وسط صمت سوري.. إسرائيل “تؤمّن” حدود الجولان المحتل
عنب بلدي – جنى العيسى
بدأت آليات عسكرية إسرائيلية منذ أشهر بالعمل على إنشاء وتعبيد طريق داخل الأراضي السورية، بعمق بلغ حده الأدنى نحو 100 متر، بينما وصل في مناطق أخرى إلى كيلومتر واحد.
ومنذ منتصف 2022، دخلت قوات من الجيش الإسرائيلي إلى داخل الأراضي السورية بقوة عسكرية مؤلفة من ست دبابات من نوع “ميركافا” وجرافتين عسكريتين يرافقهما عدد من الجنود لمراقبة الحدود والآليات، وذلك لتشييد الطريق الجديد، الذي لم ينتهِ العمل به حتى الآن، وقد أطلق الجيش الإسرائيلي على هذا الطريق اسم “سوفا 53”.
الجولان هضبة سورية تتبع إداريًا لمحافظة القنيطرة، احتلتها إسرائيل في حرب 1967، وتصنفها الأمم المتحدة أرضًا سورية محتلة منذ ذلك الوقت.
بينما لم يصدر عن النظام السوري أي تعليق رسمي حول التحرك الإسرائيلي، رغم مرور عدة أشهر عليه، في حين يصدر النظام بيانات “إدانة” مكررة في كل مرة تقصف فيها إسرائيل جوًا مناطق مختلفة من سوريا، وغالبًا ما يكون هدفها استهداف شحنات أسلحة إيرانية، بحسب عدة تقارير بحثية وإعلامية.
يثير التحرك الإسرائيلي التساؤلات حول أسبابه، وسط توعد إسرائيل من قبل رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، الذي أدى اليمين الدستورية نهاية عام 2022، بأن يكون تطوير الاستيطان في الجولان السوري المحتل على رأس أولويات حكومته، بينما سبقه تعهد رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، بخطة قيمتها مليار شيكل (317 مليون دولار أمريكي)، لـ”تطوير” مرتفعات الجولان المحتل.
ما الأسباب؟
في تموز 2022، قالت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، إنه بعد 48 عامًا من اتفاق وقف إطلاق النار في الجولان، يخوض الجيش الإسرائيلي معركة “صامتة ومتفجرة” ضد “حزب الله” وإيران لإعادة تشكيل الحدود مع سوريا، إذ يعمل على تنفيذ خطة تؤمّن الحدود، وتقوي الأنظمة الموجودة على طولها.
واعتبرت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي مهتم باستغلال الفترة الانتقالية بعدما وصفتها بـ”الحرب الأهلية” في سوريا، من أجل محاولة بسط “السيادة الإسرائيلية بشكل كامل وملحوظ”، خاصة في عشرات الكيلومترات شرق السياج الحدودي.
وأضافت أن الهدف النهائي لهذه الخطة، إعادة تحديد خط الحدود الدولي بعلامات كبيرة أو صف من البراميل البارزة، من أجل منع وجود إيران و”حزب الله” بالقرب من هذه المناطق، وعليه سينشر المزيد من وسائل المراقبة الإضافية في المنطقة، وبالتالي رفع مستوى العمليات الاستخباراتية هناك.
الضابط المنشق عن الجيش السوري برتبة نقيب، والباحث في الشأن العسكري بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، أوضح أن الجنوب السوري منطقة جيوسياسية مهمة لمختلف الدول المجاورة له، وإسرائيل “كغيرها من الدول التي تحيط بسوريا تقوم بإجراءات لحماية أمنها القومي”، وفق ما تراه مناسبًا سواء بالتحركات العسكرية أو بالعلاقات السياسية.
وأضاف حوراني لعنب بلدي، أن إسرائيل تعمل في المرحلة التي تتوغل بها داخل الأراضي السورية على إنشاء نطاق حماية تنشر فيه البنى التحتية التي تسهل لها قيامها بمهامها الأمنية والعسكرية، ومنها الطريق الذي بدأت بالعمل عليه منذ أشهر (سوفا 53).
يبدو أن إسرائيل قدّرت أن من معوقات تنفيذ مهامها الأمنية والعسكرية في سوريا عدم وجود البنى التحتية، فأصبحت تعمل على إنشائها وفق ما يقتضيه ذلك.
الباحث في الشأن العسكري رشيد حوراني |
بينما أوضح الباحث السياسي والكاتب الإسرائيلي يوآب شتيرن، أن وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تتحدث بالعموم عن قضية إنشاء الطريق، معتبرًا أن ما يجري على الحدود ليس أكثر من أعمال لتحسين الجدار الحدودي، بحسب تقديره، مضيفًا أن إسرائيل تعمل في حدودها الشمالية، سواء مع لبنان أو سوريا، منذ سنوات على تعزيز إمكانياتها بما يتعلق بمنع اختراق هذا الجدار.
وأضاف شيترن، في مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، أن إسرائيل أقامت أيضًا على حدودها مع لبنان جدارًا حديثًا تضمن أجهزة مراقبة عن بُعد تسهّل عملية الإشراف على ما يجري عند حدودها، ومواجهة أي محاولة لاختراقها.
النظام صامت؟
تجاهل النظام السوري التعليق على التحرك الإسرائيلي على حدود الجولان المحتل، رغم مرور أشهر على بدئه.
واعتبر الباحث في الشأن العسكري رشيد حوراني، أن عدم تحرك النظام ضد إسرائيل في توغلها بالأراضي السورية، يشير إلى نيته إرسال رسالة مفادها أنه “لا مانع لديه” من قيام إسرائيل بما تراه مناسبًا لحماية أمنها مقابل عدم التصعيد ضده سياسيًا، وأن تستمر بالاعتراف به كنظام أمام القوى المؤثرة كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
الباحث السياسي الإسرائيلي يوآب شتيرن، يرى أن النظام السوري ضعيف جدًا، وفي وضعه الحالي يفضّل عدم التطرق لما يجري إلا في حالات القصف التي هي واضحة للجميع، فالنظام لا يسيطر على الحدود لا مع الجولان ولا مع حدود دول أخرى كما كان في الماضي، إذ تعد سيطرته في حال وجودها “محدودة”.
كما يعد اعتماد النظام وارتباطه بالوجود الروسي والإيراني سببًا إضافيًا يمنعه من اتخاذ رد فعل على ما تقوم به إسرائيل على الحدود.
الجولان على رأس الأجندة
في 29 من كانون الأول 2022، أدت الحكومة الإسرائيلية اليمين الدستورية أمام البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، بعد 36 حكومة تعاقبت على تاريخ إسرائيل السياسي، وقدم حينها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، جدول أعماله لـ”الكنيست”.
حضر الجولان السوري المحتل في أكثر من مكان ضمن خطط نتنياهو لعمل حكومته، إذ شملت المبادئ عمل الحكومة على الاعتراف بهضبة الجولان كمنطقة استراتيجية ذات إمكانات تنموية واسعة، بالإضافة إلى قيادتها موجة من الاستيطان والتطوير وتعزيز المبادرات، مع “الحفاظ” على قيم الجولان في الطبيعة والإنسانية والبيئة.
وحول التركيز على الجولان في سياسات الحكومة الجديدة، اعتبر الباحث السوري رشيد حوراني، أن توظيف الجولان لدى بنيامين نتنياهو العائد إلى السلطة من جديد سيكون حاضرًا في سياسته المقبلة، وهو أمر يعود بنا إلى إعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، حول ضم الجولان لإسرائيل، الذي أيده 70% من الإسرائيليين، وفق استطلاعات رأي إسرائيلية.
واعتبر حوراني أن نتنياهو سيستغل هذا الرضا الشعبي في سياسته، كما أنه يدل من جهة ثانية على دعم أمريكا للخطوات الإسرائيلية المتعلقة بحماية أمنها على حدودها الشمالية.
الباحث الإسرائيلي يوآب شتيرن، اعتبر أنه لا يوجد فرق كبير بالنسبة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حول موضوع الجولان، وإن كان نتيناهو هو الأكثر تصريحًا بين رؤساء الوزراء والمسؤولين عن الجولان، لكسب شعبية كبيرة بين الإسرائيلين، وبينما قد لا تتحدث الحكومات الأخرى عن الجولان، تعمل جميعها بنفس النهج.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :