تحقيق: ممثلة “الصحة العالمية” في سوريا متورطة بالفساد والاحتيال وسوء المعاملة
كشف تحقيق نشر في وكالة “أسوشيتيد برس”، تورط ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماجتيموفا، بالضغط على موظفي المنظمة في سوريا لتوقيع عقود مع سياسيين تابعين لحكومة النظام السوري، وممارسة سلوك مسيء، بالإضافة إلى إساءة إنفاق أموال منظمة الصحة العالمية، والجهات المانحة.
واستند التحقيق المنشور اليوم، الخميس 20 من تشرين الأول، على شكاوى قدمها موظفو المنظمة في سوريا وصل عددهم إلى ما لا يقل عن 12 موظفًا، قالوا فيها إن رئيسة مكتبهم أساءت إدارة ملايين الدولارات، ووزعت على مسؤولي النظام الهدايا (أجهزة حاسوب، عملات ذهبية، سيارات)، وتصرفت بشكل تافه أثناء اجتياح فيروس “كورونا” لسوريا.
بينما رفضت ماجتيموفا الرد على معدي التقرير حول الأسئلة المتعلقة بهذه الادعاءات، وقالت إنها “ممنوعة من مشاركة المعلومات، بسبب التزامها بصفتها أحد موظفي الصحة العالمية”، ووصفت الاتهامات بأنها “تشهيرية”.
من أكبر التحقيقات منذ سنوات
التحقيق، الذي ترجمته عنب بلدي وجرى بناء على الشكاوى، من أكبر تحقيقات منظمة الصحة العالمية الداخلية منذ سنوات، والتي شملت في بعض الأحيان أكثر من 20 محققًا، وفقًا للموظفين المرتبطين بالتحقيق.
وجاء تعليق منظمة الصحة العالمية على تورط ممثلتهم في سوريا، بأنها تراجع التهم الموجهة لماجتيموفا، وقالت إنها طلبت مساعدة محققين خارجيين، موضحة أنه “كان تحقيقًا مطولًا ومعقدًا، مع الوضع في البلاد والتحديات المتمثلة في الوصول المناسب، وضمان حماية الموظفين، ما أدى إلى مضاعفات إضافية”.
وأكدت المنظمة أنه خلال الأشهر الأخيرة، تم إحراز تقدم في تقييم الشكاوى المتعلقة بالممثلة، وجمع المعلومات ذات الصلة.
ولم تذكر المنظمة جدولًا زمنيًا محددًا لموعد انتهاء التحقيق، مضيفة “في ضوء الوضع الأمني، فإن السرية واحترام الإجراءات القانونية لا تسمح لنا بالتعليق أكثر على الادعاءات المفصلة”.
دعم مقربين من النظام وصرف أموال
قال عدد من مقدمي الشكاوى بحق ماجتيموفا وهم من الموظفين الذين طلبوا عدم ذكر اسمهم في التحقيق “خوفًا من الانتقام”، أن ماجتيموفا قدمت خدمات لكبار السياسيين في النظام السوري والتقت خلسة مع الجيش الروسي، وهو ما يمثل انتهاكًا محتملاً لحياد منظمة الصحة العالمية كمنظمة تابعة للأمم المتحدة، (ثلاثة من هؤلاء الموظفين غادروا منظمة الصحة العالمية).
تظهر الوثائق المالية المرفقة بالشكاوى، أن ماجتيموفا أقامت ذات مرة حفلة تكلفتها أكثر من 10 آلاف دولار أمريكي، لتكريم إنجازاتها الخاصة على نفقة منظمة الصحة العالمية، كما قال الموظفون، في وقت كانت فيه البلاد تكافح من أجل الحصول على لقاحات فيروس “كورونا”.
وفي كانون الأول 2020، في ذروة انتشار الوباء، كلفت أكثر من 100 شخص من موظفي منظمة الصحة العالمية في البلاد بتعلم رقصة “الغوغاء” السريعة، وطلبت من المسؤولين تصوير أنفسهم وهم يؤدون الخطوات المصممة لحفل للأمم المتحدة.
كما قال ستة أشخاص من خبراء الصحة العامة في المنظمة في سوريا، إن ماجتيموفا وصفت الموظفين بـ “الجبناء” و”المتخلفين” في مناسبات عديدة.
لا تزال تتلقى معاش المدير
في شهر أيار، أُرسلت شكوى من قبل موظف في مكتب المنظمة بدمشق، إلى المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قال فيها إن ماجتيموفا وظفت أقارب غير أكفاء لمسؤولين حكوميين، بمن فيهم بعض المتهمين بارتكاب “انتهاكات لا حصر لها لحقوق الإنسان”.
وبحسب نص الشكوى الحرفي، قال الموظف إن “تصرفات د. ماجتيموفا العدوانية والمسيئة تؤثر سلبًا على أداء منظمة الصحة العالمية لدعم الشعب السوري، السوريون المستضعفون يخسرون الكثير بسبب المحسوبية والاحتيال والفضائح التي حرضتها ودعمتها الدكتورة أكجمال، وهو ما يكسر كل الثقة ويبعد المتبرعين”.
وبعد ذلك لم يستجب غيبريسوس لشكوى الموظف، لكنه عيّن المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط ممثلًا بالنيابة في سوريا ليحل محل ماجتموفا، بعد أن سجلت أنها في إجازة، لكنها لا تزال مدرجة على أنها ممثلة الوكالة في سوريا في دليل الموظفين، وتواصل الحصول على راتب على مستوى المدير.
سوء إدارة إنفاق أموال المنظمة
تثير الوثائق الداخلية ورسائل البريد الإلكتروني والرسائل، مخاوف جدية بشأن كيفية استخدام الأموال التي قدمتها منظمة الصحة العالمية من دافعي الضرائب، إذ قال عدد من موظفي المنظمة إن ماجتيموفا أخطأت بشكل روتيني في إنفاق أموال المانحين المحدودة التي تهدف إلى مساعدة أكثر من 12 مليون سوري في حاجة ماسة إلى المساعدة الصحية.
ومن بين الحوادث التي يتم التحقيق فيها، حفلة نظمتها أكجمال ماجتيموفا، في أيار الماضي، عندما حصلت على جائزة القيادة من جامعى “تافتس”، أقيمت في فندق “فور سيزونز” بدمشق، ودعت نحو 50 ضيفًا، كان من بينهم وزير الصحة السوري الذي أدلى بتصريح بحسب أجندة الحفل.
وتظهر فاتورة الفندق، أن تكلفة الحفل وصلت لنحو 11 ألف دولار أمريكي، وبحسب وثائق المنظمة، فقد سجل الاحتفال على أنه بمناسبة إعلان منظمة الصحة العالمية عام 2021 سنة للعاملين في مجال الصحة والرعاية، لكن الأمسية تم تخصيصها لماجيتموفا ، وليس للعاملين في مجال الصحة.
وكالعديد من موظفي الأمم المتحدة المغتربين الآخرين في سوريا، عاشت ماجتيموفا في فندق “فور سيزونز” بدمشق.
وعلى عكس الموظفين الآخرين، اختارت الإقامة في جناح واسع متعدد الغرف به حمامان وإطلالة بانورامية على المدينة.
وتشير وثائق الأمم المتحدة إلى أنها بقيت في الجناح من تشرين الأول 2020 إلى أيار 2022، بتكلفة مخفضة تبلغ حوالي 450 دولارًا في الليلة الواحدة، أي أكثر من أربعة أضعاف سعر الغرف التي يشغلها موظفو الأمم المتحدة الآخرون.
أحد العاملين في الفندق، قال إن مثل هذه الأجنحة عادة ما تكلف حوالي 940 دولارًا في الليلة.
ومن بين القضايا الأخرى في هذا السياق التي تواجهها ماجتيموفا، التناقضات في مشروع صحي في الشمال السوري، بين ما دفعته المنظمة وبين ما تم العثور عليه من معدات.
وبحسب التحقيقات، فإن “كميات الأدوية التي تم فحصها لم تكن مطابقة للفواتير، ولم يكن الموظفون حاصلين على تدريب طبي، وكانت هناك عناصر مفقودة بما في ذلك الكراسي المتحركة والعكازات وأجهزة السمع، وكان معظم المبنى المستأجر لتخزين هذه الإمدادات فارغًا”.
اقرأ أيضًا: “الصحة العالمية” لا تستجيب للحملات ضد عضوية سوريا بمجلسها التنفيذي
هدايا لوزارة الصحة وغيرها
في رسالة عبر البريد الإلكتروني في تشرين الأول 2021، انتقد المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، أحمد المنظري، ماجتيموفا، لفشلها في حساب الإنفاق في مكتب سوريا.
وقال المنظري، إن هناك العديد من مشكلات التدقيق والامتثال التي لم يتم حلها، موضحًا أن ماجتيموفا لم تكمل العديد من التقارير التي طال انتظارها والتي توضح بالتفصيل كيفية إنفاق الأموال في سوريا والتي تحتاج إلى اهتمام عاجل.
وأضاف المنظري، أنه من دون هذه التقارير، كان لدى المانحين القليل من الأدلة على أن سوريا ومنظمة الصحة العالمية تستخدمان مواردهما على النحو المنشود.
وفي التحقيقات، أخبر ثلاثة من مسؤولي منظمة الصحة العالمية المشاركين في المشتريات، أن ممثلة المنظمة متورطة في العديد من العقود المشكوك فيها، بما في ذلك صفقة النقل التي منحت عدة ملايين من الدولارات لمورد تربطها به علاقات شخصية.
وبحسب ما ورد في التحقيق، تلقى موظف آخر، قيل إنه قريب من ماجتيموفا 20 ألف دولار أمريكي، نقدًا لشراء الأدوية، على الرغم من عدم وجود أي طلب من حكومة النظام السوري، والتي كانت مطلوبة عادة لبدء مثل هذا الشراء.
كما اشتكى ما لايقل عن خمسة موظفين على الأقل، أن ماجتيموفا، استخدمت أموال منظمة الصحة العالمية لشراء هدايا لوزارة الصحة وغيرها، بما في ذلك “خوادم وأجهزة كمبيوتر محمولة جيدة جدًا” وعملات ذهبية وسيارات باهظة الثمن.
لكن وكالة “أسوشييتد برس” لم تكن في وضع يسمح لها بتأكيد مزاعمهم، بحسب التحقيق.
وقال العديد من موظفي منظمة الصحة العالمية إنهم تعرضوا لضغوط، لعقد صفقات مع كبار أعضاء الحكومة السورية من أجل الإمدادات الأساسية مثل الوقود بأسعار متضخمة، وتم تهميشهم إذا فشلوا في ذلك، وفقًا للتحقيق.
سوء إدارة أثناء تفشي “كورونا”
تولت ماجتيموفا منصبها كممثلة المنظمة في سوريا، في أيار 2020، أي تمامًا عند اجتياح فيروس “كورونا” العالم، وقالت عند تعيينها “ما نقوم به في المنظمة نبيل، نكسب الاحترام من خلال الكفاءة والاحتراف والنتائج التي نحققها”.
لكن العديد من موظفي المنظمة في سوريا، أخبروا المحققين في قضيتها أن الممثلة فشلت في فهم خطورة الوباء في سوريا وعرضت حياة الملايين للخطر.
موظف سابق في المنظمة قال، “خلال انتشار كورونا، كان الوضع في سوريا مؤسفًا، ومع ذلك لم تكن منظمة الصحة العالمية تقدم مساعدات كافية للسوريين، كانت الإمدادات الطبية تركز عادة على دمشق فقط، ولا تغطي مناطق أخرى في سوريا، حيث كان هناك نقص حاد في الأدوية والمعدات”.
واشتكى ما لا يقل عن خمسة من موظفي منظمة الصحة العالمية للمحققين من أن ماجتيموفا، انتهكت إرشادات “كورونا” الخاصة بمنظمة الصحة العالمية، إذ قالوا إنها لم تشجع العمل عن بعد، وجاءت إلى المكتب بعد إصابتها بالفيروس وعقدت اجتماعات من دون قناع.
كما قال أربعة من موظفي منظمة الصحة العالمية إنها أصابت آخرين بالفيروس.
وفي تشرين الأول 2021، عندما كانت سوريا تعاني من أسوأ موجات انتشار “كورونا”، استأجرت ماجتيموفا مصمم رقصات وشركة أفلام لإنتاج مقطع فيديو للموظفين يؤدون رقصة أخرى للاحتفال بيوم الأمم المتحدة، وتظهر الصور والفيديو أنه لم يكن هناك أي تباعد اجتماعي خلال الحفلة التي أقامتها لعشرات الأشخاص غير المقنعين، والتي تضمنت حفل تناول الكعك.
وبعد انتشار الفيديو، لاقى الكثير من الانتقادات لدرجة أنها رؤسائها أمروها بإزالته من مواقع التواصل الاجتماعي، ومع ذلك لم تكن نادمة، إذ قالت للموظفين “رسالتي هنا هي أن أطلب منكم ألا تشعروا بالإحباط، لدينا وظيفة مهمة في متناول اليد لأدائها ومسؤولية ضخمة تجاه الناس، لقد فعلنا شيئًا خارج الصندوق حقًا: لقد تجرأنا على التألق”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :