التصدير يرفع أسعار الخضراوات والفواكه
حكومة دمشق تسعى لتأمين “العملة الصعبة” على حساب الأساسيات
عنب بلدي – محمد فنصة
تشهد الفواكه والخضراوات ارتفاعات متكررة في أسعارها، وهو ما يؤثر على معيشة السكان التي تعتمد عليها بشكل رئيس في القوت اليومي، بالمقابل، تزدهر، وفق تصريحات رسمية، حركة تصدير الخضار والفواكه بنحو 40 برادًا (ناقلة) يوميًا إلى العراق ودول الخليج.
ومنذ منتصف آب الماضي، بعد الإعلان عن زيادة الرواتب بنسبة 100%، تزايدت أسعار الخضار والفواكه بشكل ملحوظ، يفوق بعضها نسبة الزيادة.
وارتفعت أسعار مادة البطاطا بنسبة 150% عما كانت عليه في آب الماضي، إذ وصلت إلى 5000 ليرة سورية للكيلو الواحد، الذي كان يباع بـ2000 ليرة في آب، وفق ما نشرته صحيفة “تشرين” الحكومية في 10 من أيلول الماضي، مرجعة ذلك إلى قلة الإنتاج في هذه الفترة من السنة من جهة، وبسبب تصدير المادة من جهة أخرى.
وكانت حكومة النظام وافقت على تصدير مادة بطاطا الطعام للكميات “الفائضة” عن حاجة السوق المحلية، والمقدّرة بـ40 ألف طن، حتى نفاد الكمية، لتبدأ منذ حزيران الماضي عمليات تصدير البطاطا بكميات تتراوح ما بين 200 و300 طن يوميًا، بحسب تصريحات عضو لجنة التصدير في سوق “الهال” بدمشق محمد العقاد، موضحًا أن التصدير يذهب بمعظمه إلى دول الخليج.
وأكد أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزة، في تصريحات لصحيفة “الوطن” المحلية، في 11 من أيلول الماضي، وجود ارتفاع كبير في أسعار الخضار والفواكه وصل إلى أكثر من 100% منذ زيادة الرواتب، مشيرًا إلى أن الرقابة التموينية قاصرة عن ضبط الأسواق رغم التصريحات المتكررة عن حجم الضبوط والمخالفات التي أصبحت “أمرًا واقعًا” في جميع المحال.
وأرجع حبزة ارتفاع الأسعار إلى شح المواد بالأسواق المحلية بسبب تصدير الخضار والفواكه، كما أن آلية التسعير تتم وفقًا للتاجر في سوق “الهال” بناء على تقديرات السوق من دون التدقيق بالتكلفة الحقيقية.
وانتقد حبزة عدم قدرة صالات “السورية للتجارة” على التدخل بشكل إيجابي لخفض الأسعار، مؤكدًا أن الأسعار في صالاتها لا تختلف عن الأسواق بل تتجاوزها أحيانًا.
“تفضيل العملة الصعبة”
وصف عضو لجنة “تجار ومصدري الخضار والفواكه” بدمشق محمد العقاد، الصادرات السورية من الخضار والفواكه إلى دول الخليج بأنها في “أفضل حالاتها”، متوقعًا أن تتحسن أكثر في الأيام المقبلة، أما عن الحركة في الأسواق المحلية فقد وصفها بـ”البطيئة جدًا”، بسبب “ضعف القدرة الشرائية للمواطن”، وفق تصريحاته في 11 من أيلول الماضي.
وأوضح العقاد وجود انخفاض في إنتاج المحاصيل من الخضار والفواكه هذا العام قياسًا بالعام الماضي “بنسبة كبيرة”، كما أن أسعار الفواكه خلال العام الحالي ارتفعت مقارنة بالعام الماضي بنسبة تتراوح بين 50 و60%، بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة وأسعار الأسمدة والبذار والنقل واليد العاملة والمازوت.
بالمقابل، أفاد العقاد أن الصادرات تتحسن، إذ جرى خلال أسبوع تصدير أكثر من خمسة آلاف طن من الخضار والفواكه، كالبطاطا والبندورة والبطيخ والإجاص وغيرها.
الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” مناف قومان، قال لعنب بلدي، إن الرابط بين ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه وتصديرها “عضوي”، مبينًا أن تصدير أي منتج للخارج يجب أن يرتكز على حجم العرض منه في السوق المحلية.
وعادة يكون التصدير بعد كفاية السوق المحلية، وبالتالي يخرج الفائض، أما في سوريا فيوجد نقص كبير في عديد من المواد الأساسية، وفق قومان، الذي يرى أن البلد غير مستعد للتصدير، والأحرى كفاية السوق المحلية والحرص على خفض الأسعار.
وحول عدم إصدار الحكومة قرارات تمنع التصدير المستمر منذ أسابيع، يرى قومان أن تصدير السلع يرفد الخزينة العامة للدولة بالقطع الأجنبي، وهو ما تستهدفه بالمقابل لاستيراد السلع والخدمات من الخارج بالعملة الصعبة.
ومن باب عدم حرصها على المواطن وعدم الاكتراث بمعيشته، تفضّل حكومة النظام دومًا أي طريقة تقدم لها عملة “صعبة”، بحسب الباحث الاقتصادي، إذ إن منع التصدير سيلحق ضررًا بعدم حصولها على العملة الصعبة، وإذا سمحت تضررت الأسواق المحلية عبر نقص المواد وارتفاع الأسعار.
وتزامن ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه مع موسم مؤونة “المكدوس“ في سوريا، وبسبب ارتفاع أسعار المواد الداخلة بصناعتها من باذنجان وفليفلة وزيت وثوم وجوز، تضطر عديد من العائلات إلى التخلي عن إعداد مؤونتها من المادة، أو تعويض مواد بمواد أخرى أقل تكلفة.
حالة معاكسة مع الحمضيات
بشكل يعاكس الحالة الحالية، تتكرر مشكلة تصريف فائض الحمضيات في كل موسم، بحسب تصريحات مديرة البرنامج الوطني للجودة، رانيا عبد ربه، التي أشارت إلى صعوبة تصديرها إلى الأسواق العالمية، الأمر الذي اعتبرته “نقطة ضعف”.
خلال الموسم الماضي في تشرين الثاني 2022، اتخذت الحكومة مجموعة إجراءات لتصريف المحصول من الفلاحين، تجنبًا لخسارتهم وعزوفهم عن زراعة الحمضيات، ومن هذه القرارات، تحديد أسعار استجرار الحمضيات من المزارعين مباشرة، مع توفير خدمة النقل ذهابًا وإيابًا إلى أرض المزارع ومركز الفرز والتوضيب، وتقديم الصندوق الحقلي مجانًا، وتحمّل أجور الفرز والتوضيب والقبان، وتوفير “الكومسيون” (العمولة).
ومنذ عام 2015، بدأ الحديث عن إقامة معمل حكومي للعصائر في محافظة اللاذقية، لكنه لم يبصر النور حتى الآن، إذ أوضح وزير الصناعة السابق، زياد صباغ، في آب 2021، أنه لا جدوى من إقامة معمل عصائر حكومي، على اعتبار أن أغلبية حمضيات الساحل لا تصلح للعصر بل للمائدة فقط.
الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” مناف قومان، تحدث عن خمسة أسباب لعدم القدرة على تصريف موسم الحمضيات عن طريق التصدير، أولها أن الفائض “كبير”، وثانيًا ضعف تنافسية المنتج من حيث الجودة والسعر مع المنتجات الأجنبية.
وأضاف أن من الأسباب صعوبة وصول المحصول إلى أسواق التصريف أو الرغبة بالمنتج السوري، كما تحد اتفاقيات التبادل التجاري الثنائية المعقودة مع دول الجوار أو الدول الأخرى من استيراد بعض المواد من سوريا.
وأخيرًا، مرحلة التصدير في نهاية مراحل أخرى بينها التخزين والتبريد، وهو ما يحتاج إلى الكهرباء والمحروقات لتشغيل المولدات، وهي غير متوفرة في سوريا، ما يسبب تلف المحاصيل في المستودعات وعدم القدرة على تخزينها وتصديرها.
وبحسب تصريحات رئيس مجلس الوزراء في حكومة النظام، حسين عرنوس، في 17 من أيلول الماضي، بلغت قيمة الصادرات السورية منذ بداية العام الحالي 520 مليون يورو حتى نهاية آب الماضي، بنسبة زيادة قدرها 47% على الفترة المماثلة من العام الماضي، كما بلغت قيمة المستوردات 2161 مليون يورو لذات الفترة، بنسبة انخفاض قدرها 22% عن الفترة المماثلة من العام الماضي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :