إعداد: فريق التحقيقات في جريدة عنب بلدي
خلف شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي وقنوات الإعلام، التي تنقل معاناة السوريين داخل سوريا وخارجها، ثمة مشهد داخل “سوريا المحررة” أكثر قتامة وسوداوية، مشهد يختصر معاناة السوريين، المحتاجين للحماية، التي تكفلها القانون الدولي و”داسها” النظام السوري وحلفاؤه منذ اندلاع الثورة عبر استخدام الأسلحة المسموحة والمحرمة دوليًا.
ليس “سعيد حظ” من يمرض، أو يحتاج لعمل جراحي عارض، أو يصاب بقصف أو تفجير في مناطق المعارضة السورية. فالوضع الطبي في 15% من مساحة سوريا، حيث تتركز قوات المعارضة السورية، ليس بأحسن حالاته.
نقص في الأدوية بمختلف أنواعها، وكذلك الأجهزة الطبية، ونزيف يومي ومستمر للكوادر الطبية بمختلف تخصصاتها، وشح في الدعم من مصادره، فضلًا عن تشتت قنواته، وزاد المأساة دخول طيران روسيا على الخط حيث شكلت المستشفيات والمراكز الصحية أهم أهدافه غير مكترث بالقانون الدولي والمنظمات الدولية العاملة على الأرض، إذ كان مستشفى معرة النعمان الذي تديرة منظمة “أطباء بلا حدود” إحدى أهدافه فقتل 31 مواطنًا منهم أربعة أطفال وثلاث مواطنات و11 طبيبًا وممرضًا. وخلال الأسبوع الماضي استهدف الروس عدد من المستشفيات أبرزها، مستشفى إعزاز للتوليد والأطفال وآخر في تل رفعت لذوي الاحتياجات الخاصة.
محمد مصري، شاب حلبي، اضطرته إصابة ابنته الصغيرة (ثلاثة أشهر) بجرثومة، إلى قطع مسافات من شرق حلب إلى غربها، من أجل البحث عن طبيب يشخّص حالتها، بعدما عرضها على مشفى محلي، لم ينجح كادره في تحديد ما تعاني منه الطفلة.
ولعل الحالة التي وصل إليها الشاب الحلبي، ومعه آلاف السوريين في مناطق المعارضة، كان وراءه جهات هدفها ألا يقوم للقطاع الطبي في مناطق المعارضة قائمة، فكانت المستشفيات والأطباء وسيارات الإسعاف والمراكز الصحية أهدافًا مباشرة ومسارحَ للأعمال العسكرية والقصف المنظم.
صبيحة 27 كانون الثاني الماضي، كان مشفى عندان في ريف حلب على موعد مع غارة جوية سوّته بالأرض، وأجهزت على محتوياته، بما فيها من أدوية ومعدات وأجهزة طبية، وقضى خلال الغارة عبد الرحمن عبيد، “الطبيب بالخبرة”، الذي صقلت الحرب وظروف العمل الصعبة خبراته، فقد تدرج بالعمل، كما يصف أحد المعلقين على صفحته في فيسبوك، “الله يرحم أبو يونس، كان ممرض ومساعد جراح ومع الوقت صار هو الجراح في ظل غياب أي جراح بمشفى عندان”.
العمل في أخطر الأماكن
تحاول عنب بلدي في هذا الملف تشريح الواقع الطبي في المناطق المحررة، ومعرفة أبرز معوقات نهوضه ليواكب حجم المأساة السورية، وذلك في ظل غياب أبرز مقومات الدعم، كما يقول من التقيناهم من العاملين في هذا المجال، وضمن بيئة عمل تصنف الأخطر عالميًا بسبب القصف العشوائي والمعارك الدائرة على جبهات مشتعلة على مدار الساعة، وذلك من خلال لقاءات مع شخصيات عاملة على الأرض، من أطباء وممرضين ومسعفين، وكوادر إدارية واكبت الملف الصحي من اندلاع الثورة حتى اليوم.
وكان للمؤسسات الصحية الجديدة (مراكز طبية ومديريات صحة ومستشفيات أهلية) رأي خاص بالوضع الذي وصل إليه القطاع في مناطقهم، بعدما زاد التدخل الروسي “العنيف” من حدة الألم، إذ انقسم الشارع السوري بين راض عن أداء الكوادر الطبية وما تقدمه في ظل الظروف الحالية، وبين من يلقي اللوم على تأخر الداعمين الرئيسيين للشعب السوري عن تلبية النداء في توفير ما تحتاجه المستشفيات والمراكز الصحية، مع دعوات بضرورة توقف هجرة الكوادر الطبية.
ونحن نعد هذا التحقيق أجرى موقع عنب بلدي أونلاين استطلاعًا لرأي الشارع السوري في المناطق المحررة حول مستوى الخدمات الطبية وأداء الكوادر في مناطق المعارضة، علّه يكون مؤشرًا على الأداء يساعدنا في توجيه بوصلتنا، فأجاب 13% من المستطلعة أرائهم بأنها “جيدة”، و20% أنها “متوسطة”، و21% “ضعيفة”، وجاءت النسبة الأكبر ممن لا يملكون تقييمًا ونسبتهم 46% من العينة.
عجز طبي في سوريا قبل الثورة… تفاقم خلالها
كانت سوريا تعاني من تراجع في عدد الأطباء قبل اندلاع الثورة، وبموجب المعايير العالمية، لا بد من توافر 26 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، بينما كانت حصة المواطنين الفعلية في سوريا 15 طبيبًا لهذا العدد، أي بنسبة عجز 42.3%، وفق ما يؤكده الطبيب منذر الخليل، مدير صحة إدلب في الحكومة السورية المؤقتة.
ويوجد اليوم في المناطق المحررة 1.39 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، لتبلغ نسبة العجز وفق المعايير الدولية 94.4%، وهو رقم يصفه الخليل بـ “المخيف”، أي “أننا نحتاج ما يزيد عن 28 ألف طبيب في حين يتوفر 1500 طبيب فقط”.
ولا يقتصر العجز على الأطباء، بل يمتد ليشمل القابلات القانونية، ويزداد العجز بشكل مستمر ولا يمكن إيقافه، برأي الخليل، إلا من خلال إعادة تفعيل مؤسسات التعليم الطبي، مثل كليات الطب البشري والصيدلة والأسنان والمعاهد الصحية وتوفير الظروف الملائمة لعمل هذه الكوادر.
لا عدالة في توزيع الخدمات على المحافظات
استنادًا للمقاييس العالمية، “يجب أن يتوفر سرير واحد لكل 277 شخص، بينما كان يتوفر لدينا قبل الثورة سرير واحد لكل 913 مواطن، ويزداد العجز عمومًا في محافظات مثل إدلب والرقة، بينما ينخفض كثيرًا في اللاذقية وطرطوس”، في إشارة من الطبيب خليل إلى عدم العدالة في الخدمات الطبية التي كان يقدمها النظام على مستوى المحافظات.
وفي سياق توزيع الخدمات الطبية على المحافظات قبل الثورة، يستطرد الخليل “يسيطر النظام اليوم على 25% من سوريا، بينما يوجد 75% من المناطق خارج سيطرته، وبالرجوع إلى الإحصائيات الرسمية قبل 2011، يتركز 68% من المشافي العامة ضمن الـ 25% الواقعة تحت سيطرة النظام، بينما يتوزع 32% منها في 75% المتبقية خارج سيطرته”.
وضمن سياق المقارنة ذاتها، يقول الخليل “في طرطوس يوجد سرير لكل 672 مواطن، وفي اللاذقية سرير لكل 573 مواطن”، بينما “في إدلب يوجد سرير لكل 2113 مواطن، وفي الرقة سرير لكل 1379 مواطن”. ويعقب الخليل “محافظة إدلب كانت الأفقر من حيث توفر الخدمات الطبية”.
الأطباء أخطر على النظام من حملة السلاح
منذ اندلاع الثورة السورية كان الطبيب الذي يعمل على إسعاف جرحى المظاهرات ممن يستهدفهم الأمن بالرصاص، هو أكبر عدو للنظام، وعلى قائمة المطلوبين لديه.
وكان من يحمل حقيبة طبية أو يحوز على القليل من الأدوية “أخطر على النظام ممن يحمل السلاح”، وفق ما يقول الناشطون، وكان المعتقلون من الممرضين والأطباء يلقون تعذيبًا “مضاعفًا”، وتطول مدة احتجازهم أكثر من البقية، حتى أن أبرز المعتقلين ممن قضوا تحت التعذيب في بداية الثورة كانوا من الأطباء الميدانيين، ابتداء بالطبيب صخر حلاق في حلب، إلى الطبيب نور مكتبي، والذي شكل أول فريق طبي ميداني متنقل في حلب.
وبعد تحرير مناطق واسعة من سوريا والانتقال إلى مرحلة تأسيس المشافي الميدانية، استهدف طيران النظام تلك المشافي، فخسرت الثورة عددًا كبيرًا من أطبائها الميدانيين ومشافيها، التي تحولت إلى ركام.
لم يكن النظام السوري وحده من حارب القطاع الطبي، فلم يلق هذا القطاع اهتمامًا دوليًا على عكس قطاعات مدنية، أخرى وجدت في قنوات رسمية، ومن دول أوروبية، دعمًا لتخفيف معاناة السوريين، وحتى المنظمات الداعمة وجهت دعمها بشكل مباشر للمشافي الميدانية، وهمّشت دور الحكومة المؤقتة ووزارة الصحة، ما نجم عنه دعمًا متقطعًا ومشتتًا.
بناء نظام صحي متكامل على مستوى سوريا.. أول ما تسعى له المديريات
عانى القطاع الطبي من عدم وجود إدارة مركزية تعنى بشؤون القضايا العامة على مستوى سوريا وتنظم الدعم وتوزعه على المحافظات بحسب الحاجة، لتحقق العدالة بين كافة المحافظات.
وفي هذا السياق، يوضح الدكتور حسن أعرج، مدير مديرية الصحة في محافظة حماة، أنّ “انعدام الدعم كان عائقًا ومنع تبعيتنا لوزارة الصحة وللحكومة المؤقتة، ولكن نحن على علاقة جيدة معهما وهناك تنسيق مستمر في عدة مشاريع”، والدعم في الوقت الحالي لا يأتي للمديريات إلا عن طريق منظمات دولية خاصة.
ويضيف أعرج “لا يمكن أن تأخذ المنظمات دور الحكومة، فحكومة دمشق (النظام) لن يحل مكانها سوى حكومة أخرى تنبثق عن الثورة”.
جهود فردية لبناء نظام صحي متكامل لسوريا
تسعى مديريات الصحة لإعادة بناء النظام الصحي المتكامل في سوريا، ليكون نواة لتطويره في المستقبل، ولكن هذه المبادرة مازالت بجهود فردية، كما يقول مدير صحة درعا خالد عميان، إذ يوجد تنسيق مستمر بين مديريات الصحة في إدلب وحلب وحماة واللاذقية ودرعا للوصول إلى هذا البناء الصحي المتكامل، ويضيف في هذا الصدد مدير صحة إدلب، منذر الخليل، “توصلنا في الفترة الأخيرة من خلال ورشات العمل التي استضافتها مديرية صحة إدلب إلى توحيد الأنظمة الداخلية والنظام المالي والرؤية والأهداف بين المديريات، ونعمل على أن تكون هذه المديريات ركائز أساسية لبناء النظام الصحي لاحقًا بالتعاون أيضًا مع المنظمات الطبية السورية بشكل أساسي”.
وهناك خطط لتطوير الرعاية الصحية الأولية للأفضل، وتطوير برنامج التأهيل والتدريب، ويرى خالد عميان في هذا الإطار “أن هناك إمكانية كبيرة للتطوير بسبب وجود المشافي والكوادر، ولا ينقصنا سوى تأهيل الكوادر الإدارية بالشكل اللائق”، على حد تعبيره.
رواتب الموظفين تغيب لأشهر
عدم وجود دعم إداري ومالي لجسم المديريات من أي جهة، دفع المديريات في بعض الأحيان إلى العمل بشكل تطوعي. يتحدث عن ذلك مدير صحة إدلب، منذر الخليل، “إننا قد لا ندفع رواتب الموظفين لمدة أشهر ونعتمد كثيرًا على فكرة العمل التطوعي، وكثير من الأحيان لا نمتلك التكاليف التشغيلية حتى البسيطة، مثل ديزل السيارات والتدفئة، في ظل المهام الجسيمة الملقاة على عاتق المديرية”، لا سيما أن الدعم المادي يتغير وفقًا للتطورات العسكرية التي تؤدي إلى تدفق المساعدات المالية أحيانًا لمنطقة، وتوقفها عن منطقة أخرى، “نتيجة سيطرة هذه القوة أو تلك على المنطقة”، على حد تعبير الخليل.
لا يوجد نقابات للأطباء والصيادلة في المناطق المحررة
غابت مؤسسات طبية كثيرة عن الساحة السورية المحررة، مثل “نقابة الأطباء” أو “نقابة الصيادلة” وغيرها، ما دفع مديريات الصحة للعب أدوار أخرى خارج مهامها، ويعطي الطبيب منذر الخليل مدير مديرية الصحة في إدلب مثالًا على ذلك قائلًا “إن تنظيم عمل الصيدليات يجب أن يكون من مهام نقابة الصيادلة ولكنها غير موجودة، ما يجعل مسؤولياتها بالكامل تقع على عاتقنا”.
ووفق رأيه “لا وجود لمعامل أدوية في المناطق المحررة، لأن ترخيص معامل الأدوية يقع بالعادة على عاتق خمس وزارات، واليوم لا تتواجد جميعها في المناطق المحررة”.
لذلك يقول الخليل “نحن ننسق مع باقي المديريات في المدن الأخرى في حلب وحماة واللاذقية ودرعا للاتفاق على القضايا العامة على مستوى البلد، والتي لا يمكن أن تكون على مستوى المحافظة فقط”.
وزير الصحة: لولا الوزارة لما وجدت مديريات الصحة
هناك شبه إجماع من مديريات الصحة والعاملين في الجانب الطبي حول غياب دور وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة عن الساحة، وخاصة لجهة التنسيق والدعم، لكن وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة محمد وجيه جمعة لديه وجهة نظر مختلفة، إذ يقول لعنب بلدي إن وزارته، ورغم انقطاع الدعم عنها منذ تسعة أشهر، مستمرة في العمل وبجهود أشخاص يؤمنون ببقاء هذه المؤسسة الإدارية “كهيكل إداري ومؤسساتي”، معتبرًا أنه “لولا الوزارة لما وجدت مديريات الصحة، لأن الوزارة أعطت الشرعية لهذه المديريات الموجودة بالداخل، وهنا أقول بكل رضى عملها أكثر من جيد جدًا ويرتقي لمستوى الممتاز”.
وأوضح الوزير أن لهذه المديريات “هيكليات إدارية وضعت من قبلنا، ونظام عمل مشترك أيضًا، أي أننا من مفهوم المديريات أوجدنا منظومة صحية على مستوى المناطق المحررة، وهذا له بصراحة معنى سياسي، يؤكد أننا لن نسمح بأن يكون لكل منطقة مديريتها تعمل كما تهوى”، لأن ذلك بحسب رأيه “يؤدي إلى تقطيع البلد إلى أشلاء”.
يرى الوزير جمعة، أن الأطراف الدولية اعتبرت مديريات الصحة حقيقة لا يمكن تجاوزها، وكل المنظمات تتعامل معها على أنها “حقيقة مستمرة”، والكل مقتنع أنّ كلمة المديريات منبثقة عن الوزارة ومرتبطة بالوزارة، وهي “الأبوين الشرعيين” لها.
وهذا ما يؤكد عليه مدير صحة حماة، حسن أعرج، بأن دور الحكومة لم يغب بشكل كامل عن الساحة الطبية، وعلاقتها “جيدة” مع كافة مديريات الصحة، وتدخل في إطار التنظيم والتنسيق، وتتشارك مع هذه المديريات في عدة مشاريع “أهمها حملة اللقاح”.
لم نؤمّن سوى 5% من احتياجات المديريات
ولفت الوزير إلى أنه خلال الفترات السابقة “تم تأمين 95% من الاحتياجات الطبية والمستلزمات للمديريات عبر المنظمات، والوزارة لم تؤمن أكثر من 5% بسبب الميزانة المتواضعة جدًا، ولأن المستهلكات الطبية والكلف التشغيلية أكبر بكثير من إمكانيات الحكومة والوزارة في التصدي لها”.
وحول دور الوزارة في دعم المديريات ومدها بالدعم اللازم، أكد الوزير أن “دور الوزارة لم يكن بتقديم كل الاحتياجات التشغيلية والعملية الطبية، وكان دورها يتمثل بتأسيس مفاهيم مؤسساتية”.
قائد عسكري يشيد ببراعة أطباء المشافي الميدانية
تعرض مهنا جفالة، الملقب “أبو بكري”، القائد العسكري لكتائب أبو عمارة، لمحاولة اغتيال في مدينة حلب في حزيران 2015، بعبوة ناسفة زرعت في سيارته أمام مقر الكتيبة، ونتج عنها بتر قدميه وثلاث أصابع من يده اليسرى.
تلقى جفالة حينها العلاج في مستشفيين ميدانيين في حلب، ولقد “أبهرته” براعة الأطباء بالرغم من الظروف القاسية التي يعملون بها والإمكانيات المحدودة.
أشاد أبو بكري في لقاء مع جريدة عنب بلدي، بعمل هؤلاء الأطباء، وأثنى بالقول على أدائهم، “أشعر بالامتنان الشديد تجاه الأطباء الذين لم يعاملوني كمريض، وإنما شاركوني آلامي وتفانوا بتعاونهم معي وأدهشني أسلوب عملهم، دون أي مقابل، وهذا ما يميزهم عن أطباء الخارج”.
العمليات التي أجراها الأطباء لقدمي أبي بكري المبتورتين، كان فيها “حرفية عالية”، وحول ذلك يقول “اتضح لاحقًا أن تضميد الأطباء لقدميّ والعمليات التي أجروها كانت مناسبة جدًا لتركيب الأطراف الصناعية، ما يدل على خبرة عالية اكتسبوها تفوق خبرة الأطباء في الخارج في هذال المجال”.
تأسيس “جامعة حلب” في المناطق المحررة لإنتاج كوادر طبية جديدة
عانى القطاع الطبي من نقص حاد في أعداد الأطباء، بسبب النزوح والهجرة والاعتقالات، وبالمقابل لم يكن هناك تأهيل وتدريب ولا كوادر جديدة، ما فاقم الخسارة ودفع القائمين على القطاع الطبي والتعليمي للتفكير بإنشاء كليات ومعاهد تعيد إنتاج الكوادر الطبية.
وسعى أكادميون سوريون منذ ثلاث سنوات لإطلاق جامعة حلب، وفعلًا تم ذلك بداية العام الدراسي الحالي، بتكاتف جهود الحكومة المؤقتة، التي أعطتها غطاءً قانونيًا وأكاديميين سوريين وفروا الكوادر والتحضيرات، وبدعم من مغتربين سوريين في أمريكا، وفروا الدعم لهذا المشروع.
وأشرف على تأسيس الجامعة لجنة علمية بالتنسيق مع الحكومة المؤقتة، وتبنت فكرة الحفاظ على اسم جامعة حلب، ويوضح الدكتور حسن جبران، رئيس جامعة حلب الحرة، سبب الاحتفاظ باسم جامعة حلب، “انطلقنا من فكرة أن جامعة حلب هي جامعة مميزة في الثورة السورية وكان لها مظاهرات ونشاط طلابي مميز، ما دفعنا لأن نفكر بأن مؤسسات الدولة السورية هي ملك للشعب، ومن حق المواطنين، والنظام قد اغتصبها واحتلها، ونحن سوف نحررها منه”.
وبحسب الطبيب جواد أبو حطب، عميد كلية الطب في إدلب، “سيكون نموذج التدريس نفسه المعتمد في جامعة حلب ونفس المواد أيضًا”.
وأضاف “سنطبق كل أنظمة جامعة حلب دون استثناء، وتم تأمين الهيئة التدريسية للسنوات الثلاث الأولى، والكثير منها كان يعمل في جامعة حلب، أما التدريب فسيكون في المشافي المتواجدة بالمناطق المحررة”، مشيرًا إلى تشكيل هيئة الاختصاصات الطبية (البورد السوري)، والتي ستفحص كل الأطباء ممن كان قد وصل للسنوات الأخيرة من الدراسة وانقطع أو يكمل حاليًا، وسيتقدمون لاختبارات في الجراحة العامة والنسائية والعظمية والأطفال والتخدير والعصبية.
الطالبة أمل سنة أولى في كلية الطب بالغوطة الشرقية قالت “مازلنا نذهب إلى كلياتنا ولم يتوقف دوامنا أبدًا ونحضر محاضراتنا رغم أن إحدى الكليات قصفت ثلاث مرات، أما عن الكادر التعليمي فأعتقد أنه مقبول وجيد في ظروف الحصار والقصف”.
الاعتراف الدولي بالجامعة
وتوفّر الجامعة المعايير العالمية للجامعات، وفق جبران، وقال “إنها مجهزة بكافة الوسائل التعليمية، إضافة إلى المخابر وغيرها”، مضيفًا أن إدارتها “تملك حاليًا دعمًا يمكّن من إكمال الطلاب عامهم الدراسي الأول بشكل مريح”.
ويرى جبران أن تدريس مناهج جامعة حلب المعترف بها أصلًا سيجعل من هذه الجامعة معترفًا بها، ويقول “تسعى إدارة الجامعة إلى التواصل مع الدول التي أبرمت اتفاقيات واعترفت بها قبل الثورة، “لإعطائها صفة الاعتبارية كجامعة منشأة في المناطق المحررة”.
معاهد طبية وكلية للطب في المناطق المحررة
افتتحت بداية العام الدراسي 2015-2016 شعبتين لكلية الطب، الأولى في الغوطة وتضم مائة طالب وطالبة، والثانية في كفر تخاريم بإدلب، حيث تقدم 120 طالبًا وكان أدنى مجموع للثانوية العامة تم قبوله فيها 217 درجة.
أما المعاهد الطبية فهي عدة تخصصات، في التمريض العام والقبالة والتخدير والعلاج الفيزيائي وأيضًا الأشعة، وتنتشر المعاهد الطبية في إدلب وحلب وريف اللاذقية ودرعا، ويوجد على سبيل المثال معهد التقانة، وله فرع في حمص يتضمن قسم أشعة وتمريض عام، ويوجد أيضًا المركز الرئيسي بالبرناص في إدلب.
اتحاد UOSSM: دعمنا 120 مشفى ميدانيًا و200 مركز طبي بميزانية ثمانية ملايين دولار
قدرت منظمة طبية سورية غير حكومية كلفة إعادة بناء النظام الصحي السوري بعد خمس سنوات من اندلاع الثورة بثمانية مليارات دولار، ويتضمن هذا المبلغ الأموال اللازمة “لإعادة تأهيل النظام الاستشفائي، وتغطية احتياجات السكان، والوصول إلى معدل سرير مشفى واحد لكل 270 شخصًا”، بحسب ما أوضح رئيس اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية، عبيدة المفتي، لوكالة “فرانس برس”.
وخلال السنوات الماضية تم تدمير 330 مرفقًا صحيًا على الأقل، بينها 177 مشفى معظمها في عمليات قصف، منها 112 مرفقًا دمرت في العام 2015 وحده، كما قتل 700 من العاملين الصحيين.
وازدادت الهجمات التي استهدفت النظام الصحي منذ بدء روسيا ضرباتها الجوية في 30 أيلول الماضي لدعم النظام السوري، وبحسب منظمة العفو الدولية فإن 90% من هذه الهجمات من “فعل الجيش السوري وحلفائه”.
وتأسّس الاتحاد الدولي لمنظمات الإغاثة والرعاية الطبية (UOSSM) في باريس، وهو منظمة طبية إنسانية مستقلة غير حكومية، بعد أحداث “العنف” في سوريا، ويعمل على توفير الرعاية الطبية والمساعدات الإنسانية لكل المصابين والمحتاجين، ويتألف الاتحاد من 15 منظمة طبية وإغاثية ومئات الأطباء.
ووفر الاتحاد خلال مسيرته مواد استهلاكية طبية لـ 120 مشفى ميدانيًا و200 مركز طبي بميزانية ثمانية ملايين دولار، وأجرى ما معدله 1200 عملية في الشهر، وتجرى 13% من عدد العمليات الكلي في مشفى باب الهوى الذي يديره ويشرف عليه الاتحاد. ويضم الاتحاد ثلاثة مراكز للتأهيل ما بعد العمليات في داخل وخارج سوريا، و12 مركز رعاية صحية أولية في ثماني محافظات سورية، و400 ألف استشارة لـ 300 ألف مريض في مراكز الرعاية الصحية الأولية لغاية آب 2015.
وقدم الاتحاد خدمات صحة نفسية واجتماعية لـ 50 ألف لاجئ سوري، وسوريين نازحين داخل سوريا، ووفق أرقام الاتحاد بلغ عدد الكادر الطبي المدرّب ثمانية آلاف شخص حتى تشرين الأول 2015. وهناك خطة لتدريب 105 أشخاص (كادر طبي) خلال العامين المقبلين في مركز جديد للتمريض والتوليد في المنطقة الجنوبية.
الـ UOSSM يسعى لإعادة بناء النظام الصحي في سوريا
وفي مقابلة مع عنب بلدي، يؤكد مدير اتحاد UOSSM، زيدون الزعبي، أن هدف الاتحاد هو “إعادة بناء النظام الصحي في سوريا”، إذ يقوم البرنامج على دعم مديريات الصحة وبشكل أساسي في مجالي التدريب والتمويل حتى “تصبح كيانات مستقلة تخطط مركزيًا، وتكون نواة لجهاز صحي متطور في سوريا المقبلة”.
فالعمل على التنمية البشرية للمديريات، وتوفير الموارد المالية، هو أهم ما يميز عمل الاتحاد لأنه “سينسحب حتى تكمل المديريات العمل من تلقاء نفسها، وتضع الخطط لوحدها”.
يقول الزعبي “نعاني من مشكلة التخطيط المركزي على الصعيد الصحي، فريف حلب الجنوبي والذي يقطن فيه 300 ألف مواطن لا يوجد فيه مشفى، المشكلة ممتدة من عصر النظام ولا نريد لها الاستمرار في سوريا الجديدة”.
وأخذ الاتحاد مبادرة جديدة ووقع ميثاق شرف مع منظمات طبية عالمية من أجل تطوير وتأهيل مديريات الصحة وعددها أربع في الشمال السوري ودرعا جنوبًا، كما “يقوم بعقد الاجتماعات المتتالية من أجل تطوير الأداء”.
وحول خطط الاتحاد للعام 2016، أوضح زيدون أن “الفريق يعمل على مشروع تدريب إدارة الموارد البشرية، والرقابة والتقييم، وإدارة المشاريع، وإدارة المعلومات، لموظفي مديريات الصحة في مركز باب الهوى، مضيفًا “نسعى لتكثيف العمل المتنقل عبر العيادات بسبب اشتداد المعارك”.
خطة لقاح في مناطق المعارضة تستهدف مليون طفل سوري
تستعد “مجموعة عمل اللقاح”، وهي تحالف يضم “المنظمات الطبية ومديريات الصحة والمجالس المحلية ووزارة الصحة في الحكومة المؤقتة”، لاستهداف مليون طفل دون الخمس سنوات في الشمال السوري، وستنطلق الحملة خلال العام الحالي، ويوضح المدير التنفيذي لمجموعة عمل اللقاح الدكتور ناصر الحمود، أن المجموعة أجرت 12 جولة تلقيح في المحافظات الشمالية، ويجري حاليًا التحضير للقاح الروتيني الشامل (على مدار العام)، بعد أن تم تجهيز المعلومات والدراسات وخطط للحملة.
ولفت حمود إلى أن هناك صعوبة باستلام اللقاح من منظمة يونيسيف لـ “أسباب سياسية” على اعتبار أن موضوع اللقاح سيادي. ويقول “سنستلم اللقاحات تدريجيًا عبر المراكز الصحية، وستسلم لاتحاد الـ “UOSSM” وعبره لمديريات الصحة، وتحدد المراكز التي سيتم تنفيذ الحملات فيها بعد تطبيق الشروط اللازمة للتنفيذ”، مشيرًا إلى أن هناك بين 800 إلى مليون طفل سوري في المناطق الشمالية تستهدفهم حملة اللقاح.
يؤكد الطبيب على أنه لا يوجد تعاون بين يونيسيف ووزارة الصحة في الحكومة المؤقتة، علمًا أن الوزارة دورها أساسي كونها جزءًا مؤسسًا في المجموعة، ونظرًا لغياب الدعم اللازم اتجهنا للتعاون مع الصحة التركية، يقول حمود “لا يوجد داعم حاليًا اتجهنا للتعاون مع وزارة الصحة التركية لإدخال لقاحات للمناطق الشمالية وخاصة شلل الأطفال”.
يشارك مدير صحة حلب، الطبيب ياسر درويش، زميله حمود الرأي، بأن المنظمة تعاطت مع موضوع اللقاح بشكل “سلبي جدًا”، فهي تريد تسليم الملف إلى منظمات أهلية وداعمة كبيرة، دون أن يكون لمديريات الصحة دور في تسلم اللقاح وتوزيعه وإجراء الحملات، “فقط يتم إجراء اللقاح من قبل المنظمات”.
أما مدير صحة إدلب، منذر الخليل، فيقول “لم يتلق أطفالنا أي لقاحات روتينية منذ عدة سنوات لأن النظام لم يكن يقدم سوى 10% من حاجة محافظة إدلب (على سبيل المثال)، ومع ذلك يرفع تقارير كاذبة عن تغطية تتجاوز 90% من المحافظة، ويتم اعتماد هذه الأرقام في المنظمات الدولية”.
معركة مع “يونيسيف” ومراسلات دون جدوى
ليس فقط الأطباء من يعترض على دور منظمة يونيسيف في موضوع اللقاح، بل وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة أيضًا، ويرى وزير الصحة، محمد وجيه جمعة، في حديثه لعنب بلدي أن تسليم اللقاحات لمنظمات ومن ثم إجراء اللقاحات من قبلها “غير ممكن، ويتعارض مع مفهوم اللقاح الشامل القاضي بضرورة تلقيح كل الأطفال بشكل أفقي وشامل”.
لكن الوزير يتوقع أن توافق يونيسيف على تسليم الوزارة ومعها الهيئة اللقاحات، ليتم إجراء برامج لقاح مركزية وشاملة وبإشرافها، ويرى أيضًا أن “الجانب الوطني” سيربح في النهاية.
عنب بلدي أرسلت لكل من منظمة الصحة العالمية أو منظمة الطفولة “يونيسف” عبر البريد الإلكتروني، في الأول من شباط الجاري، استفسارًا حول موقفهما من القضية، وسبب عدم التعامل مع الحكومة السورية المؤقتة، لكن أيًا منهما لم يرد حتى تاريخ نشر هذا التحقيق.
يوجد في المناطق الشمالية 205 مراكز لقاح، يتم فيها تنفيذ الحملة على مدار العام، وخاصة اللقاح الروتيني.
غياب اللقاحات الدورية عن مناطق المعارضة
وخلال السنوات السابقة من عمر الثورة عانت المناطق المحررة من غياب اللقاحات “الدورية” و”الاستمراية” على مدار العام بسبب المعارك وظروف الاقتتال، وهذا ما يؤكد عليه مدير العمليات في اتحاد (UOSSM)، ضياء الزامن، إذ يشكل قطاع اللقاحات في الأنظمة الطبية العالمية نحو 80% من عمليات الاستطباب، لكن في مناطق المعارضة السورية، ومنذ خمس سنوات، “لا يوجد شيء اسمه نظام اللقاحات”، وبحسب قوله “اللقاح له شروط وظروف لتنفيذ الحملات اللقاحية لكن هذا غير متوفر بكفاءة جيدة”.
يقول الزامن “ظروف التلقيح سيئة”، ولا يوجد أماكن لتخزين اللقاحات، وعلى سبيل المثال درجات الأدوية التي تقدم كلقاحات تتراوح بين واحد إلى أربع درجات ومتى تصل درجة اللقاح إلى أربع يفقد خاصيته، ويجب ألا يتناوله الأطفال، مشيرًا إلى أنه ورغم ذلك يعطى الأطفال اللقاح.
ويطالب الزامن عبر عنب بلدي بأن “يكون لدينا (في المناطق المحررة) برنامج لقاح فعال وروتيني وفق المعايير العالمية”.
غياب مفهوم الإدارة “الفعالة” يجهز على القطاع الصحي في سوريا
يشير الدكتور عبد العزيز العادل، مدير إدارة البحث العلمي في OUSSM أشاإلى أن “انهيار نظام الرعاية الصحية في كامل الأراضي السورية، لا سيما المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، يدل على غياب الإدارة الفعالة والتخطيط الاستراتيجي في تحديد أبعاد الأزمة الصحية في سوريا”.
ولخّص في حديث مع عنب بلدي أسباب هذا الخلل بضعف “التخطيط الاستراتيجي” والتركيز بشكل كبير على ردود الفعل والاستجابات قصيرة المدى دون سابق تخطيط لتلبية الاحتياجات على المدى المتوسط والبعيد، والتوزيع غير المتوازن للموارد الطبية، والذي يتم غالبًا بالاعتماد على معلومات غير كاملة وغير صحيحة، وكذلك ضعف وعدم كفاية الخدمات الصحية المقدمة للعموم وبالتالي ارتفاع معدل الوفيات في المجتمع، وأيضًا هجرة الأطباء والممرضين وغيرهم من الكوادر الطبية ما يزيد من تدهور وضع القطاع الصحي.
وبحسب العادل، تعتبر المعلومات حجر الأساس في أي عملية تخطيط استراتيجي، ودون مصدر منهجي وموثوق للمعلومات لا يمكن إجراء أي عمليات تقييم أو تحليل إحصائي مناسبة.
وفي ظل غياب مصدر محدد ووحيد للمعلومات فإن المنظمات العاملة في الشأن الطبي غالبًا ما تجد نفسها في مواجهة تحديات كبيرة، متمثلة بالحاجة لمعلومات موثوقة وحديثة بهدف العمل أو التخطيط الاستراتيجي.
يؤكد الدكتور العادل لعنب بلدي، أن كثيرًا من الأجهزة الطبية في المشافي التي شملها البحث بحاجة إلى صيانة وإصلاح، وما يحول دون تحقيق هذا هو غياب قطع التبديل وعدم توفر الإمكانيات اللازمة، لأنه لو تم ذلك لتمكنت المشافي والمراكز الطبية من توفير الأموال لزوم شراء الأجهزة الجديدة، ولحسنت من مستوى الخدمات وسرّعتها، وزادت طاقتها الاستيعابية في العلاج على مختلف الأصعدة.
يقول العادل “في قسم الأشعة، هناك 125 جهازًا لا يعمل، تتضمن أجهزة الأشعة البسيطة المتحركة والثابتة، وأجهزة الطبقي المحوري والتصوير الشعاعي القوسي والتصوير البانورامي والإيكو والدوبلر الصوتي”. مشيرًا إلى أنه يوجد في سوريا فقط 12 جهاز تصوير طبقي محوري نصفها لا يعمل ويحتاج إلى صيانة.
أما قسم العناية المشددة، فيضم 39 جهازًا لا يعمل، تتضمن أجهزة التنفس الآلي للبالغين والأطفال وحديثي الولادة.
وحول الملاءة المادية للمشافي موضوع البحث، تبين أنه وبدراسة الدعم المالي المقدم، هناك 41 مشفى لا تتلقى أي دعم لرواتب الكوادر، و41 مشفى تتلقى دعمًا جزئيًا، ما يساهم في عدم توازن الحالة المادية للكوادر ويدفعهم للهجرة، وفق العادل، مشيرًا إلى أن معظم المنظمات ركزت على الدعم المباشر بالأدوية والمستهلكات لسهولة توثيقها.
كما يشير البحث إلى وجود نقص شديد في عدد الكوادر الطبية المتوفرة، وخاصة الاختصاصات النوعية، كالجراحة العصبية والصدرية، ويؤكد العادل أن “نصف الكوادر التمريضية تقريبًا ليس لديهم شهادة إنما تدربوا من خلال خبرتهم في العمل الميداني”.
ما هي القدرة الاستيعابية للمشافي في المناطق المحررة؟
أجرى الاتحاد الدولي لمنظمات الإغاثة والرعاية الطبية (UOSSM)، ومنظمة أطباء عبر القارات (PAC)، مسحًا منهجيًا للمشافي، بالشراكة مع منظمات غير حكومية أخرى تعمل داخل الأراضي السورية، منها الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS)، والرابطة الطبية للمغتربين السوريين (SEMA)، بالإضافة إلى مديرات الصحة المحلية.
وشمل المسح الذي أجراه الاتحاد في نيسان 2015، دراسة أوضاع 113 مشفى في مناطق سيطرة المعارضة من أصل 124، وذلك في سبع محافظات سورية، بهدف تقديم صورة واضحة حول الوضع الطبي في سوريا بشكل عام، وتحديد عدد المشافي العاملة في سوريا وتوزعها الجغرافي في سوريا والخدمات التي تقدمها، وتحديد عدد المعدات الطبية المتوفرة، وتحديد حالتها الوظيفية، والحاجة للاستبدال أو الصيانة أو أي احتياجات ضرورية، وكذلك تقديم تفاصيل حول الدعم المالي الذي تتلقاه المشافي، إضافة إلى تقديم صورة واضحة حول الموارد البشرية المتوفرة وحجم العمل في المشافي داخل سوريا.
وخلص البحث الميداني إلى أن أعداد المستفيدين من خدمات المشافي شهريًا في قسم الطوارئ بلغ 17439 قبولًا إسعافيًا، و148775 استشارة إسعافية. أما قسم العيادات الخارجية، فبلغ عدد المقبولين في المشفى 14754، مقابل 232833 استشارة طبية.
وأحصى البحث القدرة الاستيعابية للمشافي (عدد الأسرّة) على مستوى سوريا المحررة، وكانت على الشكل التالي:
- 1406 أسرّة في جناح البالغين.
- 603 أسرّة في قسم الطوارئ.
- 297 سريرًا في جناح الأطفال.
- 113 سريرًا في قسم العناية المشددة الجراحية.
- 110 أسرّة في قسم العناية المشددة غير الجراحية.
- 55 سريرًا في قسم العناية المشددة للأطفال، وحديثي الولادة.
مؤسسة “أورينت” تتولى معالجة 500 ألف سوري
سارت المؤسسات الخاصة والأهلية الطبية في المناطق المحررة جنبًا إلى جنب مع مديريات الصحة في المدن السورية الخارجة عن سيطرة النظام، وتقاسم الطرفان مسؤولية معالجة السوريين وتأمين الأدوية وتمكينهم صحيًا بعدما تسبب القصف والتدمير العشوائي بتدهور المنظومة الصحية.
وكان لمؤسسة “أورينت للأعمال الإنسانية” الدور “الأبرز” في تحمّل هذه المسؤولية في مناطق سيطرة المعارضة شمال سوريا منذ الإعلان عن إطلاق أعمالها، ويقدم مشفى أورينت في كفرنبل، إلى جانب ثلاثة مراكز صحية في سلقين وكفرتخاريم وأرمناز، الخدمات الطبية للمواطنين، ويبلغ عدد المراجعين شهريًا 15 – 20 ألف مواطن، فيما يقدّم المشفى خدمات لنحو 500 ألف مواطن في المنطقة، ويوظف 50 موظفًا وطبيبًا.
يؤكد أنس السيد عيسى، مدير التنسيق والشراكات في منظمة أورينت الإنسانية لعنب بلدي، أن المشفى يجري نحو 200 – 300 عملية شهريًا، وذلك حسب طبيعة الأوضاع الأمنية، وطبيعة القصف اليومي، كما تملك المؤسسة منظومة إسعاف مؤلفة من 12 سيارة إسعاف.
مواجهة اللاشمانيا في “أرمناز”
وقد أحدثت المؤسسة في تشرين الأول 2015 قسمًا لمعالجة “اللاشمانيا” المنتشر في منطقة أرمناز، بالتعاون مع منظمة تختص بعلاج هذا المرض، ويوضح عيسى هنا أن دور المؤسسة ومشفى كفرنبل يمتد من التشخيص إلى المعالجة ومن ثم المتابعة، “نعالج شهريًا 200 حالة، ولدينا قوائم وأسماء وهناك خطة لمتابعة العائلات من أجل تتبع مصدر المرض، كما نستعد للتعاون مع منظمة للقيام بعمليات بخ في المنطقة للتخلص من الحشرة المسببة للمرض”.
وحول الصعوبات التي تواجهها المؤسسة خلال عملها، أكد عيسى أنها تتمثل في “تأمين الأدوية”، لأن أعداد المراجعين يفوق طاقة مديريات الصحة والوزارة على التحمل، كما أن القدرة الشرائية للمواطنين ضعيفة، مشيرًا إلى أنه يتم تأمين الأدوية عبر المنظمات وبعضها من السوق المحلية، علمًا أن الحاجة أكثر من المتوفر، والخدمات والأدوية مجانية 100%.
تنوي مؤسسة أورينت في خططها المقبلة “دعم مديريات الصحة في حلب وحماة من خلال دعم مشروع ما، أو تبني دعم وتشغيل مشروع معين في هذه المديريات”، كما تسعى لإطلاق “مجمع أورينت الطبي” في مشفى ابن سينا السابق في إدلب.
وتستعد المؤسسة لتشغيل قسم “غسيل الكلية” في إدلب حيث يوجد 17 جهازًا في المشفى، بالتزامن مع الاستعداد لتغطية تكاليف قسم التشغيل ومدّه ببعض الأجهزة وتبديل القديمة منها، وكذلك دعم بنك الدم في إدلب.
“أورينت” تفكر بالعمل جنوب سوريا
خلال حديثه مع عنب بلدي، كشف عيسى عن “فكرة جديدة ماتزال قيد البحث للوصول إلى جنوب سوريا لتشملها خدمات المنظمة وكذلك مناطق في ريف دمشق، “لكن الموضوع مايزال فكرة، ونبحث عن الآلية الممكنة للتنفيذ”.
وأشار إلى أن العلاقة مع وزارة الصحة بحاجة إلى “التنسيق”، وهناك “قلة تمويل”، مضيفًا”مديريات الصحة تحتاج إلى دعم، ونحاول تأمينه”. وطالب بزيادة التعاون والتنسيق مع المنظمات الطبية العاملة على الأرض لتوزيع الخدمات وتوسيعها.
ويبلغ عدد العاملين في مؤسسة أورينت للأعمال الإنسانية نحو 200 موظف بين طبيب وإداري وفني وسائق وغيره.
إدلب أول محافظة تتأسس فيها مديرية صحة “ثورية”
شكلت مديرية صحة إدلب، ومنذ الإعلان عن تأسيسها في 1 أيار 2013، استمرارًا لعمل المكاتب والهيئات الطبية التي سبقتها في المحافظة، وهي المكتب الطبي لمجلس قيادة الثورة والهيئة الطبية الأساسية.
وعن تشكيل المديرية تحدث مديرها الحالي الدكتور منذر الخليل، لعنب بلدي قائلًا “تشكلت المديرية نتيجة اجتماع عدد من الكوادر الطبية الثورية في المحافظة، والتي قررت صنع مؤسسة طبية ثورية بديلة عن مؤسسة النظام التي تخلت عن القيام بواجبها بشكل كامل اتجاه المناطق المحررة”.
وأضاف الخليل “ترتبط حاليًا المديرية بعلاقة تنسيق مستمرة مع المكاتب الطبية في المجالس المحلية، وأيضًا بعلاقة تنسيق مع وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة ولكن لا يوجد تبعية لأي طرف”.
يوجد اليوم في محافظة إدلب 39 مشفى وحوالي 42 مركز رعاية صحية، كما يوضح الخليل، “وتقدر عدد العمليات الجراحية المجانية المنفذة شهريًا بـ 8500 عمل جراحي، وعدد المستفيدين الكلي من كل المنشآت الطبية ومنظومات الإسعاف وبنوك الدم حوالي 300 ألف مواطن شهريًا.
ويعمل حاليًا في المحافظة المحررة بالكامل من النظام السوري 250 طبيبًا يتوزعون في المشافي العامة والميدانية.
تأسيس منظومة إسعاف وتوفير أدوية للأمراض المزمنة
تخطط مديرية الصحة في إدلب لتشكيل منظومة إسعاف مركزية تابعة لها مؤلفة من 25 سيارة إسعاف، وربطها بمراكز الإسعاف الأخرى عبر شبكة اتصال حديثة خلال 2016، وكذلك تنفيذ جرد لجميع الأجهزة الموجودة في المشافي العامة وتوثيقها لدى إدارة المشافي ومديرية الصحة خلال 2016، إضافة إلى العمل على ترميم مشفى ابن سينا في مدينة إدلب وجعله المشفى المركزي في المحافظة، والعمل أيضًا على تفعيل برنامج التحصين الشامل لتلقيح الأطفال بكافة اللقاحات خلال ستة أشهر.
ووفق الخليل، تنوي المديرية “توفير مراكز الرعاية الصحية بكافة مناطق محافظة إدلب، وخاصة مراكز الرعاية الصحية التخصصية (مثل بنك الدم، مركز تلاسيميا، مركز غسيل الكلية، مركز تفتيت الحصيات)، بمعدل خمسة مراكز صحية في كل منطقة خلال 2016، بالإضافة إلى توفير خدمة التصوير بالرنين المغناطيسي”.
ومن الخدمات الجديدة التي تسعى المديرية إلى تطبيقها، تفعيل نظام الإنذار المبكر “EWARN” وتلقي تقارير دورية عن الحالات الوبائية في المحافظة، وتوفير خدمة التصوير بالطبقي المحوري بمعدل ثلاثة أجهزة على الأقل في المحافظة، والعمل على افتتاح ثلاثة مراكز توليد وتعبئة أوكسجين، إضافة إلى توفير أدوية الأمراض المزمنة، وتوفير مخزون احتياطي من الأدوية، والمستهلكات الطبية في مستودعات المديرية.
صقل مهارات الكوادر الطبية في 2016
يكشف الدكتور الخليل عن مجموعة خطط تسعى مديرية إدلب لتحقيقها حتى نهاية 2016، منها استيعاب كافة الأطباء المقيمين بقصد الاختصاص، وكذلك استيعاب كافة العناصر الطبية ذوي الخبرة في معاهد خاصة بقصد تأهيلهم علميًا، ويؤكد أن الأولوية لدى المديرية خلال العام الجاري “إعادة تأهيل كوادر جديدة”.
استهدف الطيران 33 منشأة صحية في إدلب، بعضها تم تدميره بشكل كامل وخرج عن الخدمة، وبعضها بشكل جزئي تمت إعادة ترميمه واستمر في العمل، وهناك 73 شهيدًا من الكادر الطبي، وحوالي 650 معتقلًا.
مديرية صحة حلب الحرة والوزارة.. “العلاقة غير صحيحة”
تجلّى العمل الصحي بشكل بارز في المحافظات الشمالية الخارجة عن سيطرة النظام، حيث المساحات الواسعة وسلاسة دخول الدعم والمواد الطبية تجعل من حركة الكوادر الطبية والإسعافية سواء داخل البلدات والأحياء المحررة، أو بين سوريا وتركيا “أسهل”، وتعطي أريحية أكبر لهذه الكوادر في الوصول إلى المحتاجين رغم شدة القصف من الطيران الروسي. وكانت مدينة حلب وريفها وبالتزامن مع الأيام الأولى للتحرير سباقةً بالالتفات إلى الجانب الصحي ومعالجة مصابي المظاهرات السلمية، إلى أن تأسست “مديرية صحة حلب الحرة”.
يعود عبد القادر فرح، أول مدير صحة في حلب، إلى البدايات الأولى للعمل في المجال الطبي، ويخبر عنب بلدي بالخطوات الأولى التي مهدت لتأسيس المديرية في حلب بتاريخ 2 كانون الأول 2013، إذ تقرر تأسيسها باجتماع الهيئات الطبية العاملة في محافظة حلب وبدعم من مجلس المحافظة، وسبق تأسيس المديرية إعلان تشكيل الحكومة المؤقتة، لكن العلاقة مع المجالس المحلية لم تكن واضحة، يقول فرح “بادرنا للتعاون معها (الحكومة المؤقتة)، ولم يكن هناك علاقة واضحة بين مديرية الصحة والمجالس المحلية منذ تأسيسها”.
وحول الموارد والمساعدات في تلك الفترة ومصدرها، أكد فرح أن مصدرها كان منظمات إنسانية غير حكومية، وغابت الحكومات تمامًا عن الدعم.
خطة مع UOSSM لوضع نظام طوارئ
يعاني الكادر الطبي في حلب من ضغط كبير في العمل بسبب قلة الكوادر، وفق ما يقوله مدير الصحة، الدكتور ياسر درويش، لعنب بلدي، مضيفًا أن “نقص التمويل وصعوبات تأمين الأدوية والمعدات اللازمة لعمل الطواقم الإسعافية والميدانية، يعد من أبرز العقبات”.
ويؤكد الدكتور أن العلاقة مع اتحاد UOSSM هي شراكة هدفها “بناء نظام صحي حقيقي، واسترداد النظام الصحي المنهار من النظام السوري”، وهو ما يتطابق مع وجهة نظر الاتحاد نفسه.
ويضيف درويش “نعمل على تأهيل المديرية لتأخذ دورها خلال الأشهر الستة المقبلة، ويشمل ذلك تأهيل الكوادر والمكاتب بالاشتراك مع منظمات أهمها (UOSSM)، ولدينا جانب إداري من الخطة وهو تطوير السياسة العامة الصحية، وهدفها وضع نظام طوارئ للعمل حاليًا، وتسويقه للحد الأدنى المطلوب، كما نحاول الحد من هجرة الكوادر والكفاءات لأنها أدت إلى ثغرة حقيقية في جسم القطاع الصحي في حلب، وكذلك نسعى لتطوير الكوادر الصحية والإدارية”.
جانب آخر للتعاون مع UOSSM متعلق بـ”سياسة الطوارئ”، يقول درويش إن الهدف منه رفع قدرة منظومات الإسعاف ومستلزماتها، وصيانة التجهيزات الطبية، وإجراء دورات للمسعفين، وتأمين سائقين، وتوفير كلف تشغيلية من رواتب ومستحقات، وكذلك تأمين المحروقات اللازمة لعمل المديرية وآلياتها، “ونعمل على تطوير مديريات تابعة للمديرية، وهي الطبابة الشرعية وبنك الدم والرقابة الدوائية”.
التدريب.. لتعويض الكوادر المهاجرة
أمام نقص الكوادر وهجرة الكثير منها لم يعد من خيار أمام المديرية إلا تدريب الكفاءات الحالية من أجل زيادة الكوادر. يقول درويش “في الحقيقة لم نتمكن من استقطاب المهاجرين واستقطبنا عددًا قليلًا جدًا، لذلك لا خيار أمامنا إلا التدريب والتأهيل”.
ووفق رأي المدير الحالي فإن بعض التخصصات لا تحتاج إلى شهادات عليا، لذلك يتم تدريب كوادر في معاهد ومدارس على الإسعاف والتمريض، وبسبب نقص الكفاءات يتم الاستعانة بشهادات “مقاربة” للشهادات غير المتوفرة.
وخلال العام 2016 تخطط المديرية لتدريب وتأهيل الكوادر الطبية على مستوى المحافظة، لكن هذا لا يكفي بحسب درويش، “فالمتدرب بحاجة إلى الاستدامة في العمل وهنا لا بد من توفير الرواتب للموظفين ومستلزمات التدريب وغيرها، وإلا سيترك العمل”.
بيلغ عدد كوادر مديرية صحة حلب 140 بين إداري وطبي، وحسب الخطة الموضوعة للعام 2016 تستعد المديرية لزيادة الكوادر إلى 364 موظفًا، وتغطي المديرية بين 40 – 50% من محافظة حلب المحررة التي لا يوجد فيها النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
انتشار فايروس إنفلونزا الخنازير.. هل تأكد؟
يشير مدير صحة حلب ردًا على ما أثير حول انتشار إنفلونزا الخنازير في الشمال السوري بالقول “هناك كلام عن انتشار الفايروس، لكن لا نعلم إن كان موجودًا أم لا، وبحسب مخبرنا المعتمد، كل الحالات التي وردتنا كانت نتائج تشخيصها سلبية، لم نكتشف أي حالة، في كل من حلب وإدلب وحماة. ويمكنني القول إن الوباء لم يصل إلينا”.
المديرية والوزارة.. علاقة “غير صحيحة“
يؤكد الدكتور درويش حرص المديرية على بقاء وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة، رغم غيابها عن الأرض وعدم وجود كوادرها، ويقول إنها بحاجة إلى تطوير لكي تستلم زمام الأمور، وإلى “كفاءات حقيقية” لتقوم بالدراسات على الأرض، كاشفًا أن العلاقة بين المديرية والوزارة “ليست صحيحة”.
ولا يعتقد الدكتور أن سبب تراجع الوزارة على الأرض هو “السيولة”، ويؤكد أن الوزارة كانت تملك الإمكانيات قبل عام، “أعتقد أن هناك مشكلات أخرى”.
النظام يقصف بنك الدم في حلب تسع مرات
الوضع في “بنك الدم المركزي” في حلب لا يختلف كثيرًا عن واقع المشافي والمراكز الطبية في سوريا المحررة، حيث يلاحظ النقص الواضح في زمر الدم ومشتقاته، بسبب قلة عدد المتبرعين مقارنة مع عدد السكان في المحافظة، وفي حالات عديدة فإن أشخاصًا تبرعوا أكثر من مرة بدمائهم لإنقاذ آخرين، وفق ما يؤكده لعنب بلدي مدير بنك الدم المركزي في حلب، الطبيب عبد الرزاق درويش.
فالقصف الذي يستهدف التجمعات البشرية يجبر فرق قطف الدم على إجراء العمليات خلال فترة زمنية قصيرة، لمنع خلق ازدحامات، وبالتالي استهدافها من قبل الطيران.
ويخطط البنك، الذي يعمل به 27 موظفًا، خلال العام 2016 إلى رفع سوية العمل من حيث تطوير التجهيزات الحالية، وزيادة عدد الكادر البشري لتحقيق نتاج أعلى من الفترة السابقة، لكن هذا التطور مرهون بالأمور المالية بشكل مباشر، وهذه إحدى “أهم” الصعوبات التي يحاول البنك إيجاد حلول لها، بالتواصل مع مديرية الصحة في حلب الحرة والجهات الداعمة.
نزوح الكوادر من البنك
مثل بقية المؤسسات الطبية السورية في المناطق المحررة، يعاني بنك الدم المركزي من قلة الكوادر ونزوحها، إضافة إلى الإصابات التي يتعرض لها عناصر الطواقم الطبية.
يؤكد الطبيب درويش على تعاون بنك الدم المركزي مع المنشآت الطبية الأخرى في إدلب المدينة وسراقب، كما أن بنك الدم في حلب يغطي كل المدينة، وله ثلاثة فروع في الأرياف، اثنان في اعزاز والأرتارب، وفرع تخزين في حريتان، ويجري توزيع الفروع جغرافيًا لتغطية المشافي الميدانية، ولتغطية كل الحالات خلال المعارك وخلال عمليات القصف.
تخريج 400 ممرض في معهد عمر بن عبد العزيز خلال 2015
جاءت فكرة تأسيس معهد خاص لتخريج ممرضين ومسعفين للحد من نزيف الكوادر في المراكز الصحية والمشافي في حلب وريفها بالتزامن مع تصاعد القتال، فتأسس المعهد العلمي الوحيد، حتى الآن، في حلب للتمريض والذي يستقطب طلابًا ويسمح لهم بإكمال دراستهم بعد حصولهم على الثانوية العامة.
يقول يوسف رحال، المدير الإداري لمعهد عمر بن عبد العزيز للتمريض في حلب، لعنب بلدي إن “فكرة تأسيس المعهد ولدت مع تحرير أجزاء كبيرة من حلب، وعندما بدأنا تشغيل المشافي والمراكز الصحية، وكذلك نتيجة لقلة الكوادر”.
في البداية كان المعهد عبارة عن قسم صغير يتبع لأحد المشافي، مهمته تخريج بعض المسعفين والممرضين، لكن مع تطور الحاجة وازدياد الطلب على الكوادر والممرضين، قرر المجلس الطبي لمدينة حلب إنشاء معهد متخصص لتخريج الكوادر التمريضية في المدينة، ومنذ البداية تم دعم المعهد من قبل “الجمعية الطبية السورية الأمريكية” وأمنت الكلف التشغيلية، وانطلق المعهد في تشرين الأول 2014، وبدأ الإعلان عن دورات تدريبية.
يوضح رحال أنه تم في الدورة الأولى تخريج 46 ممرضًا وممرضة، وكانت مدة التدريب سبعة أشهر، وتم رفد أغلب المشافي والمراكز بالممرضين، كما عُينت كل الكوادر المتخرجة في الدورة التمريضية الأولى.
وخلال الدورة التدريبية الثانية، وفد إلى المعهد 85 متقدمًا بين شاب وفتاة، اختير منهم 50 وفق مفاضلة، لكن التطور اللافت خلال هذه الدورة أن مدة التدريس أصبحت عامًا كاملًا.
يلفت رحال إلى أن المعهد هدف بشكل أساسي إلى تعميق العلاقة مع المجتمع في حلب، حيث افتتح دورات إسعافية لمدة 15 يومًا، للتدريب على إسعافات جرحى الحرب وعدد من الدروات المتعلقة بمواجهة الأوبئة والأمراض، موضحًا أن المعهد خرّج منذ تأسيسه نحو 400 مسعف وممرض، بإشراف 15 طبيبًا يدرّسون في المعهد، وأن هناك خططًا مستقبلية لإتباع المعهد بجامعة حلب وتخريج طلاب بشهادة ممرض، مصدقة من الجامعة، كما يحاول المعهد في 2016 زيادة أعداد المسعفين في الأحياء.
ألفا دولار فقط ميزانية “الطبابة الشرعية” في حلب
تأسست الطبابة الشرعية بداية العام 2013 بعد مجزرة نهر “قويق”، والتي أطلق عليها الأهالي “مجزرة الشهداء”، حيث انتشلت 114 جثة من النهر على مدى يومين.
وتعد الطبابة الشرعية المؤسسة الوحيدة في مناطق المعارضة السورية، وتشكل رديفًا أساسيًا وعاملًا على الأرض لجهتين، هما القضاء والشرطة، لكنها إداريًا وماليًا تتبع لمديرية صحة حلب الحرة.
وتعمل الطبابة الشرعية مع عدد من الجهات الرسمية كوزارة الصحة، والعدل، والداخلية افتراضًا.
أما عن أقسامها ومهامها، فيتحدث رئيس الطبابة الشرعية في حلب، أبو جعفر، قائلًا “أحدثنا قسمًا خاصًا لم يكن موجودًا أيام النظام، وهو قسم المفقودين وتوثيقهم، وتحرير ضبوط الأهالي عن فقدان أبنائهم”. ويعقب “صار لدينا بنك من المعلومات موثق عن كافة الجرائم، سواء جرائم النظام أو الطيران الروسي، إضافة إلى الجرائم الجنائية التي تقدم إلى المحاكم”.
وتنقسم مهام الطبابة الشرعية أساسًا إلى شقين رئيسيين، الأول يتعلق بكل حالات الوفاة غير الطبيعية، سواء جرائم القتل أو حوادث السير أو الغرق أو الحريق..إلخ.
والثاني يتعلق بالأحياء المتضررين، فعندما تحصل مشاجرات أو حوادث سير تتسبب بأضرار جسدية، تحول الهيئات القضائية هؤلاء المصابين إلى الطبابة الشرعية من أجل فحصهم ومعاينتهم وإعداد تقارير طبية لهم عن فترة النقاهة، ومدى الإصابة.
الطبابة الشرعية “فقيرة”
تعيش الطبابة الشرعية في حلب حالة فقر “مدقع”، إذ تتقاضى دعمًا ماديًا من مديرية الصحة بقيمة 2000 دولار كرواتب لـ 18 شخصًا بالإضافة إلى المصاريف التشغيلية، وتعاني من انقطاع لهذا الدعم لأشهر طويلة، فتعمل كوادرها بشكل تطوعي، ما أدى إلى تسربهم بشكل كبير، وفق رواية “أبو جعفر”، الذي قال لعنب بلدي إن الطبابة لا تمتلك سيارة نقل للجثث، وتعتمد على “الاستعارة” من بعض المنظمات.
يمتلك فريق الطبابة الشرعية معدات بدائية، ويفتقر إلى المخابر، وفيه طبيب واحد فقط، ولكنه يتلقى الدعم من الأطباء الموجودين في المشافي القريبة من مقره.
خطط لتوسيع عمل الطبابة إلى باقي المحافظات
تتواصل الطبابة الشرعية في محافظة حلب مع كل من إدلب ودرعا واللاذقية وحماة، ضمن مشروع لتوحيد الجهود ووضع آلية عمل مشتركة للاستفادة من الخبرات التي وصل لها فريق حلب خلال السنوات الأربع الماضية.
يقول أبو جعفر “عملنا ضمن ظروف لم نعرفها أيام النظام، ولا كنا قادرين على التعامل معها. لكثرة أعداد الجثث صار هناك فريق كامل قادر على التعامل مع أقسى الظروف النفسية أو الجسدية من خلال توثيق الجثث توثيقًا جنائيًا وطبيًا وشرعيًا يخدم الضحية”، مردفًا “نطمح لنقل هذه الخبرات إلى المحافظات الأخرى”.
الحاجة الطبية توحّد مأساة حلب والصومال
يشرح الطبيب حمزة الخطيب، المدير التنفيذي لمشفى القدس في حلب، الصعوبات التي تواجه عمل المنظومة الطبية في المشفى الذي لا يتوقف عن استقبال الجرحى والمصابين جراء المعارك أو قصف الطيران “الذي لا يهدأ”.
يقول الخطيب لعنب بلدي “تعد ندرة الكوادر الطبية من أطباء وممرضين، ونقص خبرة المسعفين، من أهم العقبات التي تؤخر تطور العمل في المشفى”، مشيرًا إلى أن نقص الأجهزة الطبية اللازمة لتشخيص الأمراض يضاف إلى سلسلة العقبات، فأغلب الجهات الداعمة للقطاع الطبي “تعاملنا كمناطق حرب (…) أي لا يعطوننا إلا الخدمات الأساسية والعلاج الأساسي، وينظرون إلينا كما لو أننا الصومال”.
ويشير الطبيب إلى أن المشافي عرضة دائمًا للقصف، فالطيران الروسي دمّر 26 مشفى حتى الآن في جميع المناطق المحررة، ويضيف “العاملون في المشفى لا يخافون البراميل ولا طيران روسيا لكن هناك هاجس وقلق من تطوير أي شيء وبالتالي يقتصر عملنا على تقديم الخدمات الأساسية فقط”.
وحول التعاون مع الأمم المتحدة ومنظماتها ومع الحكومة المؤقتة، يقول الخطيب إنه لا يعول عليها، فدور الحكومة غائب كشريك على الأرض، “تأتينا مساعدات فقط من NGOs”.
وعن محاولات المشفى في استقطاب الكوادر الجديدة من داخل وخارج سوريا، يؤكد الخطيب أن نقص الكوادر الطبية والتمريضية كان من أهم المعوقات التي واجهت القطاع الطبي منذ انطلاق الثورة، والسبب حسب رأيه “غياب الضمير”، ففي المنطقة التي يوجد فيها هو “كان هناك ألف طبيب لم يبق منهم سوى طبيب واحد”، منهم من سافر إلى تركيا ومنهم إلى أوروبا، وآخرون خرجوا إلى مناطق النظام خوفًا من القصف.
ماذا ينقص القطاع الطبي والكوادر في حلب؟
ينقسم الشارع الحلبي في تقييم أداء القطاع الطبي في المناطق المحررة بين راض عن الخدمات المقدمة، وبين من يصفها بالمتدنية أو السيئة، لأسباب عديدة، فقد عانت حلب منذ اندلاع الثورة من هجرة الأدمغة وخاصة الأطباء، وبحسب شهادات مواطنين التقتهم عنب بلدي أكدوا على ذلك بدليل أنه يوجد في حلب ثلاث عيادات أطباء أسنان فقط، وهذا أثر على الواقع الطبي، كما أن هناك أطباء غير مختصين أو مايزالون طلابًا، ما أدى إلى تراجع كفاءة هذا القطاع.
وقال أحد المواطنين نعاني أيضًا من انتشار الشهادات المزورة أو ادعاءات من أشخاص بأنهم يمارسون مهنة الطب، وهذا يضطر الناس للسفر إلى تركيا للعلاج وأحيانًا السفر إلى مناطق النظام.
وتعاني المستوصفات والمشافي في حلب من نقص الأدوية، والأجهزة الطبية، ما يخلق ازدحامًا داخل المستشفيات، فضلًا عن انقطاع الكهرباء الطويل بسبب المعارك المحتدمة.
ويؤكد شريف الأحمد، سائق في منظومة الإنقاذ والإسعاف في حلب، أن الوضع الطبي في حلب مقارنة بالإمكانيات المتوفرة “جيد”، لكن هناك نقصًا بالكوادر، وقال “نضطر لنقل المريض من مشفى لآخر من أجل معالجته، لكننا نعاني من نقص في تخصصات الجراحة العصبية.. إذا لا يوجد جراحة عصبية في المناطق المحررة أبدًا”.
صحة درعا: الدعم الدولي للقطاع الطبي لم يكن مشجعًا
يشير مسؤولو القطاع الطبي إلى تعمّد إهمال الدول والجهات الرسمية لدعم الملف الطبي في سوريا خلال الثورة، وقال مدير مديرية الصحة في درعا، خالد عميان، عن تجربته مع الداعمين، “تجاربنا مع الدول لم تكن مشجعة، باستثناء بعض المشاريع البسيطة التي قدمتها بعض السفارات، نحن لم نتلق دعمًا من دول وإنما اقتصر الدعم على المنظمات الدولية والدعم الشخصي من المغتربين السوريين”.
وتزامن ذلك مع غياب دور وزارة الصحة “بشكل كامل” كممول لمديريات الصحة، ما أضعف التنسيق بينها، ويقول عميان في هذا الجانب “يفترض في حال وجود الوزارة أن يكون هناك إدارة مركزية على مستوى سوريا، ولكن ضعف دور الوزارة، الذي نجم عن نقص الدعم الموجه من الائتلاف للحكومة المؤقتة، أدى لغياب الإدارة المركزية واقتصر التنظيم بين مديريات الصحة على جهود فردية منها للتنسيق فيما بين المحافظات”.
اعتماد كلي على المنظمات الداعمة
تحدث مدير مديرية الصحة في درعا، خالد عميان، لعنب بلدي عن دعم القطاع الطبي في مرحلة التأسيس، وقال إنه كان يأتي من الأهالي فقط، ومع تطور العمل بدأ دعم المنظمات بشكل “خجول”، إلى أن أصبح القطاع يعتمد في دعمه بنسبة 95٪ على منظمات المجتمع المدني.
وعن هذه المنظمات يعقب عميان “الأدوية تأتينا بشكل رئيسي من المنظمات التي تعمل في الأردن، ونسبة كبيرة منها هي خليجية، إضافة إلى نسبة صغيرة أوروبية”. وأضاف “هناك نسبة 5% من الأدوية تشتريها المشافي في درعا من السوق السوداء”.
الأطباء يتسربون
يذكر الطبيب خالد عميان أن “عدد الأطباء في درعا محدود جدًا وهناك تسرب دائم منهم”، كإشارة لأهم العوائق التي تواجههم، ويعقّب “صعوبة الحركة بين الأردن ودرعا تمنع سير العمل الطبي بالشكل المطلوب”.
وتفتقد درعا لمنظومة إسعاف، وتنوي مديرية الصحة إنشاء واحدة إذ “تخفف الكثير من معاناة الناس” وفق الطبيب عميان.
وينقص مشافي درعا أدوية الأمراض المزمنة النوعية، مثل أدوية مرضى الكلية والصرع والسرطان، ومرضى الإصابات المزمنة والحالات المزمنة.
كوادر وكفاءات ينقصها الدعم المتواصل
يفوق عدد المشافي الموجودة في المناطق المحررة من محافظة درعا عدد المشافي الموجودة في مناطق سيطرة النظام، والكوادر والكفاءات التي تعمل فيها “جيدة”، بحسب عميان، ولكن ما ينقصها برأيه “تنظيم الدعم، الذي يأتي حاليًا بشكل مشتت ومتقطع”.
لكن افتقاد المديرية للدعم وعدم تحكمها به، يحول دون قدرتها على تنظيم عمل المشافي والمراكز الطبية في المحافظة، فالمديرية لا تستطيع أن تقدم أكثر من تنظيم العمل والتنسيق بين المشافي من أجل توزيع الدعم بالتساوي بينها، “ولو كان الدعم يأتي عن طريقنا، لتحسن أداؤها بشكل كبير”.
ويضيف عميان “نسعى في الوقت الحالي لتطوير برنامج التأهيل والتدريب بشكل أفضل من الموجود، كما نسعى لتطوير الرعاية الصحية والأولية بشكل أفضل”.
جرحى يموتون أمام عيون المسعفين
يتوزع جرحى ومصابو درعا لدى استطبابهم على مشافيها الميدانية في المناطق المحررة والتي تعيش على وتيرة القصف اليومي، وتعاني بطبيعة الحال كبقية المناطق المحررة من نقص الكوادر وصعوبات التنقل بين المدن، في ظل صعوبات بنقل المصابين إلى الأردن، وسط تفاوت الخدمات وتوفر الأدوية بين منطقة وأخرى.. لكن في بعض الأحيان يؤدي نقص الأدوية إلى موت الجرحى لأن الأطباء لا يملكون وسائل لإنقاذ حيوات المواطنين.
ويصف أحد المواطنين جهود المشافي الميدانية بـ”الجبارة” فهم يعملون بأجهزة بسيطة وغرف عمليات مصغرة، ويحتاجون معدات كبيرة غير موجودة في الريفين الشرقي والغربي ولا حتى في المدينة”، مشيرًا إلى أن أجهزة “الطبقي المحوري” أهم ما ينقصهم من أجل إكمال علاج المرضى والجرحى.
نقص الأجهزة الطبية يقيّد العمل الطبي في الغوطة الشرقية
للممرض الشاب يحيى الترك من دوما، والذي انخرط بالعمل الطبي منذ بداية الثورة، حكاية مع الصعوبات التي يواجهها الكادر الطبي في المناطق المحاصرة وفي الغوطة بشكل خاص، وبالنسبة له يعد نقص الأجهزة الطبية، ومنها أجهزة “التهوية الآلية” التي يحتاجها عدد كبير من المرضى بسبب شدة القصف، من أبرز الصعوبات، وكذلك قلة الدعم اللوجستي المتعلق بتوفر الأدوية وباقي المستلزمات حيث يواجهون صعوبة بإدخالها إلى الغوطة.
ويستطرد الترك “بسبب الحصار نعاني من نقص أكياس الدم الفارغة، وكذلك الدعم المالي للكوادر، فضلًا عن ضعف الرواتب في ظل ارتفاع الأسعار في الغوطة الشرقية”.
أما المسعف الميداني في إحدى مشافي الغوطة الشرقية، أحمد راتب، فيشير إلى أن معوقات “كثيرة” تواجه المسعفين، منها استهدافهم بشكل مباشر وقصف الكوادر أكثر من مرة، وقصف المشافي، وعدم وجود دعم مسبق يقدم لمراكز الإسعاف للقيام بدورها لتغطية الأضرار الفورية لكل المراكز، كما أن الدعم لا يلبي طموح هذه الكوادر غير المدعومة ماديًا بسبب شح التمويل وتوريده لجهات أخرى.
أما أم وائل والدة الطفلة ماريا (6 سنوات) أصيبت بقذيفة، تقول “تعاني طفلتي من إصابة بالقدم وضياع جزء كبير من العظام، وهي تحتاج للزرع كما نحتاج للخروج من الغوطة وحتى خارج سوريا ليتم علاجها، وإلا سوف تفقد قدمها نهائيًا”.
بدوره محمد منصور (60 عامًا) والذي أصيب منذ سنتين بإحدى القذائف في الرأس نقل على إثرها لإحدى النقاط الطبية وخضع للعلاج هناك وتماثل للشفاء، يبدي إعجابًا بأداء القطاع الطبي في الغوطة حيث قدموا له العلاج المجاني، وبصدر رحب على حد قوله وهو ما أنقذ حياته.
المكتب الطبي الموحد يغطي 60% من مجمل الأعمال الطبية في الغوطة الشرقية
تعد تجربة المكتب الطبي الموحد في الغوطة الشرقية من التجارب النادرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لجهة توفير اختصاصات طبية نادرة وجمعها في مكان واحد، هدفها توفير الخدمات الطبية والرعاية النوعية للسوريين في مختلف المناطق.
خلال أول مظاهرة شهدتها مدينة دوما في 18 آذار 2011 كان هناك “نقطة طبية” على بعد 300 متر من المظاهرة، كان الهدف منها نقل مصابي المظاهرة إليها لمعالجتهم بعد إطلاق الأمن السوري النار الحي على المتظاهرين. هذه النقطة الطبية كبرت وأصبحت المكتب الطبي الموحد في الغوطة.
يضم المكتب اليوم اختصاصيي “أوعية، وتجميل وترميم، وصدرية، وقلبية”، وقد اجتمع أطباء هذه التخصصات وشكلوا فريقًا استشاريًا بالعمل الجراحي، وبعضهم يملك خبرة عمرها 15 عامًا.
ويعتبر المكتب مسؤولًا عن كل الحالات في الغوطة ضمن الاختصاصات الطبية المتوفرة، ويشكل حجم أعماله نحو 60% من العمل الطبي في الغوطة الشرقية.
يشرح الطبيب أنس، المختص في قسم الصدرية والعامل في المكتب، لعنب بلدي الدور الطبي الذي يقومون به في ظل حصار مطبق للنظام السوري على الغوطة منذ ثلاث سنوات.
يقول الطبيب “أسسنا المكتب الطبي بعد التحرير على مراحل، وأهم مرحلة كانت إطلاق قسم العمليات الإسعافية، ثم الإسعاف المركزي (النقطة الوحيدة التي تستقبل المواطنين 24 ساعة) مع كادر كامل من الأطباء والممرضين”، مشيرًا إلى أنه وخلال العامين 2013 و2014 لم يتلق الأطباء مبالغ مادية على عملهم، وكانوا يساهمون من تلقاء أنفسهم من جيوبهم الخاصة، وكان هناك مساعدات “بسيطة” من متبرعين.
مؤسستان طبيتان لا تعاون بينهما
مؤسستان طبيتان في الغوطة تشرفان على العمل الطبي إداريًا، هما مديرية الصحة والمكتب الطبي الموحد في الغوطة، لكن “لا يوجد تعاون بينهما.. ننادي بجمعهم بمؤسسة واحدة، لأن هناك خلافات بينهما بسبب الدعم”، يقول الطبيب.
ويضيف “هدفنا تنظيم الدعم لأنه متقطع أصلًا وتقوم به عدة جهات، بالإضافة لجمعيات أهلية”.
أما بالنسبة للأطباء والموظفين فأغلبهم “متطوعون” أكثر من “موظفين” بسبب شح الدعم وعدم توفر الرواتب كاملة، “بل كنا ندفع ربع ونصف راتب، إلى أن تحسّن الوضع في 2015 وأصبح هناك التزام أكبر من الداعمين”، وفق رأي الطبيب أنس.
حصار.. لكن مستوى الخدمات “جيد”
يصف الطبيب أنس أن مستوى الخدمات المقدمة في الغوطة بـ “الجيد” وسط محاولات “احتيالية” للتغلب عليها، وهذا يؤثر بدوره على حياة المرضى، وخاصة في قسم التعقيم، حيث “لا يتم التعقيم خلال العمليات بشكل كاف”.
ويؤكد الطبيب أنس أن “أسعار الأجهزة مرتفع جدًا وإصلاحها صعب لندرة القطع، وعدم توفرها إلا في مناطق النظام، وهذا يفرض على المكتب دفع أسعار مضاعفة تصل عشرة أضعاف لقاء الحصول على الأدوية أو قطع التبديل”.
ويلفت الطبيب إلى أن “معضلة الوقود” من أصعب المشكلات التي واجهت الكادر الطبي، فالوقود برأيه “سر استمرار العمل الطبي”، لأن هناك نقاطًا لا يمكن قطع الكهرباء عنها مثل الحواضن (الرضع) وأقسام العناية المشددة.
وأشار الطبيب إلى أن مستودع الأدوية الاحتياطي الذي كان يكفي لستة أشهر نفد بالكامل، بعد اشتداد وتيرة الصقف وإصابة بعض أعضاء الكادر الطبي. لافتًا إلى السعي لتأسيس مستودع احتياطي جديد “ربما يكفي لشهر” فقط.
نداء لمواجهة “السل” في الغوطة الشرقية
كشف الطبيب أنس عن مساهمة الحصار على الغوطة الشرقية في انتشار عدد من الأمراض أبرزها السل، حيث لوحظ زيادة في أعداد المصابين، ووفق رأيه مرد هذه الزيادة إلى “ظروف معيشية وسكنية صعبة فرضت على المواطنين بسبب القصف”.
وقال “أجبر القصف الناس على العيش في ملاجئ وأقبية، لا يوجد فيها تهوية، وبالتالي هذه بيئة خصبة لانتقال المرض، كما أن ظروف التغذية السيئة بسبب الحصار زادت عدد المرضى، وهناك جزء كبير من المعتقلين خرج مصابًا بالسل من سجون النظام”.
وأشار إلى أن “الهلال الأحمر” أدخل كميات من الأدوية، لكن جزءًا منها “انقطع نهائيًا”، موضحًا أن هناك مشكلة كبيرة، ”فالجرثومة عصية، والسل بحاجة إلى علاج كامل طوال فترة المرض، وأي انقطاع للدواء يجعل العصية تطور نفسها ضد الأدوية، وبالتالي سيؤثر داء السل والجرثومة، إن لم نعالج المصابين بشكل كامل، على العالم كله”.
ولفت إلى أن عدد المصابين في الغوطة بلغ 160 مصابًا، وكل شهر يتم تشخيص عشر حالات جديدة، من مختلف الفئات العمرية وأبرزهم شبان.
أسعار الأدوية في داريا أعلى بخمسة أضعاف عن مناطق النظام
لا يختلف الوضع في مدينة درايا، المحاصرة منذ ثلاث سنوات ونصف، كثيرًا عن بقية المدن السورية التي يحاصرها النظام السوري والميليشيات كمضايا والغوطة الشرقية، آلام المصابين وأوجاعهم مستمرة منذ بداية الثورة، حيث شهدت المدينة أعنف عمليات القصف بالبراميل المتفجرة، لكن المشفى الميداني الوحيد في البلدة بقي صامدًا ويقدم الخدمات بالإمكانيات المتاحة. يقول الطبيب ضياء أبو محمد، مدير المشفى الميداني، لعنب بلدي “الكوادر غير متخصصة وتم تدريب وتأهيل أغلبها للعمل في المشفى من خلال البرامج والمحاضرات التجريبية”.
ويؤكد الطبيب أن المشفى بقي نقطة استهداف دائمة من قبل الطيران، ونتيجة لذلك “غيرنا مكانه أكثر من مرة”، مشيرًا إلى الدور الذي لعبه المشفى وكوادره في الحد من انتشار التهاب الكبد، عبر التوعية وتقديم خطط العلاج للمرضى مجانًا.
المرضى والمصابون يلجؤون للأدوية منتهية الصلاحية
يقول أبو محمد “أحيانًا ندفع سعرًا أعلى بخمسة أضعاف للأدوية من أجل تأمين دخول الأدوية إلى داريا”، علمًا أن المدينة واجهت عدة حالات وفاة بسبب نقص الأدوية والأجهزة، وخاصة المرضى ذوي “الإنتانات الشديدة”، حيث لا يمكن “تقديم جرعات كافية لهم”، وكذلك لمن يعانون من حالات الفشل الكلوي بسبب عدم وجود جهاز لغسيل الكلى.
ويعد نقص الأدوية وحبوب الالتهاب والمسكنات من أبرز معوقات عمل المشفى، وفق ما يقوله أحد المصابين لعنب بلدي، حيث تلقى علاجًا في المشفى على خلفية إصابته بشظية برميل متفجر.
مصاب آخر، مضى على إصابته ستة أشهر، أجرى عمليتين جراحيتين، يشارك بقية المصابين ممن التقتهم عنب بلدي الرأي، بأن “نقص الأدوية والأجهزة” يعدان من أبرز معوقات العمل الطبي، حيث اضطر لتناول أدوية “منتهية الصلاحية” حتى يتماثل للشفاء.
ستة مشاف في حماة تغطي المحافظة
شهدت بداية العام 2014 تأسيس مديرية صحة حماة بقرار من وزارة الصحة في الحكومة المؤقتة، لتحل مكان الهيئة الطبية، العاملة منذ بدء الثورة، كما يوضح الطبيب حسن أعرج، مدير مديرية الصحة الحالي، لعنب بلدي. ويضيف “اتفقت الحكومة مع الهيئة على توسيع مهام وأعمال الأخيرة وعلى تغيير هيكليتها لتتحول إلى مديرية للصحة”.
وخلال هذه الفترة كان يصل للمديرية دعم من الحكومة المؤقتة، لكن فيما بعد توقف الدعم نهائيًا، واقتصر على المنظمات الدولية، وفق أعرج.
ويعتبر توزّع المشافي في المناطق المحررة من محافظة حماة “جيدًا”. يوضح أعرج “يوجد في محافظة حماة ستة مشاف، ويوجد أيضًا مراكز رعاية صحية ونقاط طبية ومراكز إسعاف ومستوصفات ومنظومات إسعاف وصيدليات مجانية، تحقق جميعها خدمة مقبولة”.
ويعمل في المحافظة قرابة 60 طبيبًا وصيدلانيًا، و300 عنصر تمريضي، ويتراوح عدد الإداريين بين 100 و150 شخصًا.
يضيف أعرج “تعتبر هذه الأعداد مقبولة ضمن المناطق الجغرافية التي تُخدمها”، مشيرًا إلى أن معدل توفر الأدوية في محافظة حماة “جيد”، إذ يتم تأمين 70- 80% من الأدوية التي يصفها الأطباء في المشافي والمراكز الصحية “مجانًا” للمرضى، وتسعى المديرية لتأمين 100% من حاجة المواطنين.
تكاليف العمليات في حمص فوق طاقة الأهالي
تشتد معاناة المواطنين السوريين في الأحياء المحاصرة والخارجة عن سيطرة النظام، فإدخال الأدوية والمعدات إلى تلك الأحياء أمر شبه مستحيل مع تشديد الحصار واستمرار القصف العشوائي، وفضلًا عن ذلك غياب الأجهزة الطبية اللازمة، ما يجعل المصابين في حالات “يرثى لها”.
حي الوعر في حمص يضم كادرًا طبيًا يصفه الأهالي بـ”الجيد”، لكن نقص الأدوية يزيد المعاناة. يقول أحد المصابين الذين تماثلوا للشفاء إن وضع المصابين “سيئ جدًا”، هناك ندرة في أدوية الالتهابات، وبالنسبة للتكاليف فهي “مرتفعة” بشكل عام، وكلها على حساب المواطنين.
فيما يقول الإداري طارق هلال في مكتب رعاية الأيتام في حمص لعنب بلدي “يتولى المكتب تقديم الرعاية الصحية وتكاليف العلميات للأيتام المسجلين في المركز، نظرًا لارتفاع تكاليف العمليات في المشافي الخاصة أو الحكومية داخل الحي وخارجه”، مشيرًا إلى أن أجر العمليات يفوق قدرة العائلة على السداد، لذلك “نحاول قدر الإمكان المشاركة بتقديم الدعم للحالات”.
وبرأي الدكتور علي الخالدي، العامل في المكتب، فإن “الوضع الطبي سيئ جدًا”، ويعزو ذلك إلى نقص الاحتياجات اللازمة رغم فتح الطريق، مشيرًا إلى أن الحي يعاني من نقص الأطباء المختصين، وخاصة أطباء “الجراحة العصبية والجراحة بشكل عام”، لافتًا إلى وجود بعض الأخطاء الإدارية “يجب تداركها”، ويجب وضع “الشخص المناسب بالمكان المناسب، وبرأيه “رغم وجود الخبرات والكوادر والممرضين إلا أنهم مستبعدون من العمل، إما لأسباب شخصية أو لأسباب نجهلها”.
مناشدات لتوفير الأدوية والكوادر الطبية في المناطق المحررة
يجمع السوريون والكوادر الطبية والإداريون في المناطق المحررة، على أن أهم ما يحتاجه القطاع الصحي في مناطقهم، هو ضرورة رفده بكوادر جديدة وأطباء بمختلف الاختصاصات لتلبية الطلب المرتفع، وضرورة توقف قصف الجوي للمراكز الصحية والمشافي، وتوفير المواد والأدوية والأجهزة الطبية للمناطق المحاصرة.
ويصف مواطنون أداء الكوادر الطبية بـ “الجيد جدًا”، وذلك بناء على تجربة خاضها البعض عندما خضعوا للعلاج في مشاف ميدانية، مطالبين بتوفير المواد الطبية للمساهمة في إنقاذ حياة السوريين، لأن هناك “مصابين بترت أطرافهم بسبب غياب الأدوية اللازمة، وعدم توفر أطباء مختصين”.
يقول مواطن آخر “المشافي الميدانية والمؤسسات الصحية تعمل بجهود جبارة وبإمكانيات ضعيفة، مع ذلك أصبحت بعض مختبراتها ورغم ضعف الإمكانيات تضاهي تلك الموجودة خارج المناطق المحررة”.
أهم المنظمات الداعمة للقطاع الطبي في سوريا
هناك العديد من المنظمات الدولية الأساسية التي تدعم القطاع الطبي، مثل: الاتحاد الدولي لمنظمات الإغاثة والرعاية الطبية (OUSSM)، ومنظمة أطباء عبر القارات (باك) ومنظمات غير حكومية أخرى تعمل داخل الأراضي السورية، منها الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز)، والرابطة الطبية للمغتربين السوريين (سيما)، وأورينت للأعمال الإنسانية، وهيئة شام الإنسانية، وغيرها.
لتحميل الملف بصيغة PDF من هنا
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :