العمالة السورية في اسطنبول.. لا ثقل نقابيًا يلاحق الحقوق

عامل سوري يقف أمام إحدى المحال التجارية بمنطقة الفاتح في إسطنبول- 19 من أيار 2022 (عنب بلدي)

camera iconعامل سوري يقف أمام أحد المحال التجارية بمنطقة الفاتح في اسطنبول- 19 من أيار 2022 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

يعد حق اللاجئين في العمل والوصول إلى أسواق العمل عاملًا أساسيًا يعتمدون عليه ليصيروا مكتفين ذاتيًا، لبناء حياتهم، والحفاظ على كرامتهم، وتمكينهم من الإسهام في مجتمعاتهم المضيفة.

وتمنح اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين حق العمل للاجئين، لكن كثيرًا من البلدان المضيفة لا ترغب في منحهم هذا الحق، ويعكس هذا الامتناع مظاهر القلق المتنوعة التي تبديها تلك الدول إزاء التشوه في سوق العمل، ومحدودية القدرات على استيعاب العمالة الجديدة، واكتظاظ بعض القطاعات، ومدى توفر الوظائف للمواطنين.

بلغت نسبة العمالة السورية في تركيا حوالي 860 ألف عامل سوري، منهم 76 ألف عامل يملكون إذن عمل، تشير هذه الأرقام إلى أن نسبة السوريين الذين يعملون بشكل قانوني ضئيلة جدًا، بحسب تقديرات نقلها الناشط السوري والمتخصص بقضايا اللاجئين السوريين في اسطنبول طه غازي، عن وزارة العمل التركية.

ورغم الأثر الإيجابي الذي أحدثته العمالة السورية في المدينة، لا تزال دون أي ثقل نقابي يتحدث بصوتهم ويضمن وصولهم إلى حقوقهم الاقتصادية، حيث لا يوجد كثير من التناغم في تطبيق حق العمل بالنسبة للسوريين.

خارج التنظيم

خلال استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي عن واقع العمالة السورية في ولاية اسطنبول، قال كنان إبراهيم (32 عامًا) العامل بقطاع صناعة الألبسة، “نعمل حوالي 12 ساعة يوميًا، بقائي في العمل يعتمد على مدى رضا صاحب المصنع عن جودة عملي، وبإمكانه بأي وقت منعي من العمل لديه دون أي عقود أو شروط”.

ولا يزال وضع العمال السوريين بتركيا خارجًا عن التنظيم والاستقرار لسبب رئيس، هو استمرار تملص بعض أصحاب العمل من تسجيل العمال السوريين.

وقال محمد شيخو (24 عامًا)، وهو عامل في معمل أدوات كهربائية، “في أحد المعامل اعتذروا مني وطلبوا عدم المجيء للعمل، كان ذلك في وقت الحظر العام أيام انتشار (كورونا)، ولم يتم تعويضي”، وما ساعده حينها لتأمين معيشته كان إخوته الذين يعملون في مطعم بمنطقة الفاتح، وبعد ذلك، “تم إغلاق المعمل بسبب الخسائر نتيجة الإغلاق العام”.

عندما يُهجر الناس بفعل النزاع أو غيره من الظروف، فهم لا يلجؤون من مناطقهم الأصلية فحسب، بل يتركون وراءهم أيضًا سبل نشاطاتهم الاقتصادية وعيشهم، لذا فعند وصولهم إلى موقعهم الجديد، قد يعجزون عن إيجاد وظيفة يعملون بها أو قد لا يُسمح لهم بذلك أصلًا، ولهذا المشكلة آثار واسعة النطاق، لا تقتصر على قدرات الناس المباشرة في كسب المال، بل تتعدى كل ذلك لتمس مصير وجودهم وقدرتهم في المستقبل على بناء حياة آمنة.

غياب صفة “اللاجئ” يُضعف الحقوق العمالية

أوضح الناشط السوري والمتخصص بقضايا اللاجئين السوريين في اسطنبول طه غازي، أن واقع العمالة السورية في تركيا موجود في “المنطقة السوداء”، أي “العمل خارج نطاق التنظيم القانوني في سوق العمل”.

غالبًا ما يحتاج اللاجئون إلى تصريح بالعمل، وعادة ما يحصلون عليه باتباعهم طريقة مكلفة ومزعجة إداريًا، ويحتاجون أيضًا إلى تصريح بالإقامة، بالإضافة إلى حصولهم على وضع اللاجئ.

وصدّقت تركيا على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، ولكن مع التحديد الجغرافي الاختياري الذي ورد في سنة 1951، وهذا يعني أن تركيا لا تطبّق هذه الاتفاقية إلا على مَن يطلبون الحماية في تركيا بسبب أحداث تقع في أوروبا.

وفي عام 2002، نشرت الجريدة الرسمية التركية ضمن البرنامج الوطني المرتبط باللجوء، أن هناك التزامًا بإلغاء القيود الجغرافية المنصوص عليها في اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة باللجوء، والقيام بالإجراءات والتعديلات بشكل واسع في التشريعات، وتحضير البنية الأساسية لعدم تعزيز تدفق اللاجئين من الشرق إلى تركيا، قبل إزالة القيود الجغرافية لا بد من العمل على تحضير البنية الأساسية للتشريعات تماشيًا مع مبدأ تقاسم الأعباء مع الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يكتمل حتى التاريخ الذي تعتبر فيه تركيا عضوًا بالاتحاد الأوروبي.

وعليه، لن تعطي تركيا صفة “اللاجئ” القانونية لمن قدم إلى أرضها من غير الأوروبيين، مع وجود تحضير في تعديل التشريعات المتعلقة بهذا الشرط، إلا أن هذه التعديلات متعلقة باعتبار تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي.

“هناك العديد من اللاجئين من قوميات مختلفة غير السوريين، مثل الإيغور، بقوا في تركيا أعوامًا طويلة، وإلى الآن لا يملكون أي وصف قانوني محدد”، وفق ما ذكره الحقوقي طه غازي لعنب بلدي.

إشكالية عدم تحديد صفة “اللاجئ” على السوريين ألقى بظلاله على حالة اليد العاملة منهم في تركيا، وأرغم العديد من السوريين على العمل في “المنطقة السوداء”، ولهذا الأمر العديد من العوامل التي عززت هذه المشكلة، من وجهة نظر الحقوقي.

عوامل تضر بالعامل السوري

العامل الأول يكمن في “عدم متابعة الحكومة التركية الأنظمة والقوانين الناظمة لسوق العمل ومعرفة الثغرات التي تمس هذا المجال، ومراقبة مدى التزام أرباب العمل بإعطاء العامل السوري حقوقه بالتأمينات ومنحه أذون عمل”، بحسب الحقوقي غازي.

أما العامل الثاني فيرتكز حول “عدم رغبة أرباب العمل باستصدار أذون العمل للعامل السوري، لأن العامل السوري الآن يعمل بأجور منخفضة ومربحة بالنسبة لرب العمل، ضمن اليد العاملة الرخيصة، وفي حال التزم رب العمل بدفع تأمينات العامل، واستخراج إذن العمل له، ستزيد أجرة العامل كون رب العمل ملزمًا بدفع الحد الأدنى من الأجور للعامل السوري”.

كما أن هناك بعض العمال السوريين “المستفيدين من بطاقة (الهلال الأحمر التركي)، وفي حال تم استخراج بطاقة تأمين صحي لهم سيتم قطع معونة بطاقة (الهلال الأحمر)، وبالتالي لا يميلون للمطالبة بهذا التأمين”.

ومن المفترض بعد مرور عشر سنوات من وجود السوريين في تركيا، وعلى اعتبار أن قرار العودة إلى سوريا صار غير وارد لدى بعض منهم، يعتقد الحقوقي طه عازي أن من الضروري على السوريين الانتقال من مرحلة اللجوء المؤقت إلى التفكير بالوجود الدائم بشكل حقيقي، وذلك من خلال التفكير بآليات الوجود الدائم في مجتمعاتهم الجديدة، وترتيب أوراقهم القانونية في تركيا على هذا الأساس.

“هناك بعض العمال من فئة الشباب يعتقدون بأن وجودهم في تركيا مؤقت، ولذلك فهم لا يبادرون لتعديل وضعهم القانوني”، وهذا أمر أساسي يدخل في تكييف الحالة القانونية للعامل السوري في تركيا.

بيئة قانونية رديفة

عندما يرغب العامل السوري برفع دعوى أمام المحاكم التركية للحصول على تعويضات مالية نتيجة أضرار تعرض لها في عمله، فهو في هذه الحالة لا يستطيع فعل ذلك كونه يمارس عمله بشكل غير مقيّد لدى الحكومة التركية، “ونحن نبحث عن إمكانية إيجاد بيئة قانونية رديفة مع نقابات عمالية تركية”، وفق ما قاله الحقوقي.

هذه “البيئة القانونية الرديفة” تعني “رفد جميع العمال السوريين الذي لم يستخرجوا أوراقًا قانونية لممارسة عملهم بشكل قانوني، وتقييدهم من قبل نقابات عمالية بشكل منظم بعد ممارسة عملهم لمدة زمنية معيّنة، ولتكن بعد 90 يومًا”.

وبعد تقييد هذا العامل في النقابة، يملك العامل أوراقًا تثبت وجوده داخل منشأة عمالية وتضمن حقوقه حتى لو لم يملك تأمينًا صحيًا، بحسب غازي، لكن “هذا الأمر يجب أن يترافق مع شيء أساسي، وهو وجود لجان وهيئات عمالية مكوّنة من العمال السوريين أنفسهم، يتم تأسيسها بالتنسيق مع النقابات والهيئات الحكومية المختصة التركية”.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة