صمت الفصائل ودورها
إنزال “جبّ الدّم”.. هل أهدت تركيا “الوالي” الكردي للأمريكيين
عنب بلدي– حسن إبراهيم
ركّزت قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، على استهداف “جهاديين وقياديين” منضوين تحت مظلة تنظيمات مرتبطة بشكل أو بآخر بتنظيم “القاعدة” في شمال غربي سوريا، وذلك من خلال إطلاق صواريخ ذكية، سواء عبر طائرات مسيّرة أو حربية، ترافق مع عمليات إنزال جوي وصفتها بـ”العمليات الخاصة”.
عمليات الإنزال هذه كان لها أثرها على الصعيدين المحلي والدولي، وأثارت تساؤلات حول دور فصائل المعارضة السورية في المنطقة، وتجاوبها أو تعليقها على هذه الحوادث، أو تنسيقها مع القائمين على عمليات الإنزال، ومدى إمكانية حدوث اشتباك مع قوات التحالف، أو حتى مع القوات التركية القريبة من أماكن العمليات.
“الوالي” في شباك “التحالف”
نفّذت قوات التحالف الدولي، فجر 16 من حزيران الحالي، إنزالًا جويًا في ريف مدينة جرابلس، شمالي حلب، اعتقلت خلاله قياديًّا بارزًا في تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأعلنت قوات التحالف أن الذي ألقت القبض عليه، أحد أكبر قادة تنظيم “الدولة” في سوريا، و”صانع قنابل متمرّس وميسّر عمليات”.
وبعد ساعات من إعلان “التحالف”، كشف الجيش الأمريكي عن هوية “القيادي”، على أنه هاني أحمد الكردي، الذي يُعرف أيضًا باسم “سليم” و”والي الرقة”، وفق ما نشرته حينها صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
وأضافت قوات التحالف في بيان منفصل، أن الكردي كان مسؤولًا عن تنسيق “الأنشطة الإرهابية” في جميع أنحاء المنطقة، وكان يوجه “الإرهابيين” بشأن تصنيع العبوات الناسفة، ودعم بناء منشآت لتصنيع العبوات، وتسهيل الهجمات على القوات الأمريكية والقوات “الشريكة”، في إشارة إلى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، حيث يتركز نفوذها شمال شرقي سوريا إلى خطوط التماس التي تفصلها عن “الجيش الوطني” الذي يسيطر على ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي رأس العين وتل أبيض.
وإلى جانب عدم تسجيل إصابات سواء في صفوف المدنيين أو قوات التحالف، غابت بعض تفاصيل عملية الإنزال التي جرت على منزل متطرف قرب منطقة جبّ الدّم (قناقوي) جنوبي قرية الحيمر، بريف مدينة جرابلس، وفق ما أوضحه مصدر خاص في “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا لعنب بلدي.
وذكرت المراصد العسكرية العاملة بالمنطقة في اليوم نفسه، أن القوات المشاركة في العملية انطلقت من قاعدة “لافارج” التابعة لقوات التحالف الدولي جنوبي مدينة عين العرب.
وكان مركز “جسور للدراسات” نشر، في 16 من حزيران الحالي، تقريرًا أوضح فيه أن المعلومات المعلَن عنها حول المعتقل (الكردي) غير دقيقة، كونه مقيمًا في المنطقة منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويعمل سائق صهريج نقل محروقات، ويتنقّل بحكم طبيعة عمله بين مناطق سيطرة “قسد” و”الجيش الوطني”.
تقرير المركز بيّن أيضًا أن هذه المعلومات توحي بأنّ نشاط القيادي المفترض في التنظيم كان مقتصرًا على الجانب اللوجستي في صناعة المتفجرات أو نقلها، خصوصًا أن قوات التحالف الدولي كثّفت خلال أيار الماضي من عملياتها الأمنيّة وعمليات الإنزال الجوي ضدّ تنظيم “الدولة” داخل مناطق سيطرة “قسد”، واعتقلت خلالها عددًا من الأشخاص المتّهمين بالعمل مع التنظيم كميسّرين ماليين ولوجستيين وخبراء تفخيخ ومسؤولي تجنيد.
مصدر خاص في “الجيش الوطني”
شاركت في عملية الإنزال طائرتا نقل جنود من نوع “Chinook”، وست حوامات من نوع “بلاك هوك” (black huk).
يحوي المنزل عائلة مكوّنة من ثلاثة رجال إلى جانب نساء وأطفال، يعملون بنقل المحروقات عبر الصهاريج مع شركة الوقود العاملة في المنطقة.
اعتقلت قوات التحالف ثلاثة أشخاص (رجال)، وليس فقط المدعو هاني أحمد الكردي (والي الرقة).
عُثر على بقية أفراد العائلة مقيدي الأيدي بين أشجار الزيتون القريبة من المنزل.
“قرداش” قبل ذلك
قلما تنفذ قوات التحالف عمليات إنزال جوي في مناطق شمال غربي سوريا، فبعد توقف هذا النوع من العمليات لنحو ثلاث سنوات، أعادت قوات التحالف تنفيذها مرتين خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، الثانية كانت اعتقال الكردي منذ أيام، والأولى جرت في شباط الماضي.
في 3 من شباط الماضي، نفّذت مروحيات تابعة للقوات الأمريكية إنزالًا جويًا في بلدة أطمة، شمالي إدلب، بالتزامن مع تحليق مكثف لطائرات ومسيّرات حربية.
وحاصرت قوات الإنزال حينها منزلًا يقع بين بلدتي أطمة شمالي إدلب، ودير بلوط شمالي عفرين، الحدوديتين مع تركيا، قالت إن زعيم تنظيم “الدولة”، عبد الله قرداش، كان موجودًا فيه.
ونادت القوات الأمريكية بلغة عربية “مكسرة”، حسب شهادات الأهالي حينها، عبر مكبرات الصوت، مطالبة المستهدَفين بتسليم أنفسهم، مع تهديدات بتدمير المنزل، تبعها اشتباك استمر لنحو ساعتين بين القوات الأمريكية والمجموعة التي كانت داخل المنزل.
وأسفرت العملية عن مقتل عبد الله قرداش، الملقب بـ”أبو إبراهيم الهاشمي القرشي”، بالإضافة إلى 13 شخصًا على الأقل، بينهم ستة أطفال وأربع نساء.
هذه العملية سبقها تنفيذ قوات التحالف إنزالًا جويًا في تشرين الأول 2019، في “عملية خاصة” استهدفت قائد تنظيم “الدولة” حينها، “أبو بكر البغدادي”، في قرية باريشا شمالي إدلب.
صمت الفصائل
صمت وتأخر تعليق فصائل المعارضة على العمليات أثار جدلًا، لا سيما بالنظر إلى سطوتها الأمنية ونفوذها العسكري في المنطقة، إلى جانب قرب العمليات من الحدود التركية
كما حظيت عمليات الإنزال بصخب إعلامي واسع، وردود فعل عديدة تجلت بشهادات محلية وبيانات للقوات المنفذة للعملية، إذ دائمًا ما تترافق عمليات استهداف قيادات من تنظيمات “جهادية” بارزة بتغطية إعلامية واسعة، سواء عبر بيان صادر عن ضابط أمريكي رفيع الرتبة، أو كلمة مصوّرة للإدارة الأمريكية التي تستغل أحداثًا من هذا النوع لترويجها أمام الرأي العام الأمريكي على أنها “إنجازات”، بعد وصف معظم هذه العمليات بـ”الخاصة والدقيقة”.
ونُفذت عمليات الإنزال في مناطق سيطرة فصائل المعارضة التي تكثر فيها الفصائل العسكرية المقاتلة، سواء في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” وفصائل تتماشى مع سياستها في إدلب وأرياف حلب واللاذقية وحماة، أو في مناطق سيطرة “الجيش الوطني”، حيث نُفذت عملية اعتقال “القيادي” هاني الكردي.
غاب التعليق الرسمي، بشقيه المدني والعسكري، سواء من “الجيش الوطني” أو من قبل مظلته السياسية “الحكومة السورية المؤقتة”، على عملية الإنزال التي اعتقلت فيها قوات التحالف “القيادي” الكردي، بينما طوّقت “فرقة السلطان مراد” التابعة لـ”الجيش الوطني” مكان الإنزال بريف جرابلس شمالي حلب، ومنعت الدخول إلى المنطقة.
صمت “الجيش الوطني” لا يختلف كثيرًا عن تفاعل “تحرير الشام” مع عملية قتل القيادي “القرشي” بأطمة، إذ تأخرت “الهيئة” في تعليقها على العملية، لتنشر معرفات مقربة منها بيان إدانة واستنكار لمقتل المدنيين في العملية.
ونفت “تحرير الشام” في بيانها الصادر بعد ثلاثة أيام من الإنزال معرفتها بالعملية قبل حدوثها، أو معرفة القاطنين في المكان، كما ظهرت حينها ردود فعل ساخرة من قبل الأهالي وبعض الفصائل البعيدة عن مناطق سيطرة “تحرير الشام”، وفق ما رصدته عنب بلدي من تعليقات عبر “فيس بوك” على ما وُصف بـ”صمت الهيئة”.
الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، أوضح لعنب بلدي أن مكسب الفصائل يكمن في صمتها، إذ لا تفصح عن دورها، وتصرف هذا الدور في علاقتها بتركيا وتعزيز دورها في المناطق “المحررة”، فالإفصاح عن دورها قد يؤدي إلى استهدافها وعرقلة نشاطها ضد تنظيم “الدولة” مستقبلًا.
ويرى الدكتور الحاج، أن “هيئة تحرير الشام” لعبت الدور الأهم على الأرض في نجاح عمليات الإنزال واغتيال قادة تنظيم “الدولة” في إدلب.
هدية للولايات المتحدة
نقاط القوات التركية المنتشرة بكثرة في ريفي حلب الشمالي والشرقي، وقرب مكان عملية اعتقال الكردي من الحدود التركية، عوامل ساعدت في عدم تعرّض عملية الإنزال لأي محاولة إجهاض أو إعاقة.
يوجد دور رئيس لتركيا، ولا شك أن الفصائل السورية في مناطق الشمال جميعها تتعاون في هذا الموضوع (ضد تنظيم “الدولة”)، بحسب الدكتور الحاج، الذي يرى أن تركيا هي التي تنسق مع “التحالف” عمليات الإنزال، وهي أقرب إلى أن تكون “هدايا للإدارة الأمريكية” من أن تكون “عملية أمنية بحتة”.
وتبعد باريشا التي قُتل فيها “البغدادي” أقل من خمسة كيلومترات عن الحدود التركية، قرب معبر “باب الهوى” الحدودي، في حين تبعد أطمة التي قُتل فيها “القرشي” حوالي ثلاثة كيلومترات عن الحدود التركية أيضًا.
أما قرية الحيمر التي اعتُقل فيها الكردي، فيفصلها عن الحدود التركية نحو أربعة كيلومترات فقط.
الباحث الحاج أوضح أن بإمكان تركيا تنفيذ هذه العمليات لوحدها، لافتًا إلى حضورها العسكري على الأرض وتعامل الفصائل معها، وامتلاكها الإمكانات لتنفيذ مثل هذه العمليات، لكنها تهديها للأمريكيين، لتصرفها سياسيًا.
ويعتبر عدم تعرض طائرات “التحالف” لأي اشتباك، وفق الدكتور الحاج، مؤشرًا على أن مكان وجود القيادي الكردي لا يمثل معقلًا للتنظيم تُدار منه عمليات في مناطق سيطرة “قسد”، بقدر ما كان مكانًا للاختباء أو التواري عن الأنظار.
إضافة إلى ذلك، فالتنسيق الأمني العالي بين تركيا وفصائل المعارضة السورية من جهة، وتركيا و”التحالف” من جهة أخرى، لعب دورًا رئيسًا في تأمين عمليات الإنزال وإنجاحها، بحسب الدكتور الحاج.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :