهر، ويبدأ التفكير فيما لو توقف التمويل الآن، فهناك أسر باتت تعيش من وراء موظفيها في هذه المهنة.

وفي البحث عن إجابات لهذا السؤال الكبير في إطار الصراع السوري ككل، يبدو أن هناك من بدأ بالتفكير خارج الصندوق، سعيًا لإيجاد مصادر تمويل جديدة تضمن بقاء مشروعه في الحدود الدنيا، وتعد تجربة مركز حلب الإعلامي (AMC) فريدة من نوعها، لجهة طريقة تأسيس المركز وآلية عمله، ومدى شغف الناشطين وحبهم للعمل التطوعي، ويسعى المركز إلى إيصال الصورة بشكل دقيق للعالم الخارجي، وتعد تجربته بتأمين الأموال للعاملين فيه “مميزة” ويحتذى بها، إذ يسعى للحصول على الكلف التشغيلية من مصادره الخاصة “القائمة على الإنتاج أولًا وأخيرًا”. يوضح حسن قطان، المدير التنفيذي في مركز حلب الإعلامي ذلك بالقول “يعمل أعضاء المركز مع وكالات وقنوات عالمية، وقد أسسنا صندوقًا خاصًا في المركز يقتطع نصف المبلغ الذي يتقاضاه العضو لقاء عمله مع وكالة ما لصالحنا، ويبقى النصف الآخر له، كما أننا نبحث عن مشاريع لتغطية التكاليف التشغيلية”.

حسن قطان، مدير مركز حلب الإعلامي (عنب بلدي)

حسن قطان، مدير مركز حلب الإعلامي (عنب بلدي)

وأشار قطان إلى سعي أعضاء المركز من أجل إيجاد مشاريع تجارية خارج العملية الإعلامية، تستطيع توفير دخل للمركز وأعضائه، ويعتقد أن الكثير من المؤسسات يمكن أن تنجح فيما لو اتبعت هذه الطريقة بالعمل.

وبنظرة تفاؤلية أيضًا لمستقبل الإعلام الجديد، تبدو ريم حلبي، مديرة مجموعة ID غروب الإعلامية، على ثقة بأن تمويل المنظمات الدولية سيتوقف يومًا ما، وما تحاول فعله اليوم تأسيس مؤسسات أخرى تخلق سوقًا للبيع، فكان مشروع “بيكسل” للإنتاج، الذي يندرج في إطار المشروعات التي تديرها حلبي، يهدف إلى إنتاج فيديوهات ومسلسلات وتقارير مصورة وبيعها.

وبحسب حلبي يرافق الراديو الجديد، الذي تنوي إطلاقه والمخصص للاجئين السوريين على شطري الحدود السورية التركية، دراسات جدوى اقتصادية ربما تجعله رابحًا وبمنأى عن أموال الداعمين في المستقبل.

 الإعلام الجديد ينظّم نفسه

شبكات ومجموعات عمل للنهوض بالمؤسسات الإعلامية إداريًا وتنظيميًا

لم تقتصر المرحلة الجديدة من عمر الإعلام السوري على إصدار الصحف وإطلاق الإذاعات والمواقع الإلكترونية، بل تعدت ذلك إلى دخول القائمين على هذا الإعلام في مرحلة جديدة باتجاه تطوير تجاربهم، وهي تأسيس مجموعات وكيانات مشتركة للعمل الجماعي، تشكل بيئة للتعاون ولتبادل الخبرات بين المؤسسات الجديدة، وتخلق فرصًا جديدة للدعم والتدريب، وتؤدي بطبيعة الحال إلى تنظيم العمل الإعلامي وزيادة درجة تأثيره في الجمهور السوري.

 تأسيس أول أرشيف للمطبوعات السورية

أمام الزخم الكبير لوسائل الإعلام الجديدة، وزيادة عدد المشاريع الصحفية، لا سيما المطبوعة منها، وجدت الحاجة لتأسيس أرشيف يجمع إصدارات المؤسسات وينظمها ويضعها بين أيدي القراء والباحثين والمهتمين بها، بشكل منظم وعملي.

“أرشيف المطبوعات السورية” (syrianprints.org) مشروع قيد التطوير أنشأته مؤسسة عنب بلدي مطلع العام 2013، كأحد مشاريع حفظ الذاكرة السورية، بعيدًا عن تجربتها الخاصة في الصحافة السورية، كجريدة مطبوعة وموقع إلكتروني.

ويقول القائمون على الأرشيف أنه يقدم خدمات وميزات تستهدف، بالإضافة إلى جمهور القراء، الإعلاميين والباحثين والمنظمات الدولية والمحلية المهتمة بمراقبة ودعم الصحافة السورية.

