باحث سوري: أمريكا راضية عما يقوم به..
ما الذي يبعد “الجولاني” عن مرمى ضربات التحالف
عنب بلدي – خاص
شنت قوات التحالف الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، عدة ضربات استهدفت من خلالها “جهاديين” في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” التي تشمل محافظة إدلب وجزءًا من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وسهل الغاب، شمال غربي حماة.
بالتزامن مع عمليات الاستهداف التي نفذتها قوات التحالف، تكرر ظهور القائد العام لـ“هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، رغم أنه مطلوب، وفصيله مصنّف على “لوائح الإرهاب” في مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي فتح الباب واسعًا أمام تساؤلات عن بقائه بعيدًا عن رصاص التحالف، ومدى تهديد التحالف لوجوده.
قرداش.. آخر الضربات
ركّزت ضربات التحالف على استهداف “جهاديين”، أو متزعمين لـ”حركات جهادية”، أو منضوين في تنظيم “حراس الدين”، بالإضافة إلى جهاديين” آخرين مستقلين، بإطلاق صواريخ ذكية سواء من الطائرات المسيّرة أو الحربية، كما نفذت عمليات إنزال جوي للتخلص من قيادات في تنظيم “الدولة الإسلامية”.
آخر عملية قصف لـ”جهادي” في إدلب كانت في 3 من كانون الأول 2021، حيث قُتل شخص كان يستقل دراجة نارية بالقرب من قرية كفربطيخ جنوبي إدلب، إثر قصف بطائرة مسيّرة أمريكية استهدفه بشكل مباشر، بينما أُصيب سبعة مدنيين من عائلة واحدة في أثناء مرورهم بسيارة يستقلونها عبر الطريق.
وقال “الدفاع المدني السوري“، إن شخصًا قُتل، وأُصيب خمسة مدنيين من عائلة واحدة، بينهم ثلاث نساء وطفل بجروح خفيفة، بقصف طائرة استطلاع “مذخرة” استهدف دراجة نارية على طريق أريحا- المسطومة.
في 6 من الشهر نفسه، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن هوية الشخص الذي قُتل بالغارة الأمريكية في سوريا، وقال المتحدث باسم “البنتاغون”، جون كيربي، في مؤتمر صحفي، إن الغارة استهدفت جماعة “حراس الدين”، فرع تنظيم “القاعدة”، وإن القيادي المقتول يدعى مصعب كنان.
ومر أكثر من شهرين على مقتل زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية”، عبد الله قرداش، الملقب بـ”أبو إبراهيم الهاشمي القرشي”، في عملية الإنزال الجوي التي نفذتها مروحيات تابعة للقوات الأمريكية في بلدة أطمة شمالي إدلب، في 3 من شباط الماضي.
وحاصرت قوات الإنزال منزلًا يقع بين بلدتي أطمة شمالي إدلب ودير بلوط شمالي عفرين، الحدوديتين مع تركيا، ثم بدأت بالاشتباك مع الموجودين داخل المنزل المحاصر، وقُتل 13 شخصًا على الأقل، بينهم ستة أطفال وأربع نساء، جراء القصف والاشتباكات التي جرت عقب الإنزال الجوي، بحسب “الدفاع المدني السوري“.
إنهاء ظاهرة المقاتلين الأجانب
ظهر “أبو محمد الجولاني” بمختلف القضايا العسكرية والخدمية والاقتصادية بوتيرة مرتفعة، بعد أن كان ظهوره نادرًا، رغم أن اسم “الجولاني” لا يزال مُدرجًا من ضمن المطلوبين لأمريكا، وبمكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عنه.
الباحث السوري المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن هناك موقفًا أمريكيًا إيجابيًا مما يقوم به “الجولاني”، وهذا يعود إلى المهام التي يقوم بها فيما يخص المقاتلين، بالقضاء على ظاهرة المقاتلين الأجانب واحتوائهم وإنهاء وجود تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”.
ورغم نفي “تحرير الشام” وجود سياسة ممنهجة تجاه المهاجرين، معتبرة أنهم “لا يزالون في صف الثورة ومع مشروعها ومع قيادتها”، فإنها عملت على بسط سيطرتها من خلال حل بعض الفصائل وإزاحتها، ومصادرة أسلحتها، وإجبارها على التماشي مع سياستها.
ومنذ أكثر من أربعة أشهر، صدر قرار إخلاء البيوت في مدينة إدلب، وإخراج المقاتلين الأجانب (المهاجرون) منها، لتتجه أصابع الاتهام نحو “تحرير الشام” باستهداف الأجانب من وراء القرار، ومحاربتهم معيشيًا.
وفي شباط الماضي، أوضحت “تحرير الشام” أن القرار يشمل الجميع ولا يخص فئة معيّنة أو جنسية محددة، ويشمل كل من يقطن في هذه البيوت (التابعة للملك العام)، سواء أكان منتسبًا لفصيل من الفصائل أم لا.
كما شنّت ” تحرير الشام”، في 25 من تشرين الأول 2021، حملة عسكرية على مقرات لفصائل “جهادية” أجنبية في ريف اللاذقية، يعتبر أكبرها فصيل “جنود الشام” بقيادة “مسلم الشيشاني”، الذي طالبته “الهيئة” سابقًا بمغادرة الأراضي السورية مع مقاتليه الأجانب.
حاجة أمريكية وخلق بيئة “مدنية”
الدكتور الحاج أكّد أن الإقصاءات لا يستطيع أن يفعلها أحد سوى “الجولاني”، خصوصًا أن ذلك رافقه تحوّل في الأيديولوجيا التي تتبنّاها “تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا)، وخلق بيئة مدنية قابلة للحياة، واستقرار نسبي غير موجود في أي بقعة أخرى في سوريا.
مطلع تشرين الثاني عام 2017، شُكّلت حكومة “الإنقاذ” لتسيطر على مفاصل الحياة في إدلب خدميًا وإداريًا، عبر سلسلة من المكاتب الاقتصادية والزراعية والتعليمية، وإقامة مشاريع خدمية داخل المدينة، ولتكون المظلة السياسية لـ”تحرير الشام”.
ظهور حكومة “الإنقاذ”، أتاح لقائد “تحرير الشام” الظهور والحديث من منبرها عن تقديم الخدمات في جميع القطاعات، وإطلاق الوعود بتلبية احتياجات الأهالي، في تغيير جذري لحديثه في الجانب العسكري “البحت” عن رحى المعارك، وقتال النظام.
ومع تنفيذه سياسة “الإقصاء” وخلق بيئة “مدنية”، يرى الدكتور الحاج أن “الجولاني” نجح في تسويق نفسه باعتباره حاجة أمريكية ملحّة في الظروف الراهنة، وإبقاء “الجولاني” تحت ضغط أنه مصنّف كـ”إرهابي” وتحت الاستهداف، يساعد الأمريكيين على تعزيز الدور الذي يقوم به، بحسب الباحث الحاج الذي قال إن سعي قائد “الهيئة” باستمرار لنيل الجائزة (إزالة اسمه من قائمة الإرهاب) سيجعله يقوم بالخدمة التي يقدمها بشكل أفضل.
“صمام أمان” للمصالح الأمريكية
لا يوجد تهديد حقيقي لـ”الجولاني”، وهذا ما يشعر به على الأقل ويجعله يتجول بحرية، بحسب الدكتور الحاج، الذي رجّح وجود تطمينات أيضًا بعدم استهدافه، فضلًا عن أن المصلحة الأمريكية صارت تقتضي الحفاظ عليه ليكون لها صمام أمان ضد التنظيمات المتطرفة، وقوة محلية متماسكة في مواجهة النظام والروس في إدلب، إذ تتخذ روسيا من وجود “تحرير الشام” ذريعة لاستمرار القصف والعمليات العسكرية على مناطق سيطرة “الهيئة”.
وبحسب رصد عنب بلدي، تنفّذ قوات النظام وروسيا، بشكل شبه يومي، عمليات قصف واستهداف لمناطق سيطرة المعارضة، مع استمرار سريان ما يُعرف باتفاق “موسكو”، أو اتفاق “وقف إطلاق النار”، الموقّع بين روسيا وتركيا، في 5 من آذار عام 2020.
وتقابل “تحرير الشام” هذه الاستهدافات بقصف واستهداف تجمعات أو مواقع لقوات النظام السوري وإيران في المدن والقرى المحيطة بمناطق سيطرة “الهيئة”.
لا ضمانات مع “الجهاديين”
ظهور “الجولاني” المتكرر طرح تساؤلات حول إمكانية امتلاكه ضمانات أو أوراقًا لتقديمها، أو لصرف الأنظار عنه.
الدكتور الحاج يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تثق بـ”الجهاديين” وتحولاتهم، وتبدو سياستها في الاغتيالات الفردية فعالة في التأثير على هذه التنظيمات وإضعافها، لأسباب تتعلق بتقدير المخاطر وبأنشطة التنظيمات والتغيرات التي طرأت عليها.
وأُزيلت بعض التنظيمات “الجهادية” من قائمة الإرهاب في السنوات الأخيرة، ما يعني أن القائمة “مرنة”، ومن هذا الباب يعتقد “الجولاني” أن بالإمكان إزالة اسمه من قائمة الإرهاب، بحسب الدكتور الحاج، الذي قال إن الضمانة الحقيقية لبقاء قائد “الهيئة” هي الدور الذي يؤديه، والذي لا يستطيع أحد سواه القيام به في إدلب.
جرت العادة، بحسب الباحث المتخصص في الحركات الدينية، أن تزداد التنظيمات تطرفًا كلما تم استهدافها، وأن تنهار وتتفكّك إذا أرادت التغيير الأيديولوجي.
وغيّرت “تحرير الشام” في سلوكها منذ إعلان “جبهة النصرة” انفصالها عن تنظيم “القاعدة” أو أي “كيان خارجي آخر” في تسجيل مصوّر بُث في تموز 2016، وغيّرت “النصرة” اسمها إلى “جبهة فتح الشام”، وفقا لزعيمها “أبو محمد الجولاني”، لتتحول لاحقًا إلى اسم “هيئة تحرير الشام”.
كما لاحقت “الهيئة” عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، وشنّت حملة اعتقالات حينها، وإعدامات ميدانية، إذ ألقت القبض على القيادي البارز في تنظيم “الدولة”، “أبو البراء الساحلي”، وأعدمته في إدلب شمالي سوريا، في تموز 2018.
نموذج جديد
“الجولاني” نموذج جديد ولم يظهر له شبيه من قبل بتحولاته، بحسب الدكتور الحاج، الذي يرى أنه نجح في هذه النقلة، وبقي متماسكًا، وأظهر تخليًا فعليًا عن “الجهادية” وعلاقاته بها، و”هذا في الواقع شيء نادر وغير متوقع”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :