قصص نصب واحتيال يعاني منها السوريون في الغربة

tag icon ع ع ع

حنين النقريعن بلدي

يستشهد آباؤنا بالأمثال الشعبية بإيمان كبير بحكمة “أهل أول”، الذين ما فوّتوا جانبًا لم يقولوا فيه حصاد خبرتهم، ومن الأمثال المتداولة بيننا “الغريب للغريب قريب” وهو اقتباس من شعر لامرئ القيس يقول فيه “وكل غريب للغريب نسيب”، فهل يصلح معنى قيل في زمن امرؤ القيس لأن يُعاش اليوم؟ وهل قرّبت الغربة بين السوريين بالفعل؟

كانت قصص النصب والاحتيال أكثر ما رواه أصدقاء محمد (30 عامًا، خريج أدب عربي)، عندما وصل إلى الكامب (المخيم)، أخبروه ألا يثق بأحد “وخاصة السوريين”، لكن ذلك لم يمنعه من أن يقع ضحية لأحدهم رغم توخيه الحذر.

يروي محمد لعنب بلدي القصة: “عرض عليّ سوري في الأيام الأولى لنزولي في الكامب شراء هاتفه النقال بـ 200 يورو، ونظرًا لأن الجهاز نظيف ولأنني بحاجته وافقت”.

وقّع محمد على أوراق أخبره الطرف الثاني بأنها “روتينية” ولا بد منها في بلد يحترم القانون لتثبيت عملية البيع، وإلى هنا لم يشعر الشاب بخوف رغم جهله بما كُتب في العقد، لكن الفخ بدأ يتضح لاحقًا “أتاني بريد يعلمني بوجوب تسديد دفعات جديدة بما مجموعه 600 يورو، واكتشفت أن العقد يذكر أن ثمن الموبايل 600 يورو وأن الدفعة الأولى منه هي 200 يورو، لكنني لم أعط الأمر اهتمامًا، فأنا أعلم أنني اشتريت الجهاز ودفعت ثمنه مقدمًا، فلمَ الخوف؟”.

1500 يورو.. والغرامات مستمرة

تجاهل محمد الرسائل التي كانت تصله لسداد دفعات إضافية سنة كاملة، لكن ذلك لم يكن بصالحه، كما اكتشف، “زاد المبلغ بغرامات كثيرة نتيجة تأخري عن السداد فصار 1500 يورو اليوم ولا أملك منها شيئًا، ولا أعلم مكان السوري الذي اشتريت منه الجهاز بعد خروجه من الكامب”.

حاول محمد البحث عن حل عند سيدة ألمانية تزورهم في المخيم وتساعدهم بعمليات الترجمة والنواحي القانونية، لكنها أخبرته أنه لا مجال إلا بدفع المبالغ المترتبة عليه قبل أن تتراكم عليه غرامات إضافية، يقول محمد “القانون الألماني أيضًا لا يحمي المغفلين، ولا استثناءات فيه تعفي جهلنا باللغة، قالت لي السيدة الألمانية إن توقيعي إقرار مني على التزامي بما جاء بالعقد أيًا كان، ولا مجال لرفع أي دعوى بوجود التوقيع”.

هل ترغبين بالعمل؟

التقت سماح (خريجة هندسة طاقة، 26 عامًا) في السويد بشخص سوري يطلب مساعدتها بترجمة مستند، كانت هذه جل معرفتها به عندما أتاها يعرض عليها العمل مع شركة “لتوثيق شهادات الآيزو ومسجلة تجاريًا في دبي”.

تقول سماح “أخبرته بأنني لا أعلم شيئًا عن هذا المجال، لكنه طمأنني أنني أحتاج فقط للغة الإنكليزية، وأنهم سيخضعوني لدورات تؤهلني على العمل عبر الإنترنت، فوافقت، ففي النهاية أنا أبحث عن عمل وأخبرني الشاب أنه يرغب بمساعدتي”.

بدأت سماح بالتواصل مع المسؤول السوري في دبي، شرح لها العمل بعبارة “غير تخصصية” كما تصفها، لكن ذلك لم يجعلها ترتاب “أخبرني عن دورة عبر السكايب مع بروفيسور هندي مقيم في أمريكا كما عرف بنفسه، وبدأت بالفعل بحضورها”.

عشرون ثغرة قانونية في عقد عمل

بعد خضوعها للدورة لمدة أسبوع، أخبر المنسق سماح بأن للشركة مكتبًا في نفس المدينة التي تقطن بها في السويد، وحدد موعدًا لاجتماع تأسيسي لشركته الناشئة. “شعرت بخوف، صدفة عجيبة أن يكون للشركة مقر في نفس مدينتي، سجلت رقم الشرطة على هاتفي وانتظرني أخي في حديقة مجاورة للمكتب مع اتفاقنا على إشارة معينة يتصل عندها بالشرطة إن تعذر علي ذلك”، تقول سماح.

في المكتب وزع المنسق عقودًا على سماح والشبان الثلاثة وطلب منهم توقيعها على الفور، “العقد عبارة عن ست صفحات باللغة الإنكليزية ويستلزم وقتًا للاطلاع عليه وفهمه، لكن الشباب وقعوه دونما قراءة في حين طلبتُ مهلة لتصفحه”، تضيف سماح.

ألحّ المنسق على سماح لتوقيع العقد، “الأمر الذي زاد شعوري بوجود حيلة ما وجعلني أصرّ على رغبتي بقراءة العقد في المنزل”. بعد محاولات كثيرة لإقناعها بالتوقيع استطاعت سماح الخروج من المكتب وبحوزتها العقد لدراسته، واتجهت على الفور لمكتب صديق سويدي يعمل كمحام، تستأنف قائلة: “عندما قرأ المحامي العقد حدد لي ما يزيد عن 20 ثغرة قانونية فيه”.

الشركة فص ملح وذاب

الأخطر وفق سماح كان فقرة تحدد عملها مع الشركة لمدة عامين، “وفي حال فسخت العقد قبل هذه المدة فيترتب عليّ دفع تعويضات تقدّرها الشركة حينها، وهو ما أخبرني المحامي بخطورته الشديدة لعدم وجود حدود له”.

أخبرتنا سماح أنها اتصلت برقم الشركة لتعتذر عن التعاقد معهم، ففوجئت بكون الرقم خارج التغطية، وبحظرها عبر حساب السكايب “وهكذا أصبحت الشركة فص ملح وذاب”.

تعتبر سماح نفسها محظوظة لعدم وقوعها ضحية، وتضيف “الجهل باللغة والقانون بالإضافة للحاجة المادية هي الثغرات الحقيقية التي يتم استغلالها في عمليات النصب، وهي مواطن ضعف معظم اللاجئين السوريين في كل مكان”.

أريد ختمًا

دفع جهاد (27 عامًا من ريف حمص) مبالغ كبيرة ليصل إلى تركيا عن طريق أحد المهربين، وكان الدخول غير الشرعي وسيلته شبه الوحيدة للتخلص مع تعقيدات قانون الفيزا الجديد، وكونه مطلوبًا لنظام الأسد.

تخيّل جهاد أن دخوله لتركيا سيكون نهاية لمعاناته مع المهربين والتنقل من مناطق المعارضة لمناطق النظام والخوف الذي يصاحبه، ويضيف “أردت أن أنتقل لتركيا وأجلب زوجتي ونؤسس حياتنا هنا بعيدًا عن الحرب، لكن يبدو أنه حلم كبير وأنه بعيد عني حاليًا”.

أراد جهاد أن يستخرج إقامة سياحية، لكن المشكلة التي واجهته هي عدم وجود ختم على جوازه “بما أنني دخلت تركيا بطريقة غير شرعية فجواز سفري لا يحتوي ختمًا بدخولي حدودها، لذا لا يمكنني التقدم بطلب إقامة سياحية دونه”.

كان السوريون الذين يواجهون مشكلة جهاد يتجهون إلى قبرص أو جورجيا لختم الجواز والعودة لتركيا بشكل نظامي والتقدم بعدها على طلب الإقامة، لكن الأمر اليوم مختلف فهو بحاجة فيزا ليتمكن من العودة لتركيا، الأمر الذي لا يمكنه التنبؤ بحصوله عليه، ويضيف “عانيت كثيرًا لدخول تركيا، ولا أرغب بالمخاطرة بالخروج منها دونما ضامن لقدرتي على العودة”.

 ختم مزور بـ 500 دولار

عن طريق شبكة من المعارف وصل جهاد لسمسار سوري، أخبره أنه يختم الجوازات على الحدود ويعود بها، وأن التكلفة 500 دولار أمريكي. يشرح جهاد “أقنعني السمسار أن الختم أصلي وأن جوازي بين أيد أمينة، أعطيته الجواز ونصف المبلغ على أن أستلم الجواز بعد أسبوع”.

وبالفعل حصل جهاد على جوازه مختومًا وسلم السمسار بقية المبلغ، لكنه عندما قدم الجواز لأحد المكاتب السورية لاستصدار إقامة سياحية فوجئ بأن الختم مزور، “حذرني صاحب المكتب من تقديمه لأي جهة تركية لإمكانية مقاضاتي، واكتشفتُ أن صفحة من صفحات جواز سفري قد مُزقت بداعي الأذى”.

هل نفقد الثقة بالجميع؟

يقول محمد إنه يسمع يوميًا قصص استغلال بحق اللاجئين في الكامب، ويضيف “أحيانًا يعمل بعض اللاجئين من دون عقود، ما يُعرف عنه “العمل بالأسود”، لكن الكثير منهم يعاني بحسم جزء كبير من المبلغ المتفق عليه قبل العمل أو حتى طرده دون أجرة، ولا يستطيع أن يأتي بحركة لعدم وجود عقد ولكون عمله غير قانوني أساسًا”.

يتساءل محمد عن إمكانية الثقة بأحد بعد حادثة النصب التي تعرض لها وما يراه يوميًا حوله، وتوافقه سماح الرأي، وتضيف “أحاول أن أنصح الوافدين الجدد بعدم التوقيع على أي ورقة قبل استشارة قانونية، في بلادنا كان النصب يتم بشكل خارج عن القانون، لكن هنا يتم بشكل قانوني تمامًا”.

أما عن جهاد فيقول “للأسف، بدل أن نكون أنا وأخي على الغريب، اليوم صارت الغربة وإخوتنا السوريون علينا”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة