تركيا.. التضييق الأمني يدفع بسوريين إلى طرق أوروبا

مهاجرون قرب نهر إيفروس عند بوابة إيبسالا الحدودية في أدرنة على الحدود التركية اليونانية- 3 من مارس 2020 (AFP)

camera iconمهاجرون قرب نهر إيفروس عند بوابة إيبسالا الحدودية في أدرنة على الحدود التركية اليونانية- 3 من مارس 2020 (AFP)

tag icon ع ع ع

منذ عدة أسابيع، بدأت السلطات التركية حملة أمنية، أسفرت عن ترحيل لاجئين إلى سوريا من عدة مدن وولايات، بينهم حملة بطاقة “الحماية المؤقتة” (الكملك)، ما زاد من بحث اللاجئين عن طرق للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وتركزت الحملة في مدينة اسطنبول التي تضم أكبر عدد من اللاجئين السوريين من بين المدن التركية.

الإجراءات الأمنية دفعت بالعديد من السوريين لاتخاذ قرار بمحاولة الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، كوجهة أخيرة.

وبلغت الحملة الأمنية ذروتها، مطلع تموز الحالي، بالتزامن مع تصريح وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، بأن تركيا تكافح المهاجرين الأجانب غير النظاميين، معلنًا عن تعليمات أصدرها لملاحقة المهاجرين غير النظاميين في عموم تركيا.

أوروبا وجهة لتجنب الترحيل

ارتفعت نسبة حركة الهجرة غير الشرعية مؤخرًا، ومعها ينشط عمل المهربين بمختلف الطرق مقابل مبالغ مالية مرتفعة، خاصة أن اللاجئين يحاولون الوصول إلى أوروبا برًا، وسط المخاوف من حالات الغرق في البحر.

وتصل هذه المبالغ لآلاف الدولارات، وتعتمد على طرق مختلفة منها التهريب عبر الشاحنات، لكن هذه الرحلات تعد الملاذ الوحيد بالنسبة لبعض الشباب، بحسب ما قاله بعضهم لعنب بلدي.

محمد، اسم مستعار لشاب سوري ينتظر دوره للتوجه نحو أوروبا، قال لعنب بلدي إنه نسّق طريق سفره نحو أوروبا مع مهرب، وبانتظار لحظة الانطلاق باحثًا عما أسماه “عيش حياة كريمة نوعًا ما بعيدًا عن المشكلات، والعنصرية، والتدقيق الأمني، الذي يحيط بي في تركيا”.

يملك محمد سيارة وعمله جيد، بحسب قوله، ولديه بطاقة “حماية مؤقتة” صادرة عن ولاية اسطنبول، لكنه لا يريد البقاء في البلاد بعد الآن، مبررًا ذلك بـ”من المزعج أن نكون تحت الضغط والتدقيق الأمني والعنصرية من أبناء البلد الذي نعيش فيه”.

واعتبر أن خيار العودة إلى سوريا ليس متاحًا كونها ليست آمنة، ولا يريد تعريض حياة أطفاله للخطر.

حالة محمد ليست الوحيدة، إذ اتفق جمعة (26 عامًا)، وهو شاب سوري أيضًا تخرج من جامعة “ماردين” التركية منذ نحو سنة، فرع “إدارة الأعمال”، مع أحد أصدقائه على خوض طريق الهجرة نحو أوروبا، هربًا من التضييق الأمني الذي يعانيان منه في تركيا.

وقال جمعة، الذي وصل إلى ألمانيا قبل نحو أسبوع، لعنب بلدي، إن المهربين يصورون العبور على أنه بغاية السهولة، لكن الحقيقة عكس ذلك، إذ تنطوي الرحلة على مخاطر قد تؤدي إلى الموت، أو أكثر ومن الممكن أن تفشل في أي وقت.

وأضاف أن تكاليف الرحلة من تركيا إلى صربيا عن طريق اليونان تبلغ 4500 يورو تقريبًا، ومن صربيا الى ألمانيا 2500 يورو.

وصل جمعة إلى وجهته بعد ست محاولات، وقال إن الراغبين في السفر نحو أوروبا بطرق غير شرعية، يتجاهلون المخاطر التي تواجههم في سبيل الوصول إلى وجهتم الأخيرة.

بالدين

مازن ملحم (33 عامًا) ينحدر من محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، قال لعنب بلدي، إن ما يدفع الشباب للخروج من تركيا واختيار أوروبا وجهة لهم هو “سوء المعاملة من أهل البلاد، والتهم التي تتوجه للسوريين”.

وقدم مازن إلى ولاية اسطنبول منذ حوالي عامين ولم يحصل على “كملك” رغم عدة محاولات، بحسب ما قاله لعنب بلدي، رغم محاولاته المتكررة في هذا الصدد.

وأضاف أن الأمر لم يقتصر عليه فقط، إذ يوجد العديد من الشباب لم يستطيعوا أن يحصلوا على بصمة في أي من الولايات التركية.

ورغم الأوضاع القانونية غير المستقرة، يذهب مازن يوميًا للعمل ومنه يعود إلى المنزل مباشرة خوفًا من القبض عليه، لكن بعد عدة سنوات على هذا الحال يحضر نفسه للتوجه نحو أوروبا لأنه لا يريد العودة إلى سوريا في ظل الظروف “الصعبة” التي تعاني منها.

وتقيم عائلة مازن في مدينة الحسكة، إذ لا يمكنه الانتقال للعيش شمال غربي سوريا، حيث ترسل تركيا السوريين.

وبعد مرور ثلاث سنوات على إقامة مازن في تركيا قال إنه لم يستطع تأمين شيء لأطفاله كونه كان يتقاضى الحد الأدنى للأجور (8500 ليرة تركية) وهو ما لا يكفيه لشهر كامل، إذ يتلاشى بين إيجار المنزل والاحتياجات اليومية.

ترفض عائلة مازن خيار عودته إلى سوريا نظرًا للأوضاع المعيشية المتدهورة فيها، إذ يرون أنه من الصعب لأي شخص العيش في سوريا دون وجود معيل له في الخارج.

مع الصعاب التي تصورها عائلة مازن من خلال رفضها عودته إلى سوريا، يرى من جانبه أن البقاء في تركيا أكثر صعوبة، في ظل التدقيق الأمني، والعنصرية التي يتعرض لها السوريون في البلاد.

استلف مازن أجور عبوره نحو أوروبا عبر طرق التهريب، إذ لم يكن خيار نقل وضعه كلاجئ نحو أوروبا بمتناول يده، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

بدوره، قرر الشاب إبراهيم المنحدر من إدلب السفر إلى أوروبا، وهو الآن في منزل يديره مهرب، إلى جانب 50 شخصًا آخر ينتظرون موعد الانطلاق، ويشعر بالقلق تجاه الحملة الأمنية التي أطلقتها السلطات التركية.

إبراهيم قال لعنب بلدي إنه لا يملك خيارًا آخر سوى مغادرة تركيا، خصوصًا أن قيوده القانونية تابعة لولاية هاتاي، لكنه مستقر في اسطنبول منذ نحو عام.

وخلال الحملة الأمنية التي نفذتها السلطات التركية خلال العام الماضي، حاول إبراهيم السفر لكن محاولته باءت بالفشل وعاد إلى تركيا خالي الوفاض بعد أن قبض عليه حرس الحدود اليوناني.

وأضاف أن العديد من أصدقائه رُحّلوا من تركيا إلى سوريا في الأسابيع الماضية ولم يستطيعوا العودة مجددًا.

تدقيق أمني

بالرغم من خسارة المعارضة في الانتخابات الرئاسية، التي بنت حملتها الانتخابية على طرد اللاجئين، فإن ملف السوريين ما زال حاضرًا في أروقة السياسة التركية، فضلًا عن اقتراب الانتخابات المحلية قد تزيد من حضور الملف على الطاولة السياسية التركية.

وتشير جملة من الإجراءات والتصريحات الرسمية إلى مرحلة جديدة قد تكون مختلفة عن السابق، ما يؤكد إلى أن الملف قائم، وليس مرتبط شرطيًا في الانتخابات السابقة.

ويمثّل السوريون في تركيا العدد الأكبر من اللاجئين، إذ يقيم ثلاثة ملايين وأكثر من 395 ألف لاجئ سوري خاضعين لنظام “الحماية المؤقتة”، يقيم القسم الأكبر منهم في ولاية اسطنبول، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن رئاسة الهجرة التركية مطلع تموز الحالي.

وبحسب إحصائية لوزارة الداخلية، يوجد  مليون و206 آلاف و153 أجنبيًا في إسطنبول وحدها، منهم 670 ألفًا و988 أجنبيًا يحملون تصريح إقامة، و531 ألفًا و 381 سوري يخضعون لنظام الحماية المؤقتة، بما في ذلك 3 آلاف و784 من المتقدمين للحصول على الحماية الدولية.

وقال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، في 9 من تموز، إنه أصدر تعليمات بشأن ملاحقة المهاجرين غير النظاميين الذين يقيمون في عموم البلاد بشكل غير قانوني، وليس فقط في مدينة اسطنبول.

وأضاف الوزير، خلال لقاء أجراه مع صحيفة “Hürriyet” التركية، إن عناصر الشرطة والدرك وفرق خفر السواحل تشارك في حملة ضبط المهاجرين غير النظاميين.

وتعهد الوزير بخفض عدد المهاجرين غير النظاميين في جميع الولايات بشكل ملحوظ خلال مدة لا تتجاوز أربعة إلى خمسة أشهر، موضحًا أن المهاجر غير النظامي هو الأجنبي الذي دخل تركيا بطريقة غير قانونية ويواصل الإقامة والعمل فيها دون تصريح رسمي

وأضاف علي يرلي كايا، إن بلاده ألقت القبض على 15 ألف “مهاجر غير شرعي” خلال حزيران الماضي، ورحلت قسمًا منهم دون تحديد جنسيات المرحلين.

ويمنع السوريون منذ عام 2016 من مغادرة الولايات المسجلين فيها أو الاقامة في ولايات اخرى دون اذن سفر صادر عن دائرة الهجرة التركية

وفي 24 من تشرين الأول 2022، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا قالت فيه، إن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت بشكل تعسفي مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا بين شباط وتموز من العام نفسه.

وذكرت المنظمة في تقريرها نقلًا عن سوريين مرحلين، أن المسؤولين الأتراك اعتقلوهم من منازلهم وأماكن عملهم وفي الشوارع، واحتجزوهم “في ظروف سيئة”.

وأضافت أنهم ضربوا معظمهم وأساؤوا إليهم، وأجبروهم على التوقيع على استمارات “العودة الطوعية”، واقتادوهم إلى نقاط العبور الحدودية مع شمال سوريا، وأجبروهم على العبور تحت تهديد السلاح، رغم امتلاكهم بطاقة “الحماية المؤقتة”.

من جهتها، ردت رئاسة الهجرة التركية على التقرير واصفة إياه بـ”الفاضح البعيد عن الواقع”، كما وصفت السياسة التركية بـ”النموذجية” في التعامل مع اللاجئين.

واعتبرت الرئاسة حينها، أن ما ورد في تقرير المنظمة من “ادعاءات” بأن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت تعسفيًا ورحّلت مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية، “عارية عن الصحة”.

وفي 27 من تموز، أصدرت عدد من منظمات المجتمع المدني السوري، بيانًا مشتركًا عبرت فيه عن قلقها إزاء قرار الحكومة التركية الأخير فيما يتعلق بإعادة اللاجئين السوريين إلى شمال غربي سوريا، لافتة إلى أن الانتهاكات مستمرة في جميع المناطق السورية بما فيها الشمال السوري، وأنها تشكل تهديدًا جديًا.

وذكرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في بيان أن القرار يُعد انتهاكًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية، المنصوص عليه في القانون الدولي والمنعكس في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، والذي يمثل حجر الزاوية في حماية حقوق طالبي اللجوء واللاجئين، وهو مبدأ عرفي ملزم لجميع الدول، بما فيها الدول غير المصادقة على الاتفاقية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة