ارتفاع المهور مجددًا في سوريا.. هل عاد دور “سوبر مان” للعريس؟

tag icon ع ع ع

 حنين النقري – عنب بلدي

الحياة الاجتماعية واحدة من أكثر المتغيرات في ظل الحرب عمقًا وأبعدها عن وسائل الإعلام اهتمامًا، فقد نشرنا في العدد 165 تقريرًا عن مساهمة الثورة بتيسير الزيجات والتخفيف من مطالب أهل الفتاة، إضافة للكثير من الأعراف والعادات والحفلات التي باتت في حكم الماضي نظرًا لاستحالة إقامتها، لكننا ما لبثنا أن نشرنا في العدد 194 تحقيقًا عن تزايد نسب الطلاق في المجتمع السوري، فهل من رابط بينهما؟ وماذا جرى بعدها؟

 لا يمكن رصد التغيرات الاجتماعية بين عام وآخر، فهي تراكمية بطبيعتها، لكن الساحة السورية بدأت تشهد تغيرات على هذا الجانب، ولعل من مؤشراتها الواضحة غلاء المهور بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

وتصدر من حين لآخر، عن مراكز مختلفة، إحصائيات تخص الساحة السورية، كأعداد الشهداء والبيوت المهدمة، وعدد البراميل في المناطق المحررة أو المحاصرة، وتزايد الغرقى في بحر إيجة، وإن كانت هذه الإحصائيات قادرة على إعطائنا “لمحة” عامة عن الواقع السوريّ، إلا أنه لا يمكن حصر ما يجري بأرقامها، إذ ماتزال بمجملها بعيدة عن تأثيرات أقل وضوحًا وإن كانت أعمق أثرًا.

خمسة آلاف دولار وأربع أونصات ذهب

عندما زار أهل محمد، داليا (24 سنة)، وهي خريجة أدب فرنسي من مدينة حمص، لم يعلموا أن تكلفة الخطوبة ستكون باهظة لهذا الحدّ، لكنّ “الاختيار كان مناسبًا من جميع النواحي ولم نقف عند الأمور المادية، يقول محمد (28 عامًا) المقيم في تركيا حاليًا.

اشترطت عائلة داليا على محمد مبلغ 5000 دولار دولار كمهر، بالإضافة لأربع أونصات من الذهب (ما يعادل 120 غرامًا)، ليكتب ذلك كله في عقد الزواج بعد حسابه بسعر صرف الليرة السورية، ويوضح الشيخ أبو سمير “المأذون”: “المبلغ كبير لكنني أعقد قرانات بشكل مستمر وأرى أن المهور تقدّر بالدولار في غالبها، وبأرقام مقاربة”.

ويذكر الشيخ أبو سمير أن المهور في حمص قبل الثورة كانت بمعظمها لا تتجاوز 500 ألف ليرة سورية (ما يعادل عشرة آلاف دولار في ذلك الوقت)، “الأمر الذي يجعل الأهل يطلبون ما يماثل المهور قبل الثورة بقيمتها بالدولار”.

هل ولّى زمن الحلي الفضية؟

ترى والدة داليا، وهي سيدة منزل، أن في ذلك ضمانًا لحق ابنتها بعد سفرها إلى تركيا، إذ إن ارتفاع المهر لا يتعارض برأيها مع تسهيل الزواج، وتشرح ذلك “لم نطلب حفلات أو مظاهر سيتكلف عليها أهل العريس بشكل كبير دون فائدة، هذه العادات وإن كانت أساسية لنا في السابق فإننا تجاوزنا عنها، سأجهز ابنتي بقليل من الثياب وأشتري لها بما تبقى ذهبًا يقيها غدر الزمان”.

أما بالنسبة للخاطب محمد فهو ينظر للأمر من جهة الشباب المقبلين على الزواج، ويقول “لو لم يكن والدي ميسور الحال ودفع لي تكاليف الزواج ونفقاته لما استطعت أن أتزوج يومًا، لا أدري كيف يتدبر الشباب أمورهم؟”.

لكن محمد يستدرك بأن الكثير من أصدقائه تزوجوا في أول عامين من الثورة، وبشكل خاص في الأماكن المحررة، مضيفًا “أذكر أن الأمور كانت ميسرة للغاية، أحدهم كان مهر زوجته 50 ألف ليرة سورية، وتزوجا في منزل لأقرباء له. صديق آخر اشترى حليًا فضية لزوجته دون معارضة من أهلها، لا أدري إن انتهى زمن التيسير هذا”.

خاتم بمئة ألف

يبدو أن خاتم الخطوبة بخمسة وعشرة آلاف ليرة سورية بات من ذكريات الماضي، هذا ما يراه أيمن (31 عامًا من حماة) بعد أن دفع ثمن خاتم بسيط لخطيبته، أو ما يعرف بالمحبس، مئة ألف ليرة سورية.

“لم أشتر لها ما كان يهدى في السابق من إضافات للمحبس وهدايا مرافقة معه، الخاتم الذي سيعلن خطوبتنا ثمنه مئة ألف، وأشكر الله أن الذهب محرم على الرجال”.

لم ينجُ أيمن بدوره من غلاء المهور، وإن كان لأهل داليا سبب واحد لرفع المهر فلأهل خطيبته رؤى سببان، ويوضح “مررتُ بتجربة زواج قصيرة جدًا وفاشلة سابقًا، تحملتُ أعباءها المادية جميعها، إلا أن أعباءها المعنوية كانت من نصيبي أيضًا”.

كانت تجربة الزواج الفاشلة إنذار خطر إضافي لأهل رؤى، التي لم يشفع حبها لأيمن بالمساعدة في تخفيض المهر أبدًا، إذ ترى والدتها أنه ما من ضامن بعدم طلاق ابنتها بعد أشهر من الزواج كما حصل مع طليقة أيمن سابقًا، كما لم تكفِ معرفتها بعائلة الشاب للعدول عن موقفها “أعرف أنه شاب ذو سمعة حسنة ومن أفضل عائلات حماة، إلا أن المهر والمؤخر المرتفع سيكون ضامنًا على الأقل لابنتي في حال حدوث انفصال”.

هل يضمن المهر السعادة؟

وافق أهل رؤى على مهر مقدم بثلاثة آلاف دولار، لكن المؤجل كان ضعف ذلك “لضمان حقها”، كما عبرت والدتها، ويقول أيمن حول هذا “أحببت رؤى، وأتفهم قلق أهلها، عمومًا فإن أصدقائي ممن لم يمروا بتجربة زواج سابقة يواجهون مطالب مشابهة من أهل العروس”.

لكن والد أيمن لم يورثه، بعد وفاته منذ أعوام، إلا المسؤولية عن إخوته ومصروفهم، لذا كان تأمين المهر تحديًا كبيرًا له “استدنت من الأقارب والأصدقاء بالإضافة لمبلغ بسيط كنتُ أدخره وأستثمره مع تاجر في السوق، ما الذي يمكن أن أفعله غير ذلك؟”.

ترى والدة أيمن أن ما يجري متاجرة حقيقية، وتقول “لا يوجد مهر في العالم يضمن للفتاة سعادتها واستقرارها، أعتقد أن استمرار غلاء المهور وسفر معظم الشباب سيزيد نسب العنوسة بين البنات لا أكثر”. في حين تصف مهور بناتها المتزوجات بـ “المعقولة” والكافية لشراء مستلزمات الزفاف ليس إلا.

زواج بخمسين دولارًا

ويبدو أن المناطق المحاصرة ليست بعيدة عن هذا الغلاء في بعض زيجاتها، لكنها في المقابل تشهد أمورًا عجيبة لا نراها في سواها، تخبرنا المعلمة هبة (33 عامًا) من الغوطة الشرقية، عن زواج عقد أمام ناظريها بين “مجاهد” وشابة بمهر مقداره 50 دولارًا تبرع بها أحد المحسنين”، حسب تعبيرها.

وتضيف “الشاب فقير الحال ووحيد، فهو من خارج الغوطة في الأصل، وبحاجة لمن يرعاه ويكون له عائلة، زيجات كهذه تحدث باستمرار رغم غلاء المهور الذي تفرضه بعض العائلات”.

وترى هبة أن السبب في ذلك هو ما يشهده أهل الغوطة من الموت اليومي، متسائلة “ما قيمة الذهب عندما يغدو تحت الركام؟ وما الضامن لحياة أي منا أمام موت يحوم فوق رؤوسنا صباح مساء؟ بل كيف يمكن للشباب تأمين آلاف الدولارات كمهور، والمعيشة هنا تحتاج منهم هذه الألوف لشراء الخبز والطحين والشعير والماء؟”.

ما الأسباب؟

يرى الشيخ أبو سمير أن السبب الأول لارتفاع المهور هو انهيار العملة السورية، ويدلل على هذا “يتم احتساب المهر بالدولار ثم تقديره بالليرة السورية، وهو الدليل الأول على عدم رغبة الناس بالخروج عما اعتادوه قبل الثورة، في الحقيقة فإن أسعار السلع ارتفعت بشكل كبير لذا فإن 100 ألف ليرة سورية التي كانت كافية لشراء مستلزمات العروس لم تعد كذلك اليوم، إلا بعد تقدير المبلغ ذاته بالدولار”.

فيما يرى أيمن من تجربته أن السبب في ارتفاع المهور هو حالات الطلاق المتكررة، ويضيف “بداية الثورة بات الزواج أيسر وأقل شروطًا، ما جعل البعض يتهاون باتخاذ قرار مصيري كهذا ويكتشف خطأ خياره فيما بعد، وهذا سبّب ارتفاع نسب الطلاق لاحقًا لذا يخاف الأهل اليوم من أن يؤدي الزواج السهل لطلاق أسهل”.

بدورها، قالت والدة داليا إن السبب الرئيسي في المبلغ الضخم الذي كتبوه على صهرهم كان “لعدم استقرار المعيشة ولأنهم لن يكونوا معها، وتضيف “ستبقى وحدها معه في الغربة، والأوضاع متقلبة وغير مستقرة، يجب أن يكون بين يدي الفتاة ما يمكنها من السفر لأهلها في حال اضطرت لذلك”.

وتابعت “الذهب الذي لديها سيؤمنها إن تبدلت الأحوال وساءت الأوضاع، لا أريد أن ينتهي الحال بابنتي في الشوارع بعيدًا عني”.

وهكذا، ما بين انهيار العملة السورية، وقلق أهالي الفتيات، وقصص الزواج الفاشلة التي يسمعونها كل يوم، تزداد المبررات لديهم لرفع المهور، فهل هي عودة لزمن المفاتيح الثلاثة؟ وهل عاد دور “سوبر مان” للعريس من جديد؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة