جنى العيسى | لجين مراد
مرّ شهر كامل على الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، في 6 من شباط الماضي، لم يعلن خلاله النظام السوري بشكل واضح عن خطة عمل لتعويض المتضررين في مناطق سيطرته، بل قابل الكارثة بوعود فضفاضة رغم تعهد العديد من المنظمات والدول بتقديم مساعدات عينية لمصلحة المتضررين.
تحركات مسؤولي النظام، خلال شباط الماضي، تمحورت حول الحديث عن الاستجابة الحالية لجهة تأمين مساكن إيواء مؤقتة، دون أن تتخلله خطة عمل واضحة محددة بجدول زمني لإعادة بناء ما دمره الزلزال.
وبالمقابل، برزت تحركات لمسؤولين في المناطق غير المتضررة بالزلزال بشكل مباشر أيضًا، تمثّلت بتشكيل لجان هندسية موسعة بهدف الكشف عن المباني المتصدعة جراء الزلزال، أبرزها في محافظات دمشق وريفها وحمص، بمناطق تعرضت لقصف مدمر خلال سنوات الحرب حال دون عودة بعض سكانها إلى منازلهم حتى الآن.
المناطق التي تركّز فيها نشاط اللجان الهندسية أثّر فيها الزلزال بشكل محدود، مقارنة بالمحافظات الشمالية الغربية المتضررة، وهي حلب واللاذقية وحماة، إلى جانب إدلب وأرياف حلب الخارجة عن سيطرة النظام.
وفي ضوء الحديث عن عمليات إعادة إعمار ما دمره الزلزال، يرى مسؤولون سوريون الكارثة فرصة لتعديل المواصفات العقارية للمناطق المتأثرة، وتنظيم غير المنظم منها، دون إشارة واضحة إلى آلية العمل، إذ صرح وزير الأشغال العامة والإسكان، في 20 من شباط الماضي، بوجود قرارات سريعة وجديدة لها علاقة بالتنظيم، والعمل على قوانين وتشريعات لتسهيل العمل بـ”شكل استثنائي”، دون توضيحات أكثر حول ذلك.
استغلال النظام السوري كارثة الزلزال على مختلف الصعد، والأموال التي تتدفق لمصلحة متضرري الزلزال في مناطق سيطرته، وسط ضبابية الحلول، خلقت تساؤلات حول إمكانية استغلال النظام أموال المساعدات التي ستصل كاستجابة للزلزال، في تنفيذ مخططاته بإعادة إعمار مناطق وفق مصالحه، قد لا يكون الزلزال هو الذي دمرها أصلًا.
دمار بسبب الزلزال أو القصف؟
خريطة الزلزال سرية في أدراج الحكومة
لم يصدر النظام السوري تقريرًا مفصلًا حول الأحياء المتضررة بشكل كامل جراء الزلزال في محافظات حلب واللاذقية وحماة، رغم مرور شهر على الكارثة.
وبحسب أحدث إحصائية صادرة عن حكومة النظام، وصل عدد المباني التي انهارت بشكل مباشر في المحافظات المنكوبة لحظة وقوع الزلزال إلى 199 مبنى سكني، دون أن يُعرف حتى الآن حجم الدمار الذي لحق بالمنشآت الصناعية والمعامل وغيرها من الورشات.
ومنذ اليوم الأول، بدأ بتشكيل لجان فنية للكشف الهندسي في المحافظات التي ضربها الزلزال، لتقييم حالة المباني التي تضررت بشكل جزئي، تقرر إثر ذلك هدم 292 مبنى كان آيلًا للسقوط.
وتوصلت الحصيلة الأحدث حول نتائج الكشف إلى وجود أربعة آلاف و444 مبنى غير آمن وغير قابل للتدعيم، بينما بلغت أعداد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة 29 ألفًا و751 مبنى، وعدد المباني الآمنة التي تحتاج إلى صيانة 30 ألفًا و113 مبنى، بحسب تقرير صادر عن “اللجنة العليا الإغاثية” التي يترأسها وزير الإدارة المحلية والبيئة، حسين مخلوف، في 2 من آذار الحالي.
لم يذكر التقرير أماكن هذه المباني بدقة في المحافظات المنكوبة، بينما ذكرت تقارير إعلامية متفرقة أن الزلزال تسبب بمضاعفة الدمار في أحياء “الشعار” و”سد اللوز” و”قاضي عسكر” و”المشارقة” و”الصالحين” و”الميسر”، وغيرها من الأحياء الواقعة في القسم الشرقي لمدينة حلب، والتي تعد من أكثر الأحياء التي تعرضت للدمار نتيجة الحرب في المنطقة.
فرصة لـ”التنظيم”
غياب الشفافية في تحديد الأحياء المتضررة فعلًا بسبب الزلزال، فتح الباب أمام تساؤلات حول إمكانية استغلال النظام الكارثة، لهدم مبانٍ قد لا تكون متضررة بالزلزال، بهدف توظيف أموال المساعدات في تنظيم المناطق العشوائية، ضمن مخططات تنفيذية جديدة أو توسيع مخططات يجري العمل عليها أساسًا.
وزير الأشغال العامة والإسكان، سهيل عبد اللطيف، صرح خلال مؤتمر صحفي حول وجود تشريعات جديدة لتنظيم الأمور التي تتعلق بالزلزال باعتبارها غير موجودة بالقانون السوري بقوله، إن هناك “خططًا تقوم الحكومة بإعدادها، وستكون هناك قرارات وتشريعات جديدة تساعد في التخفيف من آثار الزلزال، وهو ما تتم دراسته من جميع الوزارات والجهات المختصة”، دون أن يوضح تفاصيل إضافية حول الخطط.
وحول تنظيم الأبنية التي تضررت جراء الزلزال قال عبد اللطيف، صرح “لدينا خارطة وطنية للسكن والإسكان، وتتضمن مناطق (منع وسماح)، إذ تشمل مناطق المنع أي توسع أو إنشاء أي مخططات تنظيمية جديدة فيها، ولا يمكن السماح بإنشاء أي مخطط جديد إلا بموافقة (هيئة التخطيط الإقليمي) باعتبارها الجهة المختصة بذلك”، مضيفًا أنه تم تكليف الهيئة بذلك، وقد يكون هناك تعديل على خريطة المنع والسماح، أي أنه بعد دراسة مواقع الزلازل من المختصين قد تتعدل هذه الخريطة، وقد لا يسمح بإقامة بعض الأبنية التي كانت موجودة، “لكن بالمنطق، إذا كانت هذه البيوت ضمن المخططات التنظيمية، ستعاد هذه الأبنية من جديد”، بحسب قوله.
وفي هذا السياق، يدرس مجلس مدينة حلب مع وزارة الإدارة المحلية علاج واقع المناطق العشوائية في المحافظة بالهدم واستثمار كارثة الزلزال في إعادة إعمارها من جديد، بحسب ما قاله رئيس نقابة المهندسين في مدينة حلب، هاني برهوم.
هدم وإخلاء.. خارج مناطق الزلزال
بعد ساعات على الزلزال الذي ضرب أربع محافظات سورية، شكّلت معظم مجالس المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام السوري في مناطق بعيدة عن المناطق المتضررة من الزلزال، لجانًا هندسية خاصة للكشف عن الأبنية واتخاذ قرارات بإخلائها لتحديد ما إذا كانت صالحة للترميم أم أنها يجب أن تُهدم.
وفي حصيلة تزداد بشكل دوري منذ الزلزال، قررت حكومة النظام بالاعتماد على لجان الكشف الهندسية، إخلاء عدد من المباني في محافظات حمص ودمشق وريف دمشق، بسبب تصدعها نتيجة الحرب من جهة، و”تأثرها” بالزلزال من جهة أخرى، بحسب تبريرات مجالس المحافظة.
وأخلت محافظة دمشق حتى الآن مبنيين في منطقة “المزة 86″، نتيجة وجود ضرر بعنصر إنشائي في بناء واحد، على أن تتخذ قرارها بالهدم أو الترميم حين صدور تقرير اللجنة المختصة، كما أجلت محافظة حمص 27 عائلة من عدة أبنية ضمن أحياء “القصور” و”القرابيص” و”جورة الشياح” و”الخالدية” و”البياضة”.
وفي محافظة ريف دمشق، رصدت “لجان السلامة العامة” 27 بناء متصدعًا في مدينة حرستا، أزالت خمسة منها بشكل كامل، بينما ستزال أجزاء من بقية الأبنية ليعاد ترميمها، وأخلت ثلاثة أبنية متصدعة في ضاحية “عدرا العمالية“، وثلاثة أبنية في مدينة دوما، بسبب تصدعها نتيجة الحرب والتأثير السلبي للزلزال عليها، وفق تصريحاتها.
وهدمت المحافظة ستة أبنية آيلة للسقوط وغير صالحة للسكن في منطقة المدارس ببلدة الهامة، ومن المقرر أن تهدم ثلاثة أبنية إضافية في المنطقة.
هل يستغل النظام المساعدات لإعادة الإعمار
أظهرت المؤشرات السابقة من غياب الشفافية وهدم أبنية ضمن مناطق تعرضت للدمار بسبب الحرب، قد لا تكون تأثرت بالزلزال فعلًا، إلى جانب تصريحات حكومية بشأن إمكانية إنشاء أو توسيع مخططات تنظيمية في مناطق عشوائية للاستفادة من الزلزال، جاهزية النظام لاستغلال الكارثة وتنفيذ الخطط التي يطمح لها في ملف إعادة الإعمار خارج المناطق المتأثرة بالزلزال.
وعقب ساعات قليلة من كارثة الزلزال، شرّعت العديد من الدول أبواب الدعم والمساعدات أمام النظام السوري، معلنة استعدادها لتقديم دعم “إنساني”، وبرزت المساعدات الإماراتية في مقدمة الدعم المخصص لسوريا، إذ قدّمت دعمًا ماديًا بقيمة 20 مليون درهم (أكثر من خمسة ملايين دولار أمريكي) لتنفيذ برنامج رمضان في سوريا، سبقه وصول مئات الطائرات المحمّلة بالمواد الإغاثية، وإعلانات عن تخصيص تمويل لسوريا وتركيا.
كما خصص الاتحاد الأوروبي تمويلًا بقيمة 3.5 مليون يورو للمتضررين في كل المناطق السورية، بعد تلقي طلب من دمشق يخص ذلك، إلى جانب إعلان أمريكا تخصيص 85 مليون دولار كمساعدات إنسانية عاجلة لمنكوبي الزلزال في سوريا وتركيا.
وكاستجابة للكارثة، أصدرت السلطات الأمريكية والأوروبية والبريطانية إعفاءات جزئية لتوقيت محدد، أثارت مخاوف من استغلالها من قبل النظام لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار لمناطق لم يدمرها الزلزال، في ظل تركيز مسؤوليه على أهمية تلك المشاريع ضمن خطط الاستجابة للكارثة.
مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، استبعد، في حديث إلى عنب بلدي، أن يستطيع النظام استغلال المساعدات القادمة لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، لافتًا إلى أن العقوبات التي تحظر تنفيذ تلك المشاريع لا تزال قائمة.
وأضاف العبد الله أن أي مساعدة تخرج عن إطار الاستجابة لكارثة الزلزال وتصب باتجاه إعادة الإعمار، سينتج عنها رد فعل غربي يعرقل ذلك، بحسب رأيه.
الاستثناءات الغربية للعقوبات على النظام السوري في إطار الاستجابة لكارثة الزلزال في شباط 2023:
1- يسمح الاستثناء الأمريكي لمدة ستة أشهر، بجميع المعاملات المالية المتعلقة بالإغاثة من الزلزال التي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات السورية.
ويشمل الترخيص الحوالات المصرفية عبر البنوك الحكومية، بما يخدم جهود الإغاثة من الزلزال.
2- تسمح تراخيص الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر للمنظمات الإنسانية بنقل أو تقديم السلع والخدمات المخصصة للأغراض الإنسانية إلى الأشخاص والكيانات السورية المدرجة على قوائم عقوبات الاتحاد الأوروبي، دون حاجة إلى إذن مسبق من السلطات الوطنية المختصة في الدول الأعضاء.
3- يسمح الترخيصان الممنوحان من قبل بريطانيا لمدة ستة أشهر أيضًا، بالأنشطة التي كان من الممكن أن يحظرها تجميد أرصدة مجموعات أو منظمات معيّنة، ومن يقدمون خدماتها، لتسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية، عن طريق الاستغناء عن الحاجة إلى طلبات ترخيص فردية.
هوامش الاستغلال محدودة
رغم تحديد الاستثناءات الغربية من العقوبات المفروضة على النظام بالمساعدات الإنسانية المخصصة للاستجابة للزلزال، تُثار المخاوف بشأن وجود هوامش وثغرات تتيح للنظام الاستفادة منها بما يخدم مصالحه خاصة في ملف إعادة الإعمار، بسبب الخبرة “الكبيرة” التي وثّقتها تحقيقات وتقارير صحفية ودولية حول قدرته على الالتفاف على العقوبات.