وقد جمع الأرشيف حتى منتصف أيار الحالي أكثر من 6500 عدد، احتوت على ما يزيد عن 95 ألف صفحة، يعتقد مديرو المشروع أنها “وثائق مهمة تؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ سوريا”.

كما أصدر الأرشيف مجموعة أوراق بحثية اعتمدت منهجية الرصد والتتبع لأبرز ما تناولته الصحف السورية أثناء تغطية أحداث ومواضيع بارزة في الموضوع السوري، في محاولة لتحليل أداء الصحف الجديدة في تناول القضايا المختلفة.

ومن أبرز الأهداف التي وضعها الأرشيف في صفحة التعريف على الموقع الإلكتروني، “تشجيع التواصل والتعاون بين الأفراد والمؤسسات المعنية بإصدار الصحف السورية” و”أرشفة وتبويب الصحف الصادرة في مرحلة الثورة السورية بكل متغيراتها وتطوراتها للحيلولة دون ضياعها، ما يسهم في حفظ التاريخ السوري وتشكيل ذاكرة السوريين”.

ائتلاف من خمس صحف لتشكيل الشبكة السورية للإعلام المطبوع

اتحدت خمس صحف محلية (جديدة)، تحت مسمى “الشبكة السورية للإعلام المطبوع”، وهي صحف صدى الشام، وعنب بلدي، وسوريتنا، وكلنا سوريون، وتمدن، بهدف توحيد طاقات الصحفيين، وتوفير الجهود من أجل خلق أكبر قدر ممكن من التأثير في الجمهور، بعدما تباينت مستويات تأثير وسائل الإعلام الجديد، وفي ظل عدم وجود معايير لقياس مستويات التأثير أصلًا، ما يتسبب بهدر كم كبير من الجهود دون طائل.

التجربة الجديدة التي انطلقت منتصف العام 2014، تمكنت من تحقيق الأهداف التي وضعها بيان التأسيس بين الصحف المشاركة، عبر تبادل الخبرات وتغطية النقص الحاصل بين الكوادر وأعداد الطباعة، فضلًا عن مقاطعة الأفكار بين إدارات هذه الصحف وابتكار أدوات جديدة ومنتجات تعزز وجود هذه الصحف وتعمل على تطويرها. كما ساهمت صحف الشبكة في إنتاج ميثاق “شرف” للإعلاميين السوريين، الذي يعد أهم الوثائق المهنية التي أنتجها الإعلام السوري الجديد.

في أيلول الماضي، فتحت الشبكة باب الانضمام إليها بغية تعزيز حضورها، وزيادة عدد المؤسسات المستفيدة من خدماتها، لا سيما في الطباعة والتوزيع، فضمت كلًا من جريدة “زيتون”، التي يصدرها إعلاميون من محافظة إدلب، ومجلة “عين المدينة” الناطقة باسم محافظة دير الزور.

إطلاق “ميثاق شرف” لضبط جودة الإعلام الجديد 

لطالما اشتكى العاملون في الإعلام الجديد، وكذلك الصحفيون الأكاديميون ومعهم المراقبون، من غياب الضوابط والأخلاقية التي تحكم عمل هذه المؤسسات، ما تسبب بتدني جودة المنتج الإعلامي، وأدى إلى عشوائية التناول والطرح لكثير من القضايا في الشأن السوري، على مدار السنوات الخمس الماضية. ولوضع حد لهذا “الاستنزاف” في الطاقات والجهود، أطلقت نحو 20 مؤسسة إعلامية جديدة بين صحف وإذاعات وموقع إلكترونية في أيلول 2015 “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”، الذي يهدف لضبط الخطاب الإعلامي ورفع مستوى مهنيته ليكون مساهمًا جديًا في بناء المجتمع السوري الجديد، وفق ما جاء في الميثاق.

يعتبر حسين برو، رئيس هيئة الميثاق، أن إعلان إطلاق الميثاق هو بداية للعمل الحقيقي لمأسسة الإعلام في سوريا، فيما اعتبر رئيس رابطة الصحفيين، رياض معسعس، في حديثٍ سابق إلى عنب بلدي، أن الميثاق هو الأول من نوعه منذ تأسيس الدولة السورية، بعد هيمنة أنظمة الحكم على سير الإعلام وفرض الوصاية عليه.

واستمرت النقاشات بين الإعلاميين والصحفيين الذين أعدوا الميثاق نحو عامين، تضمنت نقاشات مستفيضة حول مبادئ المواثيق العالمية ومقاربتها مع الحالة السورية، وأفضت إلى ثماني مواد أساسية تشكل الجسم الرئيسي له.

“تخوين” الإعلام.. وأجندات المنظمات الدولية الداعمة

كثيرة هي المنظمات التي دخلت على خط دعم الإعلام السوري الجديد، ووفرت المال والمعدات وورشات التدريب والتطوير والسلامة المهنية للعاملين في هذا المجال، من ناشطين وصحفيين داخل سوريا وخارجها، لكن حالة من عدم الرضا تشق صف الإعلاميين السوريين باختلاف قدراتهم المهنية وخبراتهم حيال هذه المنظمات، هذا الاختلاف مستوحى من فكر المؤامرة الذي ينشده النظام السوري في معرض تبريره لما يتعرض له من ثورة شعبية تريد اقتلاعه.

المؤامرة التي يراها عدد من الصحفيين والمراقبين، والتي تسعى هذه المنظمات للخوض فيها من أجل تحقيق غايات محددة، تنفيها عدد كبير من هذه المؤسسات الإعلامية الجديدة، والتي تقول إن حدود المنظمات محصورة في إطار توفير الدعم المادي لضمان الاستمرارية، والمشورات والدورات التدريبية لتطوير وتأهيل الكوادر، وينفي هؤلاء بشكل قاطع أن يكون للداعمين والمنظمات أي دور في توجيه الصحف والإذاعات، أو تغيير سياساتهم التحريرية لخدمة أجندات معينة، وأن ما تقدمه المنظمات من دعم يندرج في إطار التنمية الدولية، وذلك في إطار برامج دعم تحددها حكومات دول لتنمية الإعلام وقطاعات أخرى خدمية وصحية في دول العالم الثالث، وما الحالة السورية إلا نموذج ينطبق عليه ذلك، مؤكدين أنه مع أي تغيير سياسي مقبل في المشهد السوري فإن هذه المنظمات ستغير بوصلتها بالتأكيد وتوجه الدعم إلى دول أخرى، بعد أن تكون استفادت كثيرًا من التجربة السورية.

ويرى عدد من العاملين في حقل الإعلام الجديد، أن فكرة “تسييس الدعم” موجودة، لكنها لا تطبق في الحالة السورية إلا فيما ندر، ولا توجد تجارب واضحة أو ظاهرة معروفة يمكن الأخذ بها كمثال على أن الدعم هو المتحكم بمفاصل العمل في مؤسسة ما.

وينطلق من يجاهر بالقول إن الدعم هو تبعية بأي شكل من الأشكال، من باب أن الممول هو المتحكم، وبالتالي ينفي هذا صفة “الوطنية” عن الإعلام، لكن هناك من يقول إن إعلام النظام السوري كان قبل الثورة يتلقى تمويلًا، ويخضع العاملون فيه لبرامج دعم وتدريب وتأهيل ممولة من منظمات دولية وكانت في الغالب أوروبية، وهي معظمها الآن تدرّب إعلاميي وصحفيي الإعلام الجديد، أي أن المسألة لم تختلف كثيرًا.. فكيف يكون الإعلام هناك وطنيًا وفي حالة الإعلام السوري الجديد غير ذلك؟

رابطة للصحفيين السوريين “مع وقف التنفيذ”

ضمت رابطة الصحفيين، منذ تأسيسها عام 2012، عددًا من الصحفيين السوريين، أملًا من القائمين على هذا المشروع في تأسيس رابطة حقيقية تمثل الصحفيين فعلًا، وهي تضم اليوم نحو 350 صحفيًا من مختلف المناطق السورية في الداخل والخارج، ما يعتبر أكبر تجمّع لهم في الإعلام الجديد.

سجلت الرابطة في فرنسا منذ تأسيسها، لكنها إلى الآن لم تتمكن من التسجيل في تركيا رغم أن لها مكتبًا رئيسيًا في مدينة غازي عنتاب التركية.

وسعت إلى سد الفراغ بعدما انسحب صحفيون إلى جانب الثورة منها، وعملت على تشكيل نظام داخلي من أجل تأسيس تكتل مستقل يضم الصحفيين السوريين ويخاطب الجهات الدولية، لكن الرابطة إلى الآن لم تتمكن من الانضمام إلى الاتحاد الدولي للصحفيين بسبب اتخاذها منهجًا معاديًا للنظام السوري، إذ تنص قوانين الانتساب للاتحاد على أن تكون المنظمة أو الرابطة محايدة كونها نقابة مهنية لا شأن لها بالسياسة.

الاجتماع التأسيسي لرابطة الصحفيين السوريين (عنب بلدي)

الاجتماع الأول للجمعية العامة لرابطة الصحفيين السوريين (عنب بلدي)

خلال الفترات الماضية سادت النقابة أجواء من التوتر بين أعضائها على خلفية مشكلات سياسية وخلفيات مرتبطة بالأحداث في سوريا، وقد أثرت على الرابطة ككل، فانسحب عدد من الصحفيين والإعلاميين الذين انضموا إليها مع بداية تأسيسها.

عملت الرابطة منذ تأسيسها على إعداد أنظمة داخلية وتأسيس لجان عضوية وعقدت مؤتمرها العام الأول،  في كانون الأول 2014،  كما أسست مركزًا للحريات الصحفية يصدر تقريرًا شهريًا، مختصًا بالانتهاكات بحقّ الصحفيين السوريين.

الدورة الحالية للرابطة تنتهي في شهر تموز، وستجرى انتخابات عامة جديدة لانتخاب هيئة إدارية جديدة، لكنّ صحفيين وناشطين سوريين يقلّلون مما قدمته الرابطة لهم، رغم أنها تقدم نفسها على أنها جامعة لهم.

وحول ما يقال عن أن الرابطة لا تقدم شيئًا للصحفيين، ردّت ميساء حسين، عضو مجلس إدارة الرابطة، “هذا كلام عام، حاولت الرابطة منذ تأسيسها أن تكون كيانًا جامعًا للصحفيين السوريين وأن تكون بديلًا عن اتحاد الصحفيين التابع للنظام، وقد وضعت أنظمة وقوانين داخلية وتضم في عضويتها صحفيين في الداخل والخارج”.

 

إعلاميون: الإعلام الجديد سيقود القاطرة في سوريا

قبل الثورة وتحديدًا عام 2003، أتيحت للمدرب المصري ياسر الزيات فرصة السفر إلى سوريا، والاطلاع على المستوى المهني والوضع العام للصحافة السورية وخاصة الصحافة الحكومية التي تموّل من حكومة النظام الحالي، خرج وقتها بتقييمات واحتفظ بها، واليوم يؤكد لعنب بلدي أنه وبالمقارنة بين ما رآه في تلك الفترة وبين الإعلام السوري الجديد الذي انطلق بعد الثورة “فرق كبير”.

يقول الزيات “الصحافة السورية قبل الثورة لم تكن صحافة مهنية على الإطلاق، كانت صحافة نظام شمولي، ودعاية تكرس الموارد لإنتاج إعلام يخدم النظام الحاكم، أما اليوم فالأمر مختلف كثيرًا”، مشيرًا إلى أنه وبعد انتهاء مرحلة الفرز الحالية التي يعيشها الإعلام السوري الجديد “يوجد مؤسسات صحفية سوريّة ناشئة، وهناك تجربة صحفية تتبلور على مستوى احترافي كبير، قد لا تكون الموارد المتاحة عامل دفع قوي للسير بسرعة، لكن العملية تسير بثبات”، على حد وصفه.

ويرى الزيات أن الإعلام الجديد في المستقبل “سيتحول إلى “إعلام التيار الرئيسي”، وسيكون هو من يقود قاطرة الإعلام في سوريا، ويسوق الزيات مبررات لذلك بأن “أصل العمل الإعلامي أنه عمل أهلي وليس حكوميًا، لأن الإعلام الحكومي دعائي واسترشادي، عكس الإعلام المستقل، الذي يجب أن يتحول إلى صناعة، وأن يدار بعقلية استثمارية وليس بعقلية الدعم”.

ويعتقد مدير مركز حلب الإعلامي، يوسف صدّيق، أن “الإعلام السوري الجديد” سحق إعلام النظام في المعركة الأولى، وخاصة في العام 2011 و 2012، لكن الأوضاع بدأت تتغير في العام 2013 بسبب “تغير الأوضاع وظهور التنظيمات متل داعش، وبدأ المزاج الدولي يتغيّر، وبدأت وسائل الإعلام الكبرى تغير وجهة نظرها للثورة السورية، إذ بات ينظر للسوريين على أنهم مسؤولون عن التطرف”.

وحول رؤيته المستقبلية لواقع الإعلام السوري الجديد ومستقبله، يقول رامي الجراح “الإعلام البديل سيحل محل الإعلام الحالي في مناطق النظام، وستكون الصحف مؤثرة ودورها أكبر بسبب الاستقرار، وسيكون هناك منافسة بسبب توفر إمكانيات العمل بأمان”.

وعليه يعتقد زين مصطفى أن “آلية الاستمرار ستكون أصعب، وفي المستقبل لن يكون هناك مكان للهواة.. الفرصة مواتية للتدريب والتعليم وصقل الخبرات الآن من أجل سوريا المستقبل.. لن يبقى سوى المتمكن”.

مقالات متعلقة