حسام المحمود| يامن مغربي| جنى العيسى| حسن الإبراهيم
نشرت مجلة “المجلة”، في 25 من حزيران الماضي، نصًا مفصلًا لـ”المبادرة الأردنية” التي تقدمها عمان للحل السياسي في سوريا، بما فيها من مطالب ومقترحات وتفاصيل تطالب النظام بكثير من الإجراءات على الأرض من جهة، وما يصبو النظام لتحقيقه عبر بوابة هذه “المبادرة” من جهة أخرى.
النشاط الأردني في الملف السوري الذي برز مع الحديث عن “مبادرة” في 2021 حملت اسم “لاورقة”، عاد بقوة خلال العام الحالي، بالترافق مع لقاءات سياسية بالجملة بعد زلزال 6 من شباط الماضي، وما تبعه من “اتفاق” عربي على ضرورة عدم بقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه، إلى جانب تراجع المسارات السياسية السابقة، من “جنيف” وصولًا إلى “أستانة”.
وبعد مقدمة تمهيدية تشرح واقع الحال في سوريا، على مستوى الاحتياجات الإنسانية، والحالة العسكرية والسياسية، جاءت “المبادرة” مقسمة وفق ثلاثة مسارات زمنية (على المدى القريب والمتوسط والبعيد)، دون تحديد زمن كل منها، مع كثير من البنود المقترح تحقيقها في كل مرحلة.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف، بالاستعانة بمجموعة من المتخصصين المتابعين للملف، أبرز الخطوط العريضة لـ”المبادرة” ومدى قابلية تطبيقها، والعراقيل التي تواجهها، بالإضافة إلى النقاط غير الواضحة منها.
ما “المبادرة”؟
بعد مشاورات ونقاشات مع دول عربية وغربية، تأتي “المبادرة” حاملة تعديلات عن “اللاورقة”، وجرى فيها استعمال مصطلح “الحكومة السورية”، بعد استعمال “النظام السوري” في “اللاورقة”، والمطلوب حاليًا التوصل إلى حل سياسي مبني على قرار مجلس الأمن “2254”، مع اتفاق الأطراف الخارجية المعنية على أنه لا حل عسكري لإنهاء “الأزمة” في سوريا، وأن تغيير النظام ليس “هدفًا فعالًا”، والقرار “2254” أفضل السبل للمضي قدمًا، والوضع الراهن يزيد معاناة السوريين ويقوي الخصوم، وتراجع أو تأخير التدخل يقود إلى نتائج ربما يتعذر تغييرها.
تسير “المبادرة” المدعومة من العرب وفق نهج “العرض والطلب”، وتنطلق من الحالة الإنسانية، وتطالب بأن تمنح دمشق الهيئات والمنظمات الأممية حق الوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وتسهيل وصول المساعدات بشتى السبل (عبر الحدود وعبر الخطوط)، والتوصل إلى آلية تتيح التأكد من أن مساعدات المانحين تصل إلى مستهدفيها النهائيين.
في الوقت نفسه، تعرض على النظام الاستثمار في مشاريع التعافي المبكر، ضمن قطاعات المياه والصحة والتعليم والسكن والصرف الصحي، بمختلف مناطق سوريا.
وتناولت “المبادرة” آلية معالجة ملف المعتقلين على المدى القريب، من خلال تقديم النظام معلومات تفصيلية لمكاتب الأمم المتحدة عن المستفيدين من العفو الرئاسي الذي أصدره النظام (نيسان 2022)، إلى جانب الإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي، والاتفاق على إطلاق سراح المعتقلين بشكل تدريجي، والتعاون مع “الصليب الأحمر” لتحديد أماكن ومصاير المفقودين والمخطوفين، مع وجوب حث كل الأطراف السورية وتركيا (قريبة من المعارضة وتفاوض النظام لتطبيع العلاقات السياسية معه) على التعاون للإفراج عن معتقلين منهم عسكريون وأمنيون عاملون في “الجيش السوري” و”الحكومة السورية”.
وتركز “المبادرة” في مرحلتها الأولى (المدى القريب) على ملف عودة اللاجئين، الذي يشكّل هاجسًا لدول الجوار المضيفة لهم (الأردن وتركيا ولبنان)، إذ تطالب بتسهيل رسمي من النظام لعودتهم إلى أراضيهم وممتلكاتهم، مقابل الاستثمار في مناطق يتوقع أن يعود إليها اللاجئون، وفق “مشروع تجريبي” يبدأ من الجنوب السوري.
وتطالب في مرحلتها الثانية بإخراج القوات الإيرانية من سوريا، وتخفيض الحضور العسكري الإيراني فيها سلاحًا وجغرافيا، واستعادة ممتلكات استحوذت عليها إيران في سوريا، وانسحاب الميليشيات الشيعية و”حزب الله” اللبناني، ومعالجة مخاوف دول الجوار بشأن تهريب المخدرات من سوريا.
المرحلة الثالثة تتضمن الحديث عن “خطوات متوقعة من دمشق”، تشمل إصلاحات لضمان حكومة جيدة ومنع الاضطهاد، والانخراط في المصالحة مع المعارضة السابقة (داخل سوريا)، والاتفاق على صيغة حكم أكثر شمولًا، وانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.
وضمن هذه المرحلة أيضًا، وعلى المدى البعيد، وهو الأكثر تعقيدًا، فالمطلوب من النظام إعلان إنهاء العمليات العسكرية في سوريا المتعلقة بـ”النزاع المسلح”، باستثناء التدريب القتالي ضد جهات تحددها الأمم المتحدة، بينما تعرض على النظام “حوافز” تتضمن تمويل إعادة الإعمار، ورفع العقوبات، وانسحاب القوات الأجنبية، بما فيها الموجودة في شمال شرقي سوريا ومنطقة التنف، مع الإشارة إلى أن تنفيذ مثل هذه البنود يمكن أن يحدث على المدى البعيد، تحت عنوان “الانسحاب والاندماج”.
في هذا الوقت
نُشرت تفاصيل “المبادرة” قبل نحو أسبوع من زيارة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إلى دمشق، ولقائه نظيره، فيصل المقداد، ورئيس النظام، بشار الأسد، في 3 من تموز الحالي.
زيارة الصفدي الثانية بعد الزلزال (الأولى في 15 من شباط)، جاءت للتباحث مع الأسد والمقداد حول الجهود المبذولة لحل “الأزمة السورية”، وعدد من القضايا الثنائية.
وخلال لقائه بالوزير الأردني، ربط الأسد عودة اللاجئين بالظروف المتردية في مناطق سيطرته، مشددًا على أن العودة الآمنة للاجئين أولوية، مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات إعادة الإعمار والتأهيل بجميع أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر التي تمكن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية.
الباحث في معهد “الشرق الأوسط”، تشارلز ليستر، اعتبر أن الزيارة الأردنية “محرجة” للنظام، فبعد عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، استمرت عمليات القتل والاعتقال التعسفي والخطف، في تصاعد لأعمال العنف في الوقت الذي يتوقع به عودة اللاجئين.
كما أن قيمة العملة السورية واصلت تراجعها بعد العودة إلى الجامعة العربية، بالإضافة إلى سلب عقارات وممتلكات مواطنين سوريين، وتصعيد الاستهدافات العسكرية لشمال غربي سوريا، ومقتل وإصابة العشرات باستهداف سوق خضراوات في إدلب.
وقال ليستر عبر “تويتر”، إن هذا يعني أن “خطة الأردن للإعادة المشروطة لإشراك النظام (في إشارة إلى العملية السياسية) لم تعد واعدة”.
وفي 19 من أيار الماضي، شارك بشار الأسد بالقمة العربية التي انعقدت في مدينة جدة السعودية، بعد إلغاء تجميد عضويته في الجامعة، وتبادل زيارات وزيري خارجية الطرفين (دمشق والرياض)، والقناعة السعودية التي تشجع على الحوار كبوابة للحل، وفق تصريحات سابقة في هذا السياق لوزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان.
وكانت عمان استضافت، مطلع الشهر نفسه، لقاء على مستوى وزراء الخارجية لكل من السعودية والعراق والأردن ومصر والنظام السوري، حمل اسم “اجتماع عمان التشاوري”، وأنتج بيانًا يتقاطع إلى حد بعيد مع بنود “المبادرة الأردنية” التي جرى الكشف عنها.
المشكلة في التنفيذ
الباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية اللواء السعودي المتقاعد عبد الله غانم القحطاني، أوضح لعنب بلدي أن الخطة أو “المبادرة” جيدة في المظهر، لكن المشكلة في التنفيذ، ففيها حشو وتفرعات كثيرة وبنود غير منطقية أو غير قابلة للتنفيذ، مشيرًا إلى مطالبة النظام السوري بإخراج القوات الإيرانية من سوريا، مقابل إعادة الإعمار ورفع العقوبات.
يتساءل اللواء القحطاني، هل نظام بشار الأسد قادر على إخراج القوات الروسية والإيرانية والجيوش الموجودة على الأرض، وهل يضمن خروج الروس والأمريكيين، ومن سيتولى مخيم “الهول” ويعيد من فيه إلى دولهم، وهل يصدّق عاقل بأن إيران يمكن أن تقبل بهذه “المبادرة”، ومَن أقوى على الأرض، النظام أم الميليشيات الإيرانية أم الروس أم الأمريكيون أم المعارضة المسلحة و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ويضيف، “الموضوع بشكله رومانسي، والخطة جيدة لو كانت قابلة للتنفيذ”.
“هل نظام بشار الأسد قادر على إخراج القوات الروسية والإيرانية والجيوش الموجودة على الأرض، وهل يضمن خروج الروس والأمريكيين (…) وهل يصدق عاقل بأن إيران يمكن أن تقبل بهذه المبادرة (…) الموضوع بشكله رومانسي، والخطة جيدة لو كانت قابلة للتنفيذ”.
عبد الله غانم القحطاني – باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية ولواء سعودي متقاعد |
الباحث لفت إلى عدم قدرة النظام على الإيفاء بهذه “المبادرة” وإخراج إيران، مشيرًا إلى التجربة العراقية، وبقاء الميليشيات الإيرانية في العراق رغم النفوذ الأمريكي هناك، ما يجعل المسألة معقدة أكثر في سوريا، في ظل وجود “الحرس الثوري” والألوية والمجموعات التابعة لإيران.
“لا أعتقد أن إيران ستخرج من سوريا تحت أي ظرف، والنظام لا يمتلك أدوات لإخراج القوات العسكرية غير السورية من سوريا، ولا أحد يمكنه إجبار القوات الأمريكية والروسية على الخروج من سوريا، فمصالح هذين الطرفين خارج سوريا تتحكم بكل شيء”، قال القحطاني.
كما لفت الباحث إلى مسألة التشاور الأردني مع الولايات المتحدة وروسيا حول الخطة، مبينًا أن الموافقة الأمريكية والروسية على “المبادرة”، تتطلب (إن كان ذلك صحيحًا) صدور قرار من مجلس الأمن لإقرارها أو إقرار تعديلاتها، بما يلزم الأطراف الأخرى بتنفيذها.
الباحث في العلاقات الدولية بلال السلايمة، أوضح لعنب بلدي أن “المبادرة” محاولة أردنية لأخذ زمام المبادرة بتقديم رؤية تستجيب بالدرجة الأولى لاحتياجات الأردن، ويتضح ذلك من خلال المطالب أو الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، إذ تأتي استجابة للمحاذير والمخاوف لدى دول الجوار وفي مقدمتها الأردن، سواء فيما يتعلق بالمخدرات أو عودة اللاجئين، وحتى خروج الميليشيات الإيرانية من سوريا.
وتأتي “المبادرة” بالتوازي مع حالة التعثر التي وصلت إليها العملية السياسية، فمسار “جنيف” معطل، و”أستانة” وصل إلى حده فيما يمكن أن يقدمه على الأرض، ما أفسح المجال أمام “المبادرة” لتأخذ زخمها بالتزامن مع حالة تصفير المشكلات على المستوى الإقليمي، ما دفع بـ”المبادرة” إلى الأمام.
وما دفع بهذا الاتجاه أيضًا وفق السلايمة، مبدأ “خطوة مقابل خطوة” الذي طرحه المبعوث الأممي، غير بيدرسون، كجزء من إجراءات “بناء الثقة”، وكمسار تفاوضي، الأمر الذي ساعد على تبني بعض الدول مفهومها الخاص حول هذا المبدأ، والانخراط بمسارات ثنائية مع النظام بعيدًا عن العملية السياسية الشاملة.
“من المستبعد أن تحقق المبادرة اختراقًا في العملية السياسية، لأنها تهدف إلى خطوات بسيطة تتعلق بتحسين سلوك النظام في بعض الملفات، ولا توجد رؤية حول الحل الجذري في سوريا، كم أن النظام غير معنيّ بتقديم أي خطوة من طرفه، وعلى رأسها ملف اللاجئين، فهو غير معنيّ بعودتهم من دول الجوار، إضافة إلى عدم قدرته على الاستجابة لبعض المطالب، ومنها الوجود الإيراني”، أضاف الباحث.
ويمكن القول إن “المبادرة” تحصر كل العملية السياسية في فكرة خطوات “بناء الثقة” من طرف النظام، والدول الأخرى، وهو أمر لم يتبعه النظام حتى حين كان يواجه خطرًا عسكريًا وتهديدًا سياسيًا، وبعد عودته الجزئية إلى المشهد السياسي، وتحقيق بعض الاستقرار الأمني في مناطق سيطرته على الأقل، فلا دافع لديه (النظام السوري) للانخراط في خطوات تبادل “بناء الثقة”، وفق الباحث بلال السلايمة.
رسائل متعارضة
جاءت “المبادرة” محمّلة بكثير من التفاصيل والمحاور المرتبطة بالملف السوري مع وجود بعض النقاط التي لم تبدُ منسجمة مع بعضها، إذ لا ترى في تغيير النظام “هدفًا فعالًا”، لكنها تشير ضمن مرحلتها الثالثة إلى ضرورة الموافقة على إجراء انتخابات تحت إشراف أممي، وتتحدث في الوقت نفسه عن أهمية الاتفاق على صيغة أصيلة لحكم أكثر شمولًا.
وجاء ذكر المعارضة باسمها الصريح لمرتين فقط في “المبادرة” التي تتحدث عن الحل، مستعيضة عنها بذكر “الأطراف السورية”، لكن الإشارة الأولى إليها كانت تدل على المعارضة الخارجية، عبر دعوة جميع الدول لاستعمال نفوذها لدى “الحكومة السورية” والمعارضة السورية، للتقدم في عملية السلم وخطوات بناء الثقة، لكن المرحلة الثالثة من “المبادرة” حصرت مسألة الانخراط بالمصالحة بين النظام و”المعارضة السابقة” التي دلت عليها بـ”المعارضة داخل سوريا”، دون أن تأتي على ذكر هيئات وأجسام المعارضة السورية التي يلتقيها النظام نفسه ضمن مسار عمل اللجنة الدستورية المتوقف منذ حزيران 2022.
كما يغيب عن “المبادرة” أي جدول زمني واضح للتنفيذ، يوضح موعد بدء التطبيق، والوقت المحدد لكل مرحلة، والمهلة الأخيرة لإنهاء تنفيذها، مع الاكتفاء بـ”مدى قريب ومتوسط وبعيد”، وهو ما اعتبره الباحث عبد الله غانم القحطاني مؤشرًا على عدم التوصل إلى تطبيق ملموس وواقعي لهذه الرؤية.
اللاجئون والمخدرات.. ملفات شائكة
سجل ملف المخدرات حضورًا في “المبادرة الأردنية”، باعتباره إحدى القضايا التي تشغل اهتمام الأردن ودول الخليج العربي أيضًا، لكن دون تركيز على هذا الملف أو منحة مساحة واسعة في “المبادرة”، رغم الربط بين عدم الاستقرار وتصاعد تهريب المخدرات عبر الحدود مع سوريا.
اجتماع عمان التشاوري، واللقاء الوزاري العربي بجدة في 14 من نيسان الماضي، والبيانان الختاميان للقاءين، وتصريحات متواصلة لمسؤولي دول الجوار حول تهريب المخدرات من سوريا، وصولًا إلى الحديث عن عرض قدمه وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، للأسد، في 18 من الشهر نفسه، خلال زيارته إلى دمشق، وفحواه تعويض النظام السوري خسارة تجارة “الكبتاجون” في حال توقفها، كل ذلك ومحاولات التهريب لم تتوقف.
وبالتزامن مع الإعلانات المتكررة وشبه اليومية للأردن والسعودية حول توقيف شحنات مخدرات تضم كميات متفاوتة من أقراص “الكبتاجون” المخدرة، شهدت مدينة درعا، جنوبي سوريا، قصفًا جويًا في أيار الماضي، استهدف مرعي الرمثان، أحد أشهر تجار المخدرات المرتبطين بالنظام السوري.
وجاءت الضربة الجوية قبل يوم واحد من مشاركة النظام في مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات في 9 من أيار الماضي.
كما سبقها، في 4 من الشهر نفسه، تلويح أردني بعملية عسكرية في سوريا للقضاء على تهريب المخدرات، وفق تصريحات لوزير الخارجية، أيمن الصفدي، خلال مقابلة مع شبكة “CNN” الأمريكية.
وكانت السلطات الأردنية أحبطت، في 1 من أيار الماضي، محاولة تهريب 133 ألف قرص “كبتاجون” مخدر من الأراضي السورية، بالتزامن مع وصول وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى عمان، للمشاركة في اجتماعها التشاوري.
وفي 13 من نيسان، قبل يوم واحد من اجتماع جدة الوزاري لبحث التقارب مع النظام السوري حينها، أعلنت السلطات السعودية ضبط شحنة من الحبوب المخدرة، وعددها أكثر من 3.6 مليون حبة من مادة “الإمفيتامين”، مخبأة في شحنة بطاطا، وقُبض على مستقبليها في الرياض، وهم ثلاثة مقيمين ووافدان بتأشيرة زيارة، وفق ما نقتله وكالة الأنباء السعودية (واس).
وفي مؤشر آخر على جدّية وخطورة الملف، فإن الملك الأردني طلب، مطلع آذار الماضي، من وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، المساعدة في خوض “حرب المخدرات” المتنامية على طول الحدود البرية الأردنية- السورية.
كما حمّل الملك الأردني الميليشيات المدعومة من إيران المسؤولية عن تهريب المخدرات على الحدود، وناقش مع الوزير الأمريكي تصاعد ترسيخ الميليشيات المدعومة من إيران جنوبي سوريا، التي قال مسؤولون إنها كثفت عمليات تهريب المخدرات عبر حدودها، للوصول إلى أسواق الخليج العربي.
باب “زرق” للنظام
وفق كثير من التقارير والتصريحات الأمريكية، بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية- البريطانية، الصادرة في 28 من آذار الماضي، فإن لملف المخدرات صلات بعائلة الأسد، و”الفرقة الرابعة” من “الجيش السوري” التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام.
وشملت العقوبات أشخاصًا وكيانات مسؤولة عن إنتاج وتصدير “الكبتاجون” في سوريا، وأُدرج على لوائحها سامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد، ابنا عم بشار الأسد.
ويشرف سامر الأسد، وفق بيان لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأمريكية، على منشآت إنتاج “الكبتاجون” الرئيسة في محافظة اللاذقية، بالتنسيق مع “الفرقة الرابعة” وبعض أعضاء “حزب الله”.
الخبير الأردني بالأمن الاستراتيجي عمر الرداد، يرى أن ملف “الكبتاجون” يرتبط بسطوة الميليشيات المتعددة وأدوارها، وبكونه مصدر دخل للنظام، مشككًا في الوقت نفسه بقدرة النظام على تقديم تنازلات في هذا الإطار تتعدى ما هو شكلي.
الرداد أوضح لعنب بلدي أن جدّية النظام تتراوح بين إرسال الرسائل إلى الدول المعنية بالملف وبين المساومة، لا سيما أن قرار إنهاء تصنيع وتهريب المخدرات بيد ميليشيات وشخصيات داخل النظام تختلف عن تلك التي تبحث الملف مع الأردن والسعودية.
جاء ملف المخدرات في “المبادرة” إلى جانب الشقين الأمني والعسكري، اللذين يشكّلان ثاني مراحل المبادرة، في إشارة إلى “خطوات لمعالجة الوجود الإيراني في سوريا”، ما يعني ارتباط ملف المخدرات بإيران، كما أشارت “المبادرة” إلى ارتباطه بملفات وقضايا أخرى، فهو ليس معزولًا عن الملفات الأخرى التي أشارت إليها قرارات القمة العربية (19 من أيار الماضي) بخصوص عودة اللاجئين والتسوية السياسية، وفق عمر الرداد الذي لفت إلى صعوبة نجاح مسار دون آخر ضمن “المبادرة”.
بحسب تحقيق مشترك لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، وشبكة الصحافة الاستقصائية (OCCRP)، صدر في 27 من حزيران الماضي، فإن هناك صلات مباشرة بين تجارة “الكبتاجون” وضابط رفيع بـ”الفرقة الرابعة” هو اللواء غسان بلال، الرجل الثاني بعد ماهر الأسد في “الفرقة”.
كما يظهر التحقيق ضلوع “حزب الله” بملف الصناعة والتهريب.
في السياق نفسه، نقلت “BBC” عن المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جويل ريبورن، أن “حجم الإيرادات يفوق كثيرًا ميزانية الدولة السورية، وإذا توقفت عائدات (الكبتاجون) أو تعطلت، لا أعتقد أن نظام الأسد يمكن أن ينجو”.
لا تنازلات أمام اللاجئين
إلى جانب حضوره التفصيلي في “المبادرة”، والحديث عن “مشروع تجريبي” لإعادة نحو ألف لاجئ سوري، فمنذ مشاركة النظام السوري في الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية، ركّزت تصريحات مسؤوليه على التعافي المبكر، والاستثمار في سوريا للمساعدة بعودة اللاجئين.
ملف اللاجئين الذي يحتل صدارة حديث المسؤولين العرب ومباحثاتهم مع النظام، ربطته “المبادرة” بـ”خطوات بناء الثقة” التي أشارت إلى أن هدفها تحقيق تبدل تدريجي في سلوك النظام مقابل حوافز تحدد لمصلحة الشعب السوري، وتمكين بيئة مواتية لعودة اللاجئين.
وخلال لقائه وزير الخارجية الأردني، ربط الأسد مسألة عودة اللاجئين بالظروف المتردية في مناطق سيطرته، مشددًا على أن العودة الآمنة للاجئين أولوية، مع ضرورة تأمين البنية الأساسية لهذه العودة ومتطلبات الإعمار والتأهيل بجميع أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر التي تمكن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية.
يرى رئيس منظمة “السلام والعدالة والتوثيق”، أنور مجني، أن موضوع العودة يجب بحثه باتجاهين، رغبة النظام ورغبة المهجرين، فالنظام لا يريد عودة مجانية دون مقابل، وقبوله جدلًا تقديم تنازلات في هذا الملف لا يعني قبوله للمهجرين، مستبعدًا تقديم تنازلات تتعلق بتغيير آلية تعامله مع السوريين وإيقاف الانتهاكات.
كما أن الدول العربية لا ترغب بتكريس تغيير ديموغرافي، وتسعى لإبعاد الوجود الإيراني، إلى جانب السعي لتخفيف الحضور السوري على أراضيها، وفي الوقت نفسه، التوصل إلى حل سياسي يبدد المخاوف والمخاطر الأمنية الحدودية، ويعالج ملف المخدرات.
كيف يتعامل النظام مع ملف عودتهم؟
يرى مدير مركز “الشرق الأوسط للدراسات”، صفوان الموقت، أن الملف يشكّل بنظر النظام أقوى ملفات التفاوض مع الدول الإقليمية والاتحاد الأوروبي، كما اعتبر الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، أن النظام لا يملك إمكانيات اقتصادية أو مادية على صعيد البنية التحتية لاستقبال ملايين اللاجئين.
وأشار أنور مجني، في حديثه لعنب بلدي، إلى أن النظام يتعامل مع الملف باعتباره ملفًا سياسيًا لا إنسانيًا، وينشد مكاسب سياسية واقتصادية لقاء عودتهم.
الواقع العسكري حجر عثرة
الخطوة التي اعتبرتها “المبادرة” الأكثر تعقيدًا، تتلخص بمسألة إنهاء الوجود العسكري لإيران، بما في ذلك الميليشيات الشيعية المقربة منها كـ”حزب الله”، وإعلان انتهاء العمليات العسكرية المتعلقة بـ”النزاع” في سوريا، وهو طرح متزامن مع زيادة تعقيد المشهد العسكري، وتنامي نفوذ قوى عسكرية وسطوتها وانتشارها الميداني في سوريا.
ووفق تحليل بحثي أجراه مركز “جسور للدراسات” بالتعاون مع مؤسسة “إنفورماجين لتحليل البيانات”، بلغ عدد المواقع العسكرية للقوى الخارجية في سوريا 830 موقعًا حتى تموز 2023، تتوزع تحت هيمنة الدول والجهات المؤثرة على الأرض (التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وروسيا وتركيا وإيران).
العقيد الطيار السابق في قوات النظام مصطفى بكور، شكّك بقدرة النظام على دفع إيران للانسحاب من سوريا، باعتباره مدعومًا أصلًا على الأرض من إيران، وفي الجو من روسيا.
وقال بكور لعنب بلدي، إن النظام يدرك أن أي انسحاب لإيران من سوريا يعني إضعافه، وهو ليس بصدد استبدال العرب بإيران.
وخلال استقباله الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في دمشق، مطلع أيار الماضي، وصف رئيس النظام السوري العلاقة مع إيران بأنها “غنية عن التعريف، غنية بالمضمون، غنية بالتجارب، وغنية بالرؤية التي كونتها”.
وأشار في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”، منتصف آذار الماضي، إلى أن الساحة السورية لم تعد مكان صراع إيراني- سعودي، كما كانت في بعض المراحل ومن قبل بعض الجهات.
“الحديث عن علاقة سورية- إيرانية يجب أن تنقطع لم يعد مُثارًا مع سوريا منذ سنوات طويلة، أعتقد أن هناك تفهمًا لطبيعة هذه العلاقة”، أضاف الأسد.
في السياق نفسه، شدد العقيد السابق في قوات النظام على أنه عند الحديث عن إيران، فهذا يعني أيضًا الميليشيات الطائفية الإيرانية و”حزب الله” اللبناني، وكل القوى التي تعمل بدعم وتوجيه من إيران.
الغرب حضور فعلي.. علنًا: لا تبنّي
تعود “المبادرة الأردنية” إلى عام 2021، عندما أعدّت عمان ورقة رسمية، تضمنت تصورها للحل في سوريا، جرت مشاركتها ومناقشتها من قبل الملك الأردني في اجتماعات منفصلة مع الرئيسين الأمريكي والروسي.
وجاء في نص “المبادرة”، أن الورقة جرى تعديلها بعد مشاورات مع دول عربية وغربية (دون أن يتم ذكرها تفصيلًا)، وصولًا إلى نسختها الأخيرة، التي تضمنت بدقة الخطوات المطلوبة من دمشق والعواصم الأخرى.
وتضمن نص “المبادرة” حرفيًا موافقة الأطراف الخارجية المعنية (دون تحديدها أيضًا) على النقاط الخمس الأساسية ضمن “المبادرة”.
واشنطن.. موافقة ضمنية
في 7 من حزيران الماضي، تضمّن البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري المشترك بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية، تجديد الالتزام بالتوصل إلى حل سياسي في سوريا، يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي “2254”، وعلى النحو المتفق عليه خلال “اجتماع عمان التشاوري” في 1 من أيار الماضي، وهو الاجتماع الذي تم الاتفاق من خلاله على إطلاق دور عربي لحل “الأزمة السورية” على أساس “المبادرة الأردنية”.
بحسب تقرير صادر عن مركز “جسور للدراسات”، تبدو الولايات المتحدة الأمريكية أكثر استعدادًا للتعبير عن موقف واضح تجاه “المبادرة الأردنية”، عقب اجتماع وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، مع وزراء خارجية مجلس التعاون، الموقف الذي قد يظهر دعمًا مشروطًا لهذه “المبادرة”، ويتعامل معها كواحدة من سياسات الاحتواء تجاه النظام الهادفة إلى تعديل سلوكه.
ورغم ما يجري الحديث عنه إعلاميًا حول موافقة ضمنية لأمريكا على التحركات العربية مؤخرًا، لم تعبر التصريحات المعلَنة لمسؤوليها عن أي تغيير في المضمون المتمثل بمواصلة دعم الجهود الرامية لحل سياسي وفق “2254”.
طرحت عنب بلدي على الخارجية الأمريكية، عبر موقعها الرسمي، أسئلة واستفسارات حول الموقف الأمريكي من “المبادرة” وتعليقها عليها، أو انخراطها فيها، وما إذا كانت لدى البيت الأبيض تحفظات على أي من بنود “المبادرة”، لكن الرد الرسمي الأمريكي لم يقدم إجابات مباشرة على الأسئلة.
وجاء في الرد المقدم على لسان مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية (لم يذكر اسمه)، أن الولايات المتحدة تدعم العملية السورية التي تيسرها الأمم المتحدة، والتي جرى وضعها ضمن معايير قرار مجلس الأمن “2254”، كما تواصل إعادة التأكيد للمجتمع الدولي على إيمانها بأن الاستقرار الأكبر في سوريا والمنطقة، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية سياسية تمثّل إرادة جميع السوريين.
وحول مدى انخراط واشنطن في المشاورات التي سبقت “المبادرة”، قال المسؤول في الوزارة، إن أمريكا متسقة في رسالتها إلى جميع الأطراف مع أن الحل السياسي بقيادة سورية والذي يمثّل إرادة جميع السوريين على النحو المبيّن في القرار “2254” يبقى الحل الوحيد القابل للتطبيق، إذ تواصل حث جميع الأطراف على المشاركة الكاملة في هذه العملية، ودعم جهود المبعوث الأممي لتسهيل التوصل إلى حل سياسي.
وأكد المسؤول أن بلاده تظل منخرطة مع الأمم المتحدة وحلفائها وشركائها الدوليين لتشجيع كل الجهود الممكنة لدفع المسار السياسي.
الاتحاد الأوروبي حاضر أيضًا
مطلع نيسان الماضي، التقى وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، مع الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، لبحث عدد من القضايا، منها “المبادرة الأردنية”، في زيارة التقى بها عدد من المسؤولين الأوروبيين.
وشهدت العاصمة الأردنية عمان منذ مطلع العام الحالي عدة اجتماعات محورها الملف السوري، أحدها جرى في آذار الماضي، بمشاركة ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية و11 دولة فاعلة، وتضمّن مباحثات حول الوضع في سوريا بحضور المبعوث الأممي، غير بيدرسون.
لم يصدر عن الاتحاد الأوروبي تعليق رسمي حول موقفه من “المبادرة”، وللحصول على معلومات أكثر في هذا السياق، تواصلت عنب بلدي مع مكتب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينيسكو، عبر مراسلة إلكترونية، دون أن تلقى ردًا حتى إعداد هذا الملف.
الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال خلال لقائه أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في 18 من حزيران الماضي، إن الاتحاد الأوروبي يقف حازمًا بموقفه من سوريا، كما أظهر في مؤتمر “بروكسل”.
ومن مقر الجامعة في القاهرة، تطرق بوريل إلى إلغاء تجميد عضوية النظام في جامعة الدول العربية، مشددًا على أن موقف الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا لن يتغير حتى تحقيق التقدم المطلوب في تنفيذ قرار مجلس الأمن “2254”.
في تصريحات منفصلة، أشارت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، في أثناء زيارة أجرتها إلى قطر، في حزيران الماضي، إلى ضرورة تنفيذ النظام السوري جميع التزاماته كشرط للقبول بحضوره دوليًا وإقليميًا.
من جهتها، حذرت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، حين زارت السعودية، في أيار الماضي، مما وصفته بـ”التطبيع غير المشروط” للعلاقات مع الأسد.
وقالت عقب لقائها نظيرها السعودي، فيصل بن فرحان، إن “كل خطوة باتجاه الأسد يجب أن تعتمد على تنازلات ملموسة”.