رافق ذلك رفض من قبل المسؤولين الأمريكيين الذين انتقدوا قرار واشنطن بتخفيف العقوبات، إذ وصف رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، مايكل ماكول، والعضو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جيمس ريش، تخفيف العقوبات بأنه “صفعة على وجه الشعب السوري”.
كما اعتبره عضو مجلس النواب في “الكونجرس” فرينش هيل “سلوكًا طائشًا”، محذرًا من أنه يسهم بـ”ملء جيوب النظام السوري”.
الباحث الأول في “البرنامج السوري للتطوير القانوني” إياد حميد، قال لعنب بلدي، إن رخص العقوبات الغربية الأخيرة تقتصر على الاستجابة الإنسانية، وتوفير الغذاء والمواد الطبية، مؤكدًا أنها ليست رفعًا كليًا للعقوبات عن النظام السوري.
وأضاف أن هذه الاستثناءات محددة زمنيًا، ولا تمنح الوقت الكافي لمباشرة عملية إعادة إعمار على النمط الذي يريده النظام.
ويرى مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أن التراخيص الممنوحة للنظام السوري محدودة الأثر، وغير قادرة على إعطاء هوامش استغلال تلبي رغبة النظام بإعادة الإعمار.
وفي خطوة لمنع استفادة النظام السوري من التراخيص، صوّت مجلس النواب الأمريكي، في 28 من شباط الماضي، على قرار تضمّن دعوة لوضع آلية رقابة أكبر تُستخدم لضمان عدم تحويل الأموال من الولايات المتحدة لمصلحة “نظام الأسد”.
“التراخيص واضحة لكن النظام يحاول استغلال الكارثة لرفع شامل للعقوبات، وهذا أمر لن يحصل”.
محمد العبد الله مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” |
من جانب آخر، لم تكن الاستثناءات مُرضية للنظام السوري، إذ قالت الخارجية السورية، في تعليقها على الإعفاءات الأمريكية، إن “القرار مضلل، وينص على تجميد جزئي ومؤقت لبعض التدابير القسرية الانفرادية القاتلة المفروضة على الشعب السوري”.
واعتبرت دراسة تحليلية لتراخيص العقوبات صادرة عن وزارة الخارجية السورية، أن قرار الإدارة الأمريكية بالاستثناء يؤكد أن تلك العقوبات تمثّل عقبة أمام إيصال المساعدات إلى سوريا.
المبالغ شحيحة والسرقة أولوية
توالت إعلانات الدول عن تعهدات بتقديم مبالغ لسوريا وتركيا استجابة لكارثة الزلزال، وسط حديث عن استمرار النظام بسرقة المساعدات والتلاعب بآلية توزيعها.
مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، قال إن المبالغ الممنوحة للنظام لن تكون كافية لـ”السرقة” وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، إذ تبلغ تكلفة إعادة إعمار سوريا بحسب تقديرات الأمم المتحدة حوالي 442 مليار دولار، بينما لن تتجاوز الأموال الممنوحة للنظام بضعة ملايين.
واعتبر العبد الله أن النظام يمكن أن يبالغ بتقديرات الخسائر من الزلزال لكسب المزيد من الأموال، لكن حجم الدمار المحدود جرّاء الزلزال يعرقل ذلك.
تغيب الإحصائيات الرسمية لخسائر الزلزال، بينما قدّر أكاديميون سوريون الخسائر بـ44 مليارًا و535 مليون دولار أمريكي، وفق ما نشرته صحيفة “تشرين” الحكومية.
لكن هذه الأرقام تناقضها بيانات محايدة، إذ قيّم “البنك الدولي” الخسائر المادية للزلزال الذي ضرب سوريا بنحو 5.1 مليار دولار أمريكي، مشيرًا إلى أن تقديرات إجمالي الأضرار المباشرة باستخدام تكاليف استبدال ما أضر به الزلزال تتراوح بين 2.7 و 7.9 مليار دولار أمريكي.
“الفساد المستشري وحتى المساعدات العينية لم تنجُ من السرقة، وهذا كفيل بالحد من أي قلق حيال استغلال النظام الكارثة لإعادة الإعمار”.
محمد العبد الله مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” |
الباحث الأول في “البرنامج السوري للتطوير القانوني” إياد حميد، يرى أن النظام سيحاول حرف المساعدات عن الضحايا الأكثر حاجة، ويوجهها بما يخدم مصالحه، لكن طبيعة الاستجابة الدولية لن تصل إلى حجم عملية إعادة إعمار كما يرغب بها النظام.
وأوضح حميد أن المساعدات المقدمة تقتصر على مشاريع الإغاثة والتعافي المبكر، وحجمها لن يسد حاجة مناطق النظام حتى في سياق الاستجابة الإنسانية لكارثة الزلزال، في إشارة إلى أن الاستفادة منها لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار أمر مستبعد، بحسب رأيه.
وخلال السنوات الماضية، أظهرت عشرات التقارير تلاعب النظام السوري بالمساعدات، إذ كشف تقرير صادر عن مركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية” في واشنطن (CSIS)، أن مرتكبي الانتهاكات بسوريا في مقدمة المستفيدين من المساعدات الإنسانية، لافتًا إلى أن تلاعب النظام السوري بالمساعدات “فريد ومستمر”، وقد نما في العقد الماضي من الحرب، ما يفرض إجراء تدقيق وتقييم شاملَين للمساعدات في سوريا.
ما إعادة الإعمار التي يريدها الأسد
يثير حديث مسؤولي النظام حول وجود مقترحات لإعادة إعمار مناطق مدمرة بحجة الزلزال، تساؤلات حول رؤية النظام لإعادة إعمار سوريا، حيث يبحث دومًا عن مكاسب لتحقيقها، لا إعادة إعمار ما دمره خلال السنوات الماضية.
مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، الدكتور كرم شعار، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن إعادة الإعمار بالنسبة للنظام تعد أولوية قصوى، لما يرى فيها من مخرج سياسي واقتصادي من أزماته الحالية.
ويرى شعار أن أقصى طموحات النظام اليوم تتمثّل بأن يشارك القطاع الخاص بعملية إعادة الإعمار دون خطر التعرض للعقوبات الغربية.
بينما لا يعتقد الباحث في مجال الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، أن النظام معنيّ حاليًا بإعادة الإعمار لتجاوز كوارث الصراع، وتوجيهها لإعادة بناء الدولة والمجتمع لتحقيق استقرار وسلام مستدام، بقدر اهتمامه بفك العزلة السياسية المفروضة عليه، وما قد يحصل عليه من ريع من الخارج، يساعده في مواجهة الاستحقاقات الاقتصادية والخدمية في مناطق سيطرته، وتوظيف ما سبق للشروع لاحقًا بمرحلة إعادة إعمار إن أمكنه ذلك.
وأضاف الدسوقي، في حديث إلى عنب بلدي، أن إعادة الإعمار من منظور النظام تتمثّل حاليًا بكونها أداة لإعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع بطريقة انتقائية، بما يضمن له سطوة أكبر واستقرارًا أكثر لنظامه على المدى البعيد، الأمر الذي يجعل دولًا كثيرة “غير متحمسة لهذه المقاربة بما يعتريها من فساد وتحكم”.
من جهته، يرى الباحث إياد حميد أن إعادة الإعمار كما أفرزتها قرارات النظام السوري مبنية بداية على تهجير السكان من الأحياء التي اعتبرها “حواضن للحراك الشعبي” ضده، مضيفًا أن الهدف من الرغبة في إعادة إعمار هذه المناطق وقرارات إعادة التنظيم بالتأكيد ليس إعادة المتضررين إلى مساكنهم، بل خلق مشاريع استثمارية لشقق فارهة يمولها قطاع خاص يتحكم به رجال أعمال مقربون من النظام ومستفيدون من اقتصاد الحرب.
وتشير أسعار الشقق القليلة التي تم الإعلان عن إتمامها في المخططات التنفيذية التي يجري العمل عليها في “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي” مثلًا إلى أنها تقع خارج قدرة أغلبية السوريين على شرائها، بالإضافة إلى فرض شرط الحصول على موافقة أمنية لإعادة بناء أي من الأبنية المتضررة في الأحياء الأخرى، ما يؤكد رغبة النظام في التحكم بمن يمكنه العودة أو السكن في هذه المناطق، بحسب حميد.
متضررو الزلزال في خطر فقدان ممتلكاتهم
في نيسان 2018، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، القانون رقم “10”، الذي أثارت مواده ضجة غير مسبوقة، وشغل حيزًا في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، كونه يدفع حكومة النظام إلى استغلال غياب السوريين وفقدان أوراق ملكياتهم للاستحواذ على أملاكهم بطرق تعتبرها “قانونية”.
وينص القانون على إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية بتكليف من وزارة الإدارة المحلية، التي قد تختار أي منطقة تريدها لفرض مخطط تنظيمي جديد لها، دون العودة إلى المجالس المحلية.
يصدر المخطط التنظيمي بهدف تنمية وإعمار إحدى المناطق المؤهلة لذلك، سواء كانت منطقة جديدة، أو توسيعًا لمخطط سابق، أو إعادة تخطيط منطقة تعرضت للدمار لأي سبب كان، وهو يحدد احتياجات هذه المنطقة من أمكنة سكنية ومراكز إدارية وتجارية ومدارس وحدائق ومناطق صناعية وحرفية وخدمات ضرورية لازمة لتطوير البلد خلال 25 سنة.
ولا تراعي معظم المخططات التنظيمية التي تصدرها حكومة النظام حقوق السكان الذين لا يملكون سندات ملكية لعقاراتهم، ما يهدد بزوال حقوقهم العقارية.
ويتسبب سلوك النظام في عدم الاهتمام بإعادة الحقوق العقارية إلى أصحابها بخلق نزاعات قانونية عقارية تتراكم مع مرور الوقت، الأمر الذي يعتبر خطرًا على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والقانوني في مستقبل سوريا ما بعد النزاع.
رئيس “تجمع المحامين السوريين الأحرار”، المحامي غزوان قرنفل، قال في حديث إلى عنب بلدي، إنه من حيث المبدأ يجب أن ندرك أن ليست كل عملية تنظيمية لمنطقة عمرانية هي بالضرورة جزءًا من مخطط يستهدف السيطرة على ممتلكات السكان وإعادة تشكيل المجتمع ديموغرافيًا، لكن بالتأكيد كل منطقة مدمرة سابقًا بفعل القصف هي كذلك.
وأوضح قرنفل أن ذلك قد ينطبق على مناطق شرق حلب المتضررة مؤخرًا بالزلزال، بينما قد لا ينطبق بالضرورة على مناطق طالها الزلزال كجبلة واللاذقية.
وحول متابعة المنظمات الحقوقية العاملة على ملف الملكيات العقارية في سوريا قضية استفادة النظام السوري مستقبلًا من كارثة الزلزال، واستغلالها في ملف إعادة الإعمار أو تنفيذ المخططات التنفيذية للمناطق العمرانية بموجب القانون رقم “10”، أوضح قرنفل أن مسألة إعادة إعمار أي منطقة لا يمكن أن تجري في الخفاء، ولا تحتاج إلى آليات مراقبة، فإن حصلت ستكون معلومة لجهة المناطق المشمولة ومصادر تمويلها.
وأضاف قرنفل أن أكثر من سيتضرر من عمليات إعادة إعمار كهذه، هم سكان العشوائيات وسكان المناطق “غير المفرزة” كمنطقة شرقي حلب مثلًا.
وفي 5 من آذار 2018، أصدر وزير الأشغال العامة والإسكان السابق في حكومة النظام، حسين عرنوس، القرار رقم “791” القاضي بإصدار تعديل المخطط التنظيمي العام لمدينة حلب، مشيرًا إلى أنه سيكون اللبنة الأولى في عملية إعادة إعمار المدينة، تبع ذلك عدة تعديلات كان آخرها في نيسان 2022.
وحذر رئيس مجلس محافظة حلب خلال فترة سيطرة المعارضة، يحيى نعناع، من أن المخطط التنظيمي الجديد سيسهم في سيطرة النظام على أملاك سكان الأحياء الشرقية من المدينة، لأن أغلبهم هُجروا قسرًا إلى إدلب، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الأهالي لن يتمكنوا من تثبيت ملكياتهم خلال المدة المحددة بعام واحد على الاعتراض، وفق معظم قوانين التنظيم العمراني، وبيّن أن الجزء الأكبر من مخالفات البناء يقع في أحياء حلب الشرقية، وتتركز النسب الكبرى للدمار في عشوائياتها التي تعرضت لقصف مكثف ما بين عامي 2013 و2016.
ووفق التقرير الصادر عن “البنك الدولي”، كانت محافظة حلب الأكثر تضررًا بنسبة 45% من الأضرار التي قُدّرت بنحو 2.3 مليار دولار، تليها محافظة إدلب بنسبة 37%، وبقيمة أضرار بلغت نحو 1.9 مليار دولار، ثم اللاذقية بنسبة ضرر بلغت 11%، وقيمتها 549 مليون دولار أمريكي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :