تراجع زراعة العنب يؤثر في محصول “ورق العريش” بدرعا
درعا – حليم محمد
يبدأ مع شهر أيار من كل عام، قطف أوراق عرائش العنب التي تُستخدم لإعداد بعض الأطعمة كـ”اليبرق” و”اليالنجي”.
وتخزن العائلات عادة كميات من أوراق العنب، أو ما يطلق عليه شعبيًا “ورق العريش”، كمؤونة لاستخدامها في فصل الشتاء، لكن الموسم الحالي شهد ارتفاعًا في الأسعار وصل إلى الضعف، جراء تراجع الإنتاج وإقبال المزارعين على اقتلاع عرائش العنب، والاتجاه نحو محاصيل أخرى ذات متطلبات زراعية أقل.
وبعدما كان سعر الكيلوغرام الواحد من ورق العنب ثمانية آلاف ليرة سورية خلال 2022، وصل سعر الكيلوغرام هذا الموسم إلى 16 ألف ليرة سورية.
وتستخدم العائلات في درعا طريقتين لتخزين هذه الأوراق، تتجلى الأولى بحفظ الأوراق ضمن عبوات مع الماء والملح، والثانية عبر وضع الأوراق في عبوات مفرغة من الهواء، بعد تنظيفها وتحضيرها لتكون جاهزة للاستخدام.
اعتادت مي، وهي سيدة متزوجة وأم لخمسة أطفال، تخزين ورق العنب في كل موسم، لتحضير “اليبرق” في الشتاء لعائلتها، وأوضحت لعنب بلدي أنها كانت تخزن سنويًا نحو 15 كيلوغرامًا، لكن متغيرات الأسعار هذا الموسم دفعتها للاكتفاء بخمسة كيلوغرامات فقط.
وقالت السيدة لعنب بلدي، إن هناك صعوبات في تأمين الكميات أصلًا، لقلة عرائش العنب في المحافظة، ما دفعها لحجز طلب لدى صاحب إحدى المزارع بالكمية التي تريدها قبل نحو 20 يومًا من موعد القطاف.
الورق غذاء للثمرة
يعمل أصحاب العرائش على انتقاء الأوراق بعناية من أشجار الكرم وبيعها للراغبين.
حسين يمتلك مزرعة عنب من عشرة دونمات في ريف درعا، قال لعنب بلدي، إنه يقطف الأوراق بعناية خوفًا من تأثيرها على عناقيد العنب.
ويجني حسين نحو 30 كيلوغرامًا من الأوراق يوميًا، يبيعها للراغبين، لكنه أوضح لعنب بلدي أنه لا يعتمد على ثمن الأوراق بشكل أساسي، بل يعتبره مصدر دخل ثانويًا يتيح ربحًا مؤقتًا يخوله شراء مستلزمات الإنتاج من أسمدة وأدوية زراعية وحراثة الأرض وغيرها.
ومن خلال بيع أوراق العنب، استطاع حسين تأمين شراء أربعة أكياس من سماد “يوريا 46″، سعر الكيس الواحد (50 كيلوغرامًا) 300 ألف ليرة سورية، تحتاج إليها أرضه في كل موسم.
وبيّن أن بيع ورق العنب يؤمّن مصروفًا يوميًا لأسرته المكوّنة من خمسة أفراد، بانتظار الوصول إلى موسم العنب في تموز على أقرب تقدير.
في الوقت نفسه، يشتري زياد، وهو عامل مياومة في الأعمال الزراعية، كميات أوراق العنب من المزارعين بسعر جملة يبلغ 14 ألف ليرة سورية للكيلوغرام، ويبيعه للسكان مباشرة.
دعا خالد سليمان، وهو مهندس زراعي في درعا، إلى عدم المبالغة في قطف الأوراق، باعتبارها مصدر غذاء للعناقيد، إلى جانب توفيرها ظلًا يحمي الثمار من أشعة الشمس.
تراجع في الزراعة
تتراجع زراعة العنب في محافظة درعا، بما ينعكس سلبًا على المحصول، ويعود ذلك لأسباب تتعلق بتمدد زراعات جديدة كالرمان والزيتون، ونقص مياه الري بعد جفاف الينابيع وتراجع منسوب الآبار في المحافظة.
وقدّرت مديرية زراعة درعا إنتاج الكرم في موسم 2022 بحدود 11384 طنًا، بينما وصل الإنتاج في 2021 إلى 12800 طن.
وقال رئيس دائرة الإنتاج النباتي في مديرية زراعة درعا، وائل الأحمد، وفق ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، إن عدد أشجار الكرم في المحافظة وصل إلى 356 ألف شجرة على مساحة زراعية تقدّر بـ539 هكتارًا.
وبدأ التراجع التدريجي منذ عام 2011، إذ قدّرت مديرية زراعة درعا الإنتاج وقتها بـ62 ألف طن، وكان حينها عدد الأشجار مليونًا و660 ألف شجرة، مزروعة على مساحة 2720 هكتارًا، منها 2405 هكتارات مروية، والباقي بعلية.
وما يفسر تراجع الأرقام خلال 12 عامًا، هو توجه المزارعين نحو زراعات بديلة، فبعد الموسم الماضي، وجد جابر (50 عامًا) نفسه أمام خسارة كبيرة، ما دفعه لاقتلاع أشجار الكرم في مزرعته الممتدة على ثمانية دونمات، وبيع الحطب للتدفئة.
جابر أوضح لعنب بلدي أن نقص كميات المياه بعد جفاف بئره التي كانت تؤمّن السقاية الأسبوعية للمحصول، انعكس سلبًا على محصول العنب في أرضه، وأمام هذه الظروف اتجه لزراعة الزيتون، باعتباره يقاوم العطش أكثر من العنب.
المهندس الزراعي خالد سليمان، أوضح أن العنب يحتاج إلى سقاية أسبوعية، وهذا غير ممكن حاليًا في ظل جفاف الينابيع والآبار، لذلك توجه المزارعون نحو زراعة الزيتون والرمان لعدم حاجتهما إلى كميات مياه كبيرة، إلى جانب هرم أشجار العنب، إذ من غير الممكن استمرار إنتاجها لمدة تزيد على 30 عامًا.
بعض السكان في درعا لجؤوا إلى زراعة عرائش العنب بمحيط المنازل أو على شرفاتها لتفادي تلك المعوقات، ومنهم أحمد (40 عامًا) الذي استغنى بعد عامين من زراعته شجرة كرم في محيط منزله عن شراء أوراق العنب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :