أخفقت بثلاث نقاط متتالية..

ما فرص محاسبة موظفي الأمم المتحدة على “خذلان” السوريين

camera iconعلم الأمم المتحدة وهو مقلوب أعلى ركام بناء مدمّر في بلدة جنديرس بريف حلب الشمالي استنكارًا لتأخر الاستجابة إثر زلزال ضرب مناطق تركيا وأربع سورية- 11 شباط 2023 (متداول/ مالك أبو عبيدة)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – لجين مراد

منذ الانتقال من عمليات الإنقاذ إلى انتشال الجثث، تحوّلت نداءات الاستغاثة والمناشدات في شمال غربي سوريا إلى عبارات تحمّل الأمم المتحدة مسؤولية تزايد أعداد الضحايا وتفاقم الكارثة، وتطالب بمحاسبة المسؤولين عن ذلك، ما أثار تساؤلات حول فرص الوصول إلى المحاسبة المنشودة.

وبعد سنوات تحمّلت فيها الأمم المتحدة مسؤولية “شريان الحياة” في منطقة أنهكتها التجاذبات السياسية حتى في الملفات الإنسانية، وجد مئات السوريين أنفسهم، بعد زلزال 6 من شباط الحالي، أمام خذلان من نوع آخر حوّل الأمم المتحدة بعيونهم من منقذ إلى “شريك بقتلهم”، وذلك لتأخرها بإدخال المساعدات إلى المناطق المنكوبة.

قابلت الأمم المتحدة ردود فعل السوريين باعتراف بالخذلان، جاء على لسان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارت غريفيث، سابع أيام الكارثة.

تسلّط عنب بلدي في هذا التقرير الضوء على مسؤوليات الأمم المتحدة تجاه كارثة الزلزال والإخفاقات التي ارتكبتها.

كما تناقش مع خبراء قانونيين وعاملين بالشأن الإنساني فرص فتح تحقيق حيال تأخر وصول المساعدات من قبل الأمم المتحدة، وفرص محاسبة المسؤولين عن ذلك.

الأمم المتحدة مسؤولة

ساعات مرّت ثقيلة على فرق الإنقاذ وخانقة على العالقين تحت الأنقاض، تلاها تبرير الأمم المتحدة بعد يوم من الزلزال، حول تأخر وصول المساعدات المنقذة للأرواح بوجود عراقيل “لوجستية” متعلقة بالزلزال ومرتبطة بالأضرار التي لحقت بالطرقات.

تلك التبريرات المتكررة من قبل مسؤولي الأمم المتحدة لم تكن كفيلة بإقناع السوريين بعدم تحميلها مسؤولية تأخر وصول المساعدات، وتفاقم الكارثة، معتبرين أن تسييس ملف المساعدات نجح مرة أخرى بفرض حصار خانق عليهم، بمشاركة الأمم المتحدة.

عضو مجلس الإدارة في “المنتدى السوري” الحاصل على درجة الدكتوراه في القانون، ياسر تبارة، قال لعنب بلدي، إن الأمم المتحدة مسؤولة عن وفاة الكثير من السوريين في الشمال جرّاء تأخرهم الشديد بإيصال المساعدات.

وأوضح تبارة أن عدم تلبية احتياجات “الدفاع المدني” (الخوذ البيضاء) من قبل الأمم المتحدة كان كفيلًا بعرقلة عمليات البحث والإنقاذ.

وتتحمل الأمم المتحدة مسؤولية أخذ زمام القيادة الدفاع المدني والتنسيق لدفع الدول لمساعدة المناطق “المنكوبة” في الشمال، وفق ما قاله تبارة، لافتًا إلى أن الأمم المتحدة غير مسؤولة عن إيصال المعدات الثقيلة لعمليات البحث والإنقاذ، لكنها مسؤولة عن تنسيق وصولها.

كما يتحمل ممثل الأمم المتحدة المقيم في سوريا مسؤولية تفعيل “نظام الاستجابة لحالات الطوارئ الدولية” (UNDAC)، بعد أن تقاعس النظام السوري عن تفعيله.

وفي حال لم يفعّل ممثل الأمم المتحدة المقيم في سوريا الآلية، تقع مسؤولية تفعيلها على عاتق الأمين العام للأمم المتحدة، بموجب قوانين الأمم المتحدة في إدارة الكوارث.

وقال مدير منظمة “الخوذ البيضاء”، رائد الصالح، لعنب بلدي، إن الأمم المتحدة مستاءة من الانتقادات والاتهامات الموجهة إليها، إذ ترى أن المنظمات السورية غير قادرة على فهم مسؤوليات الأمم المتحدة.

بينما تدرك المنظمات السورية تلك المسؤوليات، وتعلم أن الأمم المتحدة هي المسؤول الأول عن إيصال المساعدات، وفق ما قاله الصالح، لافتًا إلى وجود دراسة قانونية حول دور الأمم المتحدة بإيصال المساعدات حتى دون تفويض من مجلس الأمن.

وخلص تقرير صادر عن “المركز السوري للعدالة والمساءلة” إلى أن تفاقم كارثة الزلزال يقع على عاتق نظام المساعدات الإنسانية والدولية المتهالك، ما يضع جميع الأطراف الكبرى في النزاع، بالإضافة إلى الدول الإقليمية والدول المانحة ووكالات الأمم المتحدة، في دائرة الاتهام.

إخفاقات بثلاث نقاط متتالية

في حين كانت الدقيقة كفيلة بتغيير مستقبل العالقين تحت الأنقاض ومنحهم فرصة النجاة، استغرق إرسال أول قافلة مساعدات أممية محمّلة بالمواد الإغاثية خمسة أيام، غداة قافلة محدودة مجدولة مسبقًا (لا علاقة لها بالاستجابة لتداعيات الزلزال).

تأخر بالاستجابة اعتبره سوريون عاملون بالشأن الإنساني إخفاقًا أمميًا بمنع تسييس المساعدات الإنسانية وإنقاذ ملايين المتضررين في الشمال السوري.

بدوره، قال المدير القانوني لـ”المركز السوري للعدالة والمساءلة”، روجر ليو فيليبس، لعنب بلدي، إن الأمم المتحدة ارتكبت إخفاقات متتالية بثلاث نقاط رئيسة، هي:

– عدم تقديم مكتب المستشار القانوني في الأمم المتحدة رأيًا قانونيًا فيما يتعلق بشرعية إيصال المساعدات عبر الحدود في وقت وقوع كارثة طبيعية دون الحاجة إلى قرار مجلس الأمن الدولي.

– عدم اعتبار الملف السوري أولوية بالنسبة لمجلس الأمن، وتأخير اجتماع أعضائه لأيام، أسهما بفقدان الكثيرين أمل النجاة.

– عدم تحمّل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) مسؤولية إيصال المساعدات عبر الحدود.

من جانب آخر، يرى فيليبس أن جزءًا من المسؤولية بملف الاستجابة الإنسانية للزلزال كان مشتركًا، إذ يتحمل النظام السوري والحكومة التركية و”هيئة تحرير الشام” مسؤولية خلق عقبات للمساعدة في الوصول إلى الضحايا بالوقت المناسب.

بينما تتحمّل الأمم المتحدة مسؤولية منع عرقلة وصول المساعدات من قبل أطراف النزاع، خصوصًا في ظل وجود دراسات قانونية وتوصيات أكدت قدرة الأمم المتحدة على إيصال المساعدات دون تفويض من مجلس الأمن.

من جانبه، قال مدير منظمة “الخوذ البيضاء”، رائد الصالح، إن الأمم المتحدة تهربت من مسؤولياتها حيال قدرتها على إيصال المساعدات دون العودة إلى مجلس الأمن.

كما أخفقت الأمم المتحدة بإطلاق إنذار للزلازل عن طريق المجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ (INSARAG)، إذ لم تطلق الأمم المتحدة الإنذار إلا بعد مضي العديد من الأيام.

وأضاف الصالح أن الهدف من إطلاق الإنذار المتأخر اقتصر على جمع المزيد من الأموال.

وتعاملت الأمم المتحدة ببيروقراطية “قاتلة” وغير مفهومة تجاه الاستجابة الإنسانية لشمال غربي سوريا، وفق ما قاله عضو مجلس الإدارة في “المنتدى السوري”، ياسر تبارة.

وأضاف تبارة أن المبررات المقدمة من قبل الأمم المتحدة حول إخفاقاتها لم تكن إلا “حججًا” لعدم البحث عن آليات أخرى لإيصال المساعدات.

ورغم أن الأمم المتحدة نجحت بفتح معبرين إضافيين بين تركيا وسوريا، في 13 من شباط الحالي، جاءت استجابتها متأخرة ولفترة أولية مدتها ثلاثة أشهر، لا تعدّ كافية للاستجابة إلى منطقة تعاني، منذ ما قبل كارثة الزلزال، تفاقم الاحتياجات الإنسانية.

تحقيقات “شكلية”

تدفع منظمة “الخوذ البيضاء” باتجاه الضغط على الأمين العام للأمم المتحدة لفتح تحقيق حيال أسباب تأخر وصول المساعدات إلى شمال غربي سوريا، وفق ما قاله مدير المنظمة، رائد الصالح.

بدوره، قال المدير القانوني لـ”المركز السوري للعدالة والمساءلة”، روجر ليو فيليبس، إنه يجب على الأمم المتحدة إنشاء مجلس تحقيق داخلي للتحقيق في إخفاقاتها المتكررة، لافتًا إلى أن ما حدث بعد الزلزال لم يكن الإخفاق الأول للأمم المتحدة بالملف السوري.

وفي حال أمر الأمين العام للأمم المتحدة بفتح تحقيقات، لا توجد آلية لمساءلة موظفي الأمم المتحدة وممثليها حيال تلك الإخفاقات، وفق ما قاله المدير القانوني للمركز.

وأضاف فيليبس أن نتائج تلك التحقيقات يمكن أن تسهم بأفضل الأحوال بفقدان بعض الموظفين مهامهم ومسؤولياتهم في الأمم المتحدة ووكالاتها، لافتًا إلى أن احتمالية حدوث ذلك ضئيلة بالاستناد إلى وجود وجهة نظر قانونية “مقبولة”، مفادها أن موافقة مجلس الأمن كانت مطلوبة للسماح بالمساعدة عبر الحدود.

ولا يعتقد فيلبس أن أي اعتراف أممي بـ”الفشل بإنقاذ السوريين” له مغزى قانوني.

عضو مجلس الإدارة في “المنتدى السوري” الحاصل على درجة الدكتوراه في القانون، ياسر تبارة، قال إن التحقيقات المتاحة حول إخفاقات الأمم المتحدة تقتصر على تحقيقات داخلية ضمن الوكالات الأممية.

سقف التحقيقات التي يمكن إجراؤها حيال إخفاق الأمم المتحدة بالاستجابة لكارثة الزلزال في شمال غربي سوريا، هو وجود خطوات إجرائية وشكلية، ولا يمكن أن تصل إلى محاسبة قانونية متكاملة.

ياسر تبارة

عضو مجلس الإدارة في “المنتدى السوري” الحاصل على درجة الدكتوراه في القانون

ويمكن أن تكون المحاسبة داخل وكالات الأمم المتحدة محاسبة إدارية وتنفيذية ضمن اللوائح الداخلية.

وبموجب المادة “19” من اتفاقيات الامتيازات والحصانات لوكالات الأمم المتحدة، يتمتع موظفو وكالات الأمم المتحدة بالحصانة القضائية بكل ما يصدر عنهم بصفة رسمية من أعمال أو أقوال أو بيانات مكتوبة.

وتشكّل الحصانة المطلقة للأمم المتحدة وموظفيها جدلًا واسعًا في أوساط خبراء القانون والمدافعين عن حقوق الإنسان، إذ خلصت العديد من الدراسات وآراء الخبراء إلى أن تلك الحصانة لها العديد من المخاطر على حماية حقوق الإنسان.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



English version of the article


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة