لم تعد رياضة "ذكورية"..
سوريات يقتحمن عالم كرة القدم
عنب بلدي – يامن مغربي
تشهد رياضة كرة القدم اهتمامًا نسائيًا متزايدًا في سوريا على صعيد التشجيع والتفاعل، عبر حضور المباريات في أثناء عرضها ومتابعة أخبار الفرق الرياضية المختلفة، وتحديدًا الأوروبية منها، وتفضيل اللاعبين وتشجيع منتخباتهم في البطولات القارية، ككأس العالم وكأس أمم أوروبا وغيرهما.
يتراوح هذا الاهتمام بين التفاعل مع الزخم الناتج عن الحدث الرياضي نفسه، واحتلاله مساحة واسعة من تعليقات وتشجيع الشريحة الرياضية الواسعة المتابعة للبطولات، وصولًا إلى الاهتمام باللعبة نفسها، خاصة مع تطور وانتشار كرة القدم النسائية.
ليست حكرًا على الذكور
إحدى أبرز الصور النمطية المرتبطة بكرة القدم، أنها لعبة خاصة بالذكور ولا علاقة للنساء بها، على اعتبار أن أكثر البطولات شهرة وقيمة سوقية وانتشارًا هي الشق الرجالي من اللعبة، كما أنها تحمل التحامات جسدية عنيفة في بعض الأحيان.
“كرة القدم ليست لعبة ذكورية، وليست حكرًا على الذكور”، قالت نورا، وهي صحفية سورية مقيمة في هولندا، لعنب بلدي.
ترى نورا أن شكل اللعبة والعادات والتقاليد الاجتماعية في سوريا فرضت شكلًا من أشكال الذكورية على كرة القدم، إذ إن نمط الحياة القديم حمل فكرة أن الذكر يحق له ممارسة كرة القدم في الشارع والملاعب ومشاهدتها، لكنها ليست كذلك بالأصل.
نورا منصور، وهي إحدى السوريات اللواتي مارسن كرة القدم، قالت لعنب بلدي، إنها أحبت اللعبة واستمتعت بممارستها، لكنها لم تشعر أنها تملك الموهبة لمتابعتها.
اقتحام النساء عالم كرة القدم لا يتوقف على إنشاء فرق نسائية، أو الاستعانة بالنساء لتحكيم المباريات فقط، بل اقتحمن كذلك عالم التدريب.
تعد المدربة مها جنود أول سورية تدخل عالم تدريب فرق كرة القدم الرجالية في سوريا، وسبق لها أن لعبت ضمن صفوف نادي “المحافظة” والمنتخب السوري، بحسب تصريحاتها لموقع “سبوتنيك” الروسي في 2021.
وقالت مها حينها، إن أبرز المشكلات التي تعانيها سوريا ودول غرب آسيا تتمثل بنقص الموارد البشرية النسائية على صعيد المدربات والمعدات البدنيات.
وظهر اهتمام كبير في عدة دول عربية خلال السنوات الأخيرة بكرة القدم النسائية، وإلى جانب سوريا، تمتلك السعودية والأردن ومصر ولبنان منتخبات كرة قدم للسيدات.
من جهتها، نينار حسن، وهي سورية تقيم في فرنسا، قالت لعنب بلدي، إنها تحب كرة القدم لأنها تجمع سحرًا فرديًا وجماعيًا، وهذا السبب الأول، أما السبب الثاني فيتعلق بوالدتها التي سُحرت بطريقة لعب بيليه، أحد أشهر لاعبي البرازيل ومن أفضل لاعبي كرة القدم عبر تاريخها.
وأضافت نينار أنه إلى جانب مباريات فريقها برشلونة الإسباني بقسميه الرجالي والنسائي، هناك الدوريان الفرنسي والإنجليزي، وترى أن الأخير هو الأكثر متعة بالمقارنة مع دوريات كرة القدم الأخرى.
كحال نورا، لا تعتقد نينار أن كرة القدم لعبة مخصصة للذكور فقط، إذ قالت إن الذكور ربما “يحاولون الاستحواذ عليها لتفريغ مشاعر الغضب والعصبية والتنافس من خلالها، لكنها بالأساس ليست كذلك”.
أكدت نورا أنها داعمة كبيرة لكرة القدم النسائية، وتابعت كأس العالم للسيدات، وعملت على تغطية أخبارها في عام 2019، وقالت لعنب بلدي، إنها ستتابع المونديال النسائي المقبل الذي يقام في تموز 2023، وتحتضنه أستراليا ونيوزيلندا، وتغيب عنه الدول العربية باستثناء المغرب.
وتُقام بطولة كأس العالم للسيدات مرة كل أربع سنوات، وانطلقت للمرة الأولى عام 1991 بتنظيم من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ويشارك فيها حاليًا 32 فريقًا.
الفرق الأوروبية تتفوق على المحلية تشجيعيًا
حقق نادي “عامودا“، في 2020، أول بطولة دوري كرة قدم للسيدات في سوريا، ونافس ستة أندية أخرى، هي “شرطة حماة” و”جرمانا” و”محافظة دمشق” و”عمال السويداء” و”محافظة حمص”، علمًا أنه أُسس في عام 2018.
نورا إحدى مشجعات نادي ريال مدريد الإسباني، قالت إنها لم تشجع أي نادي كرة قدم محلي، سوى نادي “الكرامة” (التابع لمحافظة حمص وسط سوريا، ويعد من أشهر أندية كرة القدم السورية)، بين عامي 2006 و2009، وهذه الفترة تعدّ ذهبية للنادي الذي تألق فيها قاريًا، ووصل إلى نهائي دوري أبطال آسيا (أقوى منافسات القارة الكروية في 2006).
رغم خروجها من سوريا منذ عدة سنوات، تتابع نورا بين الحين والآخر أخبار لاعبي هذا الجيل الذهبي، ممن لهم موقف واضح من النظام السوري، كان أحدهم حارس فريق “الكرامة” للشباب عبد الباسط الساروت، الذي قُتل خلال إحدى المعارك ضد النظام السوري في 2019.
نينار هي الأخرى لا تتابع فرقًا محلية، لكن وقبل خروجها من سوريا، تابعت كرة السلة اللبنانية وشجعت نادي “الحكمة” اللبناني.
بشرى، طبيبة عيون من اللاذقية (طلبت عدم ذكر اسمها الكامل)، قالت إنها لا تتابع كرة القدم سوى في وقت المونديال فقط، باعتبار أن الأمر أشبه باحتفال عالمي، وهو حدث يعيشه كل العالم، وتندمج مع البطولة وتشجع المنتخب البرازيلي.
“أشعر أنني بغاية الحماسة في أثناء مباريات المونديال، وكأنني أحب كرة القدم مذ كنت طفلة صغيرة”، قالت بشرى، وأضافت أن المونديال أشبه بحالة عدوى من الفرح والحماسة.
رغم امتلاك مدينة اللاذقية أحد أكثر “ديربيات” كرة القدم السورية ندّية بين أندية “المدينة” و”حطين” و”تشرين”، فإن بشرى لم تشاهد مباراة في الملعب نهائيًا.
أرجعت بشرى الأمر إلى أن مباراة “ديربي اللاذقية” عادة ما تتحول إلى مناسبة لافتعال المشكلات بين المشجعين في المدرجات، وهو ما يتحول إلى شتائم بين الطرفين، ورمي للأحجار، وقد يسقط جرحى في بعض الأحيان.
لكنها أشارت في حديثها لعنب بلدي، إلى انتشار ثقافة تشجيع فرق كرة القدم السورية في مدينتها اللاذقية مؤخرًا، وتزايد الدعوات لحضور هذه المباريات في الملعب لا خلف الشاشة.
وتُظهر صور متداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي شابات سوريات في أثناء حضور مباريات نادي “تشرين” تحديدًا، تنتمي بعضهن لـ”رابطة مشجعات نادي تشرين”، التي أُسست في عام 2017.
وعادة ما تمتلئ المقاهي في عدة مدن سورية بشابات وشبان لتشجيع منتخبات أوروبا وأمريكا الجنوبية في أثناء مباريات المونديال، كما أظهرت صور متداولة من دمشق وجود عدد كبير من الشابات في ساحة “الأمويين” وسط العاصمة لمشاهدة المباريات على الهواء مباشرة، أو لتشجيع المنتخب السوري خلال تصفيات كأس العالم 2018، وكأس آسيا 2019 التي أقيمت في الإمارات.
كذلك شهدت ملاعب الإمارات، التي احتضنت مباريات التصفيات نفسها، وجود العنصر النسائي بشكل كبير في المدرجات.
وشهد تفوق المنتخب المغربي في كأس العالم الأخير بقطر 2022 تفاعلًا نسائيًا كبيرًا عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
وتشير المعلومات إلى أن مدينة حلب السورية شهدت تأسيس أول فريق نسائي لكرة القدم في الشرق الأوسط، عام 1950، فيما تشير معلومات أخرى إلى تأسيسه في عام 1971.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :