قبل الاقتتال.. خطوات خفية لوصول “تحرير الشام” إلى ريف حلب
تصدّرت “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، المشهد الميداني مؤخرًا في مناطق شمال غربي سوريا، بعد دخولها إلى ريف حلب، مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.
دخول “تحرير الشام” وسيطرتها على عفرين وجنديرس وعدة بلدات وقرى بريف حلب قبل حديث عن الخروج منها باتفاق، لم يكن عبثيًا، وتجاوز مبرراتها التي تذرّعت بها للدخول، وهي أن توسّع القتال بين فصائل “الوطني” في محيط عفرين أنذر بأخطار ما دفعها للتدخل.
خطوات استباقية ولاحقة نفذتها “الهيئة” التي يتزعمها “أبو محمد الجولاني”، صدّرت الفصيل كقوة قادرة على “ضبط الأمن وإدارة المنطقة”، وروّجت للفصيل بأنه قادر على “إدارة المنطقة خدميًا”.
مؤشرات سابقة
مساء 11 من تشرين الأول الحالي، حشدت “تحرير الشام” أرتالها العسكرية بالقرب من معبري “دير بلوط” و”الغزاوية” الفاصلين بينها وبين “الجيش الوطني” لتدخل بهذه القوات مساندة لفصائل و”فرقة الحمزة” (الحمزات) التي تؤازرها “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات)، ضد “الفيلق الثالث”.
وبدأت سيطرة “الهيئة” على مدن وبلدات خاضعة لـ”الجيش الوطني”، منها السيطرة على مدينة عفرين التي تحظى بموقع استراتيجي في المنطقة، في 13 من تشرين الأول، سبقتها بيوم سيطرتها على مدينة جنديرس، ثم خرج قسم من قواتها باتفاق “هدنة” مع “الفيلق الثالث”.
الباحث في معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” آرون زيلين، المختص في شؤون الجماعات “الجهادية” بشمال إفريقيا وسوريا، ذكر أن دخول “تحرير الشام” إلى مناطق جنديرس وعفرين جاء بعد مؤشرات سابقة، منها خطاب “الجولاني” حين اجتمع مع أعضاء حكومة “الإنقاذ” المظلة السياسية لـ”الهيئة” منتصف تموز الماضي، وتحدث عن دور المؤسسات الخدمية وضرورة توسيعها.
وذكر الباحث، في 29 من آب الماضي، عبر موقع “Jihadica“، أن “هيئة تحرير الشام” كانت مهتمة بكل من جنديرس وعفرين في الأشهر الماضية، إذ بدأت “الهيئة” منذ 20 من آب مشروع إعادة تأهيل الطريق من باب الهوى إلى جنديرس وتحويله من الحصى إلى الأسفلت.
وبالنسبة لمدينة عفرين، فقد أعادت المديرية العامة للحواجز التابعة لـ”تحرير الشام”، في أيار الماضي، سيارة مسروقة من عفرين عند إحدى نقاط التفتيش التابعة لها في مدينة دارة عزة إلى صاحبها.
وتعامل “مجلس الصلح العام” (مجلس مصالحة عشائرية) التابع لـ”تحرير الشام” مع قضية مشاجرة أسفرت عن إصابة شخصين بطلقات نارية من عشيرة “الغازي” في مدينة عفرين، في 22 من آب الماضي.
ويرى الباحث زيلين أن “تحرير الشام” استخدمت بمهارة فرصًا صغيرة لإبراز نفسها بشكل أكبر في المناطق التي تديرها فصائل “الجيش الوطني”.
وخلافًا لما كانت عليه الحال سابقًا، حين استخدمت “تحرير الشام” الوسائل العسكرية فقط، فإن لديها الآن أدوات أخرى لمتابعة مصالحها، وفق زيلين، الذي يرى أن الأمر يتعلق بمشروع “بناء دولة”.
إعلام رديف يتحرك مع “الهيئة”
قبل إطلاق أي رصاصة في الاقتتال الأخير، بدأت منصات وصفحات محلية ومعرفات مقربة من “تحرير الشام” بالحديث عن حالة الفصائلية في مناطق نفوذ “الجيش الوطني”، والمقارنة مع مناطق إدلب التي تشهد قبضة أمنية تحت قيادة عسكرية تديرها “الهيئة”.
وزادت وتيرة حديث ومنشورات المنصات والمعرفات المقربة من” تحرير الشام” عن مهاجمتها الفصيل الآخر، وتوجيه اتهامات عديدة نحوه، بعضها وصل إلى حد الاتهام بالخيانة والعمالة والتطبيع مع النظام بالخفاء، وتسليم المناطق “المحررة” والارتهان للخارج، وخلق انقسام في صفوف الثورة، وإدارة عمليات التهريب عبر المعابر مع النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
المقارنات ليست جديدة، وإنما تطفو على السطح مع كل حدث أو جريمة أو انتهاك أو حتى حالة توحد واندماج أو انشقاق، كما توجد العديد من المعرفات المقربة من “الفيلق الثالث” والتي ردت وهاجمت بدورها أيضًا.
القيادي العسكري في “الهيئة”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”، نشر عبر معرفاته الشخصية، في 11 من تشرين الأول الحالي، وقبل دخول “تحرير الشام” إلى ريف حلب، منشورًا عن عملية اغتيال الناشط “أبو غنوم”.
وذكر أن استغلال مقتل الناشط لـ”البغي أمر مكشوف”، وقال، “متى كان جيش كعكة يحمي المدنيين”. (جيش كعكة هو “جيش الإسلام”، قالها القحطاني نسبة إلى كبير شرعيي “جيش الإسلام” ، سمير كعكة “أبو عبد الرحمن”).
وتساءل “القحطاني” عن عدد جرائم الاغتيال التي نفذها “كعكة وزبانيته” في غوطة دمشق، متهمًا إياهم بالوقوف وراء اغتيال القيادي السابق في “جيش الإسلام”، زهران علوش.
مهندس الاتفاقيات
العلاقات السيئة بين فصائل “الجيش الوطني” مع “الهيئة” خلال هذه الأعوام، لم تمنع خروج بعض التسريبات أو التصريحات المنقولة على لسان بعض قادة الفصائل في كلا الطرفين، والتي تحدثت عن وجود زيارات متبادلة وإمكانية تحقيق اندماج ودرء الفرقة والانقسام.
اصطفاف “العمشات” والحمزات” إلى جانب “الهيئة” خلق تحالفًا غير معهود في المنطقة، ووجّه الأنظار نحو أذرع “الجولاني” التي تشرف على ملف الاتفاقيات والتنسيق مع فصائل وجهات عديدة، أبرزها القيادي جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور).
وكانت عنب بلدي حصلت على معلومات من عناصر في “تحرير الشام” تفيد بزيارات لقياديين من الصف الأول في الفصيل، عقدوا لقاءات في ريف حلب مع قيادات في فصائل عسكرية تتبع لـ”الجيش الوطني”، بقصد التقارب والتنسيق مع “الهيئة”.
وهو ما أكدته زيارة “أبو أحمد زكور” إلى مدينة اعزاز بريف حلب، حيث التقى قياديين ووجهاء من المنطقة، في تموز 2021.
وفي 15 من تشرين الأول الحالي، وفي خضم المعارك، نشر “أبو ماريا القحطاني” صورة جمعته مع “أبو محمد الجولاني” و”أبو أحمد زكور”، لتفتح الحديث أمام أذرع عسكرية وعقول خططت ودبرت لدخول مناطق ريف حلب.
الترويج خدميًا
بعد دخول “تحرير الشام” إلى عفرين، دخلت آليات تابعة لشركة “E-Clean” (البيئة النظيفة) العاملة في مناطق إدلب إلى مدينة عفرين، وعملت على تنظيف بعض الطرق وجمع النفايات.
وتعمل الشركة وفق اتفاق مع وزارة الإدارة المحلية التابعة لحكومة “الإنقاذ”، بحسب حديث سابق لمدير مكتب العلاقات العامة في الشركة، محمد سالم، مع عنب بلدي.
ولم تنشر الشركة عبر معرفاتها الرسمية أو تتحدث عن دخول عمالها إلى مناطق عفرين، في حين أفاد مراسل عنب بلدي في عفرين بوجود عمال وآليات يحملون شعارها وينظفون الطرقات.
كما تداولت صفحات محلية صورًا على نطاق واسع عرضت توزيع شخصيات في “إدارة المنطقة الشمالية” التابعة لحكومة “الإنقاذ” مادة الخبز وبعض السلال الغذائية على عدة قرى ومخيمات النازحين في ريف عفرين.
وبحثت عنب بلدي عن الصور والمعلومة في معرفات إدارة المنطقة، لكن لم تجدها.
“استعراض أمني”
“جهاز الأمن العام” العامل في إدلب والمُتهم بتبعيته لـ”تحرير الشام” ويقابل الاتهامات بالنفي، أدخل أرتاله إلى مدينة عفرين بعد سيطرة “الهيئة” عليها، وتوجّه في منشوراته عبر معرفاته الرسمية إلى الأهالي، قائلًا “أنتم منا ونحن منكم”، واعدًا إياهم بأفضل معاملة، مرجعًا أسباب دخوله المنطقة لـ”حفظ الأمن وصون الأموال والأعراض والقضاء على المفسدين”.
ووضع رقمًا للشكاوى على أي عنصر من عناصر “الأمن العام”، تبعه منشور موجه إلى السكان في ريف حلب الشمالي بأن “الأمن العام” يستقبل عبر معرف “تلجرام” الشكاوى بما يخص أي اعتداء يحصل عليهم من قبل أي جهة عسكرية أو مدنية.
وقال إن “الوحدة K9” التابعة له دخلت مدينة عفرين ومشّطت الطرقات حفاظًا على سلامة السكان من العبوات الناسفة التي زرعها “الفيلق الثالث” قبل مغادرته عفرين.
وتعتبر “الوحدة K9” متخصصة بتعقب الألغام والمخدرات، وتتضمن كلابًا بوليسية عالية التدريب، سبق واستخدمتها “تحرير الشام” في معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا لمنع عمليات تهريب المخدرات.
المدنيون تحت الرصاص
غابت الإحصائيات الدقيقة عن الخسائر البشرية نتيجة للاشتباكات التي شهدتها المنطقة، وأعلن فريق “الدفاع المدني السوري“، في 14 من تشرين الأول الحالي، إجلاء فرقه 20 عائلة من مخيم “كويت الرحمة” قرب عفرين، إلى كتل سكنية قيد الإنشاء في مخيم بحي المحمودية بمدينة عفرين بناء على طلبهم.
كما أعلن الفريق استجابة فرقه لإسعاف عدة مصابين خلال الأيام الماضية، نتيجة الاستهدافات، دون أن يوثّق أي حالة وفاة بينهم.
وقال “الدفاع المدني”، إن فرقه تمكنت من إخماد حريق اندلع في مخيم “كورتك” للنازحين على طريق عفرين- اعزاز شمالي حلب، إثر اشتباكات بالمنطقة، في 14 من تشرين الأول الحالي.
واحترقت ست خيام بشكل كامل مع محتوياتها، وتضررت أكثر من 25 خيمة بشكل جزئي، ويضم المخيم نفسه نحو 200 عائلة مهجرة، بحسب “الدفاع المدني”، بينما لم يسفر الحريق عن أي إصابات في صفوف قاطنيه.
بدوره، أحصى فريق “منسقو استجابة سوريا” عدة انتهاكات طالت السكان المدنيين، موضحًا استهداف 11 مخيمًا في مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي نتيجة الاشتباكات والاستهدافات العشوائية، التي تسببت بتضرر أكثر من 58 خيمة بين أضرار جزئية وكاملة.
كما نتج عن ذلك نزوح نحو ألف و600 عائلة من المخيمات، وأكثر من ألف و200 عائلة أخرى داخل المدن والبلدات، بحسب بيان للفريق في 15 من تشرين الأول الحالي.
ووثّق الفريق مقتل خمسة مدنيين وإصابة 38 شخصًا معظمهم من النساء والأطفال، نتيجة الاشتباكات والاستهداف العشوائي.
وتعتمد 85% من عائلات المناطق في شمال غربي سوريا في دخلها المادي على الأجور اليومية، وتعاني 94% من العائلات عدم القدرة الشرائية على تأمين الاحتياجات الأساسية.
ومن إجمالي السكان البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة في المنطقة، يقدّر أن حوالي 2.7 مليون نازح يعتبرون أشخاصًا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، بحسب تقارير مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR).
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :