ليس فقط لأسباب اقتصادية.. شباب سوريون لا يريدون الزواج

camera iconفساتين زفاف معلقة في أحد متاجر تصميمها وبيعها (تعبيرية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

تصاعد الحديث خلال الأسابيع القليلة الماضية عن ارتفاع معدلات العزوف عن الزواج في سوريا، إذ نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية، في 7 من أيلول الماضي، عن إحصائية قالت إنها حصلت عليها من “مصادرها” في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بحكومة النظام السوري، أن أكثر من ثلاثة ملايين فتاة عازبة تجاوزن سن الـ30 عامًا.

هذه الأرقام التي لم تنشرها الوزارة، تنسجم مع ما جاء في إذاعة “ميلودي إف إم” المحلية، على لسان المحامي سامح مخلوف، الذي أكد مركز سوريا الثالث عربيًا بمعدل “العنوسة”، موضحًا أن النسبة وصلت إلى 65% منذ عام 2019.

وتترافق الحالة بموجة ظروف تطرح تأثيراتها على الاقتصاد والمجتمع، ما يعني معيشة المواطن وقدرته الإنفاقية، والمزاج العام، إلى جانب التركيبة الاجتماعية في سوريا.

عنب بلدي تواصلت مع مجموعة سوريين في مناطق سيطرة النظام وخارجها، أجمعوا على دور العامل الاقتصادي في الابتعاد عن الزواج، لكن ذلك ليس السبب الوحيد وفق وجهات نظرهم.

عمار خريج جامعي منذ عشر سنوات، يعمل سائق سيارة أجرة (تاكسي)، أوضح أن السفر أولوية لدى الشباب الذين يتمنون مغادرة البلاد دون ارتباطات عاطفية أو مسؤوليات، بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية.

كما أن بعض الشابات بدأن بوضع شرط السفر على “زوج المستقبل” قبل الموافقة، في سبيل المغادرة والرحيل الذي بات حلمًا، وإن كان مؤجلًا لدى البعض فقط لأنه غير متاح.

وفي سن الـ40، يركّز عمار (عازب) على أن المسألة لا تنتهي بمجرد الزواج بمقدار ما تفتح الباب على مسؤوليات أوسع في بلد يصعب فيه إنجاب طفل وتأمين احتياجاته وتعليمه ورعايته بأنواعها، “الأولوية اليوم لسد الرمق ولا شيء آخر”، وفق تعبيره.

ريم، شابة سورية تقيم في دمشق، اعتبرت أن المشكلة ليست في قدرات الشاب الاقتصادية فقط، فالشابات أيضًا رفعن كثيرًا من سقف طموحاتهن على مستوى المطالب والشروط التي تثقل كاهل الشاب، مع وجود حالات “ترضى بنصيبها، المهم ما تعنس”.

ولفتت الشابة إلى التأثيرات أو المتغيرات التي تتركها مسألة من هذا النوع، وهي تحوّل المجتمع لآخر غير متوازن، واختلاف المعايير الأخلاقية عما كانت عليه، مشيرة إلى زيادة العلاقات خارج مؤسسة الزوجية.

“في شباب بيصرفوا على بنات بدون زواج، بحالات أقرب للمساكنة”، وجهة النظر هذه يتفق معها نسبيًا عمار، لكن مع تفسيرات مختلفة بعض الشيء، إذ يرى الشاب أن هذا النوع من العلاقات مرغوب أصلًا من الأجيال الشابة، لكن ما بدا بوضوح هو حالة التحرر من المسؤولية والتعبير عن الذات خلال السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أن الحالات التي تعقب الحروب تجلب معها بعض طقوس التحرر، التي لن تكون بطبيعة الحال مرضية لكل فئات المجتمع، باعتبارها بشكل أو بآخر تحمل في جوهرها تمردًا على سلطة ما، قد تكون سلطة الأسرة، أو سلطة المجتمع.

الظرف المادي قاهر

كانت حادثة غرق زورق للاجئين من جنسيات مختلفة، معظمهم من السوريين، في 22 من أيلول الماضي، والتي أودت بحياة أكثر من 100 شخص، ترجمة لحالة القنوط التي يعيشها السوريون، والتي دفعت بهؤلاء نحو البحث عن بديل للعيش والاستقرار واستئناف الحياة من حيث توقفت مظاهرها.

هذه الحالة خلقتها مجمل الأوضاع الاقتصادية المتردية في مناطق سيطرة النظام، والتي بلغت مرحلة استدعت تحذيرات أممية من مغبة الأوضاع هناك، على اعتبار أن خط الفقر يضع تحته 90% من السوريين، يعاني 60% منهم “انعدام الأمن الغذائي”، وفق تقرير من 19 صفحة، قدمه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لمجلس الأمن الدولي في كانون الثاني الماضي.

ودعا تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، في 6 من حزيران الماضي، لاتخاذ إجراءات إنسانية عاجلة في 20 “نقطة ساخنة للجوع”، بينها سوريا.

انعدام فرص العمل المجزية، وانخفاض مستوى الأجور التي لا تتعدى بكثير منها 30 دولارًا أمريكيًا شهريًا، وانخفاض قيمة الليرة أمام الدولار، التي وصلت إلى أربعة آلاف و850 ليرة هذه الأيام، وندرة الكهرباء التي تحولت إلى ضيف خفيف الظل، وانعدام الخدمات ونقص المحروقات وأزمات المواصلات، كل تلك الظروف شكّلت عوامل غير مشجعة ومنغصة لأي طموح بالاستقرار وتأسيس عائلة في سوريا.

وبالنظر إلى حال السوريين خارج بلادهم، لا تخلو مسألة تأخر الزواج عمومًا من أبعاد اقتصادية أيضًا جراء الالتزامات الأخلاقية التي تفرض بدورها على اللاجئ التزامات من نوع آخر بعضها مالي.

إياد لاجئ سوري في تركيا (35 عامًا)، أوضح لعنب بلدي أن تأخر الزواج ليس مرتبطًا بالنسبة له بالعمر، لكن فئة من النساء ترى في الشاب “فارس أحلام”، وهو ما يولد رد فعل يعدل معه الشاب عن الفكرة.

ولفت إياد إلى ارتفاع متطلبات الشابات للزواج، ما يثقل كاهل “عريس المستقبل” بالكثير من الالتزامات المالية، إلى جانب أخرى موجودة أصلًا، كمتطلبات المعيشة في الخارج، وإعالة الأسرة ومساعدتها ماديًا داخل سوريا، وكل تلك الجبهة مفتوحة على راتب بالكاد يبلغ الحد الأدنى للأجور في تركيا، وهو خمسة آلاف و500 ليرة، في الوقت الذي تبلغ به قيمة الدولار الأمريكي نحو 19 ليرة تركية.

“أحاول التوفيق بين حياتي واحتياجاتي وكرامة أهلي المقيمين في سوريا، لا يمكنني أن أغض الطرف عن حاجاتهم وما ينقصهم، هم الأولوية”.

المجتمع لم يعد فتيًا

لا يحبذ الباحث الاجتماعي طلال مصطفى استخدام مصطلح “العنوسة” باعتباره غير دقيق علميًا واصطلاحيًا، ومن المفضل استخدام مفاهيم بديلة كالنساء غير المتزوجات والعازبات، وتأخر سن الزواج، كون “العنوسة” كمصطلح، تحمل عنفًا معنويًا يوحي بأن السيدة غير مرغوبة للزواج، في الوقت الذي يمكن أن تكون عازفة عن الزواج بمحض إرادتها لأي سبب أو قناعة.

وأكد الباحث في حديث إلى عنب بلدي، أن المصطلح يحمل نوعًا من الوصمة، كونه لا يُستخدم بنفس الطريقة للإشارة إلى الرجل العازف عن الزواج.

وحول معايير سن الزواج، قال مصطفى، إن القانون يجيز الزواج في سن الـ18، لكن لا بأس بإضافة سنوات أخرى ريثما يتحقق النضج العاطفي والنفسي والعقلي والانفعالي، وهذا ضمن المعيار العام، الذي لا يجري تطبيقه في المجتمعات المحلية السورية التي يرى بعضها أن تجاوز المرأة سن 20 عامًا يحوّلها إلى “عانس”، بينما ترى مجتمعات أخرى أن المرأة حتى سن الـ35 لا تكون متأخرة في الزواج.

وأوضح الباحث أن الأمر قد يكون منوطًا بسن الإنجاب لدى المرأة، وبالتالي “العنوسة” مفهوم قيمي مرتبط بالعادات والتقاليد، وتحوّل إلى وصمة لا يمكن قبولها اجتماعيًا.

واختلفت سن الزواج عمومًا ليس داخل سوريا وخارجها فقط، إذ إن حالة الحرب تحدث خللًا في ميزان الذكور والإناث، باعتبارها بوابة استنزاف للذكور من جهة، إلى جانب استنزافهم عبر الهجرة واللجوء.

وهناك أيضًا تصاعد في حالات الهجرة بعد الحرب، وهو ما يحصل حاليًا في سوريا لأغراض اقتصادية، ما يُترجم على الأرض بالنظر إلى من بقي في سوريا، ورؤية أن النسبة الكبرى من متوسطي العمر والكبار، بعدما كان المجتمع السوري مجتمعًا فتيًا، دون استبعاد أن يتحول إلى مجتمع شيخوخة أو كهولة مستقبلًا، ربما بعد عشر سنوات، ما لم ترجع نسبة من اللاجئين مثلًا.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة