الحملة الأمنية تربك أعمال السوريين في تركيا
على وقع الحملة الأمنية التي أطلقتها السلطات التركية لملاحقة “المهاجرين غير الشرعيين” يعيش بعض السوريون ممن يقيمون في تركيا، بوضع قانوني أو شبه قانوني، مخاوف الترحيل الداخلي أو الخارجي.
وانعكست الحملة الأمنية على حركة السوريين وتنقلهم بين أماكن سكنهم ومقار عملهم، ومن بينهم من لا يتوقف عن النظر حوله مع كل خطوة يخطوها، خصوصًا في مدينة اسطنبول.
حملة انعكست على أصحاب العمل
منذ اشتدت الحملة الأمنية، مطلع تموز الحالي، لم تتوقف التسجيلات المصورة لبعض أصحاب العمل من السوريين والأتراك، حول الضرر الذي خلّفه ترحيل السوريين من البلاد على سوق العمل.
ومن بين التسجيلات المتداولة، صاحب عمل سوري يدير ورشة لخياطة الملابس في ولاية اسطنبول، يتحدث فيه عن أن ورشته تتسع لـ200 عامل، بقي منهم عشرة عمال إثر حالات الترحيل التي شهدتها المدينة مؤخرًا.
وأضاف أن العمال كانوا يتناقصون في أثناء طريقهم من وإلى الورشة، وأبدى رغبته بتوظيف عمال جدد، يقيمون في المشغل نفسه.
صاحب التسجيل المصور كان واحدًا من متضررين كثر، خصوصًا وأن شهر آب المقبل يشهد بداية لموسم ألبسة جديد، بحسب ما قاله محمد، وهو مالك ورشة لصناعة الملابس في منطقة شيشلي باسطنبول، إذ اعتبر أن نقص العمال خلال هذه الفترة مشكلة ستضر بأصحاب الشركات والمصانع في قطاع صناعة الألبسة.
وأضاف مالك الورشة، لعنب بلدي، أنه يعاني اليوم رغم قلة الطلب، من نقص في اليد العاملة، فمعظم العاملين لديه هم من أقاربه، ومنهم من ذوي الوضع القانوني غير المستقر، كمن يحمل بطاقة “حماية مؤقتة” (كملك) صادرة عن ولاية أخرى، وآخرون ممن لا يحملون “كملك” نهائيًا.
ومن خلال السير في أحياء شيشلي التي تضم عددًا كبيرًا من ورش صناعة الملابس، يمكن ملاحظة أعداد كبيرة من الإعلانات المنشورة على جدرانها، تحمل أرقام هواتف، كتب فيها بالخط العريض، نبحث عن عمال في قطّاع الخياطة، أو الكوي.
وتعتبر سوق صناعة الملابس ملاذًا للسوريين غير المتخصصين، كونها لا تحتاج لخبرة كبيرة، وتدر بأجور جيدة خلال ذروة مواسم العمل فيها.
وتمكن شبان سوريون، ممن قابلتهم عنب بلدي في اسطنبول سابقًا، من افتتاح ورش الخياطة الخاصة بهم، وصارت بدورها وجهة لسوريين آخرين من القادمين حديثًا والباحثين عن عمل.
الخوف من الطريق
قد لا يصدق الناس أن السير في الطرقات بوضح النهار قد يشكل خوفًا بالنسبة لشاب سوري في تركيا، لكن عبد المجيد وهو عامل في ورشة لصناعة الملابس بحي تشاغليان في اسطنبول، يعتبر ذلك وصفًا حرفيًا لما يمر به يوميًا.
عبد المجيد، الذي رفض ذكر اسمه الكامل لمخاوفه الأمنية، قال لعنب بلدي إنه يسلك طريقه يوميًا نحو ورشة الخياطة التي تبعد بضع مترات عن مكان إقامته في منزل عمه بالحي نفسه، لكن ترافقه الخشية من أن توقفه دورية شرطة.
وشكل الخوف اليومي بالنسبة له حالة نفسيه تشبثت بساقيه، إذ لا يجرؤ على الخروج من المنزل حتى إلى العمل، لكنه يعي في الوقت نفسه أنه لن يتمكن من دفع إيجار منزله في حال لم يذهب، وهو السبب الوحيد الذي يدفعه للنهوض يوميًا، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
عبد المجيد، الذي استخرج بطاقة “الحماية المؤقتة” من ولاية هاتاي الحدودية مع سوريا، ممنوع من الإقامة في ولاية اسطنبول بموجب القوانين التركية الخاصة باللاجئين السوريين، لكن زلزال شباط الماضي، تركه دون منزل، بوضع قانوني مجهول، يبحث عن رزقه في مدينة ممنوعة عليه، بحسب وصفه.
وأضاف أنه تلقى نصائح كثيرة للعودة إلى الولاية التي تنتمي أوراقه القانونية لها، لكن حاجته المادية تدفعه تدفع للمخاطرة والبقاء في اسطنبول.
ولا تشكل العودة إلى الولاية التي شهدت دمارًا كبيرًا خلال الزلزال مطلع العام الحالي، لا تعتبر سوريا خيارًا أفضل بالنسبة له، حيث لا فرص تسمح بعيش كريم بحسب ما يراه عبد المجيد، في مختلف مناطق النفوذ السورية.
واعتبر عبد المجيد أن الهجرة نحو أوروبا ليست خيارًا متاحًا بالنسبة له، فرغم وعيه أنها الخيار الأفضل في ظل التضييق الذي يعانيه اللاجئون السوريون في تركيا، لا يمكنه تحمل تكاليفها.
وبحلول آذار 2021، بلغ عدد الشركات السورية في تركيا 20 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم، وحتى كانون الثاني 2022، أسهمت المؤسسات المملوكة لسوريين بتشغيل 500 ألف عامل من ضمنهم أتراك، وفقًا لصحيفة “Takvim” التركية.
وتجاوزت استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا عشرة مليارات دولار، وبلغ إسهامهم في الصادرات ثلاثة مليارات دولار أمريكي إلى أكثر من 50 دولة، بحسب الصحيفة التركية.
وتوقع تقرير صادر في أيلول 2019 عن “المنتدى الأورومتوسطي لمعاهد العلوم الاقتصادية” (فيميز)، الممول من الاتحاد الأوروبي، أن يرتفع تأثير اللاجئين السوريين من ناحية القيمة المضافة لهم في الاقتصاد التركي إلى 4% بحلول 2028، مع تشغيل مليون عامل سوري لاجئ في تركيا.
وبحسب تقرير أعدته منظمة “multeciler” التركية، في تموز الحالي، فإن أحدث رقم صادر عن وزارة العمل التركية لأعداد السوريين الحاصلين على إذن للعمل في البلاد بلغ، في آذار 2019، 31 ألفًا و185 شخصًا، بينما بلغ عدد الشركات التي لديها شريك سوري واحد على الأقل 15 ألفًا و159 شركة، في التاريخ نفسه.
لكن أغلبية العمال السوريين في تركيا يعملون دون إذن عمل، لصعوبة استخراجه أو لأن أرباب العمل يحاولون تفادي دفع التأمينات الخاصة بالعمال.
بحثًا عن “حياة طبيعية”
نتيجة للتضييق الأمني على حياة اللاجئين في تركيا خسر البعض أعمالهم، إذ فضل من أتيح له خيار الجلوس في منزله ريثما تنتهي انتخابات البلدية المقبلة مطلع 2024، على أمل أن يتوقف التضييق على السوريين في إطار التجاذب السياسي في تركيا، الأخذ به.
ويميل آخرون إلى البحث عن وجهة جديدة خارج تركيا، كمصر أو إربيل، أو اتخاذ خطوته عبر طرق التهريب نحو أوروبا بحثًا عما أسماه بعض السوريين ممن قابلتهم عنب بلدي في اسطنبول، “حياة طبيعية”.
خيار الهجرة لم يقتصر على حملة بطاقة “الحماية المؤقتة” إذ يرى اسماعيل وهو من حملة الجنسية التركية، أن الخطاب العنصري المعادي للأجانب والسوريين على وجه الخصوص، حوّل حملة الجنسية حديثًا إلى “مواطنين من الدرجة الثانية”، وحملة “الكملك” إلى “درجة ثالثة”.
ويرى أن البلاد لم تعد صالحة لإقامة الأجانب فيها، حتى من المؤهلين للحصول على الجنسية التركية، لكن خيارات اللجوء إلى بلد ثالث لم يعد أمرًا سهلًا كونه يحمل جنسية تركية، وباعتباره مواطنًا تركيًا ستجري إعادته إلى البلاد التي يحمل جنسيتها، وهو ما لا يدفعه للمغامرة بالسفر خارجًا.
عودة “طوعية”
في 26 من تموز الحالي، قال وزير الداخلية التركي إن الدولة التركية، ومنذ بدء الحملة الأخيرة، وجهت تعليمات لجميع عناصر الشرطة والقوات العسكرية التركية (الجندرما)، بالتضييق على المهاجرين غير الشرعيين.
وأضاف الوزير التركي خلال مقابلة على قناة “A haber” التركية، إن الهجرة غير الشرعية “مشكلة عالمية”، ناتجة عن الحروب والإرهاب وأسباب إقليمية وغيرها من الظروف الأخرى.
وتابع أنه “في الماضي كان الناس يتجهون إلى أوروبا عبر تركيا، أما الآن بسبب تطورنا الاقتصادي أصبحت تركيا دولة هدفًا للهجرة”.
وتعليقًا على عملية عودة اللاجئين، أكد وزير الداخلية أنها تسير بشكل “طوعي وآمن وليس بالإهانة والإجبار”.
وفي 24 من تشرين الأول 2022، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا قالت فيه، إن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت بشكل تعسفي مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا بين شباط وتموز من العام نفسه، بينما ردت رئاسة الهجرة التركية على البيان، معتبرة أنه “مضلل”.
ويواجه السوريون في تركيا قوانين تضبط حركتهم منذ عدة سنوات، إذ منعت السلطات التركية اللاجئين منهم من التنقل بين المدن إلا بموجب إذن سفر، يستخرج عن طريق دوائر الهجرة، أو عبر طريقة إلكترونية.
ويعتبر الحصول على إذن السفر أو “إذن الطريق” كما يطلق عليه في المعاملات الحكومية، بالغ الصعوبة خصوصًا بالنسبة لولاية اسطنبول التي يقيم فيها العدد الأكبر من اللاجئين السوريين.
ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و329 ألفًا و516 لاجئًا سوريًا بموجب إحصائية صادرة عن رئاسة الهجرة التركية في 17 من تموز الحالي.
آلاف المرحلين
مطلع تموز الحالي، أعلن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عن أن بلاده ألقت القبض على 15 ألف “مهاجر غير شرعي” خلال حزيران الماضي، ورحلت قسمًا منهم دون تحديد جنسيات المرحلين.
وقال الوزير في تغريدة عبر “تويتر” إن الوزارة رحلت من بين المهاجرين “غير الشرعيين” المقبوض عليهم ستة آلاف و883 شخصًا، وأن التحضيرات لترحيل الآخرين مستمرة.
وأضاف أنه في حزيران الماضي، تمكنت السلطات التركية من منع 23 ألف و450 مهاجرًا من دخول البلاد، دون الإشارة إلى جنسياتهم.
وسبق إعلان الداخلية التركية بيومين، حملة أمنية شنتها الوزارة على مهربي بشر في البلاد، ألقت القبض خلالها على 168 مهرب بحسب ما أعلنه الوزير التركي في تغريدة منفصلة.
وتحدثت وسائل إعلام تركية عن حملة أمنية تنفذها وزارة الداخلية التركية، لا تزال مستمرة، ضد المهاجرين “غير الشرعيين” في البلاد.
وقالت صحيفة “حرييت” التركية حينها، إن نطاق عمليات التفتيش التي بدأت في اسطنبول لمكافحة الهجرة غير الشرعية، توسعت لتشمل الشواطئ ومحطات الحافلات، ووسائل النقل العامة، مشيرة إلى أن السلطات “لن تدع الهاربين يتنفسون”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :