tag icon ع ع ع

يختلف وضع التعليم في المناطق الجنوبية (درعا) عنه في الشمالية، حيث يرتبط التعليم بدول الجوار (التي يكثر نزوح أهالي المنطقة إليها) وما تعترف به من شهادات، ففي حين تعترف تركيا بشهادة وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، لا تعترف جميع دول الخليج والأردن إلا بشهادة التعليم الصادرة عن وزارة التربية التابعة للنظام، وعليه، مازالت حتى الآن مناهج وزارة التربية في حكومة النظام تُدرّس في جميع المدارس في محافظة درعا.

طلاب يشاركون خلال درس في مدرسة في مدينة درعا (عنب بلدي)

طلاب يشاركون خلال درس في مدرسة في مدينة درعا (عنب بلدي)

 ويختلف أيضًا دعم الائتلاف للمناطق بحسب البعد الجغرافي، ففي حين تُدرّس مناهج الوزارة التابعة للحكومة المؤقتة في أغلب المدارس شمال سوريا، خصوصًا حلب، يكون وجودها في درعا ضعيفًا، (مع الإشارة إلى أن مناهج الائتلاف تقدمها هيئة علم بالإضافة للائتلاف، وكلاهما موجودان في تركيا).

وعن وجود المنظمات الداعمة للتعليم في درعا، تحدث أسامة المحمد، مدرس للغة العربية في مدينة صيدا بالريف الشرقي لمحافظة درعا، قائلًا “إن المناطق الشمالية من سوريا تحظى بدعم جيد من قبل المنظمات التي تُعنى بالتعليم، على عكس محافظة درعا، التي مازالت حتى اللحظة تتبع لوزارة التعليم التابعة للنظام بسبب عدم وجود أي بديل يهتم بقطاع التعليم”.

لكن وزير التربية في الحكومة المؤقتة، عماد برق، يؤكد على وجود الوزارة عبر مديرية التربية في درعا والقنيطرة، وأن مناهج الوزارة والكتب التي تطبع بالأردن ماتزال تدرّس في كثير من المدارس في المناطق المحررة، مشيرًا إلى أن هناك عددًا من المدرسين مايزالون مرتبطين بالنظام من أجل “الراتب الشهري” فقط، وسط سعي رسمي لافتتاح كليات جديدة في المنطقة.

مدارس درعا البلد في قبضة النظام

سعى المحمد مع عدد من الناشطين في مجال التعليم للإبقاء على تبعية المدارس للنظام، آخذين بعين الاعتبار “مصلحة الطفل” بالدرجة الأولى، وهذا ما وضحه بالقول “دول الجوار لا تعترف إلى الآن إلا بشهادة النظام، مع انعدام وجود راع آخر للتعليم في مناطقنا”.

ويشير إلى أن هذا ما دفعهم للمحافظة على التبعية للنظام، والتصدي للمحاولات البسيطة هنا وهناك لإدخال مناهج مختلفة عن مناهج الأخير، ما سيضر بمصلحة الطلاب، على حد قوله.

يستطرد المحمد “ناهيك عن أن مناهج النظام جيدة، وقد أشرف على وضعها خبراء على مدى سنين، باستثناء مادة القومية وكل ما يتم الإشارة فيه إلى البعث أو النظام”.

ويضيف “ولا يوجد الآن من هو كفء لإجراء تعديلات على المناهج التعليمية، وإن وُجد فليس لدينا الإمكانية لطباعة الكتب، وعليه رأينا أن الحل الأسلم هو الإبقاء على مناهج النظام إلى حين انتصار الثورة”. في المقابل يؤكد الوزير برق على توفر الكتاب المدرسي المعدل وفق صيغة الوزارة وأنها تغطي كامل المدارس.

طلاب جامعيون يقودون العملية التعليمية في درعا

تعاني المدارس في درعا وريفها، الخارج عن سيطرة النظام، من نقص التمويل اللازم لسير العملية التعليمية، لا سيما أن المدارس التي تعرضت للقصف طيلة السنوات الأربع الماضية لم ترمم، ما أخرجها عن الخدمة لافتقادها لأبسط المقومات الضرورية ولتحول جزء كبير منها إلى ركام.

يقود العلمية التعليمية في المحافظة طلاب جامعيون لم يحصلوا على الإجازات بعد، إلى جانب خريجين سابقين من فروع علمية مختلفة، وسبب ذلك نقص الكوادر التعليمية، وليس هذا فحسب، بل تشهد المدارس المتبقية تراجعًا كبيرًا في مستويات الطلاب بسبب انقطاع البعض منهم عن الدراسة لسنة، وأحيانًا عدة سنوات، أو الانقطاع المتكرر عن الدوام خلال السنة الدراسية بسبب القصف على المناطق المحررة، ما تسبب بالتراجع في مستوى التعليم لدرجة فقدان مهارات الكتابة أو القراءة لطلاب في مستويات متقدمة من المرحلة الابتدائية.

Untitled-7

محمود قطيفان، المدير التنفيذي لمكتب بناة المستقبل في درعا، عنب بلدي.

يؤكد محمود قطيفان، المدير التنفيذي لمكتب بناة المستقبل، وهي مؤسسة تعليمية مستقلة تقوم بمهام تشبه مهام مديرية التربية، من حيث الإشراف على المدارس والمدرسين في درعا، أن “النزوح المستمر من أهم مشاكل التعليم في درعا ما أدى إلى القبول بتوظيف خريجي الجامعة من فروع مختلفة، أو طلاب جامعة لم يكملوا تعليمهم”.

تتولى وزارة التربية التابعة للحكومة المؤقتة الامتحانات العامة للشهادتين الثانوية والإعدادية في المناطق المحررة، أما فيما يخص المدارس الابتدائية في المناطق المحررة أي (المدارس الثورية) إلى اليوم لا يوجد نظرة جدية نحوها”.

وتعاني مدراس درعا من نقص “شديد” في توفر الكتاب المدرسي، رغم سعي المكتب لتأمين الكتب وقيامه باستخراج القديم منها من تحت ركام المدارس التي تهدمت بسبب القصف، ويلفت قطيفان إلى أن المكتب “يشرف على ما يقارب 60-70% من مدارس مدينة درعا، بينما يشرف النظام على ماتبقى 30%”.

مدراس تفتح أبوابها بدوام مسائي

الطفل في درعا دائمًا مشتت الذهن، ويعاني من مشاكل نفسية بسبب مشاهد القتل والدمار التي يراها مرارًا، وعندما يصدر صوت قصف أو اشتباك يصبح حديث الطلاب في الصف بالكامل عن مصدر الصوت ونوع القصف، وهنا تكمن المهمة الأصعب على المدرّس حتى يستطيع نقل الطلاب من حالة إلى حالة وإعادتهم للعملية التعليمية. يقول مدرّس في إحدى مدارس درعا “نراعي الضغوط التي يعيشها الطلاب باستمرار فنحاول تجنب الضغط عليهم لأبعد الحدود”.

فيما يواجه الكادر التدريسي التحدي الأكبر ليتمكن من إعطاء الطالب أكبر درجة تعليم ممكنة بسبب كثرة الانقطاع عن الدوام، يضيف المدرس “نفتح المدارس أحيانًا في المساء خارج أوقات الدوام، أو في أيام العطل بحال توفر الهدوء النسبي لنتمكن من تعويض الطلاب عن أيام انقطاع الدوام”.

النظام يغطي نصف احتياجات طلاب درعا من الكتب

تبعية المدارس للنظام جعلته المسؤول عن توفير الكتب للطلاب، وفي هذا الجانب يقول المحمد “غطى النظام 50% من احتياج الطلاب للكتب، ولو فكرنا بالتخلي عن مناهجه لما استطعنا بإمكانياتنا كناشطين، أو كمنظمات تغطية 4% منها”.

فكانت الضرورة تحتم التبعية للنظام، وهذا شكل عائقًا من حيث توظيف الكوادر، حيث حد من الأعداد التي تستطيع العمل مع النظام، “لدينا كوادر للتدريس في درعا، لكن عددًا كبيرًا منها إما مطلوبًا للنظام أو لخدمة العلم، ما جعلهم عاجزين عن الالتحاق بالمدارس”، يقول المحمد.

وتعتبر محافظة درعا مكتفية بالمدارس الابتدائية، لكنها تعاني من نقص في المدارس الإعدادية والثانوية، لا سيما في أعداد كوادر التدريس وكفاءاتهم، بحسب المحمد، أما المشكلة الأكبر في هذه المحافظة فتكمن في طلاب الثانوي ممن لم تؤهلهم درجاتهم لدخول المدارس العامة، في هذا الصدد يقول المحمد “مازالت وزارة التربية تعتمد نظام المجموع في صف التاسع، الذي يحدد للطالب نوع المدرسة التي سيرتادها في الثانوي، وهذا يعني أن نصف عدد الطلاب لا يحق لهم دخول المدارس العامة، وإنما الالتحاق بصفوف الأول الثانوي التجارية أو الفنية أو الصناعية، وهذا النوع من المدارس غير موجود نهائيًا في المناطق المحررة من درعا، وعليه يُحكم على كل الطلاب بالانقطاع عن التعليم”.

درعا البلد .. مدرسة واحدة للائتلاف

يعتبر وجود الائتلاف ونفوذه في درعا أقل بكثير مما هو عليه في حلب، حتى يكاد يكون معدومًا وفق المدرس المحمد، لا سيما في مجال التعليم، فعلى سبيل المثال “يوجد في درعا المدينة مدرسة واحدة ابتدائية تابعة للائتلاف”، ويعتبر المحمد أن المجلس المحلي لمدينة درعا وحتى مكاتبه التعليمية في الأرياف ليس لها وجود قوي، وكذلك الأمر بالنسبة لمديرية التربية التابعة له.

وكانت للائتلاف تجربة منذ عامين، إذ “أجرى امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية العامة، وكان لذلك أثر سلبي على الطلاب، فبالنسبة لطلاب الثانوية العامة لم تكن المشكلة كبيرة بسبب وجود طلاب مطلوبين لخدمة العلم، أو ملاحقين أمنيًا، لكن المشكلة الأكبر كانت مع طلاب الإعدادية ممن سيكمل تعليمه الثانوي في مدارس النظام، حيث رفضت شهاداتهم بالكامل، ما اضطرهم لإعادة تقديم الامتحانات في مدارس النظام العام الذي تلاه”.

فحوصات الحكومة المؤقتة للمطلوبين أمنيًا

بعد تجربة الائتلاف أصبح المواطنون أكثر وعيًا، يقول المحمد “في السنوات التي تلت تلك التجربة صارت فحوصات الحكومة المؤقتة لا تشمل سوى الطلاب غير القادرين على الالتحاق بمدارس النظام لأسباب أمنية”، ويضيف “حتى الطلاب الذين يرتادون مدارس الائتلاف صاروا يسجلون أسماءهم في مدارس النظام مع استمرار دوامهم في مدارس الأول”.

ويؤكد المحمد “اعتراضنا ليس على عمل الائتلاف أو مناهجه، لكن تفكيرنا يصب بالنهاية في مصلحة الطالب”.

دعم نفسي للطلاب دون تعليم

اهتمت المنظمات الداعمة للتعليم في محافظة درعا بالطفل، وأقامت الكثير من دور الحضانة، أما بالنسبة للمدارس فاقتصرت على إقامة الدورات التعليمية التي قد تدعم عملية التعليم، لكن لا توجد حتى اللحظة منظمة تدعم مدرسة بالكامل، بحسب المحمد.

بقايا مقعد في مدرسة بدرعا البلد (عنب بلدي)

بقايا مقعد في مدرسة بدرعا البلد (عنب بلدي)

حاليًا هناك بعض المنظمات في درعا مثل منظمة “غصن زيتون” و”أورانتس” و”رابطة أهل حوران”، والتي ساهمت بحل 25% من مشكلة الطلاب ممن لم يتمكنوا الالتحاق بالمدارس، إذ تقيم هذه المنظمات الدورات التعليمية طيلة السنة، ويقوم الطالب بالنهاية بتقديم الفحص في المدارس النظامية.

واتجهت المنظمات في الآونة الأخيرة للدعم النفسي، وبدأ بعض الطلاب بالالتحاق بها، وهذا ما وصفه المحمد بـ “الخطأ الكبير”، وقال “من المضحك المبكي أن ترى طفلًا يداوم في دورة دعم نفسي، ولم يتحقق له أهم حق للطفل، وهو التعليم”، مضيفًا “ليت هذه المنظمات فكرت بمساعدة هؤلاء الأطفال على إكمال تعليمهم بدلًا من تقديم الدعم النفسي لهم”.

شح الدعم اللوجستي

إلى جانب ما سبق من مشكلات يشكو منها قطاع التعليم في درعا، وبالرغم من تبعية المدارس للنظام، إلا أن هناك شحًا كبيرًا في الدعم اللوجستي وضعفًا في أداء الكوادر، التي من المفترض أن تقوم بأعمال الترميم للمدراس، إذ لا تقدم للمدارس سوى رواتب المعلمين والكتب المدرسية، أما من ناحية الدعم اللوجستي وعمليات الصيانة، فالوضع “سيئ جدًا”.

تابع قراءة الملف الموسع: سوريا المحررة.. مقاعد مهجورة ومدارس في الأقبية والكهوف.

إدلب وحلب.. النصيب الأكبر من المدارس المدمرة.

النظام يشتري الأسلحة برواتب المعلمين في حلب.

الإدارة الذاتية و”تكريد” التعليم.

إدارة وتشغيل أول جامعة في حلب بعد الثورة.

بعد حلب.. تأسيس جامعة في إدلب.

السعودية تموّل برنامج “لأتعلم” بـ 17 مليون دولار.

بسبب الدمار.. تحويل البيوت في حمص إلى مدارس.

ثلاث مرجعيات تتحكم بالعملية التعليمية في إدلب.

النظام والمعارضة يتقاسمان المدارس والطلاب في حماة.

غوطتا دمشق.. القصف والجوع يُفقدان التلاميذ تركيزهم.

نقص “شديد” في توفر الكتاب المدرسي في درعا ووزارة التربية المؤقتة تنفي.

توزيع عشرة ملايين كتاب مدرسي في المناطق المحررة.

خبيرة تربوية تتنبأ بمستقبل “أسود” للتعليم في المناطق المحررة.

لقراءة الملف كاملًا: سوريا المحررة.. مقاعد مهجورة ومدارس في الأقبية والكهوف.

 

مقالات متعلقة