النظام السوري يروج لمكافحة المخدرات.. الجوار غير مقتنع
في الوقت الذي تتواصل به عمليات تهريب المخدرات من سوريا على نطاق إقليمي، نحو دول الجوار كالأردن، ودول الخليج العربي، يتجه النظام السوري للترويج لمكافحة المخدرات عبر إعلان إلقاء القبض على “متورطين” في الاتجار بالمخدرات وترويجها محليًا، من خلال منشورات لوزارة الداخلية في حكومته.
وفي أيلول الحالي، أعلنت وزارة الداخلية عن تسع عمليات من هذا النوع، جاء أحدثها في 18 من أيلول، من خلال إعلان إلقاء القبض على مروج مخدرات في منطقة جرمانا، بدمشق، كما جرى القبض على آخر في ريف دمشق، بحوزته 12 كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر، بالتزامن مع إعلان القبض على ثلاثة أشخاص، أحدهم متهم بحيازة وتعاطي وترويج المواد المخدرة.
في 13 من أيلول، نقلت الوزارة عن مكافحة المخدرات في حلب، أنه جرى إلقاء القبض على خمس أشخاص يروجون المخدرات، بعد يوم واحد من إلقاء القبض على مروج حبوب مخدرة في مدينة حماة، وضبط مئات العلب الدوائية للمواد المخدرة في منزله.
وفي 6 من الشهر نفسه، جرى القبض على مروج مخدرات في دمشق، بحقه 23 إذاعة بحث بجرائم مختلفة.
كما نشرت الوزارة في 4 من أيلول، تسجيلًا مصورًا قالت إنه لضبط حوالي 19 ألف حبة “كبتاجون” مخدرة، في منطقة القدم، بدمشق، وكانت مخبأة في حقيبة سفر.
هذه الحادثة سبقها في 3 من أيلول، القبض على ستة من مروجي المخدرات، ومتعاطيها، وضبط كميات منها بحوزتهم، في باب توما والعمارة، بدمشق.
وفي 2 من أيلول، ألقى قسم الأمن الجنائي في السيدة زينب، بريف دمشق، القبض على تاجر مخدرات، مع ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة، وتوقيف ثلاثة أشخاص حاولوا تخليصه.
الأردن غير مقتنع
كل هذه الإعلانات عن عمليات تجري في إطار داخلي محلي، لم تقدم براءة أو برهانًا مقنعًا للدول المتضررة من المخدرات بعدم تورط النظام السوري بهذا الملف، إذ قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، خلال ندوة مركز أبحاث “SRMG”، إن من بين ثلاث محاولات تهريب مخدرات من الحدود السورية للأردن، تنجح واحدة منها.
وخلال قمة الشرق الأوسط العالمية في مدينة نيويورك، في 20 من أيلول، أعرب الملك الأردني، عبد الله الثاني، عن شكوكه في قدرة النظام السوري على السيطرة على “بلاده”.
وأوضح الملك الأردني، أنه غير متأكد مما إذا كان الأسد هو المسؤول الكامل عن البلاد في ضوء المشكلة الكبرى المتمثلة بتهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن.
وأضاف، “أعتقد أن بشار لا يريد أن يحدث ذلك، ولا يريد صراعًا مع الأردن، لا أعرف مدى سيطرته”.
ووفق الملك الأردني، فإن إيران وعناصر في الحكومة يستفيدون من ذلك، موضحًا أن الأردن يقاتل كل يوم على حدوده، لمنع دخول كميات هائلة من المخدرات إلى أراضيه، وهي قضية رئيسية تستغلها جميع الأطراف، بما في ذلك بعض الأشخاص داخل النظام والإيرانيون ووكلاؤهم.
إيران ومخالبها والنظام
في مادة نشرها في صحيفة “الغد” الأردنية، في 24 من أيلول، قال وزير الإعلام الأردني السابق، سميح المعايطة، في إطار استعراضه للتحديات التي تواجهها بلاده، “ما تزال حرب المخدرات التي تقودها إيران ومخالبها في سوريا، ومعها النظام، مستمرة”.
المعايطة قدّم أيضًا في 8 من أيلول، تصريحات اتهم فيها النظام السوري بالتورط المباشر في مسألة تهريب المخدرات.
وقال المعايطة خلال مقابلة مع قناة “الجزيرة” القطرية، إن “النظام السوري يتحدث بلغة مماطلة، والأسد قال في لقاء رسمي لدينا فساد ورشوة وغير قادرين على الضبط، لكن الحديث هذا غير صحيح”.
وأضاف، “دولة تدعي أنها انتصرت في الحرب، وانتصرت على المعارضة وكل شيء، لا تستطيع أن تمنع، هذا كلام غير منطقي”، معتبرًا أن “الكبتاجون” اقتصاد لـ”الدولة السورية” والنظام السوري، وعائلة رئيس النظام السوري المباشرة، وميليشيات ومؤسسات في الجيش.
رماد في العيون
الخبير الأردني في الأمن الاستراتيجي، الدكتور عمر باشا الرداد، وصف إعلانات حكومة النظام إلقاء القبض على قيادات أو عناصر منضوية في شبكات تهريب مخدرات لا تعدو أكثر من كونها ذرًا للرماد في العيون.
ووفق ما ذكره الرداد، لعنب بلدي، فصناعة المخدرات وتهريبها عملية منظمة تقف خلفها أوساط مسؤولة داخل “القيادة السورية”، لما تشكله من مصدر مالي ووسيلة تهديد للأردن ودول الخليج.
الخبير اعتبر أن تصريحات الأسد حول قضية تهريب المخدرات، أكدت أن “السلطات السورية” تحمل الحكومات العربية التي قاطعت دمشق مسؤولية الفوضى والتهريب، وهو ما تهدف عبره للتخلي عن مسؤولياتها وتبرير استمرار التهريب.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، نفى في حديث خاص إلى قناة “سكاي نيوز عربية” في 9 من آب، صلة نظامه بمسألة تهريبها، محملًا المسؤولية لـ”الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سوريا”، وفق تعبيره.
هذا النفي سبقه في أيار الماضي، حديث عن عرض سعودي قدمته الرياض للأسد خلال زيارة وزير خارجيتها إلى دمشق في 18 من نيسان، ومفاده أن السعودية اقترحت تعويض النظام السوري خسارة تجارة “الكبتاجون” في حال توقفها، إذ نقلت حينها وكالة “رويترز”، أن السعودية عرضت أربعة مليارات دولار، وفق تقديرات الرياض لقيمة التجارة.
عمليات لتجفيف المنابع
أوضح الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن، عامر السبايلة، لعنب بلدي، أن قضية تهريب المخدرات معقدة، وهذه الشبكات راسخة وعميقة، ومن المستبعد أن يتمكن النظام السوري من ضبطها.
كما أشار إلى اتهامات أردنية مبطنة بعدم قدرة النظام على ضبط الحدود، معتبرًا استمرار التهريب دليلًا على أن فكرة التواصل مع دمشق لوقف التهريب لن تكون فعالة وحدها، وهذا سيقود مستقبلًا، وفق رأيه، للتفكير بعمليات مباشرة لتجفيف منابع المخدرات.
السبايلة يرى أن نجاح عمليات تهريب مخدرات رغم كل الاستعداد والتأهب عبى الحدود، يشكل دليلًا على أن الأمور معقدة جدًا، ما يعني ضرورة التفكير المباشر بكيفية إنهاء هذا الخطر على الأراضي السورية، وهنا يكمن الامتحان الحقيقي، أكثر من الترويج لعمليات مكافحة داخلية.
عمليات ضخمة
تتواصل معاناة الأردن ودول الخليج من مسألة تهريب المخدرات، في ظل إعلان شبه يومي عن ضبط شحنات ضخمة من المخدرات في أثناء محاولات تهريبها.
في 14 من أيلول، أحبطت السلطات الإماراتية محاولة تهريب كميات ضخمة من الحبوب المخدرة، ضمن عملية حملت اسم “ستورم”.
وذكرت وكالة الأنباء الإماراتية “وام”، أن قيادة شرطة إمارة دبي ألقت القبض على ستة من “أفراد العصابة” متلبسين، وضبطت 86 مليونًا و20 ألف قرص “كبتاجون”، تزن 13 طنًا و763 كيلوجرامًا.
من جانبها، أعلنت السلطات السعودية في 20 من أيلول، إحباط محاول تهريب نحو ثمانية ملايين قرص من مادة “الإمفيتامين” المخدر، مخفية داخل شحنة ألواح بلاستيكية، عبر معبر البطحاء بالمنطقة الشرقية، بالتعاون مع السلطات الإماراتية، وجرى القبض على المتورطين، ومنهم وافدان من حملة الجنسية السورية، وفق ما نقتله وكالة الأنباء السعودية “واس”.
في 30 من آب الماضي، أحبطت السلطات السعودية محاولة تهريب ثلاثة ملايين و426 ألف قرص مخدر من مادة “الإمفيتامين”، مخبأة في شحنة معدّة لقص الحديد بالعاصمة الرياض.
كما أعلنت القيادة العسكرية الأردنية، إسقاط طائرة مسيرة محملة بمواد مخدرة قادمة من الأراضي السورية، ظهر اليوم، في 24 من تموز، بعد يوم على الاجتماع الأول بين الأردن والنظام لإنهاء تدفق المخدرات، وكانت الطائرة تحمل 2 كيلو من مادة “الكرستال”.
وأوضحت دراسة صادرة عن مركز “COAR” للتحليل والأبحاث (كوار)، في نهاية نيسان 2021، أن سوريا صارت مركزًا عالميًا لإنتاج “الكبتاجون” المخدر، وأنها أصبحت أكثر تصنيعًا وتطورًا تقنيًا في تصنيع المخدرات من أي وقت مضى.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :