للممرض الشاب يحيى الترك من دوما، والذي انخرط بالعمل الطبي منذ بداية الثورة، حكاية مع الصعوبات التي يواجهها الكادر الطبي في المناطق المحاصرة وفي الغوطة بشكل خاص، وبالنسبة له يعد نقص الأجهزة الطبية، ومنها أجهزة “التهوية الآلية” التي يحتاجها عدد كبير من المرضى بسبب شدة القصف، من أبرز الصعوبات، وكذلك قلة الدعم اللوجستي المتعلق بتوفر الأدوية وباقي المستلزمات حيث يواجهون صعوبة بإدخالها إلى الغوطة.
ويستطرد الترك “بسبب الحصار نعاني من نقص أكياس الدم الفارغة، وكذلك الدعم المالي للكوادر، فضلًا عن ضعف الرواتب في ظل ارتفاع الأسعار في الغوطة الشرقية”.
أما المسعف الميداني في إحدى مشافي الغوطة الشرقية، أحمد راتب، فيشير إلى أن معوقات “كثيرة” تواجه المسعفين، منها استهدافهم بشكل مباشر وقصف الكوادر أكثر من مرة، وقصف المشافي، وعدم وجود دعم مسبق يقدم لمراكز الإسعاف للقيام بدورها لتغطية الأضرار الفورية لكل المراكز، كما أن الدعم لا يلبي طموح هذه الكوادر غير المدعومة ماديًا بسبب شح التمويل وتوريده لجهات أخرى.
أما أم وائل والدة الطفلة ماريا (6 سنوات) أصيبت بقذيفة، تقول “تعاني طفلتي من إصابة بالقدم وضياع جزء كبير من العظام، وهي تحتاج للزرع كما نحتاج للخروج من الغوطة وحتى خارج سوريا ليتم علاجها، وإلا سوف تفقد قدمها نهائيًا”.
بدوره محمد منصور (60 عامًا) والذي أصيب منذ سنتين بإحدى القذائف في الرأس نقل على إثرها لإحدى النقاط الطبية وخضع للعلاج هناك وتماثل للشفاء، يبدي إعجابًا بأداء القطاع الطبي في الغوطة حيث قدموا له العلاج المجاني، وبصدر رحب على حد قوله وهو ما أنقذ حياته.
المكتب الطبي الموحد يغطي 60% من مجمل الأعمال الطبية في الغوطة الشرقية
تعد تجربة المكتب الطبي الموحد في الغوطة الشرقية من التجارب النادرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لجهة توفير اختصاصات طبية نادرة وجمعها في مكان واحد، هدفها توفير الخدمات الطبية والرعاية النوعية للسوريين في مختلف المناطق.
خلال أول مظاهرة شهدتها مدينة دوما في 18 آذار 2011 كان هناك “نقطة طبية” على بعد 300 متر من المظاهرة، كان الهدف منها نقل مصابي المظاهرة إليها لمعالجتهم بعد إطلاق الأمن السوري النار الحي على المتظاهرين. هذه النقطة الطبية كبرت وأصبحت المكتب الطبي الموحد في الغوطة.
يضم المكتب اليوم اختصاصيي “أوعية، وتجميل وترميم، وصدرية، وقلبية”، وقد اجتمع أطباء هذه التخصصات وشكلوا فريقًا استشاريًا بالعمل الجراحي، وبعضهم يملك خبرة عمرها 15 عامًا.
ويعتبر المكتب مسؤولًا عن كل الحالات في الغوطة ضمن الاختصاصات الطبية المتوفرة، ويشكل حجم أعماله نحو 60% من العمل الطبي في الغوطة الشرقية.
يشرح الطبيب أنس، المختص في قسم الصدرية والعامل في المكتب، لعنب بلدي الدور الطبي الذي يقومون به في ظل حصار مطبق للنظام السوري على الغوطة منذ ثلاث سنوات.
يقول الطبيب “أسسنا المكتب الطبي بعد التحرير على مراحل، وأهم مرحلة كانت إطلاق قسم العمليات الإسعافية، ثم الإسعاف المركزي (النقطة الوحيدة التي تستقبل المواطنين 24 ساعة) مع كادر كامل من الأطباء والممرضين”، مشيرًا إلى أنه وخلال العامين 2013 و2014 لم يتلق الأطباء مبالغ مادية على عملهم، وكانوا يساهمون من تلقاء أنفسهم من جيوبهم الخاصة، وكان هناك مساعدات “بسيطة” من متبرعين.
مؤسستان طبيتان لا تعاون بينهما
مؤسستان طبيتان في الغوطة تشرفان على العمل الطبي إداريًا، هما مديرية الصحة والمكتب الطبي الموحد في الغوطة، لكن “لا يوجد تعاون بينهما.. ننادي بجمعهم بمؤسسة واحدة، لأن هناك خلافات بينهما بسبب الدعم”، يقول الطبيب.
ويضيف “هدفنا تنظيم الدعم لأنه متقطع أصلًا وتقوم به عدة جهات، بالإضافة لجمعيات أهلية”.
أما بالنسبة للأطباء والموظفين فأغلبهم “متطوعون” أكثر من “موظفين” بسبب شح الدعم وعدم توفر الرواتب كاملة، “بل كنا ندفع ربع ونصف راتب، إلى أن تحسّن الوضع في 2015 وأصبح هناك التزام أكبر من الداعمين”، وفق رأي الطبيب أنس.
حصار.. لكن مستوى الخدمات “جيد”
يصف الطبيب أنس أن مستوى الخدمات المقدمة في الغوطة بـ “الجيد” وسط محاولات “احتيالية” للتغلب عليها، وهذا يؤثر بدوره على حياة المرضى، وخاصة في قسم التعقيم، حيث “لا يتم التعقيم خلال العمليات بشكل كاف”.
ويؤكد الطبيب أنس أن “أسعار الأجهزة مرتفع جدًا وإصلاحها صعب لندرة القطع، وعدم توفرها إلا في مناطق النظام، وهذا يفرض على المكتب دفع أسعار مضاعفة تصل عشرة أضعاف لقاء الحصول على الأدوية أو قطع التبديل”.
ويلفت الطبيب إلى أن “معضلة الوقود” من أصعب المشكلات التي واجهت الكادر الطبي، فالوقود برأيه “سر استمرار العمل الطبي”، لأن هناك نقاطًا لا يمكن قطع الكهرباء عنها مثل الحواضن (الرضع) وأقسام العناية المشددة.
وأشار الطبيب إلى أن مستودع الأدوية الاحتياطي الذي كان يكفي لستة أشهر نفد بالكامل، بعد اشتداد وتيرة الصقف وإصابة بعض أعضاء الكادر الطبي. لافتًا إلى السعي لتأسيس مستودع احتياطي جديد “ربما يكفي لشهر” فقط.
نداء لمواجهة “السل” في الغوطة الشرقية
كشف الطبيب أنس عن مساهمة الحصار على الغوطة الشرقية في انتشار عدد من الأمراض أبرزها السل، حيث لوحظ زيادة في أعداد المصابين، ووفق رأيه مرد هذه الزيادة إلى “ظروف معيشية وسكنية صعبة فرضت على المواطنين بسبب القصف”.
وقال “أجبر القصف الناس على العيش في ملاجئ وأقبية، لا يوجد فيها تهوية، وبالتالي هذه بيئة خصبة لانتقال المرض، كما أن ظروف التغذية السيئة بسبب الحصار زادت عدد المرضى، وهناك جزء كبير من المعتقلين خرج مصابًا بالسل من سجون النظام”.
وأشار إلى أن “الهلال الأحمر” أدخل كميات من الأدوية، لكن جزءًا منها “انقطع نهائيًا”، موضحًا أن هناك مشكلة كبيرة، ”فالجرثومة عصية، والسل بحاجة إلى علاج كامل طوال فترة المرض، وأي انقطاع للدواء يجعل العصية تطور نفسها ضد الأدوية، وبالتالي سيؤثر داء السل والجرثومة، إن لم نعالج المصابين بشكل كامل، على العالم كله”.
ولفت إلى أن عدد المصابين في الغوطة بلغ 160 مصابًا، وكل شهر يتم تشخيص عشر حالات جديدة، من مختلف الفئات العمرية وأبرزهم شبان.
تابع قراءة ملف: الكوادر الطبية السورية في المناطق المحررة “تحت النار”.
عجز طبي في سوريا قبل الثورة… تفاقم خلالها.
الأطباء أخطر على النظام من حملة السلاح.
بناء نظام صحي متكامل على مستوى سوريا.. أول ما تسعى له المديريات.
وزير الصحة: لولا الوزارة لما وجدت مديريات الصحة.
قائد عسكري يشيد ببراعة أطباء المشافي الميدانية.
تأسيس “جامعة حلب” في المناطق المحررة لإنتاج كوادر طبية جديدة.
اتحاد UOSSM: دعمنا 120 مشفى ميدانيًا و200 مركز طبي بميزانية ثمانية ملايين دولار.
خطة لقاح في مناطق المعارضة تستهدف مليون طفل سوري.
غياب مفهوم الإدارة “الفعالة” يجهز على القطاع الصحي في سوريا.
مؤسسة “أورينت” تتولى معالجة 500 ألف سوري.
الكوادر الطبية في المدن السورية وتجارب مديريات الصحة:
إدلب أول محافظة تتأسس فيها مديرية صحة “ثورية”.
مديرية صحة حلب الحرة والوزارة.. “العلاقة غير صحيحة”.
النظام يقصف بنك الدم في حلب تسع مرات.
تخريج 400 ممرض في معهد عمر بن عبد العزيز خلال 2015.
الطبابة الشرعية في حلب مستمرة بالإمكانيات المتاحة.
الحاجة الطبية توحّد مأساة حلب والصومال.
ماذا ينقص القطاع الطبي والكوادر في حلب؟
صحة درعا: الدعم الدولي للقطاع الطبي لم يكن مشجعًا.
نقص الأجهزة الطبية يقيّد العمل الطبي في الغوطة الشرقية.
مرضى غسيل الكلى في الغوطة الشرقية يأنون بصمت.
أسعار الأوية في داريا أعلى بخمسة أضعاف عن مناطق النظام.
ستة مشاف في حماة تغطي المحافظة.
تكاليف العمليات في حمص فوق طاقة الأهالي.
مناشدات لتوفير الأدوية والكوادر الطبية في المناطق المحررة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :