الحكومة توقف الدعم “على دفعات” تجنبًا لغضب اجتماعي في سوريا
عنب بلدي- جنى العيسى
تواصل حكومة النظام السوري اتباع سياسة استثناء المواطنين المقيمين في مناطق سيطرتها من “الدعم الحكومي”، وبشكل عشوائي، منذ بدأتها مطلع شباط الماضي.
في حزيران الماضي، استُثني كل من الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان ممن مارسوا المهنة لمدة تتجاوز عشر سنوات من الدعم، وذلك بعد أن استُثني أيضًا المحامون أصحاب مكاتب وشركات المحاماة، والمهندسون أصحاب المكاتب الهندسية التي تجاوزت مدة افتتاحها عشر سنوات.
المعايير السابقة، التي طالت مواطنين، وُضعت على أساس امتلاك أسهم في جامعة خاصة، أو سيارة سعة محركها أكثر من “1500 CC” وسنة صنعها بعد عام 2008، أو روضة أو مخبر لغوي، أو عقار بالمدينة الصناعية، أو محطة وقود أو رخصة مقلع، أو منشأة سياحية، أو سجل عقاري، أو سجل مستوردين ومصدرين، أو إن كان الشخص من الصاغة أو كبار المكلفين ضريبيًا، أو إن كان رب الأسرة خارج القطر.
ويحق لأي من الشرائح التي تُستبعد من “الدعم الحكومي” تقديم طلبات الاعتراض، إن كان هناك أي تغيير على بياناتها التي استُبعدت بموجبها.
شرائح “واسعة” لكن على دفعات
يرى الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، أن حكومة النظام تسعى لرفع الدعم عن شرائح واسعة من المواطنين، ولكنها تقوم بذلك على دفعات، بهدف امتصاص نقمة وغضب المجتمع، إذ أدى رفع الدعم، في شباط الماضي، عن أعداد كبيرة من المواطنين، قاربت 600 ألف شخص في يوم واحد، إلى ضجة اجتماعية وإعلامية واسعة، رافقتها انتقادات، واعتبر السيد عمر أن استثناء الناس على دفعات يقلل من هذه الضجة إلى حدودها الدنيا.
وتوقع السيد عمر استمرار سياسة حكومة النظام في هذا الموضوع، بإخراج فئات جديدة من “مظلة الدعم”، لتصل إلى هدفها النهائي وهو إبقاء أقل من 50% من المقيمين في مناطق سيطرتها ضمن برنامج الدعم، مشيرًا إلى أن العديد من النقابات مهددة بالحرمان مستقبلًا.
ومنذ مطلع شباط الماضي، بدأت وزارة الاتصالات في حكومة النظام بتطبيق إزالة “الدعم الحكومي” عن مجموعة من حاملي “البطاقة الذكية”، إذ وصل عدد البطاقات المُزالة إلى حوالي 598 ألفًا، بحسب تصريح الوزارة لإذاعة “نينار إف إم”، في 7 من شباط الماضي.
لتقليل الضغط على الموازنة
لا تلجأ حكومة النظام إلى الاستمرار بسياسة الاستبعاد من الدعم لزيادة إيرادات الخزينة العامة، بقدر سعيها لتقليل الضغط على الموازنة العامة، بحسب ما يراه الباحث يحيى السيد عمر.
وأضاف الباحث في حديثه لعنب بلدي، أن تكلفة الدعم ترهق الموازنة، وفي ظل شح الإيرادات وارتفاع معدل التضخم، تصبح فاتورة الدعم مرهقة للحكومة، معتبرًا أن ذلك هو التبرير الفعلي لهذه السياسة.
وفي 10 من شباط الماضي، اعترف رئيس حكومة النظام، حسين عرنوس، بعدم قدرة حكومته على الاستمرار بدعم السلع الأساسية للسوريين وفق النمط الذي كان سائدًا.
وأوضح عرنوس أن الهدف من إعادة هيكلة الدعم، هو “التخفيف من عجز الموازنة، وتخصيص كتلة مالية لدعم الأسر الأكثر فقرًا، ودعم الإنتاج، وكذلك العمل على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، ودعم ثبات سعر صرف الليرة”.
وبيّن أن كتلة الدعم في موازنة 2022 تبلغ نحو ستة آلاف مليار ليرة (من دون حساب دعم الكهرباء)، من أصل إجمالي الموازنة البالغة نحو 13 ألفًا و500 مليار ليرة، وهذا المبلغ يزيد من عجز الموازنة.
ويمكن أن تؤدي عملية إعادة هيكلة الدعم إلى تخفيض مبلغ ألف مليار من أصل ستة آلاف مليار، لتخفيف عجز الموازنة بجزء من هذا المبلغ، وإعادة توزيع الجزء المتبقي منه، وضخه في الإنتاج باتجاه الأسر الأكثر احتياجًا، وفي دعم بعض الفئات والمهن التي تحتاج إلى هذا الدعم أكثر بكثير من غيرها.
ما الأثر؟
أكد الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، أن متوسط الدخل الشهري لبعض المهن التي استُثنيت من الدعم كالأطباء والمهندسين والمحامين، يعتبر أعلى من شرائح العاملين الأخرى، كالموظفين والعمال العاديين والمياومين، لكنه بكل الأحوال لا يرقى لأن يكون مرتفعًا بحيث يضمن لهم حياة “لائقة وكريمة”.
ويرى السيد عمر أن استثناءهم من الدعم، من شأنه أن يحفز هجرة الكفاءات كالأطباء والمحامين والمهندسين، الأمر الذي يشكّل تهديدًا مباشرًا للمجتمع السوري وللدولة السورية مستقبلًا، ولأي جهود مستقبلية لإعادة الإعمار.
وارتفع عدد السوريين المحتاجين لمساعدة إنسانية إلى نحو 14 مليونًا و600 شخص، وفق تقرير الأمم المتحدة الصادر في 23 من شباط الماضي، بعد أن بلغ 13 مليونًا و400 ألف خلال 2021.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قدّم، في 12 من كانون الثاني الماضي، تقريرًا يؤكد أن 90% من السوريين تحت خط الفقر، بينما يعاني 60% منهم “انعدام الأمن الغذائي”.
وفي آذار 2021، حذر تقرير صادر عن “مجلس اللاجئين النرويجي”، من أن الأزمة السورية قد تشهد نزوح ما لا يقل عن ستة ملايين سوري إضافي خلال السنوات العشر المقبلة، إذا استمر الصراع السياسي وانعدام الأمن والتدهور الاقتصادي في سوريا.
وعزا التقرير ازدياد أعداد الخارجين من سوريا لأسباب منها البحث عن الأمان، وخلق فرص جديدة لإعادة بناء حياتهم، بسبب ما يفرضه الواقع المعيشي المتدني، وارتفاع معدلات الفقر، إضافة إلى استمرار العمليات العسكرية التي تهدد أمنهم.
متى بدأ الدعم الحكومي في سوريا؟
أوضحت دراسة نشرها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في آذار الماضي، أن سوريا تبنّت نهجًا اشتراكيًا في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية منذ عام 1936، وهو نظام يقوم على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج والإدارة والتعاونية الاقتصادية.
ومع وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، جرى تخفيف القيود المفروضة على المشاريع الفردية والقطاع الخاص، إلا أن ذلك لم يساعد كثيرًا في تنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد، بسبب الفساد واستمرار بعض القيود البنيوية المثبطة للاستثمار.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، وجدت سوريا نفسها معزولة سياسيًا وفي خضمّ أزمة اقتصادية خانقة، بحسب الدراسة، إذ انخفض فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 22% بين عامي 1982 و1989، كما أسفرت عمليات التأميم الواسعة للمعامل والمصانع والأراضي عن هروب جزء كبير من رأس المال الوطني إلى الخارج، بينما ظهرت طبقة رأسمالية حكومية استفادت من الفساد وغياب الحريات الاقتصادية لتكوين ثروات كبيرة.
وقد أدت هذه العوامل إلى تدهور الوضع المعيشي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، لا سيما في فئة الشباب، وتراجعت القطاعات الصناعية والزراعية وانخفضت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات غير مسبوقة.
مع انتهاء الحرب الباردة وتوقف المساعدات الخارجية، طبّقت الحكومة السورية بدءًا من عام 1990 سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية، شهد في ظلها الاقتصاد السوري نموًا قويًا طوال التسعينيات، وانعكس ذلك على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة بين 2000 و2010، إذ تضاعف متوسط دخل الفرد السوري من قرابة 1200 دولار أمريكي في عام 2000، إلى نحو 2800 دولار في عام 2010.
وألحق سوء إدارة الأزمة التي اندلعت بعد بدء الثورة السورية عام 2011، خسائر كبيرة بالاقتصاد السوري، قدّرت لجنة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) قيمتها بنحو 442 مليار دولار في نهاية عام 2020.
ووجدت الدراسة أن من أبرز أسباب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مناطق سيطرة النظام حاليًا، والتي تفاقمت من جراء تفشي جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19) تتلخص بما يلي:
● تسخير كل إمكانات الدولة خدمة للآلة العسكرية.
● التدمير الواسع والممنهج للبنية التحتية والسكانية.
● فقدان السيطرة على العديد من المعابر التجارية التي تسهم في رفد ميزانية الدولة.
● تعطّل حركة الصناعة والتجارة وتوقف عجلة الإنتاج.
● انخفاض مستوى الاستيراد والتصدير.
● هروب أصحاب الكفاءة واليد العاملة ورؤوس الأموال.
● العقوبات الدولية المفروضة على الاقتصاد السوري.
● انخفاض إنتاج النفط مع سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على أهم الآبار.
● استنزاف احتياطي العملة الصعبة وزيادة الدَّين العام.
● انهيار القطاع السياحي بالكامل بسبب خطورة الأوضاع الأمنية.
● انكماش الاقتصاد العالمي نتيجة جائحة “كورونا”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :