تياران في “الجيش الوطني”.. التوافق حبيس البيانات والأنظار نحو “تحرير الشام”
عنب بلدي – حسن إبراهيم
عاد الهدوء إلى مدينة الباب بريف حلب الشرقي بعد أن شهدت توترًا أمنيًا واستنفارًا عسكريًا لفصائل منضوية تحت راية “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وهي تنتمي لتيارين رئيسين هما “الجبهة الشامية” (الفيلق الثالث) و”هيئة ثائرون للتحرير” (الفيلق الثاني).
وتتكرر هذه الخلافات على الأرض بين أبرز فصائل “الجيش الوطني”، وبينما تسلّط وسائل الإعلام الضوء عليها وتوثق المنظمات الحقوقية والإنسانية انتهاكات خلالها، تقابلها الفصائل ببيانات مفادها “علاقات ود وأخوة” بينها.
ومع كل خلاف، تتوجه الأنظار إلى “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، ويجري حديث آخر عن رغبتها بتوسيع مناطق سيطرتها، باستغلال الخلافات بين فصائل “الوطني” والزحف إلى أرياف حلب.
ويترافق أي تغيير في مراكز قيادية أو أشخاص أو عمليات اندماج ضمن “الفيلق الثالث” و”ثائرون”، بحديث عن توجه لإنهاء أو إضعاف الفصيل الآخر.
“حرب معابر”
استقر الوضع الأمني في مدينة الباب، بعد استنفار عسكري شهدته الحواجز الأمنية التابعة لعناصر “الجبهة الشامية” و”فرقة السلطان مراد” (تتبع لـ”هيئة ثائرون”) على طريق معبر “أبو الزندين” الواصل مع مناطق النظام السوري.
ودخلت، في 20 من أيلول الحالي، شاحنتان من ريف حلب تحت إشراف “فرقة السلطان مراد” باتجاه مناطق سيطرة النظام، قال ناشطون ومصادر محلية إنهما تحملان مادة البرغل، ولم يتسنَّ لعنب بلدي التأكد من المواد المحمولة فيهما.
وتبع دخول الشاحنتين اشتباك قريب من المعبر داخل مناطق سيطرة النظام، وإطلاق قذائف مدفعية، دون معرفة ما حدث، تلاه إغلاق المعبر واستنفار عناصر “الجبهة الشامية” و”السلطان مراد”.
ويتنافس الفصيلان على المعابر الواصلة مع مناطق نفوذ النظام السوري و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، كما تُتهم عدة فصائل منضوية تحت راية “الجيش الوطني” بالتستر على المهربين، وتمرير وتهريب بعض المواد والأشخاص مقابل الحصول على مبالغ من خلال تلك المعابر، إلا أنها تنفي ذلك.
“الفيلق الثالث” يبدل قياداته
أجرى فصيل “الفيلق الثالث” بعض التغييرات في رأس هرم الفصيل مؤخرًا، أحدثها في 14 من أيلول الحالي، بتعيين “أبو فيصل الأنصاري” نائبًا لرئيس هيئة الأركان.
وتداولت بعض الصفحات المحلية على مواقع التواصل الاجتماعي، أن تعيين “الأنصاري” تزامن مع تعيين “أبو همام البويضاني” قائدًا عسكريًا عامًا لـ”الفيلق”، وهذا ما نفاه مدير المكتب الإعلامي في “الفيلق الثالث”، سراج الدين عمر، عبر مراسلة إلكترونية لعنب بلدي، مؤكدًا تعيين “الأنصاري” فقط.
وفي 3 من آب الماضي، عيّن “مجلس الشورى” في “الفيلق الثالث” حسام ياسين الملقب بـ”أبو ياسين” قائدًا عامًا للفصيل، بعد قبول استقالة القائد السابق، مهند الخليف الملقب بـ”أبو أحمد نور”.
وفي 7 من آب الماضي، أعلن فصيل “لواء الصفوة“، العامل بريف حلب الشمالي، خروجه من صفوف “هيئة ثائرون للتحرير”، وانضمامه إلى صفوف “الفيلق الثالث”، بعدد مقاتلين يبلغ 250 عنصرًا، وهم من أبناء مدينة مارع بريف حلب الشمالي.
وأوضح سراج الدين أن التغييرات والتعيينات الجديدة في “الفيلق الثالث” هي أمر يتم بشكل دوري، سواء على مستوى القيادة العامة أو على مستوى مديري المكاتب أو حتى على مستوى المفاصل الأساسية في الفصيل.
وأشار إلى أن التغييرات ليست لها علاقة بأي توترات مع أي جهة، وإنما تأتي في نطاق دوري.
أوراق “ثائرون” مبعثرة
شهدت “هيئة ثائرون للتحرير” المكوّنة من عدة فصائل محاولات اندماج فاشلة لفصائل أخرى تحت رايتها، وحالتي انشقاق لفصائل منها، رغم أن هدف “ثائرون” رصّ الصفوف وتوحيد الكلمة، وفق ما جاء به بيان الفصيل حين شُكّل في 23 من كانون الثاني الماضي.
بعد شهرين من انشقاقهما عن “هيئة ثائرون” (الفيلق الثاني)، أعلن الفيلق، في 17 من أيلول الحالي، فصل كل من “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) و”فرقة الحمزة” (الحمزات) من مرتبات “الفيلق” لعدم التزامهما بالقرارات الصادرة عن قيادته.
وفي 19 من تموز الماضي، قالت مصادر متفرقة، إن فصيلي “العمشات” و”الحمزات” انشقا عن “هيئة ثائرون للتحرير” التي يقودها فهيم عيسى، دون أي توضيح رسمي أو بيان عن الانشقاق من قبل الفصائل العسكرية الثلاثة.
ونشرت مراصد عسكرية عاملة في المنطقة وشبكات محلية ومحللون أنباء عن انسحاب وانشقاق “فرقة الحمزة” بقيادة سيف بولاد، المعروف بـ”سيف أبو بكر”، و”فرقة العمشات” بقيادة محمد الجاسم (أبو عمشة)، عن “هيئة ثائرون”، وأنزل الفصيلان رايات الأخيرة من فوق معسكراتهما في ريفي حلب الشمالي والشرقي.
في 24 من أيار الماضي، أعلنت “حركة أحرار الشام- القاطع الشرقي” اندماجها مع “هيئة ثائرون للتحرير”، بعدد عناصر القطاع الكلي، وبلغ 1700 عنصر، بعد حوالي شهرين من محاولة “أحرار الشام- القاطع الشرقي” الانشقاق عن “الفيلق الثالث”، إثر اشتباكات واقتتال داخلي بين الفصيلين في قرية عولان بريف حلب الشرقي، في 1 من نيسان الماضي.
محاولة الانشقاق عن “الفيلق الثالث” والاندماج مع “ثائرون” لم تُكلل بالنجاح، بعد تدخّل “اللجنة الوطنية للصلح”، المنبثقة عن وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”.
محاولة توحيد “قيد الانتظار”
“الجيش الوطني” الذي أُعلن عن تشكيله في تشرين الأول 2019، بمدينة شانلي أورفة جنوبي تركيا، من قبل مجموعة من القادة العسكريين في المعارضة السورية، بقيادة وزير الدفاع في “الحكومة المؤقتة”، ورئيس هيئة الأركان حينها، سليم إدريس، شهد العديد من حالات الاندماج والانشقاق لفصائل تحت رايته، ولم ينجح ذلك بإنهاء حالة الفصائلية فيه.
ودار الحديث مؤخرًا عن مبادرة لـ”جسم عسكري واحد” يجمع فيالق “الجيش الوطني” الثلاثة، تحت قيادة موحدة تشمل جميع الفصائل والمكوّنات.
وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي في “الجيش الوطني”، حسن الدغيم، عبر مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، إن الجهود لا تزال مستمرة، وحين تنضج ستظهر المبادرة للعلن.
ونشر القيادي في “هيئة ثائرون” مصطفى سيجري، في 22 من أيلول الحالي، أن “ثائرون” تدفع باتجاه توحيد الفصائل، وتجاوز بعض الخلافات، وأن أي خلاف بين تشكيلات “الجيش الوطني” هو “خلاف الأسرة الواحدة، ولا يتجاوز الاجتهاد في المسائل الخلافية المتعلقة بالإدارة والقيادة”.
“أبو عمشة” عمّق الفجوة
من أبرز محاولات التقارب بين التيارين، “غرفة القيادة الموحدة” (عزم) التي قادها مهند الخليف، المعروف بـ”أبو أحمد نور”، وهو قائد “الفيلق الثالث”.
لكن محاولات الغرفة لمحاسبة قائد “فرقة السلطان سليمان شاه”، محمد الجاسم (أبو عمشة)، اصطدمت بصعوبة تطبيقها على الأرض، وخلقت انقسامًا جديدًا بين مكوّناتها.
بعد إدانة “أبو عمشة” بالعديد من الانتهاكات، ظهر في منصب قيادي من خلال “هيئة ثائرون للتحرير”، في 15 من آذار الماضي، ورغم وعود “عزم” بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، وتحويل الملفات إلى القضاء، فإنها لم تُطبّق.
ظهور “أبو عمشة” بمنصب عضو في مجلس قيادة “هيئة ثائرون”، أظهر الشرخ بين “عزم” و”ثائرون”، ودخلت “عزم” في حالة من الجمود، نتيجة خلافات متنامية بين مكوّناتها تتعلق بالشقين الاقتصادي والتنظيمي، بحسب دراسة نشرها مركز “جسور للدراسات” في 14 من آذار الماضي.
الدراسة أكّدت أن مكوّنات “عزم”، وتحديدًا “الفيلق الثالث” و”ثائرون للتحرير”، لم تتمكّن من حسم الخلافات حول آلية عمل المعابر التجارية، والعائد المالي الناتج عنها، ما انعكس على مشروع تأسيس هيئة منبثقة عن الغرفة، هدفها ضبط الطرقات ومكافحة عمليات التهريب، فتم تعليق المشروع على اعتبار أن أعمال الغرفة الأمنية تجمّدت تقريبًا.
وظهرت اتهامات لـ”عزم” التي قادها “أبو أحمد نور” (قائد “الفيلق الثالث” سابقًا)، بأنها بدأت بمحاسبة “أبو عمشة” لإثبات أن “الفيلق الثالث” صاحب شرعية أكبر في “محاربة الفساد ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات”، وبالتالي “تعزيز نفوذه وإعلاء كلمته بشكل أكبر”.
دراسة مركز “جسور” أوضحت أن “عزم” لم تتمكّن منذ نشأتها من وضع تعريف واضح للعلاقة مع المؤسسات المنبثقة عن “الحكومة المؤقتة”، ما دفع شخصيات رسمية وبعض الفصائل لمعارضة نشاط الغرفة.
وقد تعزز الخلاف بعد تعثُّر بعض فصائل “ثائرون للتحرير” في الحصول على مقاعد خاصة بها داخل الغرفة، رغم أنها بالأصل ممثلة بـ”هيئة ثائرون”، وفق الدراسة.
“تحرير الشام” على الخط
مع كل خلاف بين فصائل “الجيش الوطني”، ينقسم الحديث إلى تيارين، الأول يتحدث عن “تواطؤ” أو “تعاون” مع “تحرير الشام” لإقصاء الطرف الآخر، والثاني يتحدث عن رغبة “تحرير الشام” باستغلال الخلافات واقتتال فصائل “الوطني” للسيطرة على المنطقة.
وتجلّت أبرز هذه التوترات، في حزيران الماضي، حين توجّهت أرتال عسكرية تتبع لـ”تحرير الشام” نحو مناطق ريف حلب، ودخلت من معبر “الغزاوية” باتجاه منطقة عفرين شمالي حلب إلى قرية الباسوطة، بعدد تجاوز 400 آلية، ومن معبر “دير بلوط” بعدد تجاوز 350 آلية، عقب اشتباكات بين فصيل “أحرار الشام- القاطع الشرقي” (الفرقة 32) و”الفيلق الثالث”.
وتشهد العلاقات بين فصائل “الجيش الوطني السوري” حالة من عدم التوافق والانسجام والتنسيق مع “تحرير الشام”، منذ أن انقسمت مناطق الشمال السوري بينهما عسكريًا وخدميًا عام 2017.
حالة العداء بدأت عام 2014 بخلاف بين “تحرير الشام” (“جبهة النصرة” آنذاك) وعدة فصائل أخرى، حين عملت “تحرير الشام” على بسط نفوذها على المنطقة، لتكون الجسم العسكري الوحيد المسيطر وصاحب النفوذ، وشهدت محافظة إدلب العديد من الخلافات بين “الهيئة” وفصائل أخرى محسوبة على المعارضة السورية و”الجيش الحر”.
تبعت تلك الخلافات عدة توترات بين فصيل “تحرير الشام” وفصائل مقاتلة في الشمال، كان لها ثقلها وأثرها في المعارك ضد النظام السوري وحلفائه، أبرزها “حركة أحرار الشام”.
ولم تمنع العلاقات السيئة بين الطرفين خلال هذه الأعوام، خروج بعض التسريبات أو التصريحات المنقولة على لسان بعض قادة الفصائل في كلا الطرفين، والتي تحدثت عن وجود زيارات متبادلة وإمكانية تحقيق اندماج أو توافق بين فصائل من “الوطني” و”تحرير الشام”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :