حسن إبراهيم | لجين مراد | محمد فنصة
أربعة أشهر مضت، ولم تحصل الأربعينية كوثر الحلواني على سلة غذائية في مخيم “الكويت” قرب بلدة حربنوش بريف إدلب الشمالي، وقالت السيدة، إنها تقتات مع طفليها على “اللبن الحامض الذي يصل لدرجة العفونة”، إلى جانب الخبز المجاني الذي يصل إلى المخيم من قبل داعم يقيم خارج سوريا.
شكوى كوثر من قلة المساعدات وحالة عائلتها المعيشية المتردية، واحدة من شكاوى مئات آلاف العائلات النازحة التي تعيش في مخيمات وتجمعات النازحين في الشمال السوري، والتي ينتظر أفرادها مساعدات غذائية، وطبية، وأدوات نظافة، وتدفئة، وغيرها، من قبل المنظمات دون جدول زمني محدد لذلك.
وتتقاسم منظمات إنسانية وإغاثية المهام وخريطة توزيع المساعدات، لكن قدرتها محدودة، أمام حاجة أربعة ملايين و100 ألف شخص شمال غربي سوريا، بحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وتقتصر جهودها على تأمين “كراتين” دعم، بغياب حلول دائمة، أو مشاريع وقفية (استثمارية) تعود بفوائد لدعم النازحين والمحتاجين.
كما يزيد أثر عجز المنظمات وقلة الدعم خلال الشتاء، إذ ينتظر ملايين السوريين، هذا العام، شتاء قاسيًا، بغياب التمويل اللازم.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع منظمات عاملة في الشمال وباحثين، مدى تلبية المساعدات لحاجة النازحين، والآلية التي تختار فيها المنظمات المستفيدين من مساعداتها وخدماتها، ومدى توجه المنظمات لمشاريع وقفية في قطاعات تعود بفوائد عليها أو على النازحين، والعقبات أمام ذلك.
مأساة كل شتاء
تتوقع الأمم المتحدة أن تشهد سوريا واحدًا من أقسى فصول الشتاء هذا العام، بسبب نقص الوقود والطاقة، وتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
وقال المتحدث الرسمي للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في المؤتمر الصحفي اليومي من المقر الدائم بنيويورك، في 10 من تشرين الأول الحالي، إن حوالي ستة ملايين شخص في سوريا يحتاجون إلى مساعدة إنسانية للتصدي لظروف الشتاء القاسية، بزيادة قدرها 33% مقارنة بعام 2021.
وأضاف دوجاريك أن “من بين أولئك الذين تم منحهم أولوية المساعدة، النازحين الذين يعيشون في خيام أو ملاجئ مؤقتة، بمن في ذلك 800 ألف شخص يقيمون في خيام بشمال غربي سوريا”، وأن هناك حاجة ماسة إلى حوالي 200 مليون دولار لسد فجوة التمويل، “والسماح لشركائنا بتلبية الاحتياجات المتعلقة بالشتاء بين تشرين الأول وآذار”.
الحاجة الملحّة للسكان في الشمال السوري إلى المساعدات تتفاقم مع بداية فصل الشتاء الذي يحمل معه معاناة من نوع مختلف، وسط انخفاض درجات الحرارة، وغياب وسائل التدفئة، وانعدام القدرة على تأمينها.
وبالتزامن مع أزمة الشتاء في المخيمات، وتأخر الاستجابة لها من قبل المنظمات الإغاثية العاملة في المنطقة، كون الحلول الموجودة إسعافية وطارئة، تبدأ حملات لجمع التبرعات من المنظمات والناشطين من أجل تفادي “مأساة كل شتاء”، في غياب واضح لأي خطط أو مشاريع مسبقة.
سلة لا تسد الحاجة
تنتظر كوثر المهجّرة من ريف دمشق سلة المساعدات الغذائية التي يقدمها داعم سعودي يدعى “أبو تركي”، لبيع قسم منها من أجل سداد ديونها، كما تلجأ للعمل بأي مهنة متاحة، مقابل أجرة يومية، لتأمين حاجات طفليها بعد وفاة زوجها منذ سنوات.
سلة غذائية لا تكفي حاجة العائلات النازحة، وحسب تقديرات منظمات محلية، تبلغ قيمة السلة المقدمة للعائلات بين 150 و200 ليرة تركية، في حين وصل سعر سلة الغذاء المعيارية الكافية لإطعام أسرة مكوّنة من خمسة أفراد لمدة شهر واحد، إلى حوالي 81 دولارًا أمريكيًا (1505 ليرات تركية).
فريق “منسقو استجابة سوريا” العامل في الشمال السوري، ذكر أن حد الفقر المعترف به ارتفع للسكان المدنيين في الشمال السوري، خلال آب الماضي، إلى 4354 ليرة تركية، وارتفع حد الفقر المدقع إلى 3218 ليرة تركية، ووصلت نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 87.11%.
وبلغت نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع 38.18%، ونسبة العجز الأساسي لعمليات الاستجابة الإنسانية التي تغطيها المنظمات الإنسانية 60.7%.
محمد عبد الجبار المقيم في مخيم “الكويت” بحربنوش، وهو معيل لأسرة من أربعة أفراد، قال إنه رغم أن الخبز مجاني من قبل الداعم، فإن السلة الغذائية التي حصل عليها منذ أربعة أشهر لا تكفي لسد الحاجة، وغير منتظمة التوزيع، في حين أن أقرباءه في مخيمات أخرى يحصلون على سلة غذائية بشكل شهري ومنظفات وغيرها، لافتًا إلى أن المخيم لم يحصل على أي مساعدات في قطاع النظافة وأدوات التعقيم، وسط تفشي مرض “الكوليرا”.
وأضاف محمد أن بعض قاطني المخيم توجهوا إلى مخيمات أخرى، كونها تتلقى دعمًا أكبر.
أديب إسماعيل خطيب، أحد قاطني مخيم “فقراء إلى الله” قرب بلدة حربنوش، حصل وعائلته المكوّنة من ستة أفراد على سلة تحوي أدوات نظافة مؤخرًا من منظمة “Mercy” العاملة في الشمال، إلى جانب توفير المنظمة مادتي الخبز والمياه في المخيم، نافيًا تلقيه كمعظم سكان المخيم أي سلة غذائية من قبل أي منظمة منذ ستة أشهر.
تحديد المستفيد.. معايير تختلف باختلاف المشاريع
في كل أزمة يواجه بعض اللاجئين أو النازحين داخليًا أخطارًا مرتفعة للحماية بسبب ظروفهم أو الحالة التي يعيشونها، ويُعرف هؤلاء الأشخاص بـ”ذوي الاحتياجات الخاصة”، وهم الذين يواجهون عوائق محددة بسبب ظروفهم، أو هويتهم، أو عوامل أخرى تمنعهم من التمتع بحقوقهم أو الحصول على الخدمات التي يحتاجون إليها.
وحددت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) الفئات التي تعد “ذات احتياجات خاصة”، وهي:
● البنات والصبيان (بمن فيهم الأطفال الذين لا يرافقهم ذووهم).
● الأشخاص الذين يعانون أمراضًا خطيرة.
● الأشخاص الذين يمتلكون احتياجات قانونية أو شروط حماية جسدية خاصة.
● النساء العازبات.
● الأسر التي تديرها النساء.
● المسنون.
● الأشخاص ذوو الإعاقة.
● مجتمع الميم (المثليون والثقافات الفرعية، التي توحدت بفعل الثقافة المشتركة والحركات الاجتماعية).
وليس كل من ينتمي لهذه الفئات له احتياجات خاصة، كما قد تختلف احتياجاتهم مع الزمن، أو قد تتأثر بالبيئة المحيطة بهم، بحسب المفوضية التي لفتت إلى أنه بدلًا من استهداف الفئات السابقة بحزم المساعدة الأساسية، من الضروري فهم كيف تتداخل عوامل العمر والجنس والتنوع في تشكيل الأفراد وقدراتهم والأخطار التي يواجهونها واحتياجاتهم.
كما وضعت المفوضية نقاطًا أساسية للوصول إلى المحتاجين (ذوو الاحتياجات الخاصة)، وهي العمل على تحديد هوياتهم، واستشارتهم لتقييم احتياجاتهم وقدراتهم، وتحديد ما ينقصهم ضمن برامج الحماية والمساعدة، واستشارتهم لتحديد ما يجب أن تحتويه حزم المساعدات الغذائية وغير الغذائية، والتأكد من قدرتهم على تسلّمها.
مسؤول التواصل في جمعية “عطاء للإغاثة الإنسانية” العاملة في الشمال، محمد كرنيبو، قال لعنب بلدي، إنه في بداية كل مشروع، يُعقد اجتماع بين الأقسام التنفيذية لوضع شروط الاستحقاق للمستفيدين.
وتقدم المعايير للفرق الميدانية لتصميم أدوات جمع البيانات بالتنسيق مع السلطات المحلية، وتأخذ المنظمة عدد أفراد الأسرة بعين الاعتبار في المساعدات بشكل مباشر، ولا يعتبر معيارًا في مشاريع أخرى.
في حين قال مسؤول قسم الإعلام بجمعية “رحمة بلا حدود” العاملة في الشمال، حسن البري، إن المنظمة تراعي معايير الاستضعاف المعتمدة من قبل الأمم المتحدة، والتي تتضمن عائلات النازحين، والأسر التي تعولها أنثى (أرملة)، والأسر التي يعولها أطفال (يجب أن يكون عمر رب الأسرة أقل من 18 عامًا).
وكذلك الأسر التي يرأسها شخص ذو إعاقة (عدم القدرة على العمل)، والأسر التي تضم فردين أو أكثر من ذوي الإعاقة (عقلية أو جسدية)، والأسر التي يعولها كبار السن (أكثر من 60 سنة)، والأسر التي فيها أكثر من خمسة أطفال، والأسر التي ليس لها معيل، والأسر التي لديها نساء حوامل ومرضعات.
من جهته، قال مدير العمليات في فريق “ملهم التطوعي”، محمد الشيخ، إن بعض المعايير تتغير باختلاف المشاريع، بينما يعتبر عدد أفراد الأسرة معيارًا أساسيًا في معظم أنواع المشاريع، ويقسم الفريق العائلات المستفيدة إلى عائلات تضم خمسة أفراد أو أكثر من ذلك أو أقل.
تفاوت في الدعم
يقيم 4.5 مليون شخص في مناطق شمال غربي سوريا، بينهم 1.8 مليون يقيمون في مخيمات أتاحتها الحاجة بعد قصف منازلهم وتهجيرهم من مدنهم وبلداتهم، وباتوا في مواجهة مباشرة مع العديد من التحديات التي تحولت إلى شكوى دائمة من نقص المساعدات والخدمات حينًا، ومن سوئها إن توفرت حينًا آخر.
وبلغ عدد منظمات المجتمع المدني، سواء كانت مراكزها الرئيسة في سوريا أو تمارس نشاطاتها في الداخل السوري، 218 منظمة في مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ” بإدلب، و61 منظمة في مناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة”، ولم يتم إدراج مناطق تل أبيض ورأس العين لصعوبة الوصول إليها، وذلك بحسب مسح أجرته منظمة “Impact” للأبحاث والتنمية في المجتمع المدني، في صيف 2021.
وسط وجود العديد من المنظمات الإنسانية والجمعيات الإغاثية والجهات المحلية، امتدت شكوى السكان في الشمال السوري من قلة المساعدات لتصل إلى الاستياء من التفاوت في مستوى الخدمات والدعم المقدّم بين مخيم وآخر، وتوجهت أصابع الاتهام للمنظمات والجهات المحلية بضعف التنسيق، وإهمال مخيم على حساب دعم آخر.
تفاوت المساعدات، وعدم انتظام وصولها إلى المخيمات، لا يقتصر على مخيمات تشرف عليها منظمات أو داعمون، إنما أيضًا في مخيمات تديرها مجالس محلية عاملة في المنطقة، إذ تشهد المخيمات العشوائية، قرب مدينة معرة مصرين شمالي إدلب، نفس الظروف.
وبحسب شهادات حصلت عليها عنب بلدي لنازحين في تلك المخيمات، لم يحصل النازحون على المساعدات منذ حوالي ثلاثة إلى أربعة أشهر، بعضهم “مكفول” بمادة الخبز وبعضهم “غير مكفول”، كما تجري حاليًا عمليات مسح مستمرة منذ ثلاثة أسابيع من قبل المنظمات بالتنسيق مع المجالس المحلية في المنطقة، لإعادة تحديد المستفيدين من المساعدات.
من يدير التنسيق بين المنظمات؟
وجهت عنب بلدي مجموعة من الأسئلة حول آلية إدارة تنسيق توزيع المساعدات بين المنظمات، إلى بعض المنظمات والجمعيات النشطة في الشمال السوري المسؤولة عن رعاية مخيمات وتجمعات سكنية، وهي فريق “ملهم التطوعي”، ومنظمة “رحمة بلا حدود”، وجمعية “عطاء للإغاثة الإنسانية”.
وبحسب المنظمات، لا يمكن لمنظمة تلبية الاحتياجات الكاملة للمخيمات التي ترعاها أو التجمعات السكنية التي أنشأتها.
وأوضحت المنظمات أن لكل منظمة مشاريع محددة لا يمكن أن تشمل جميع قطاعات الاحتياجات الإنسانية في المخيمات والتجمعات السكنية، ما يتطلّب أن يكون تقديم المساعدات عملًا مشتركًا بين جميع المنظمات الفاعلة.
ويعتبر التنسيق بين المنظمات أمرًا صعبًا، في ظل وجود عشرات المنظمات، وتزايد حجم الحاجة في المنطقة، وفق ما قاله مدير العمليات في فريق “ملهم التطوعي”، محمد الشيخ.
وتعتمد المنظمات على جهات دولية ومحلية للتنسيق والحدّ من الازدواجية، وفق ما قاله الشيخ.
الازدواجية: تلقي المستفيدين من خدمات المنظمات الإنسانية المساعدات ذاتها من نفس المنظمة أو من منظمات مختلفة، وهي من أبرز المشكلات التي تواجهها منظمات الاستجابة الإنسانية. |
“الكلاستر” يدير العملية
قال المسؤولون في المنظمات الثلاث التي تواصلت معها عنب بلدي، إن نظام “الكلاستر”، التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، هو المسؤول الأول عن تنظيم المساعدات في شمال غربي سوريا.
ويجري التنسيق من خلال اجتماعات دورية، بحضور مجموعة من المنظمات الدولية والمحلية التي تطرح مشاريعها لتنسيق التدخل الإنساني، ومنع التداخل بنوعية المشاريع ومواقع تنفيذها، وتقسّم المشاريع وفقًا لنوعيتها وحاجة المنطقة التي ستنفذ بها.
“الكلاستر”: مجموعات عمل تضم منظمات إنسانية أممية ودولية ومحلية، مقسمة بحسب قطاعات الاستجابة الإنسانية (الصحة، الأمن الغذائي، الإيواء والحماية…).
وتعتبر اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC) المسؤولة عن نهج “الكلاستر” (النهج العنقودي) لتنسيق عمل منظمات الاستجابة الإنسانية، وتعزيز قدرتها على الاستجابة الطارئة. |
بينما يعتمد التنسيق في مجال كفالات الأيتام على نظام يشبه “الكلاستر”، لكنه ضمن نطاق محلي، وفق ما قاله مدير العمليات في فريق “ملهم التطوعي”، محمد الشيخ.
وأوضح الشيخ أن كفالات الأيتام ليست ضمن “الكلاستر” التابع للأمم المتحدة، ما يتطلّب مقاطعة المعلومات بين المنظمات، ويُشترط بعملية مقاطعة المعلومات عدم الكشف الكامل عن بيانات المستفيدين.
وأضاف الشيخ أن كفالات الأيتام تعتبر أيضًا عملًا مشتركًا، إذ يمكن أن تكون عبر منظمات مختلفة عن المنظمات المسؤولة عن رعاية المخيم أو التجمع السكني.
وقال مسؤول قسم الإعلام في جمعية “رحمة بلا حدود”، حسن البري، إنه قبل تنفيذ أي مشروع (أي في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاقية) يتم إرسال إيميلات لـ”الكلسترات” (مجموعات العمل التابعة لـ”أوتشا”) بحسب قطاع العمل للتنسيق معها، ولضمان عدم وجود أي جهات أخرى عاملة في نفس المكان، ويتم إرسال فريق ميداني للتواصل مع المجالس المحلية ومديري المخيمات، لضمان عدم وجود أي جهة فاعلة على الأرض.
جهات محلية “تتعاون لا تدير”
تسهم وزارة التنمية والشؤون الإنسانية في حكومة “الإنقاذ” بمناطق إدلب، والمجالس المحلية في مناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة” بريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض ورأس العين شمال شرقي سوريا، بتنظيم عمل المنظمات والتنسيق فيما بينها.
وقال مسؤول التواصل في جمعية “عطاء”، محمد كرنيبو، إن جميع المشاريع تُنفذ بالتنسيق مع السلطات المحلية التي تزوّد المنظمات ببيانات الأُسر.
ويأتي بعد ذلك دور المنظمات بزيارة الأسر المستهدفة، للتحقق من صحة البيانات وتصحيحها لدى السلطات المحلية إن لزم الأمر، بحسب ما قاله كرنيبو.
من جهته، قال مدير دائرة تنظيم المخيمات في وزارة التنمية والشؤون الإنسانية بحكومة “الإنقاذ”، محمد علي، إن تنسيق عمل المنظمات يعتمد على عمليات الإحصاء التي تجريها المديرية.
وأضاف علي أن الازدواجية تحدث جراء تقديم بيانات خاطئة في بعض الحالات من قبل بعض العائلات التي تسجل لدى المديرية بأسماء مختلفة، وهذا ما دفع حكومة “الإنقاذ” لتوحيد الثبوتيات من خلال البيانات العائلية والبطاقات الشخصية مؤخرًا.
ورفضت وزارة التنمية والشؤون الإنسانية في حكومة “الإنقاذ” الإفصاح عن العدد الكلي للمنظمات التي تعمل في مناطق سيطرتها، واكتفت بتحديد عدد المنظمات التي نفذت مشاريع، في تشرين الأول الحالي، وبلغ 15 منظمة، لافتة إلى أنها لا تدير عمل هذه المنظمات، إنما تتعاون معها وتقدم لها المعلومات والكشوفات اللازمة لتنفيذ المشاريع.
“مشاريع ربحية” معدومة
ضعف الدعم والتمويل، إجابات لخّصت أسباب عدم توجه المنظمات العاملة في الشمال السوري لتنفيذ مشاريع على نطاق أوسع، ما يمنح المحتاج أكثر من حصة أو سلة معونة.
وتشكو المنظمات المحلية، غير الحكومية، باستمرار من ضعف الدعم والتمويل، إذ تعتمد بشكل كلي في تغطية تكلفة المساعدات ونقلها ورواتب كوادرها وتكلفة أماكن مكاتبها ومستودعاتها، على الدعم المادي المقدم من المانح، سواء كان فردًا أو تابعًا لمنظمة.
ورغم مرور أكثر من عقد على تكرار مشكلات نقص الدعم، لم تتوجه تلك المنظمات إلى تأسيس مشاريع وقفية ربحية تدعم بها ذاتها أو جزءًا من مصاريفها.
تواصلت عنب بلدي مع عدة منظمات (الرحمة، فريق ملهم، عطاء)، ليتبين عدم وجود أي مشاريع استثمارية ذاتية تابعة لها، وأجاب بعضها بأن السبب هو محدودية التمويل الذي يعوق الاستثمار بمشاريع كهذه.
من جهته، أوضح مدير دائرة تنظيم المخيمات في حكومة “الإنقاذ”، محمد علي، بأنه لا يوجد أي عوائق من قبل “الحكومة” للاستثمار في مشاريع تدر أرباحًا على المنظمات، وإنما المشكلة تتعلق بالدعم المقدم لها.
مشكلات هيكلية
أفاد تقرير لمنظمة “Impact”، صدر عام 2018، أن 3.2% من بين 514 منظمة في سوريا، كان المصدر الرئيس للدخل فيها يأتي عبر مشاريع تولّد عائدات مالية، في مقابل 74% من المنظمات ذكرت أن التبرعات هي المصدر الأساسي للدخل فيها.
الخبير بمنظمات المجتمع المدني الدكتور باسم حتاحت، أوضح لعنب بلدي أن منظمات المجتمع المدني الموجودة حاليًا في الشمال السوري، لم يكن بإمكانها الاستثمار في مشاريع ربحية، لأنها غير متوافقة مع معايير منظمات المجتمع المدني الدولية، ولديها مشكلات في هيكليتها، مثل افتقارها لأهداف استراتيجية قريبة أو متوسطة أو بعيدة المدى، ولخطط استراتيجية للبنية التحتية (الإغاثية، تحديد الأخطار، الكوادر).
وحدد حتاحت أن كل منظمة مجتمع مدني يجب أن تتضمن هيكليتها تحويل 20% من الدعم لصندوق الاستثمار التطويري، وهو غير موجود في منظمات الشمال السوري، وفي حال وُجد، يكون كصندوق احتياطي للرواتب في حال تأخر الدعم.
وأرجع حتاحت عدم دعم الدول المانحة المنظمات لتأسيس مشاريع استثمارية إلى أن المنظمات لا يوجد لديها تطبيق فعلي للصندوق الاستثماري قانونيًا وإداريًا من جهة، وإلى عدم وجود أو تقديم خطة استثمارية من قبل المنظمات للجهات المانحة من جهة أخرى.
وبيّن حتاحت أن منظمات الإغاثة الموجودة حاليًا غير متكاملة أو متناسقة فيما بينها لإيجاد حلول متكاملة، حيث يجب أن يكون أحدها للمعونات الغذائية، وغيره للطبابة والتعليم، وآخر لتوفير فرص العمل، من أجل أن يكون الفرد الذي يأخذ المعونة في مرحلة ما قادرًا على الاعتماد على ذاته، وهو الهدف الإنساني المطلوب للمنظمات وليس فقط الإغاثي.
من جهته، المستشار في مركز الأبحاث البريطاني “Chatham House” (تشاتام هاوس) حايد حايد، أرجع سبب عدم دعم المانحين المنظمات لتأسيس مشاريع استثمارية إلى أن التمويل يكون موجهًا عادة لتغطية الاحتياجات الإنسانية الطارئة، بينما دعم مشاريع استثمارية ربحية يتطلّب تغيير طريقة العمل من الخطط القصيرة المدى واستبدال استراتيجيات مستدامة طويلة المدى بها.
ولفت حايد إلى أن معظم المانحين يفشلون في تحقيق هذه النقلة، نتيجة التركيز على المساعدات الآنية فقط، ومن ثم الانتقال إلى منطقة صراع أو كوارث جديدة.
وأوضح حايد وجوب توجه المنظمات السورية إلى منظمات تمويلية لديها الرغبة والإمكانية بالعمل على المشاريع الإنمائية، وليس التركيز فقط على المنظمات الإغاثية.
“رأس مال فقير.. خبرة غير كافية”
بحسب مسح أجرته منظمة “Impact” صيف عام 2021 على 767 من منظمات المجتمع المدني، التي كان معظمها داخل سوريا، وجدت المنظمة أن أكثر مجالات العمل شيوعًا بالنسبة للمنظمات، هي الإغاثة الإنسانية والخدمات الاجتماعية 51%، تليها التنمية 49%، والتعليم 36%، والصحة 35%، بحيث يمكن لكل منظمة أن تعمل بأكثر من مجال.
الدكتور في الاقتصاد السياسي محمد عبد الكريم وصف، في حديث إلى عنب بلدي، المشاريع التي تجريها المنظمات وتدرّ أموالًا أو فوائد بأنها مشاريع وقفية وليست استثمارية، مشيرًا إلى أن المشاريع الاستثمارية مرتبطة بمجموعة ملّاك أو مجموعة من أصحاب المصلحة، والمشروع الوقفي هو الذي يعود بالأرباح على نفس نشاط المؤسسة وليس على مجموعة من الأشخاص.
وقال الدكتور عبد الكريم، إن تنفيذ المشاريع الوقفية من قبل الجمعيات المرخصة في تركيا لا يمنعه أي بند قانوني، بشرط أن يتوفر في نظامها الأساسي (الخطاب التأسيسي للمنظمة) مادة امتلاك الحق ببدء مشاريع وقفية، سواء كانت صناعية أو تجارية أو خدمية.
وبالنسبة للمؤسسات المسجلة خارج تركيا، يُمنع على المؤسسات غير الربحية أن تبدأ أعمالًا تعود عليها بالأرباح، وفق عبد الكريم.
ويرى الدكتور عبد الكريم أن العقبات التي تمنع المنظمات من تنفيذ مشاريع وقفية تتمثّل بعاملين، أولهما عدم توفر رأس المال، فالمؤسسات السورية لا تملك رأس المال الكافي، وليس لديها أي عمليات لجمع التمويل الحر لإمكانية توظيفه في بناء مثل هذه المشاريع.
ولفت الدكتور عبد الكريم إلى أن المؤسسات والمنظمات السورية ناشئة، ولا يتجاوز عمر أقدمها عشر سنوات.
العامل الثاني الذي يقف عائقًا أمام تنفيذ المشاريع الوقفية، والذي اعتبر الدكتور عبد الكريم أنه الأخطر، هو عدم امتلاك الخبرة الكافية للتنفيذ ولتوظيف الأموال في مشاريع كهذه، فحتى لو توفر رأس المال، فالمنظمات مضطرة للاعتماد على خبرات خارجية لهذه المشاريع.
وأشار الدكتور في الاقتصاد السياسي إلى أن استثمار المنظمات غير الربحية في توظيف الأموال مع مؤسسات أو رؤوس أموال أخرى، يحتاج إلى رأس مال عالٍ، وعوائد الأرباح تكون قليلة جدًا، ويجب أن تفتح مشروعها بنفسها.
وأعطى الدكتور عبد الكريم مثالًا على أن أغلب الجامعات التركية الخاصة هي مؤسسات وقفية، افتتحتها جمعيات خيرية وتديرها، ما يعود عليها بأموال، كونها أنشأت المشروع بنفسها ثم أدارته بنفسها.
ومع اقتراب فصل الشتاء، لا يوجد أي توجه فعلي للاستجابة، وتبقى الحلول إسعافية طارئة مؤقتة ومحدودة الدعم، وتحاول أن تحلّ جزءًا من الأزمة ولكنها غير كافية، وأثبتت السنوات السابقة أن الحملات لا تحل الأزمة الإنسانية في سوريا، وخصوصًا في الشمال.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :