مروان فرزات
تمكنت طهران من الوصول إلى اتفاقٍ، وصف بـ “التاريخي“، مع الولايات المتحدة حول مشروعها النووي، ووقعت الاتفاق منتصف تموز 2015، لتبدأ بإزاحة العقوبات المفروضة على اقتصادها من الغرب، ويتحوّل وصف أمريكا في السياسة الإيرانية من “الشيطان الأكبر” إلى “العدو القديم“.
في الوقت ذاته، نلحظ تغييبًا في خطاب الغرب لـ “الثورة السورية“، وتكرار مصطلحات على غرار “مكافحة الإرهاب” و“الحفاظ على مؤسسات الدولة“، رغم اتفاق الدول الكبرى، عدا روسيا، على انتهاكات النظام السوري واتهامه بجرائم “حرب“.
يتعلّق هذا التحوّل بأسباب عديدة، منها حرب “اللوبيات” الخفية، التي تحاول الضغط والتأثير عبر علاقاتها على القرارات الحكومية وسياسات الدول، وأبرزها اللوبي الإيراني والإسرائيلي والعربي في الولايات المتحدة.
تعني كلمة “لوبي” الردهة أو صالة الاستقبال في الفندق، والتي تصلح لاستقبال شخص ما والاجتماع به أو التجول فيها ومراقبة ما يفعله الآخرون من تصرفات، إما بدافع فضولي أو بدافع مهني، ومن خلال هذه المراقبة نستطيع معرفة كيفية التعامل مع هؤلاء الأشخاص وما يجب علينا أن نتخذ من إجراءات حيالهم.
أما اصطلاحًا، فيمكن اختصار تعريف اللوبي بأنه مجموعات منظمة تسعى للتأثير على القرارات الحكومية والتشريعات القانونية والانتخابات، ولكنها لا تخطط لممارسة نفوذ حكومي رسمي، منها ما يعمل داخل بلده ومنها ما يعمل لمصلحة بلده في بلدان كبيرة وذات أهمية عالمية.
واللوبيات غالبًا ما تكون قريبة من الحكومة والبرلمان، كقربها من الشعب، لذلك فهي نقطة الوصل بين الشعب ومؤسسات المجتمع المدني من جهة، وبين الحكومة والبرلمان من جهة أخرى، فهي تضغط على الحكومة لتحقيق مطالب الشعب، كما أنها تلعب دورًا في تهدئة الشعب إذا ثار على الحكومة، فوجودها بات ضروريًا لاستمرار الاستقرار في البلد.
وهنا يجب أن نفرق بين مجموعات الضغط “اللوبيات” ومراكز الثينك تانكس (Think Tanks)، وهي مراكز للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، والفرق بينها وبين اللوبيات أنها منظمات غير ربحية ولا تسعى لممارسة ضغوط على الحكومة أو البرلمان، وإنما تكتفي بتقديم النصح لهم من خلال الدراسات التي تقدمها لهم.
وتسعى معظم اللوبيات إلى إنشاء معاهد ومراكز أبحاث خاصة بها أو دعم أحد هذه المعاهد، فمراكز الأبحاث تحتاج إلى تمويل كبير للقيام بعملها، وغالبًا ما يقوم تجار ورجال أعمال كبار بتمويلها لضمان خروج دراسات تثمر تشريعات وقوانين تلبي مصالحهم، أو عن طريق رجال اللوبي من السياسيين الكبار.
وفي مثال الولايات المتحدة الأمريكية، فإن مؤسسة “هيرتيج” ومعهد “إنتربريز“، الذي يعمل به ريتشارد بيريل وليين تشيني، زوجة ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي، معروفان بانحيازهما للمحافظين الجدد.
أما على مستوى مراكز الأبحاث العاملة لصالح دولة ما، فإن “معهد الشرق الأوسط” معروف بانحيازه للدول العربية، بينما يعرف “معهد واشنطن للشرق الأدنى” بانحيازه المطلق لإسرائيل، في حين تنحاز مؤسسة “سلام الشرق الأوسط” للقضية الفلسطينية.
كما تصدر هذه المراكز صحفًا ومجلات، غالبًا ما تكون موجهة بمنشوراتها للسياسيين. فمعظم السياسيين يعتمدون على هذه المراكز للحصول على معلومات معينة، وتكون هذه المقالات المنشورة بمثابة إيعاز للسياسيين في بعض الأحيان.
فالعلاقة بين مراكز “الثينك تانكس” واللوبيات من جهة، وبين السياسيين من جهة أخرى، هي علاقة تكامل. فمعظم السياسيين الأمريكيين تربطهم علاقات وثيقة بمراكز “الثينك تانكس” واللوبيات.
تشير الدراسات إلى أن أكثر من 40% من أعضاء الكونغرس الأمريكي يعملون في شركات اللوبي بعد التقاعد، وهذه أحد مرتكزات اللوبيات، من حيث الاستفادة من خبرات السياسي وعلاقاته. كما تعتمد اللوبيات في عملها على تدريب كوادرها على فنون الحوار والمناقشات والتفاوض والتحالف والإقناع ومعرفة كيفية اغتنام الفرص.
اللوبيات الاجتماعية والثقافية (العاملة داخل بلادها)
تنحصر أهداف هذه اللوبيات داخل البلد فقط، أو في قضايا اجتماعية وثقافية وتربوية واقتصادية وغيرها من القضايا التي تخص هذا البلد. وهذا النوع من الجماعات تعود نشأته إلى أكثر من ثلاثة قرون خلت. وتعتبر “مجموعة مكافحة تجار العبيد” لمؤسسها وليم ويلبرفورس عام 1787 في الولايات المتحدة، من أهم الأمثلة على هذا النوع من الجماعات، فقد نجحت بكسب تأييد شعبي كبير للترويج لفكرتها، وفعلًا تم لها النصر في النهاية وألغيت هذه التجارة عام 1807.
وتعتبر أيضًا كل من “مجموعة الأرض والسلام الأخضر“، والمجموعة التي تشكلت للمطالبة بحظر الأسلحة النووية في بريطانيا، والمجموعة الرافضة لكل الحروب الأمريكية السابقة، التي تشكلت في أمريكا، أحد الأمثلة على هكذا نوع من جماعات الضغط.
وهنا أيضًا يجب أن نذكر مجموعة “فيلق أمريكا” في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تضم كل من شارك في الحرب العالمية الأولى والثانية وفيتنام والخليج وأفغانستان والعراق، وقد أثمرت جهود هذه المجموعة عن تشكيل إدارة شؤون المحاربين التي تقدم كافة الخدمات الاجتماعية والطبية للمحاربين القدماء وأسرهم، عن طريق علاقاتها الواسعة ومؤيديها الكثر في الكونغرس وباقي مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية.
اللوبيات السياسية (العاملة خارج حدود الوطن)
هي مجموعات ضغط تعمل لصالح دولة معينة داخل دولة كبيرة وذات تأثير عالمي، ويعود الفضل في تأسيس هذه المجموعات إلى البعثات الدبلوماسية والمغتربين في تلك الدولة.
فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى والثانية، وبروز الولايات المتحدة الأمريكية إلى الواجهة، كأكبر قوة مهيمنة في العالم، سعت معظم دول الشرق الأوسط إلى إنشاء مجموعات ضغط تعمل لصالحها داخل الولايات المتحدة، وكانت إسرائيل هي السباقة في هذا المجال، بإنشاء منظمة “إيباك” اليهودية، وهي اختصار لـ “لجنة العلاقات العامة الأمريكية– الإسرائيلية American – Israeil Public Affairs committee“.
تابع الموضوع:
صراع اللوبيات في أمريكا .. اللوبي الإسرائيلي
صراع اللوبيات في أمريكا .. اللوبي الإيراني
صراع اللوبيات في أمريكا .. اللوبيات العربية تتنافس
لقراءة الموضوع كاملًا:
صراع اللوبيات في أمريكا.. مقارنة بين اللوبي الإسرائيلي والإيراني واللوبيات العربية
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :