فيديوهات تظهر سكب البنزين وإحراق الضحايا بأوامر من ضباط الجيش
بالوثائق.. النظام السوري أحرق الجثث ودفنها في مقابر جماعية بدرعا
كشف تحقيق نشره “المركز السوري للعدالة والمساءلة” (SJAC) الحقوقي، عن إحراق “المخابرات العسكرية” في قوات النظام السوري و”الفرقة التاسعة” التابعة له وقوات أخرى، جثثًا لمدنيين ومنشقين وأعضاء في المعارضة وغيرهم من غير المقاتلين الذين قتلتهم في إعدامات ميدانية في سوريا.
ونشر “المركز السوري” التحقيق اليوم، الاثنين 31 من تشرين الأول، بعنوان “لا تتركوا أثرًا: إحراق الحكومة السورية رفات الضحايا والتخلص منه”، موثقًا الطريقة “الممنهجة” التي وثّق بها النظام السوري تدمير الرفات البشري، بمشاركة ضباط رفيعي المستوى في “المخابرات العسكرية” في مناطق بدرعا.
وذكر تحقيق المركز الحقوقي، أن جميع مستويات قوات النظام كانت على دراية بإتلاف الأدلة على الجرائم، ورصد حالات أسرت فيها قوات النظام مدنيين تعرضوا لعمليات إعدام ميدانية، وحرقت جثثهم.
وتضمّن التحقيق توثيقات وأدلة بصرية واضحة على حرق رفات بشري، ودفنها في مقابر جماعية من طرف عناصر فرع “المخابرات العسكرية” في مدينة المسمية ومناطق أخرى في درعا، بتعليمات من ضباط رفيعي المستوى، وأوامر من رُتب عسكرية أعلى.
كما نشر المركز وثائق صادرة عن أجهزة “المخابرات” بضرورة استخدام العنف، بما في ذلك إصدار أوامر مباشرة بتنفيذ الإعدامات بحق عدد من الجرحى، ومقاتلي المعارضة، ومنشقين عن قوات النظام في منازل ومواقع مختلفة من درعا.
كيف وصلت الصور والتسجيلات المصوّرة؟
في 4 من كانون الثاني 2013، نصب عناصر في فصيل “لواء أمهات المؤمنين” المعارض كمينًا لمجموعة من قوات النظام على طريق الشقرانية بدرعا، وقتلوا جميع عناصرها وصادروا أسلحتهم، وأجهزة الهواتف النقالة التي وُجدت بحوزتهم، بالإضافة إلى جهاز حاسوب محمول.
حصل أحد الناشطين الإعلاميين السوريين من ضواحي دمشق على الحاسوب من أحد أعضاء “لواء أمهات المؤمنين”، عقب الكمين، بعد أن عرض الأخير على الناشط أن يبيعه الجهاز الذي استولى عليه من إحدى المركبات التي وقعت في الكمين.
اشترى الناشط الحاسوب، وأجرى عملية تنصيب برمجية لاستعادة الملفات التي كانت مخزنة على الذاكرة، وتمكّن من استرجاع 131 تسجيلًا مصوّرًا (مقطع فيديو)، و440 صورة، واثنين من ملفات التسجيل الصوتي.
تواصل الناشط الذي يقيم خارج سوريا حاليًا مع المركز الحقوقي أواخر عام 2021، وذكر أنه يملك مجموعة من التسجيلات المصوّرة والصور التي تظهر عمليات إعدام معتقلين، وحرق جثثهم قبل دفنها.
أدخل “المركز السوري للعدالة والمساءلة” 147 مادة توثيقية إلى قاعدة بيانات المركز، وشملت 94 صورة، و52 تسجيلًا مصوّرًا (مقطع فيديو)، وملفا صوتيًا واحدًا، بعد حذف تسجيلات مكررة، وملفات تالفة، ومواد غير ذات صلة بتوثيق “الجرائم الخطيرة”.
أدى الكمين، وفق المركز الحقوقي، إلى مقتل العناصر في قوات النظام:
شادي علي تامر برتبة رقيب أول.
حسام مروان حمودة برتبة رقيب.
محمد يوسف وطفة برتبة مساعد أول.
سامر محمد السعيدي برتبة رقيب.
فادي يوسف القوزي برتبة رائد في “المخابرات العسكرية”.
محمد طاهر الإبراهيم برتبة مساعد أول في “المخابرات العسكرية”.
أنور محمد عمار برتبة رقيب أول.
إسماعيل محمود إسماعيل برتبة مقدم من القوات المسلحة.
سيف رمضان العلي برتبة رقيب.
سليمان علي قاطرجي برتبة مساعد.
تسجيلات تفضح إجرام النظام
أظهرت مجموعة أولى من التسجيلات المصوّرة قوات تابعة لـ”المخابرات العسكرية”، وتشكيلات تابعة لـ”الفرقة التاسعة” و”اللواء 34″ في منطقة اللجاة بدرعا، وهي تجري عمليات تعبئة لشن عملية عسكرية.
اتجهت قافلة القوات إلى شمالي مدينة المسمية وصولًا إلى حاجز عسكري، قبل أن تلتف يسارًا للانضمام إلى رتل عسكري آخر أكبر، ودخلت إحدى البلدات (الواقعة في ريف درعا على الأرجح).
مجموعة ثانية من التسجيلات، أظهرت مركبة نقل صغيرة (بيك أب) تُقل الكثير من الجثث فيها، ولم يتم التعرف على أي جثة منها، في حين يقول جنود النظام في التسجيل مشيرين إلى الجثث، “هادا إدلبي وهادا إدلبي وهداك حموي”، وكان أصحاب تلك الجثث الثلاثة يرتدون ملابس مدنية، والتُقطت التسجيلات في فصل الصيف.
مجموعة ثالثة من التسجيلات المصوّرة توثق عملية نقل ما لا يقل عن 15 جثة، وتوثيق هويات أصحابها أمام الكاميرا، وإلقائها في حفرة صغيرة، ومن ثم سكب البنزين عليها وإشعال النار فيها، ويبدو أنها التُقطت في فصل الخريف أو الشتاء.
كانت العملية مشتركة بين “المخابرات العسكرية” وقوة من عناصر “الفرقة التاسعة”، ورغم أن الجناة في هذه التسجيلات هم نفس الأشخاص الذين ارتكبوا الجريمة في التسجيلات السابقة، فإن الجثث الظاهرة في هذه التسجيلات تختلف عن تلك التي كان يتم نقلها في التسجيلات السابقة.
حرق جثث ومقابر جماعية
شاحنة نقل صغيرة (بيك أب) تنقل جثثًا كثيرة، توقفت قرب حفرة وسط منطقة نائية، وبينما يدفع الجنود الجثث من صندوق السيارة إلى الأرض، يلتقط الرائد في “المخابرات العسكرية” فادي القوزي صورًا كثيرة عن قرب لوجوه أصحاب الجثث، مستخدمًا كاميرا رقمية صغيرة (وليس كاميرا الهاتف النقال)، ويوثق هوياتهم بطريقة “ممنهجة”، وفق التحقيق.
تنحى الرائد فادي القوزي وضابط آخر جانبًا لإتاحة المجال لشخص يحمل “غالون” بنزين سكبه على الجثة الأولى، ويمكن مشاهدة ضابط رفيع المستوى يوجه تعليماته للشخص الذي يحمل البنزين، لسكبه على وجه صاحب الجثة ويديه، وذلك في محاولة لمحو أي أثر يمكن من خلاله التعرف على هويات أصحاب تلك الجثث.
بعد ذلك، يتم ركل الجثة كي تسقط في الحفرة، وتتكرر العملية مع كل جثة وبنفس ترتيب الخطوات، الأمر الذي يشير إلى الطبيعة الممنهجة المعتمدة لهذا النوع من الممارسات، وبما يدل على أن تلك قد لا تكون هي المرة الأولى التي تولت فيها مجموعة الضباط والمسؤولين في التسجيل المصوّر تنفيذ مثل هذا النوع من العمليات، وفق التحقيق.
ضحايا مدنيون
رغم رداءة جودة التسجيلات المصورة المتوفرة، تُظهر المعاينة البصرية لمحتوى التسجيلات، أن الضحايا قد قُتلوا قبل فترة قصيرة من لحظة تصوير جثثهم، وذكر المركز الحقوقي أنه:
- لا يظهر من لون الجثث أنها قد بدأت بالتحلل أو التلف.
- لا تشير درجة اللون الغامق للدم إلى مرور أكثر من 24 ساعة على لحظة الوفاة، رغم أن لون الدم على الجثث كان أحمر داكنًا.
- يظهر أن بعض الجثث أُصيبت بالتيبس الرمّي (أو التخشب الموتي)، وهي عملية تحدث بعد مرور ساعتين على الوفاة، وتستمر لمدة لا تزيد على 24 ساعة.
- لا توجد إشارات واضحة على أن الجثث تعود لمعتقلين، وإن كانت كذلك، فإنه يمكن القول، إنه لم يمضِ على اعتقالهم أكثر من بضعة أيام، حيث لا تظهر آثار واضحة تدل على سوء التغذية، ولا يبدو أن الضحايا قد فقدوا الكثير من الوزن قبل مقتلهم.
- يرتدي بعض الضحايا أحزمة، وهو أمر مستبعد بشكل كبير بالنسبة للمعتقلين، لأنه عادة ما تتم مصادرة الأحزمة، وأربطة الأحذية، وغير ذلك من المقتنيات الشخصية على شاكلة الحبال، بمجرد دخول مراكز الاعتقال في سوريا.
“تصفية جماعية”
تعود بعض الجثث لأشخاص قُتلوا في منطقة اللجاة، وهي منطقة عمليات “الجناة”، فرع “المخابرات العسكرية” في مدينة المسمية، و”الفرقة التاسعة”، الذين أبقوا جثث القتلى برفقتهم عقب ذلك.
“بدا فناء بيتنا كما لو أنه كان أرضية مسلخ لذبح المواشي، وغطت الدماء جميع أرجاء الفناء، وبقي الدم لمدة طويلة على الرغم من هطول المطر المستمر في فصل الشتاء”.
جملة ذكرها أحد المصادر (طارق، اسم مستعار) للمركز الحقوقي، بعد أن داهمت قوات الأمن التابعة للنظام منزل عائلته في قرية القنية بمدينة الصنمين، لأنها وفرت ملاذًا لمجموعة من الجنود المنشقين عن “كتيبة سلاح الجو” الواقعة في المنطقة.
تواصل عناصر من قوات الأمن مع الأشخاص الموجودين داخل المنزل، وتعهدوا بعدم إيذاء أي أحد “إذا سلم المنشقون أنفسهم لعناصر القوة التي حاصرت المنزل”، وفي غضون دقائق معدودة، خرج جميع من في المنزل (من ضيوف وجيران تصادف وجودهم في الداخل)، وتوجهوا إلى الفناء الأمامي رافعين أيديهم ومعلنين استسلامهم.
فتحت قوات الأمن النار لعدة دقائق باتجاه جميع من كان في فناء المنزل الأمامي، وفي غضون أقل من عشر دقائق، غادرت القوة مصطحبة جثث الجميع معها.
تواصل مقدم منشق من “الفرقة التاسعة” مع عائلة الشاب “طارق” في وقت لاحق من عام 2013، وأخبرهم بوجود ما مجموعه 17 ضحية بينهم أشقاء طارق الثلاثة، ونُقلوا جميعًا إلى مقر “الفرقة التاسعة المدرعة”.
وأُعدم شقيق طارق الذي كان يتحدث في تسجيل مصوّر، على يد اللواء أحمد العقدة (قائد الفرقة التاسعة) عند بوابة مقر “الفرقة”، ولم يتمكن المركز الحقوقي من التواصل مع المقدم المنشق لإجراء مقابلة معه بشكل مباشر.
وتقع قاعدة “سلاح الجو” التي يُفترض أن الجنود قد فروا منها عقب انشقاقهم على مقربة من قرية القنية بدرعا، كما أن مقر “الفرقة التاسعة” التي يُزعم أنها نفذت المداهمة قريب جدًا من القرية أيضًا، وفق تحقيق “المركز السوري للعدالة والمساءلة”.
“إبادة ممنهجة” بتعليمات
خلص تحقيق المركز الحقوقي إلى استنتاجات عديدة هي:
- فرع “المخابرات العسكرية” في مدنية المسمية بدرعا أصدر أمرًا لأحد الأشخاص بأن يصوّر عملية التخلص من رفات بعض الضحايا.
وأتم الشخص المكلف بتلك المهمة المطلوب منه خلال فترة زمنية معيّنة (صوّر المساعد أول محمد طاهر الإبراهيم في المجموعة الثانية من التسجيلات عملية نقل الرفات البشري، كما صوّر إتلافه والتخلص منه في المجموعة الثالثة من التسجيلات المصوّرة).
- استخدم الرائد فادي القوزي كاميرا رقمية صغيرة الحجم لالتقاط صور لوجوه جثث الضحايا.
- صدرت الأوامر بسكب البنزين على وجوه أصحاب الجثث وأيديهم في محاولة تهدف على الأرجح إلى طمس الآثار الدالة على هوية أصحابها (على الرغم من أن تلك المحاولات لن تحول دون إمكانية التعرف عليها مستقبلًا عن طريق تحليل الحمض النووي).
- استُخدمت إحدى آليات الحفر أو الجرافات المملوكة لقوات النظام على ما يظهر من أجل حفر المقبرة الجماعية.
- حضر ضباط رفيعو المستوى من قوات النظام عملية التخلص من الرفات البشري.
- يبدو أن الجثث قد نُقلت وأُحرقت ودُفنت في موقع آخر غير الموقع الذي شهد إعدام أصحابها ميدانيًا.
ماذا يختلف التحقيق عن غيره؟
تحقيقات عديدة تتضمن تسجيلات وتوثيقات وأدلة وشهادات، لا تشكّل عنصرًا جديدًا بالنسبة للسوريين الذين شاهدوا العديد منها، والتي وثقت وحملت أدلة على ارتكاب الأسد وعناصره وحلفائه جرائم حرب ضد المدنيين.
مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أوضح لعنب بلدي أن التحقيق يختلف عن غيره من عدة نواحٍ، أولًا وجود أوامر بشكل واضح وممنهج صدرت بوثائق “المخابرات” لا تتعلق بحادثة الحرق ذاتها، ولكنها تتعلق بملاحقة معارضين أو منشقين أو أشخاص يؤوون مصابين أو جرحى، أو يقدمون دعمًا ما لهم، وتوقيفهم وقتلهم.
وذكر العبد الله أن هناك أوامر أمنية بشكل واضح من فرع “المخابرات العسكرية” بدرعا، والفرع “265”، و”الفرقة التاسعة”، بالملاحقة والحرق، وحملت الوثائق ما يشير إلى أن هذه القوات تتصرف وفق ذلك، إذ نفّذت عملية مداهمة بالقنية لمنزل عائلة وقتلت 17 شخصًا كانوا موجودين داخله.
الاختلاف الثاني يكمن بأن عمليات الإعدام الميداني صدرت بأوامر، وجرى تنفيذها بعمليات مشتركة من “المخابرات” وقوات النظام (الجيش)، والاعتماد على بعض وحدات “الجيش” في مثل هذه العمليات الميدانية.
ولفت العبد الله إلى أن التحقيق وثّق ضلوع ودور وإشراف قوات النظام وبحضور ضباط، على عمليات التصفية والإعدام الميداني والحرق، وأن تحقيقات سابقة ذكرت ربما تنفيذ “المخابرات” فقط لمثل هذه العمليات.
تصوير وجوه الجثث بكاميرا “ديجيتال” بتقريب كبير للوجه وبدقة، دليل على أن أجهزة الأمن تعلم من أعدمت ومن أحرقت، وتعلم أين تدفن جثث الضحايا، ولا يستطيع النظام بعد هذا التحقيق أن يقول “لا علم له”، وفق العبد الله.
وأضاف العبد الله أن هذه الجرائم والانتهاكات يحضرها ضباط، وليس شخصًا أو خمسة أو عشرة، ولا يستطيع أحد أن يقول إنه كان تصرفًا فرديًا أو جريمة ارتكبتها مجموعة عساكر.
وتابع، هذا دليل على عمل ممنهج ومركزي، وإدخال وحدات “الجيش” على الخط للقيام بعمليات الإعدام الميدانية، يعتبر عملًا منسقًا وسياسة دولة لا يستطيع النظام التنصل منها، ولا يستطيع التنصل من الإدلاء بمعلومات عن أماكن دفن هؤلاء في المستقبل، أو كشف هوياتهم لأنه يملك الصور، وفق مدير المركز الحقوقي.
ويقدم التحقيق أرضية واضحة للأمم المتحدة لمطالبة النظام السوري بأن لديه مفقودين ويعلم مكانهم وهوياتهم وكيف قُتلوا.
آلية للبحث وفرصة للمحاسبة
مع كل تحقيق يكشف إجرام قوات النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية، تبدي المنظمات الإنسانية والحقوقية تخوفها على مصير عشرات الآلاف من المختفين قسرًا، وتُطرح التساؤلات عن مدى إمكانية إنشاء لجنة دولية آو آلية للدفع باتجاه البحث عن رفات الجثث والمفقودين، وفرصة محاسبة النظام وأدوات قتله الحربية.
مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، قال لعنب بلدي، إن هناك نقاشًا يدور حاليًا في “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، بعد توصية من “مفوضية حقوق الإنسان”، لإنشاء آلية دولية خاصة بملف المفقودين في سوريا، ومستقلة عن آليات المساءلة، مهمتها فقط الكشف عن مصير المفقودين، والضغط لإطلاق سراح المعتقلين.
وأوضح العبد الله أن الأهم في إنشاء مثل هذه الآلية، هو إمكانية دخولها إلى سوريا، وإجرائها جزءًا من هذه التحقيقات، لافتًا إلى أن وجود الآلية خارج سوريا سيعقّد من عملها ويجعله شبه مستحيل، إذ لا توجد فرص لكشف مصير الجثث أو التعرف على هذا الرفات أو استخراجه، طالما أن هذه الآلية لا تدخل إلى سوريا.
هناك فرص لاستخدام التسجيلات المصوّرة والصور في سياق محاسبة النظام السوري، وإمكانية فرض عقوبات إضافية عليه، بحسب العبد الله الذي أشار إلى أن قسمًا كبيرًا من الضباط الذين شاركوا بهذه العمليات لا يزالون موجودين.
ويوجد ضباط رفيعو المستوى شاركوا في العمليات، لم يستطع ” المركز السوري” التعرف على هوياتهم، وطلب العبد الله من الجمهور أن يساعد بالتعرف عليهم بعد نشر صورهم مستقبلًا.
وتتعلق فرص فرض العقوبات عليهم بعدة أمور، منها مكان وجودهم، وأرصدتهم البنكية، وحساباتهم في الخارج، ولكن دون معرفة هوية هؤلاء، قد يكون استخدام الأدلة في المحاكمات المقبلة بموضوع العدالة والمساءلة محدودًا، كدليل على أن هناك تصويرًا حصل، وأن هناك عملًا ممنهجًا بقتل وحرق وإخفاء الجثث وتصويرها وتوثيقها.
بيروقراطية الموت في سوريا
في 15 من أيلول الماضي، كشفت وكالة “فرانس برس” عن تفاصيل تعامل إدارة سجن “صيدنايا” مع جثث الضحايا بواسطة غرف مفروشة بالملح.
“غرف الملح” هي قاعات لحفظ الجثث، بدأ استخدامها منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، جرّاء ارتفاع عدد الضحايا داخل السجن.
وتحفظ الجثث من خلال وضع حوالي 20 إلى 30 سنتمترًا على أرضية الغرفة، لمنع تحللها والتقليل من الروائح التي يمكن أن تصدر منها خلال فترة بقائها داخل السجن.
اقرأ أيضًا: “غرف الملح”.. سر مرعب وراء جدران سجن “صيدنايا”
في 27 من نيسان الماضي، كشف تحقيق لصحيفة “الجارديان” معلومات حول المجزرة التي ارتكبتها قوات النظام في حي التضامن، وأسفرت عن مقتل نحو 41 شخصًا ودفنهم في مقبرة جماعية.
وجاء ذلك من خلال عرض تسجيل مصوّر يوثّق إطلاق الرصاص على عشرات الأشخاص ودفنهم في مقبرة جماعية، ثم حرق جثثهم من قبل عناصر النظام.
ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تحقيقًا تعاونت فيه مع “رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا”، حول مواقع المقابر الجماعية في سوريا، ودورها بإثبات وتوثيق جرائم الحرب المرتكبة من قبل النظام السوري.
وسبقتها صور “قيصر” المسربة لآلاف الضحايا من المعتقلين الذين قُتلوا تحت التعذيب، وآلاف التسجيلات من أرشيف الثورة التي تُظهر إجرام النظام.
وفي تحقيق “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، يرى مديره محمد العبد الله أن عملية تصوير الجثث كانت معدة لفرع “المخابرات العسكرية” وليست للنشر، وأن الشخص يلتقطها بطريقة ممنهجة، وهو الوحيد الذي كان مسموحًا له بالتصوير، مشيرًا إلى أن مسؤولين في “المخابرات” كانوا مستائين من تصويرهم، لكنهم لا يجرؤون على أمره بالتوقف.
وأوضح العبد الله وجود سياسة “ممنهجة” لطمس الأدلة، من إخفاء الجثث وحرقها وسكب البنزين بشكل متعمد على الوجه وعلى الأيدي، رغم أنه علميًا لن تخفي هذه الممارسات هوية الجثة، لكنه فهم “ساذج” لدى أجهزة الأمن، حسب وصفه.
القتل والإخفاء والحرق هو عملية بيروقراطية روتينية يتم تسجيلها وتصويرها، وهذا جزء من بيروقراطية الموت في سوريا، وفق العبد الله.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :