بعد انقطاع لعقود.. آباء يعودون إلى مقاعد الدراسة شمالي سوريا
“لو صار عمري 110 سنوات سأعود إلى الدراسة”، عبارة لخصت إصرار الستيني، خليل الأحمد، على متابعة الدراسة بعد نجاحه في امتحان شهادة التعليم الأساسي (التاسع)، في ريف حلب مؤخرًا.
خليل، وهو مهجر من قرى السفيرة بريف حلب الشرقي ويقطن في مخيم “يازي باغ جبل” قرب مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، قال إنه قرر دخول الامتحان ليكسر رهبة ولده، معربًا عن شعوره بالحسرة لعدم إكمال دراسته منذ أربعين عامًا.
خليل تحدث لعنب بلدي قائلًا، إن لديه الأمل بأن يتابع الدراسة حتى المراحل العليا لاحقًا، إن سمحت له ظروفه ذلك.
حالة الرجل واحدة من مئات الحالات التي شهدتها مقاعد الامتحانات في ريفي حلب الشمالي والشرقي، والتي انتهت مؤخرًا، في حين تشهد قاعات الامتحانات في إدلب عودة للمنقطعين، الذين لم تمنعهم الظروف الصعبة والواقع المتردي من العودة إلى الدراسة.
محمد المصري (34 عامًا)، مهجر من الغوطة الشرقية، ومنقطع عن الدراسة منذ 20 عامًا، ويعمل في مكتبة بإدلب، تحدى الظروف هذا العام للحصول على شهادة الثانوية العامة بفرعها الأدبي.
ويستغل الشاب أوقات عدم وجود الزبائن في الدراسة والموازنة بين العمل والتحصيل العلمي.
وقال محمد لعنب بلدي، إنه اضطر لترك الدراسة عام 2003، والبحث عن عمل بسبب ظروف الحياة القاسية، وعدم الاهتمام ذلك الوقت بالتحصيل العلمي.
وبعد نقاشات مع الأهل ومحاولات لإقناعه بالعدول عن الفكرة، ابتعد عن الدراسة وبدأ في العمل بمجال تعقيب المعاملات، وحصل على شهادة حرفية لممارسة المهنة.
وأضاف محمد، أنه بعد التهجير القسري والوصول إلى الشمال السوري، لم يستطع العمل في مجال تعقيب المعاملات بسبب عدم وجود بيئة ملائمة للعمل، وواجه صعوبات في تأمين فرصة عمل حتى عمل في المكتبة.
العمل بالمكتبة أشعر محمد بضرورة تحسين وضعه المعيشي وأهمية العلم، لذلك قرر العودة لمقاعد الدراسة، حسب قوله.
وذكر أنه في البداية واجه صعوبات كبيرة، أهمها الانقطاع الطويل عن الدراسة، واضطراره إلى الجلوس فترات طويلة للقراءة واستيعاب المواد، وعانى من صعوبة الدراسة في منزل من غرفة واحدة ومنافع، فعائلته مكونة من ثلاثة أطفال وزوجة، ما يعني عدم القدرة على التركيز في الدراسة بسبب صخب الأطفال، على حد قوله.
وأوضح أنه كان مخيرًا بين الرضوخ للأمر الواقع والظروف المفروضة أو تحدي الظروف وإيجاد حلول للمشكلات التي يواجها في متابعة الدراسة، فوجد المكتبة حلًا لتأمين جو هادئ وملائم للدراسة.
وبالنسبة لمشكلة الاستيعاب، توجه محمد لأحد المعاهد التي تقدم دورات للطلاب المنقطعين عن الدراسة بهدف الاستفادة من خبرات المعلمين، لكنه تفاجأ بالمبلغ “الكبير” الذي طلب منه كأقساط للمعهد.
وطلب المعهد مبلغ 250 دولارًا أمريكيًا كأقساط، وهو مبلغ كبير بالنسبة لمحمد، والمشكلة الثانية هي ضرورة الالتزام وحضور الدروس وعدم القدرة على التوفيق بين الدراسة والعمل، لذلك قرر التسجيل في دورات لمادتي الفلسفة واللغة الإنجليزية، والاعتماد على نفسه وعلى بعض الدروس على الإنترنت بالنسبة لبقية المواد.
وبحسب محمد، فإن الدورات ساعدته بشكل كبير ويشعر بتحسن مستواه في اللغة الإنجليزية، أما الفلسفة فلا يزال يشعر بصعوبة دراستها.
لؤي العمر (36 عامًا)، كان يعمل في صناعة المواد البلاستيكية، هجّر إلى الشمال السوري عام 2017، واستطاع العام الماضي الحصول على شهادة التعليم الأساسي، ويطمح العام للحصول على الشهادة الثانوية ومتابعة دراسته الجامعية.
وقال لؤي في حديثه لعنب بلدي، إنه وصل إلى الشمال السوري أميًا لا يجيد القراءة ولا الكتابة، وكان شعوره بأهمية تعلم القراءة لقراءة القرآن البداية، ثم ساعده صديقه الحاصل على شهادة في الأدب العربي بتعلم القراءة والكتابة، ثم تلقى بعض الدروس الخصوصية من الأصدقاء.
وأضاف أنه تلقى الدروس لثلاثة أعوام في مختلف المواد، وبعدها أحضر كتب مواد الشهادة الإعدادية، ودرس بجد لاجتياز الاختبار العام الماضي وحصل على الشهادة.
بدأ لؤي الدراسة مبكرًا من الصيف الماضي، ويطمح إلى الحصول على الشهادة الثانوية والدخول إلى الجامعة للدراسة في كلية الشريعة التي يرغب.
يستيقظ لؤي باكرًا عند الفجر يدرس لمدة ساعتين، ثم ينطلق لعمله في أحد المطاعم، ويعود من العمل مساء، وينتظر نوم أطفاله ليدرس ساعة أو ساعتين، على حد قوله.
أكثر الصعوبات التي واجهها لؤي في العودة للدراسة، هي التوفيق بين العمل وتأمين مستلزمات الأسرة، وإيجاد وقت مناسب.
وتبدأ امتحانات شهادة التعليم الثانوي في إدلب بجميع الفروع في 5 من تموز المقبل، وتبدأ امتحانات التعليم الأساسي في 6 من الشهر نفسه، وتأجلت هذا العام نتيجة الزلزال والأضرار خلّفها.
وقال مدير مديرية التربية والتعليم في إدلب، أحمد الحسين، في تصريح لعنب بلدي، إن عدد الطلاب والطالبات المسجلين لامتحانات العام 2023 لشهادتي التعليم الأساسي والثانوي، بلغ حوالي 47 ألف طالب وطالبة، من تعليم عام وشرعي للأساسي، وعلمي وأدبي وشرعي ومهني للثانوي.
اقرأ أيضًا: تحضيرات اعترضها الزلزال.. 47 ألف طالب يقدمون امتحانات في إدلب
شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب أنس الخولي
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :