خدمة الاتصالات بريف حمص.. فساد وإهمال والبوابات حكر على “المتنفذين”
عنب بلدي – حمص
يوم الثلاثاء من كل أسبوع، يتجمع عشرات من مشتركي الهاتف الأرضي أمام مبنى مركز البريد المهدم في مدينة الرستن، شمالي حمص، في محاولة للحصول على رقم هاتف وحجز دور على بوابة إنترنت عامة عن طريق مركز البريد، أو بوابة خاصة عن طريق أحد الوكلاء.
يخرج محمود (45 عامًا) من المبنى وملامح الغضب تملأ وجهه، متحدثًا لعنب بلدي، “إنها المرة العاشرة التي آتي فيها إلى هنا، ولم أستطع الحصول على رقم هاتف، بالمقابل، استطاع ابن أحد الضباط الحصول على ستة أرقام دفعة واحدة”.
بعد 11 عامًا، تعود خدمات البريد ببطء شديد، داخل مبنى المركز المتهالك في مدينة الرستن الذي واجه قذائف مدفعية قوات النظام على مدى ثمانية أعوام، خلال سيطرة قوات المعارضة على المنطقة.
ورغم مضي أربعة أعوام على اتفاق “المصالحة”، فإن خدمة الهاتف الأرضي لم تشمل إلا أحياء معدودة في المدينة، في الوقت الذي لا تزال فيه خدمة بوابة الإنترنت “DSL” مقطوعة عن المنطقة، رغم تخصيص أكثر من ألف بوابة فيها.
في آذار الماضي، قالت وزارة التقانة والاتصالات السورية عبر موقعها الرسمي، إن عدد الخطوط الهاتفية في المراكز الهاتفية التابعة للشركة السورية للاتصالات في فرع حمص 475 ألف خط هاتفي، منها 280 ألف رقم هاتفي مفعل، ووصل إجمالي عدد بوابات الإنترنت المخصصة في المحافظة إلى حوالي 153 ألفًا و775 بوابة “ADSL”، منها حوالي 100 ألف و700 بوابة إنترنت من مزوّد “تراسل”، وحوالي 470 ألف بوابة للمزوّدات الخاصة.
60% من البوابات للقطاع الخاص
خصصت وزارة الاتصالات 1024 بوابة إنترنت عبر خدمة “DSL” لمركز بريد الرستن، وقامت بعدها ببيع 60% من بوابات الإنترنت للشركات الخاصة، ما رفع سعر الحصول على بوابة إنترنت، فيما يحصل المتنفذون على البوابات المجانية بطرق المحسوبية.
محمود الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، قال إن بوابات الإنترنت لم توزع بعد رغم جهوزية مركز البريد، وبرر ذلك بـ”فتح باب التلاعب بمنح البوابات العامة للمتنفذين”.
البريد باع البوابات للشركات الخاصة، وأبقى على 40% فقط مجانية عن طريقه، بحسب ما ذكره محمود، الذي تحدث مع المركز عدة مرات لمحاولة فهم المشكلة، “هذه الـ40% تم حصر توزيعها بضباط الجيش، والبعثيين، وأصحاب الارتباطات الأمنية”.
هذه الحالة دفعت بقية السكان نحو خيار شراء بوابات الإنترنت عن طريق مندوبي الشركات الخاصة بأسعار باهظة.
150 ألف ليرة للبوابة
قالت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام السوري، في تشرين الثاني من عام 2021، إن سعر بوابة الإنترنت الخاصة قد يصل إلى 275 ألف ليرة سورية في محافظة حمص.
ارتفع سعر الحصول على بوابة إنترنت خاصة إلى 150 ألف ليرة عن طريق مندوبي الشركات، ورغم عدد البوابات المحدود، فإن أغلب السكان لم يشتروها لعدم قدرتهم ماليًا.
أحد مندوبي بوابات الإنترنت، تحفظ على ذكر اسمه لاعتبارات أمنية، قال لعنب بلدي، إن حصة الشركات الخاصة 610 بوابات، من أصل 1024 بوابة، موزعة بين خمس شركات لكل شركة 122 بوابة، ووصل سعر البوابة الواحدة إلى 150 ألف ليرة، ورغم العدد المحدود، فإن مجموع ما تم بيعه حتى الآن لا يتجاوز 100 بوابة لعدم قدرة أغلب السكان على شرائها.
ووصل سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية إلى 3980 ليرة، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار الصرف والعملات الأجنبية.
وأضاف المندوب أن البوابات العامة المجانية التي يبلغ عددها 415 بوابة، تم تخصيصها لدوائر الدولة والمفارز الأمنية والمتنفذين.
البنية التقنية في أسوأ أحوالها
في نهاية عام 2009، أفرجت وزارة التقانة والاتصالات السورية، وكان عمرها ستة أعوام فقط، عن أولى وثائق خطة الحكومة الإلكترونية، التي كان مخططًا لها أن تنتهي في غضون 11 عامًا، أي في نهاية عام 2020.
وكان من المفترض أن تكون الآن 100% من الخدمات الرئيسة مقدمة إلكترونيًا بالمستوى التفاعلي أو المعاملاتي، و50% معدل استخدام الخدمات الإلكترونية المتاحة (نسبة عدد مستخدمي القنوات الإلكترونية إلى مستخدمي القناة التقليدية)، و70% من إجمالي الخدمات الحكومية متوفرة عبر قنوات غير القناة التقليدية، و60% من التوريدات الحكومية تتم إلكترونيًا، لكن التقدم التقني الوحيد الذي أُنجز فعليًا هو “البطاقة الذكية”، التي تشبه إلى حد كبير بطاقات التموين، مع فارق أنها مؤتمتة.
وبحسب دراسة لـ”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، فإنه قبل عام 2005 كان على المواطن السوري الذي يرغب بالوصول إلى الإنترنت أن يتقدم بطلب رسمي إلى أحد مزوّدي الخدمة العاملين في سوريا، مرفق بصورة لهويته، ثم ينتظر الجواب على طلبه.
وضمن هذه الآلية في تقديم الطلبات، اعتادت “مؤسسة الاتصالات” وضع خدمة الاشتراك بالإنترنت تحت التقنين لأوقات طويلة خلال الأعوام الماضية، وما زال الاشتراك المستمر “ADSL” يخضع للتقنين لدى المؤسسة حتى الآن.
عقب ذلك، بدأت مزوّدات الإنترنت بالانتشار، ولم تعد تقتصر على المزوّد الحكومي.
وفي عام 2010، جاءت سوريا في المركز الـ124 ضمن قائمة تضم 138 دولة تحت اسم مؤشر تكنولوجيا المعلومات ، صادرة عن “المنتدى الاقتصادي العالمي“، وخرجت سوريا عام 2013، بسبب الأوضاع السياسية والعسكرية، من التصنيف الذي يصدره المنتدى سنويًا.
وصلت نسبة الاعتماد على بوابات الإنترنت في سوريا عام 2016 إلى 33٪، بينما اعتمدت نسبة كبيرة من المستخدمين على شبكتي الهاتف المحمول الوحيدتين (سيريتل، MTN) للنفاذ إلى الإنترنت، وفق بيانات للاتحاد الدولي للاتصالات مفصلة في دراسة لـ”أسكوا“.
ولم يزد، وفق الدراسة ذاتها، عرض حزمة الإنترنت على 93 ألف ميجابايت في الثانية، مقارنة بمليون و182 ألفًا في الإمارات العربية المتحدة، والحزمة هي وحدة بيانات يتم إرسالها عبر الإنترنت تحدد السرعة والاستجابة والضغط على الشبكة.
وفي نفس العام، أعلنت وزارة الاتصالات أنها تملك خطة ستجعل سوريا “تسبق الخليج العربي” ببوابات الإنترنت، لكن أعطال الشبكة وانقطاعات “الكابل البحري” حالت دون ذلك لاحقًا.
ففي مطلع عام 2018، سادت مشكلة الإنترنت البطيء عموم الأراضي السورية، ما أدى إلى صعوبة في فتح صفحات المواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى مشكلات في تحديث صفحات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، وأثار ذلك حفيظة “مجلس الشعب” الذي انتقد رداءة الإنترنت.
وفي مدينة حمص وريفها، لا تختلف حال خدمة الإنترنت عن بقية المحافظات السورية، حيث تعاني المحافظة، خصوصًا ريفها، من إهمال حكومي على عدة مستويات مرتبطة بالخدمات التقنية، منها مجال الاتصالات.
ولم يجرِ تزويد مناطق ريف حمص الشمالي بخدمة الإنترنت، فشركتا الاتصالات “MTN” و”سيريتل” لم تنشرا ما يكفي من الأبراج في المنطقة لتقديم الخدمة المرجوة، ما انعكس على جودة الإنترنت أيضًا.
بحسب استطلاع آراء السكان في الريف الحمصي الشمالي، فإن خدمة الاتصالات “في أسوأ حالاتها، فهي ضعيفة بالأساس في المدن الرئيسة، الرستن وتلبيسة، وتزداد ضعفًا كلما ابتعدت عن المركز”.
عدد أبراج التغطية لا يتجاوز الأربعة أبراج في كل مدينة، ما يشكّل ضغطًا دائمًا على الشبكة، ويؤثر سلبًا على أداء خدمة الإنترنت، وعلى الرغم من تقديم الشكاوى المرتبطة بضعف التغطية بشكل مستمر من قبل السكان، فإنه لا استجابة من قبل شركتي الاتصالات حتى الآن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :