"الجارديان" تكشف بالفيديو جريمة مكتملة الأركان لقوات النظام
مجزرة “التضامن”.. 41 شخصًا أُحرقت جثثهم بعد قتلهم بالرصاص
كشف تحقيق لصحيفة “الجارديان” معلومات حول مجزرة ارتكبتها قوات النظام السوري في 16 من نيسان 2013، في حي التضامن بدمشق، أسفرت عن مقتل نحو 41 شخصًا ودفنهم في مقبرة جماعية.
جاء ذلك من خلال عرض مقطع مصوّر يوّثق إطلاق الرصاص على عشرات الأشخاص ودفنهم في مقبرة جماعية، ثم حرق جثثهم من قبل عناصر النظام السوري، وفق التحقيق الصادر اليوم، الأربعاء 27 من نيسان.
واستند التحقيق إلى وثائق وشهادات قدّمها الباحثان أنصار شحود والبروفيسور أوغور أوميت أنجور، من مركز “الهولوكوست والإبادة الجماعية” بجامعة “أمستردام”، نقلًا عن عسكري سابق في قوات النظام استطاع الحصول على المقطع.
وبحسب تعليق مراسل الصحيفة، يعتبر المقطع أول وثيقة تدين النظام بشكل صريح لا يمكن الالتفاف عليه، إذ إنه أول مقطع يوثّق ضلوع المخابرات السورية المرتبطة بشكل مباشر بالنظام السوري.
“آنا” تكشف الحقائق
رغم انتماء شحود لعائلة من الطائفة العلوية التي تربطها صلات جيدة مع الأسد، كانت السيدة من الأشخاص الذي انتقدوا نظام الأسد منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011.
انتقلت شحود إلى بيروت عام 2011، لتصل إلى هولندا بعد عامين، وتلتقي بأنجور الذي جمعتها به دوافع مشتركة لتوثيق المجازر المرتكبة في سوريا، متجاهلة العواقب المحتملة لقراراتها.
بعد وصول المقطع المصوّر إلى شحود وأنجور، قررا العمل على البحث عن الضابط الذي ظهر في المقطع وهو يمارس الانتهاكات اللفظية والجسدية بحق الأشخاص الذين أطلق الرصاص عليهم لاحقًا، ودفنهم في مقبرة جماعية.
واعتمدا على جمع قصص الناجين وعائلاتهم، والتحدث إلى مرتكبي الانتهاكات أنفسهم، من خلال إنشاء حساب على منصة “فيس بوك” لشحود، وضعت عليه صورتها الشخصية، لكنها استخدمت اسمًا وهميًا هو “آنا”، لاطلاعها على أن الضباط والمسؤولين في صفوف النظام يستخدمون المنصة بشكل كبير.
قال أنجور، “المشكلة تتمثل بدراسة نظام الأسد، إذ إنه ليس بوسعي الذهاب إلى دمشق لأقول أنا عالم اجتماع من أمستردام وأود طرح بعض الأسئلة”.
وتابع الباحث، “لهذا توصلنا إلى نتيجة مفادها أننا بحاجة إلى شخصية تصلنا بالنظام، يجب أن تكون لامرأة علوية شابة”.
وروّجت شحود لنفسها من خلال الحساب على أنها سيدة تدعم نظام الأسد وعائلته، مظهرة إعجابها بالضباط والمسؤولين الذين تتحدث إليهم.
واستطاعت من خلال الحساب الوصول لأشخاص يشتبه بظهورهم في المقطع، أو وجود علاقة تربطهم بأشخاص ظهروا فيه.
تواصلت الباحثة مع المشتبه بهم، وأخبرتهم أنها تجري بحثًا جامعيًا حول نظام الأسد، ما أسهم بجعلها شخصية معروفة بين الأجهزة الأمنية كشخص متفهم لحالة الضباط أو “كتف يستطيعون البكاء عليه”.
قالت شحود حول المسؤولين والضباط الذين تحدثت إليهم، إن بينهم أشخاصًا قتلوا بأنفسهم أو كانوا داعمين لعملية القتل، “كانوا بحاجة إلى التحدث إلى شخص ما، وكانوا بحاجة إلى مشاركة تجربتهم، شاركنا بعض القصص معهم، واستمعنا إلى كل القصص، ولم نركّز فقط على جرائمهم”.
وأشار أنجور إلى أن بعض هؤلاء الأشخاص تعلّقوا بـ”آنا”، وبعضهم بدأ الاتصال بها في منتصف الليل.
ووصلت السيدة إلى ثقة أكثر من 500 شخص من مسؤولي النظام، كما استطاعت الوصول إلى معلومات تؤكد أن الشخص الذي ظهر في المقطع كان رائدًا في الفرع “227” التابع للمخابرات السورية.
ورغم التأثير السلبي الكبير الذي تركته التجربة على حياتها الاجتماعية وسلامتها العقلية، تمكّنت في آذار 2021 من العثور على الشخص الذي ظهر في المقطع، وهو شخص أطلق على نفسه اسم “أمجد يوسف”.
وبعد محاولات عدة فشل بعضها بسبب شكوك “أمجد”، استطاعت “آنا” الحصول على اعترافات من قبله بارتكابه العديد من عمليات القتل، انتقامًا لمقتل أخيه قبل أشهر من حادثة التضامن.
أرسلت شحود المقطع المصوّر إلى “أمجد” مستخدمة اسمها الحقيقي، بينما اعتبر “أمجد” ما فعله “إحدى مهامه الرسمية”، منتقدًا أعضاء “الدفاع الوطني” التي كان ينتمي إليها المصدر الذي سرب المقطع.
وأنهى حديثه برسالة “أنا فخور بما فعلته”، إلى جانب تهديدات بقتل شحود وعائلتها.
مَن المصدر؟
تلقى أحد العسكريين في قوات النظام، قبل ثلاثة أعوام، أمرًا بإصلاح جهاز الحاسب المحمول لضابط في مكانة رفيعة لدى النظام السوري، ودفعه فضوله لمشاهدة مقطع مصوّر مخزّن في الحاسب يوّثق المجزرة، ما دفعه أيضًا لمحاولة نقل المقطع إلى العالم الخارجي.
واستطاع العسكري الذي ينتمي للطائفة العلوية، وينحدر من عائلة بارزة في الطائفة، تجاوز مخاوف قتله أو التخلي عنه من قبل عائلته، لتحويل الجريمة التي وثّقها المقطع إلى أداة في المحاكمات الدولية.
بدأ المصدر رحلته باتجاه مناطق سيطرة المعارضة في حلب، واضطر لدفع رشوة بقيمة 1500 دولار لعقيد من “الفرقة الرابعة” التابعة للنظام السوري، مقابل عبور المنطقة الفاصلة بين الجانبين.
وتأخرت الرحلة يومًا واحدة بسبب تجهيز شحنة “الكبتاجون” من قبل “الفرقة الرابعة” لعبور الطريق ذاته، لنقلها عبر مناطق سيطرة المعارضة إلى الشرق الأوسط.
وبعد أسابيع تابع المصدر رحلته إلى تركيا سعيًا للوصول إلى فرنسا، وخلال فترة وجوده في تركيا عمل على سد الثغرات المتعلقة بالمقطع المصوّر وتقديم المعلومات الكاملة حوله.
وفي شباط الماضي، سلّم أنجور وشحود المقطع والملاحظات الخاصة بهما التي تضمنت آلاف الساعات من المقابلات مع مسؤولي النظام، والتي تعتبر دليلًا إلى المدعين العامين في هولندا وألمانيا وفرنسا.
تزامن ذلك مع أول محاكمة في ألمانيا لمسؤول آخر في المخابرات العسكرية السورية، أنور رسلان، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :