لقاء أردوغان والأسد.. حديث مبكر يعكس مصالح تركية- روسية
تصدّر إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن عرضه على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إجراء لقاء ثلاثي على مستوى الزعماء يضم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المشهد السياسي مؤخرًا، بعد رغبة موسكو بفتح قنوات حوار بين تركيا والنظام السوري.
إعلان اللقاء مع الأسد كان الأبرز والأوضح من أردوغان، بعدما قال، في 17 من تشرين الثاني الماضي، إنه “ليس هناك خلاف أو استياء أبدي في السياسة”، وبعد جملة تصريحات تركية تركت الباب مفتوحًا أمام إعادة النظر في العلاقات بين البلدين، قوبلت بعدم تعليق رسمي من النظام حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
رغبة تركية بعد دفع روسي
في 15 من كانون الأول الحالي، أعلن أردوغان أنه عرض على بوتين إجراء لقاء ثلاثي على مستوى الزعماء سيضم بشار الأسد، وقال أردوغان، إنه اعتبارًا من الآن، “نريد أن نتخذ خطوة كثلاثي سوريا وتركيا وروسيا”، وذلك في تصريحات صحفية أدلى بها عقب زيارة أجراها إلى تركمانستان.
وقالت الخارجية الروسية، إن موسكو تجري اتصالات مع دمشق بشأن اقتراح أردوغان عقد لقاء مع الأسد، وفق ما نقلته وكالة “سبوتنيك” عن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في 16 من كانون الأول الحالي.
وأوضح بوغدانوف أن موسكو تنظر بإيجابية كبيرة بشأن فكرة الرئيس التركي عقد اجتماع لقادة تركيا وسوريا وروسيا، وتنظر روسيا إلى فكرة أردوغان على “أنها إيجابية للغاية”، مضيفًا أن روسيا تجري “الآن اتصالات مع الأصدقاء السوريين”.
وسبق إعلان أردوغان العديد من التصريحات التركية حول نية الحكومة التقارب مع النظام السوري، ووردت تصريحات تحمل نية التقارب على لسان مسؤولين أتراك، بينهم رئيس الجمهورية ووزير الخارجية.
شهدت الفترة بين تصريحات أردوغان أنه “ليس هناك خلاف أو استياء أبدي في السياسة”، ورغبته الأخيرة بلقاء ثلاثي يجمعه مع الأسد وبوتين، تصريحات عديدة من موسكو أبدت فيها رغبتها واستعدادها لفتح قنوات حوار بين تركيا والنظام السوري، وذلك على لسان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف.
وقال لافرنتييف، إن روسيا مستعدة للتوسط في تنظيم المفاوضات بين سوريا وتركيا على مستويات مختلفة، وعلى استعداد لتوفير منصة للقاء أردوغان والأسد، مشيرًا إلى أن بوتين حدد قضية التقارب التركي- السوري وتطبيع العلاقات كأولوية، مؤكدًا أن تسوية الصراع السوري نفسه تعتمد إلى حد كبير على هذا الأمر.
وأبدى لافرنتييف استعداد بلاده “لتقديم كل الدعم الممكن لتنظيم مثل هذه المفاوضات، إذا كانت هناك رغبة مشتركة بين الجانبين”، مضيفًا أنه لا يشك في ذلك، وفق مقابلة للمبعوث مع وكالة “سبوتنيك“، في 24 من تشرين الثاني الماضي.
سيناريوهات ونظرة تركية- روسية
التصريحات التركية- الروسية حول التقارب مع النظام السوري، تتزامن مع ملفات مشتركة بينهما، وتصعيد عسكري تركي تشهده مناطق شمالي وشمال شرقي سوريا، وتهديدات تركية بإمكانية عمل عسكري بري ضد مناطق نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
المحلل الروسي والباحث غير المقيم في برنامج سوريا بمعهد “الشرق الأوسط” أنطون مارداسوف، قال إن هناك عملية تفاوض بين الطرفين الروسي والتركي، لا تتعلق فقط بعملية تركية جديدة محتملة، ولكن أيضًا بتوسيع آلية المساعدات عبر الحدود.
وأوضح مارداسوف لعنب بلدي أنه بطبيعة الحال تحاول تركيا وروسيا تقديم سيناريوهاتهما الخاصة للوضع، ومن الواضح أن موسكو بشكل عام لا تعارض إضعاف “قسد” بشكل أكبر.
ويرى المحلل الروسي أن أي تغيير بالوضع في سوريا يستلزم الحاجة إلى بناء القوات العسكرية الروسية المشاركة الآن في أوكرانيا، ومن شأنه أن يقوّض مرة أخرى موقف موسكو كوسيط بين الأسد والكرد.
وأضاف مارداسوف أن إضعاف “قسد” من خلال حوار بين أنقرة ونظام الأسد هو سيناريو ترحب به موسكو على أي حال، إذ سعت منذ فترة طويلة إلى تكثيف الحوار ونقله إلى القناة الرسمية.
وتهدد تركيا بهجوم بري عسكري شمالي سوريا، لـ”حماية حدودها الجنوبية ومكافحة الإرهاب”، إذ تصنّف تركيا حزب “العمال الكردستاني” على قوائم “الإرهاب”، كما تعتبر أنقرة “قسد” ذات النفوذ العسكري في شمال شرقي سوريا، والمدعومة من واشنطن، امتدادًا لـ”العمال الكردستاني”.
وعن ملف المساعدات عبر الحدود، أكدت الخارجية التركية في بيان، أن “تمديد الآلية الأممية لإيصال المساعدات إلى سوريا عبر الحدود يلعب دورًا مصيريًا في تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لأكثر من أربعة ملايين شخص محتاج في البلاد، وأنه سيكون من المفيد مواصلة العمل بهذه الآلية”.
وجاء ذلك عقب مشاورات سياسية جمعت نائب وزير خارجية تركيا، السفير سادات أونال، ونائب وزير خارجية روسيا، سيرغي فيرشينين، في 9 من كانون الأول الحالي، باسطنبول.
موقف متخبط.. الأسد يرفض أم يبحث عن الجدّية؟
لم يعلّق النظام السوري على عرض أردوغان بالاجتماع، في حين قوبلت بعض التصريحات التركية بسيناريوهات مختلفة، منها ما عبّر عنه الإعلام السوري الرسمي أو الموالي للنظام، وهو عدم جدّية التصريحات، واعتبارها في “الإطار الإعلامي” فقط.
وكان أحدث هذه المواقف والردود ما قالته وكالة “رويترز” للأنباء، في 2 من كانون الأول الحالي، أن النظام السوري “يقاوم الجهود الروسية للتوسط في قمة مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان”، بعد أكثر من عقد من العداء بين الطرفين، بحسب ما نقلته عن ثلاثة مصادر سورية (لم تسمِّها).
المصادر الثلاثة التي وصفتها “رويترز” بـ”المطلعة على موقف سوريا من المحادثات المحتملة” قالت أيضًا، إن الأسد رفض اقتراحًا من قبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للقاء أردوغان.
وأرجعت المصادر أسباب رفض النظام للقاء، إلى اعتقاده أن مثل هذا الاجتماع قد يعزز موقف أردوغان قبل الانتخابات التركية المقبلة، خاصة إذا تناول هدف أنقرة بإعادة اللاجئين السوريين من تركيا.
المستشارة الإعلامية لرئيس النظام السوري، بثينة شعبان، قالت في ردها على سؤال لما طرحه أردوغان بعدم “وجود خلاف أبدي في السياسة”، إنها تسمع هذه التصريحات الإعلامية منذ أشهر، و”هم يصرحون لأسبابهم الخاصة، سواء كانت أسبابًا انتخابية أو لاستخدامها ورقة مع دول أخرى أو للضغط على أطراف أخرى”.
وأضافت شعبان أن لا علاقة لهذه التصريحات بالواقع، “نحن لا نثق بكل ما يصدر عنهم بالإعلام ولا يوجد أي شيء رسمي”، وذلك خلال مقابلة للمستشارة عبر القناة “السورية” في 24 من تشرين الثاني الماضي.
ومن الردود ما عبر عنه وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، في 23 من آب الماضي، حين حدّد طلبات النظام لإعادة العلاقات مع تركيا واصفًا إياها بـ”مقدمة لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه”، منها التوقف عن دعم المعارضة والانسحاب من الأراضي السورية.
ويعتقد الباحث الروسي أن الأسد لا يريد هذا الاجتماع، لأنه سيثير على الفور مسألة وضع مناطق المعارضة وتفعيل أي مفاوضات، حيث تمتلك المعارضة بالفعل موردًا ثقيلًا وهو “الأرض وعدد كبير من السكان”.
ويمكن نظريًا، وفق مارداسوف، إخفاء هذا الموضوع غير المريح وراء تصريحات حول نوع من التعاون الاقتصادي بين الشركات المتوسطة الحجم، لكنه صعب للغاية.
ويرى مارداسوف أن من المنطقي تمامًا من جانب أنقرة أنها اقترحت هذه الخطوة، التي يبدو أنه من المستحيل رفضها، ولكن من غير الواضح ما يمكن أن يتوقعه نظام الأسد.
الحديث عن اللقاء “مبكر”
رغم أن “لا شيء مستحيل في عرف السياسة”، فإن الحديث عن لقاء على مستوى الرؤساء يعتبر مبكرًا، بالنظر إلى عدد الملفات الشائكة بين البلدين، والتي تحتاج إلى لقاءات على مستوى استخباراتي ووزاري لتمهيد اللقاء على مستوى الرؤساء.
عرض أردوغان على بوتين لقاءه بالأسد تبعه تصريح من أردوغان، بأنه يجب أن تتحد الاستخبارات أولًا، ليجتمع بعدها وزراء الدفاع، ثم يجب أن يجتمع وزراء الخارجية، وبعد هذه الخطوات سيجتمع مع بوتين والأسد كقادة، موضحًا أن بوتين نظر إلى هذا العرض بـ”إيجابية”، مؤكدًا بدء سلسلة من المفاوضات.
وسبق أن أوضح لافرنتييف في حديثه عن تأمين منصة للقاء أردوغان والأسد، أن روسيا ترى أن على رؤساء أجهزة المخابرات في تركيا وسوريا مواصلة الاتصالات، رغم تفاقم الوضع، وأن تركيا وسوريا يمكنهما حل الكثير من القضايا من خلال التواصل المباشر مع بعضهما، بما في ذلك على مستوى وزراء الخارجية.
بصراحة، أنا حتى الآن لا أؤمن حقًا بلقاء بين أردوغان والأسد بشكل أو بآخر بمشاركة موسكو، هذا يذكّرني بإمكانية تنظيم لقاء بين بوتين وزيلينسكي بوساطة تركيا، يبدو ذلك ممكنًا، لكن بشكل عام ليس لديهما الكثير للحديث عنه.
المحلل الروسي والباحث غير المقيم في برنامج سوريا بمعهد “الشرق الأوسط” أنطون مارداسوف |
في 12 من أيلول الماضي، أبدى أردوغان رغبته بلقاء بشار الأسد، في حال قدومه إلى القمة المنعقدة في مدينة سمرقند بأوزبكستان، وقال، “يا ليت الأسد جاء إلى أوزبكستان، لكنت التقيت به”، وفق ما نقله كاتب العمود في صحيفة “حرييت” التركية عبد القادر سلفي.
رغبة الرئيس التركي باللقاء كانت لتحميل المسؤولية واللوم أكثر من كونها تقاربًا، إذ نقل الكاتب عن أردوغان قوله، “يا ليت الأسد جاء إلى أوزبكستان، لكنت التقيت به، لكنه لا يستطيع المجيء (…) بسببه ولأجل موقفه، سوريا على وشك الانقسام”، مضيفًا، “لأجل المحافظة على السلطة رجح الحرب مع المعارضة، واختار أن يحتفظ بسلطته، هو فكر بحماية المناطق التي يسيطر عليها، لكنه لم يستطع حماية الأراضي الكبيرة (…) وتجاهل التحذيرات، واختار حماية منطقة نفوذه، ولم يعتقد أن أمريكا وروسيا ستدخل هناك”.
اقرأ أيضًا: روسيا تسرع تقارب أنقرة ودمشق على وقع الهجمات التركية
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :