زينب مصري | حسام المحمود | صالح ملص | حسن إبراهيم
يواجه اللاجئون السوريون في تركيا مجموعة تحديات معقدة ومتشابكة آخذة بالتنامي على حساب ترتيب حاضرهم في سبيل فرصة للاستقرار.
أبرز هذه التحديات أن تركيا ليست دولة لجوء، كي تقدّم خدماتها مثل دول اللجوء الأوروبية، بدءًا من تعلّم اللغة وعملية الاندماج الكامل، وانتهاء بإيجاد عوامل الوجود الدائم في تلك الدول.
منذ بداية وصول السوريين إلى تركيا 2011، اعترفت الحكومة التركية بهم كتدفق جمعي للاجئين، وليس كمجرد لاجئين أفراد، ووضعت نظامًا خاصًا بهم، بعد أن صُنفوا كـ”ضيوف”، إلا أن هذا الوصف لم يتناسب مع أحكام أي قانون تركي أو دولي من أجل تسيير معاملاتهم ووجودهم الذي اتضح أنه لم يكن قصير الأجل.
التعقيدات التي يعاني منها اللاجئون في الولايات التركية تُترجم ضرورة وجود معالجة قانونية سليمة لاستيعاب وجودهم الطويل، بعيدًا عن أي تغيير مفاجئ تحمله القرارات الإدارية.
في هذا الملف، تسلّط عنب بلدي الضوء على دوامة الأوراق الثبوتية التي تعصف باللاجئين السوريين في تركيا، وتناقش مع ناشطين حقوقيين الآثار الاجتماعية والقانونية المترتبة على ذلك، والإجراءات التي يمكن أن يتخذها السوريون لوقف الانتهاكات بحقهم فيما يتعلق بوثائقهم.
تعقيدات قانونية يدفع ثمنها السوريون
“أنتظر إجازة العيد، قد أحصل على إذن سفر، حتى أرى أمي، ما رأيتها منذ خمس سنوات”، بهذه الكلمات أعربت ريما (45 عامًا، تملك حماية مؤقتة تقيم في ولاية إزميت) في حديثها لعنب بلدي، عن أملها في زيارة والدتها المقيمة في ولاية هاتاي.
انشغلت ريما (أم محمد) منذ قدومها إلى اسطنبول باستخراج الوثائق الثبوتية، وفي التنقل وعدم الاستقرار بين الولايات حتى تلم شمل أولادها الذين وصلوا بالتتالي إلى تركيا قبلها، والذين يحملون هويات وأرواقًا ثبوتية بولايات مختلفة، ما أطال عليها زمن زيارة والدتها.
الخوف والحذر من الوقوع في أي مخالفة قانونية، منعا ريما من السفر بسيارة خاصة لزيارة والدتها، لذلك حاولت التسجيل من خلال بوابة الحكومة الإلكترونية (e-Devlet)، ووضعت مرض والدتها وحالتها الصحية سببًا لاستخراج إذن السفر.
حاولت استخراج الإذن أكثر من ثلاث مرات، لكنها باءت بالفشل، دون معرفة الأسباب، رغم أنها أرفقت جميع البيانات المطلوبة، بالإضافة إلى تقرير طبي (رابور) لحالة والدتها الصحية.
ذهبت إلى مبنى الأمنيات في الولاية المقيمة فيها، للحصول على إذن سفر، لكن الإجابة كانت بأن إذن السفر ممنوع للسوريين إلا في حالة الوفاة أو العمل، لتعود ريما بخيبة أمل بعد أن أنهت حديثها مع موظفة داخل الأمنيات، بسؤال “هل أنتظر أمي حتى تموت لأراها؟”.
من جهته، تلقى الشاب السوري “عبد الرحمن” (اسم مستعار لأسباب أمنية)، في آذار الماضي، رسالة نصية من دائرة الهجرة التركية، تفيد بتوقيف بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة به، رغم أنه حدّث بياناته في شباط الماضي.
لا تقتصر مشكلة الشاب على إلغاء قيده فحسب، إذ قال، “أنا لاجئ معيل لأهلي دخلت تهريب وبالدَّين، الكملك كلفني أكثر من عشرة آلاف ليرة تركية، وما خلصت”.
بهذه الكلمات روى “عبد الرحمن” لعنب بلدي الصعوبات التي واجهها منذ قدومه إلى اسطنبول قبل حوالي عام ونصف، بأنه لم يستطع استخراج هوية تمكّنه من العمل في اسطنبول، فاضطر للذهاب إلى ولاية نيدا (Niğde).
وعمل الشاب على استخراج أوراق ثبوتية تخوله الحصول على “كملك” من فاتورة كهرباء، وعنوان سكن، بالإضافة إلى الذهاب إلى ولايته كل أسبوع وتحمل تكاليف السفر “المضنية”، للتوقيع على أنه موجود داخل ولايته، التي تبعد عن اسطنبول (مكان عمله) حوالي 750 كيلومترًا (تسع ساعات سفر تقريبًا).
طالبة في جامعة “اسطنبول”، تحفظت على ذكر اسمها، ذهبت لتثبيت نفوسها (العنوان) بعد أن نقلت إقامتها إلى بيت جديد، وأُعطيت طلب تثبيت مدته شهر حتى يصدر، وطُلب منها مراجعة دائرة الهجرة، مستغربة من ذهابها إلى الدائرة رغم أن ما تريد إجراءه يتم في دائرة النفوس، متسائلة عن إمكانية توقيف قيدها “الكملك” وهي بانتظار تثبيت عنوانها الجديد.
وفي الأيام الماضية، أقدم شاب سوري على حرق نفسه أمام مبنى دائرة الهجرة في اسطنبول بعد استيائه من صعوبات حالت دون تسوية أوضاعه القانونية، بعد انتظار لأشهر حتى وقت الموعد المحجوز، ليستطيع نقل قيود عائلته، ليتفاجأ بالرفض وبتعقيدات جديدة، وفق ما نشره الناشط السوري في قضايا حقوق اللاجئين طه غازي.
تحركات مقيّدة
استقرار السوريين مرهون بالقرارات المتجددة
منذ عام 2014، ومع بدء منح السلطات التركية بطاقات الحماية المؤقتة للسوريين الوافدين إلى أراضيها مع تطبيقها سياسة “الباب المفتوح” في استقبالهم، يصطدم السوريون كل فترة بقرارات أو إجراءات جديدة مرتبطة بهذه البطاقات، آخرها كان في آذار الماضي، حين أوقفت إدارة الهجرة التركية العمل ببطاقات الحماية للعديد من السوريين.
تزامن هذا الإجراء مع إعلان رئيس إدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية، صواش أونلو، عودة 500 ألف سوري إلى “المناطق الآمنة” في الشمال السوري “بشكل طوعي”.
ويعتبر التسجيل للسوريين لدى السلطات التركية التزامًا مهمًا لأنه يشكّل الأساس القانوني للإقامة في تركيا، ويسمح بالوصول إلى الخدمات العامة والمساعدة المتاحة، وهو أهم وسيلة لتأمين الحقوق في تركيا وللحماية من العودة القسرية، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وكجزء من نظام الحماية المؤقتة، يتم قبول المواطنين السوريين واللاجئين وعديمي الجنسية القادمين من سوريا الذين يطلبون الحماية من السلطات التركية في ظل الظروف العادية، ويمكن بعد ذلك طلب والحصول على الحماية المؤقتة من حكومة تركيا، وفي ظل الظروف العادية لا تتم إعادتهم إلى سوريا ما لم يطلبوا أنفسهم أن يفعلوا ذلك.
وينبغي توفير الحماية والمساعدة في تركيا للمستفيدين من الحماية المؤقتة، التي تتضمن الحق في البقاء في تركيا حتى يتم التوصل إلى حل أكثر دوامًا لوضعك، والحماية من العودة القسرية إلى سوريا، وكذلك التمتع بحقوقك واحتياجاتك الأساسية، بحسب المفوضية.
إلا أن العديد من السوريين يواجهون خطر الترحيل إلى الشمال السوري الذي تعتبره السلطات التركية “منطقة آمنة”، نتيجة إيقاف قيودهم وتجميد بياناتهم أو إقامتهم في ولايات غير الولايات المسجلة فيها بياناتهم على الرغم من امتلاكهم وثائق رسمية سارية المدة.
تجميد “كمالك”
تلقى العديد من السوريين في تركيا رسائل نصية تفيد بإبطال بطاقات الحماية المؤقتة الخاصة بهم، لعدم تحديث بياناتهم على الرغم من تحديثها من قبل بعضهم مؤخرًا.
جاء هذا الإجراء على خلفية حملة أطلقتها السلطات التركية خلال الشهرين الماضيين لتأكيد العناوين المسجلة للسوريين في قيودهم، عن طريق توجه عناصر من الشرطة إلى العنوان المسجل في القيد، والتحقق من تطابق الاسم المسجل مع أسماء المقيمين في العنوان.
أثارت هذه الخطوة مخاوف السوريين وجدلًا بينهم، إذ يقترن عدم تفعيل “كمالكهم” أو إيقاف بياناتهم بخطر الترحيل إلى الشمال السوري، ما دفع إدارة الهجرة التركية إلى إعادة صياغة رسائل تحديث العناوين المرسلة، من خلال إضافة اسم الشخص ورقم بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) إلى الرسالة، بغرض عدم إرسالها بشكل عشوائي.
كما أضافت الهجرة التركية إلى رسالة تحديث العنوان، تنبيهًا بوجوب تجاهل الرسالة المتسلّمة، إذا توجه الشخص المتسلّم للرسالة إلى دائرة الهجرة وحدّث عنوانه بعد تاريخ 21 من آذار الماضي.
وأوضحت رئاسة الهجرة التركية الرسائل التي وصلت لسوريين بخصوص إيقاف هوية الحماية المؤقتة، بأنه إجراء للتأكيد على ضرورة تحديث البيانات وتثبيت عناوين السكن، بحسب بيان لـ”اللجنة السورية التركية المشتركة”.
لا إقامة للوافدين حديثًا
في شباط الماضي، أعلن نائب وزير الداخلية التركي والمتحدث باسم الوزارة، إسماعيل تشاتكلي، عدم منح إقامة سياحية أو بطاقة الحماية المؤقتة للسوريين الوافدين حديثًا إلى تركيا، مع الإشارة إلى وضعهم في المخيمات والتحقيق معهم فيها، ومعرفة ما إذا كانوا بحاجة إلى الحماية المؤقتة وأسباب قدومهم إلى تركيا.
وصرّح المسؤول التركي بعدم السماح بحركات هجرة مجددًا، فأينما قُبض على أحد ما في تركيا، سيرسَل إلى مخيمات محددة ويجبَر على الإقامة في تلك المخيمات، ويحصل على الحماية المؤقتة في المخيم.
وفي 22 من شباط الماضي، نقلت صحيفة “حرييت” التركية قرار وزارة الداخلية، بمنع الأجانب الحاملين لكل أنواع الإقامات، والسوريين المسجلين في البلاد تحت الحماية المؤقتة، من تقييد نفوسهم في 16 ولاية تركية، و800 حي في 52 ولاية.
وقالت الصحيفة، إنه في حال تجاوز عدد السوريين 25% من السكان في مكان ما، تُغلق أماكن الإقامة لاستقبال طلبات تقييد النفوس فيها، بحسب قرار وزارة الداخلية.
سبق ذلك تصريح لوزير الداخلية، سليمان صويلو، قال فيه إن طبيعة الهجرة من سوريا إلى تركيا قد تغيرت، وجزء كبير من الذين يحاولون القدوم هم من المناطق المحيطة بدمشق، والسبب في ذلك هو الأزمة الاقتصادية.
شروط تجديد الإقامة
بعد تداول أنباء عن قرار بعدم منح أي إقامة سياحية، لمن وصل إلى تركيا من الأجانب بعد 10 من شباط الماضي، أوضح مركز التواصل للأجانب (YİMER) أنه بدءًا من التاريخ المذكور، قررت إدارة دائرة الهجرة التركية دراسة طلب كل أجنبي يتقدم للحصول على إقامة قصيرة المدى بهدف السياحة، قبل رفض أو قبول الطلب.
وذكر المركز أن طلبات المتقدمين تُقَيّم بحسب الغرض من طلب تصريح الإقامة للبقاء في الدولة، المرفق معها، وأن كل طلب سيقابَل بالرفض وعدم منح الإقامة، ما لم يُرفق معه الغرض من التقدم لطلب تصريح الإقامة، أو إذا كان السبب الموضح غير مقنع.
وأشار إلى أن طلبات الإقامة المقدمة في ولايتي هاتاي وشرناك للمرة الأولى أو بغرض التجديد تقابَل بالرفض، مهما كان الغرض المرفق مع الطلب بهاتين الولايتين.
وأضاف أنه لا يحق للأجانب ما عدا السوريين، طلب تصاريح الإقامة من الولايات الأربع التالية: غازي عينتاب، وماردين، وأورفا، وكلس، بينما يمكن لهم التقدم بطلب في بقية الولايات الأخرى.
وكانت رئاسة دائرة الهجرة التركية أعلنت عبر موقعها الرسمي، في 15 من شباط الماضي، عن قرارات جديدة تخص تصريح الإقامة للأجانب ومن ضمنهم السوريون.
وجاء في القرار، “يلزم الأجانب الذين يرغبون بالإقامة في تركيا، بتقديم نسخة من عقد إيجار المنزل، موثقة من الكاتب العدل في طلبات تصريح الإقامة الخاصة بهم، بدءًا من تاريخ 15 من شباط 2022″.
كما يجب “توثيق عقود الإيجار من قبل صاحب العقار أو المؤجر، وليس من قبل المواطن الأجنبي الذي يرغب في الحصول على تصريح الإقامة، وتدرج معلومات الهوية في نموذج العقد”.
ولفتت الإدارة إلى إلزامية تقديم طلبات تصاريح الإقامة عن طريق نظام الإقامة الإلكترونية من داخل تركيا، ولن تُقبل طلبات تصاريح الإقامة المقدمة من الخارج.
إذن السفر
منذ عام 2016، تشترط السلطات التركية على السوريين الحاملين لبطاقات الحماية المؤقتة الإقامة في الولاية المسجلة فيها بياناتهم وعناوينهم، ومن غير المسموح لهم التنقل بحرية بين الولايات التركية إلا بالحصول على إذن سفر بشكل مجاني.
يجد السوريون المقيمون في تركيا وخاصة في الولايات الحدودية صعوبة بالغة في الحصول على إذن سفر وخاصة إلى ولاية اسطنبول التي تحاول السلطات التركية تخفيف وجود السوريين فيها، ما يتركهم عرضة لاستغلال “السماسرة” الذين يستخرجون لهم إذنًا مقابل مبالغ مالية.
كما يدفعهم إلى التنقل بشكل مخالف (تهريب) من خلال سيارات أجرة لا يمر سائقوها من الطرقات التي يعرفون مسبقًا بوجود حواجز تفتيش عليها أو عن طريق “بولمانات” السفر التي يحجزون تذاكرها عبر الإنترنت ويتركون إمكانية غض طرف عناصر الأمن في حواجز التفتيش عن غياب إذن السفر للحظ.
بينما تمنع المطارات منعًا باتًا سفر السوريين داخليًا في تركيا في حال عدم وجود إذن سفر ساري الصلاحية.
وكانت السلطات التركية فرضت على السوريين الحصول على إذن سفر في تنقلاتهم بين الولايات، منذ عام 2016، إذ بدأ ذلك في الولايات الجنوبية الحدودية التي تضم أعدادًا كبيرة من السوريين وتقل فيها فرص العمل، لتشمل كامل الأراضي التركية في 2017.
أين ممثلو السوريين في تركيا من مشكلاتهم؟
أمام العديد من القرارات والإجراءات التي تراوحت بين فرض إذن السفر، وشروط جديدة للإقامة السياحية، وعدم منحها للوافدين حديثًا، وصولًا إلى تجميد بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك)، يبرز دور الجهات أو المؤسسات والمنظمات المعنية بشؤون اللاجئين السوريين، أو هكذا يُفترض.
عنب بلدي تواصلت مع نائبة رئيس “الائتلاف السوري المعارض”، ربا حبوش، لإطلاع القارئ على دور “الائتلاف” في التعامل مع مشكلة تثبيت قيود السكن، التي تشكّل مصدر رعب بالنسبة للاجئ السوري ما لم يجرِ التعامل معها وحلّها، لكنها قالت إنه ليس لديها معلومات كافية، كما أنها ليست مخوّلة بالتصريح حول الموضوع.
كما طرحت عنب بلدي أسئلتها على أكثر من عضو في “الائتلاف”، لكن دون أن تحصل على إجابات رسمية واضحة وصريحة في قضية تمس بشكل مباشر اللاجئين السوريين في تركيا، الذين يعاني كثير منهم خوفًا من التعامل مع المؤسسات الرسمية، والأمنية، إلى جانب التعامل بحساسية مع مسأة الأوراق الثبوتية.
عضو مركز “برق للدراسات والاستشارات” مازن شيخاني، وفي حديث إلى عنب بلدي، دعا لتعزيز الأمن الاجتماعي، وتحويل وجود اللاجئين من مشكلة إلى استثمار، وحالة من الاستقرار المجتمعي للاجئين السوريين والمجتمع التركي.
وعزا شيخاني الإجراءات التركية إلى حاجة السلطات والمؤسسات التركية المعنية لمعلومات كافية عن اللاجئين السوريين، لوضع تصورات في سبيل رسم السياسات المرتبطة بوضع برامج اللجوء، لتأمين حقوق اللاجئين، وإدارة هذه الكتلة البشرية الضخمة ضمن المجتمع التركي.
ووفق حديث سابق أجرته عنب بلدي مع الدكتور في علم النفس التربوي عامر الغضبان، يوجد في الوضع الطبيعي خوف من دوائر الدولة، بموظفيها المدنيين والعسكريين، وهو جزء من ثقافة بعض المجتمعات، لا يمكن التغاضي عنه عند صدور قرارات يقرأ فيها اللاجئون ما يهدد استقرارهم، بسبب ما عاشوه في بلادهم من قمع وتخويف.
مسؤولة التواصل في “اللجنة السورية التركية المشتركة” التابعة لـ”الائتلاف الوطني”، إيناس النجار، قالت لعنب بلدي، إن اللجنة خلال اجتماعها الأخير قدمت مجموعة أفكار للجانب التركي للتخفيف عن اللاجئين السوريين في تركيا، لا سيما بالتزامن مع شهر رمضان.
ومن بين الأفكار التي تحدثت عنها نجار عدم إيقاف “كرت الهلال الأحمر التركي” في حال إيقاف “الكملك” خلال شهر رمضان، وإخراج الحالات الطارئة من سياق الموعد، عبر أخذ ما يثبت إلحاح الحالة، كتقرير طبي مثلًا، عند مراجعة شعبة الأجانب في دائرة الهجرة في أي وقت دون موعد.
وأكدت النجار تقديم مجموعة من المقترحات عبر “اللجنة”، لبحث سبل التعجيل في المواعيد التي تمنح بعد شهر أو شهرين في دائرة الهجرة، على أن تدرس السلطات التركية تلك المقترحات، مؤكدة في الوقت نفسه أن تجميد “الكملك” بالنسبة للشخص سيزول بعد مراجعته لدائرة الهجرة، وهو ليس إبطالًا، بل تجميد فقط.
وحول منع السلطات التركية تثبيت قيود السكن ضمن مناطق معيّنة، اعتبرت النجار هذه الخطوة تشجيعًا على الاندماج، مبينة أن انغلاق السوريين على بعضهم وتعاملهم مع بعضهم فقط يعوق تعلمهم اللغة، وتأقلمهم واندماجهم، وجرى الانتباه إلى هذه الفكرة بعد الأحداث التي جرت في منطقة ألتنداغ بأنقرة.
كما اعتبرت النجار ما يعيشه السوريون من خوف سببه في وقت ما تقصير في التعامل بجدية مع الأوراق الرسمية، مشيرة إلى وجود سوريين لا يحملون إلى اليوم ما يبرر قانونيًا وجودهم في تركيا، كـ”كملك” أو إقامة أو غير ذلك.
سوريون في مهب تحديات اللجوء
معالجة التعقيدات الإدارية ضرورة
تزايدت التقارير الحقوقية في الفترة الماضية المرتبطة بوضع اللاجئين من الناحية القانونية، واحتجاز بعضهم في مراكز الترحيل من الولايات التركية نحو مصير مجهول في سوريا، وإجبارهم على توقيع استمارات تفيد برغبتهم في العودة الطوعية إلى البلد.
يأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه تركيا من تدهور اقتصادي لعملتها أمام الدولار، وسوء المعيشة، فضلًا عن نمو خطاب الكراهية ضد اللاجئين في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
السوري ليس لاجئًا
صدّقت تركيا على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967، ولكن مع التحديد الجغرافي الاختياري الذي ورد في سنة 1951، وهذا يعني أن تركيا لا تطبّق هذه الاتفاقية إلا على مَن يطلبون الحماية في تركيا بسبب أحداث تقع في أوروبا.
وفي عام 2002، نشرت الجريدة الرسمية التركية ضمن البرنامج الوطني المرتبط باللجوء، أن هناك التزامًا على إلغاء القيود الجغرافية المنصوص عليها في اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة باللجوء، والقيام بالإجراءات والتعديلات بشكل واسع في التشريعات وتحضير البنية الأساسية لعدم تعزيز تدفق اللاجئين من الشرق إلى تركيا (…) قبل إزالة القيود الجغرافية لا بد من العمل على تحضير البنية الأساسية للتشريعات تماشيًا مع مبدأ تقاسم الأعباء مع الاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يكتمل حتى التاريخ الذي تعتبر تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي”.
وعليه، لن تعطي تركيا صفة “اللاجئ” القانونية لمن قدم إلى أرضها من غير الأوروبيين، مع وجود تحضير في تعديل التشريعات المتعلقة بهذا الشرط، إلا أن هذه التعديلات متعلقة باعتبار تركيا عضوًا في الاتحاد الأوروبي.
آفاق عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ضاقت على مر الأعوام، كما أن أوروبا لم تعد تلح على إسقاط شرط تحديد النطاق الجغرافي، بل ترى أن الإطار القانوني الجديد للهجرة واللجوء في تركيا، الذي أنشئ بالتدريج منذ 2013، فيه مع ذلك من الحماية ما هو كافٍ.
ولذلك، تم توفير وضعية “الحماية المؤقتة” في تركيا، استنادًا إلى المادة رقم “91” من قانون الأجانب والحماية الدولية رقم “6458” لعام 2013.
ومع اعتماد تركيا إطارها القانوني الخاص باللاجئين، أنشأت أيضًا المديرية العامة لإدارة الهجرة، وهي الهيئة القائمة بشؤون الهجرة واللجوء.
وبعد فترة انتقالية، أعلنت مفوضية اللاجئين، في أيلول 2018، أنها لن تسجل أسماء طالبي اللجوء ولن تنفّذ ولايتها بإجراء تقرير صفة اللاجئ، فصارت الهيئة التركية الجديدة منذ ذلك الحين القائمة بجميع الخدمات التي تتعلق باللاجئين.
“أبرز مشكلة يعاني منها اللاجئ السوري في تركيا هي التوصيف القانوني له، لا يوجد شيء اسمه حماية مؤقتة بمجال زمني غير محدد”، بحسب ما يراه الناشط السوري المختص بحقوق اللاجئين في تركيا طه غازي خلال حديث إلى عنب بلدي.
وبالتالي، “لا بد من الجهات الرسمية، رئاسة الهجرة ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية التركية، في حال كانت لديها الرغبة بحل قضايا تتعلق بإشكاليات وتعقيدات إدارية، فهذا الأمر ينطلق من توصيف اللاجئ وتحديد مبدأ الحماية المؤقتة”، بحسب ما يراه غازي.
وتكمن هذه المعالجة إما بإنشاء بيئة قانونية وحقوقية وتوصيف قانوني يوازي “الحماية المؤقتة”، وإما وجود “تنظيم أكثر جدية” لمبدأ “الحماية المؤقتة”.
ثقل قانوني للسوريين
ثمة أسباب عديدة تجعل من بقاء الأشخاص في بلدانهم أمرًا في غاية الصعوبة أو الخطورة، يغادرون هربًا من العنف والنزاع والجوع والفقر المدقع، وبحسب تقرير “لجنة التحقيق الدولية المستقلة بسوريا” الذي حمل اسم “سوريا نحو الهاوية“، يستمر العنف ضد المدنيين في جميع أنحاء البلاد، من القصف في الشمال الغربي والشمال والشمال الشرقي إلى أعمال القتل المستهدف والاحتجاز غير القانوني والتعذيب. ويعاني السكان من فقر مدقع يصيب السوريين في كل مكان خصوصًا النازحين داخليًا.
بناء على تقرير “لجنة التحقيق”، الصادر في 15 من آذار الماضي، لا توجد منطقة آمنة للاجئين السوريين بإمكانهم الانتقال إليها، في نفس الوقت يتعرض بعضهم لانتهاك نفسي وفي بعض الأحيان لعنف جسدي من أجل إجبارهم على توقيع استمارات “العودة الطوعية” داخل مراكز الترحيل.
ومن ضمن المشكلات الواجب علاجها التي يعاني منها اللاجئون، عدم وجود هيئة حقوقية تمثل صوتهم ووجودهم في تركيا، بحسب ما قاله الناشط طه غازي، تحمي حقوقهم في حال وجود مثل هذه الانتهاكات، وتقدّم لهم الدعم القانوني لتسيير حياتهم وإتاحة خيارات متعددة تساعدهم على خلق واقع أفضل لهم.
تشويش الوثائق التي يحصل عليها السوريون يعوق أغلبيتهم عن بناء واقع قانوني خاص بهم وينتج آثارًا قانونية ملزمة، وكون أغلبية اللاجئين السوريين هم من الشباب، لذا كان الوصول إلى التعليم والعمل القانوني أمرًا أساسيًا، الأمر الذي يصعب عليهم الحصول عليه في ظل عدم امتلاكهم الوثائق المطلوبة.
في 30 من آذار الماضي، نظّم ناشطون سوريون وأتراك مؤتمرًا في ولاية اسطنبول، لإيجاد حلول فعلية تناسب اللاجئين قانونيًا، وأسسوا “منتدى حقوق الإنسان والأمن الاجتماعي” كخطوة لإيجاد التعاون بين الناشطين الحقوقيين السوريين والجهات التركية المعنية بوضع اللاجئين، لرسم سياسات تشريعية أكثر توافقًا مع احتياجات اللاجئين السوريين.
وأوصى الناشط غازي في حال تعرّض أي لاجئ سوري للاحتجاز تمهيدًا لترحيله، توكيل محامٍ له من خلال عائلته أو أقربائه، والتوجه إلى المنظمات الحقوقية التركية المنتشرة في جميع الولايات.
حقوق ضائعة
تحتجز السلطات التركية في كل فترة بعض اللاجئين داخل “مراكز إعادة الإرسال”، ومنذ تأسيسها قبل 40 عامًا، “واجهتنا نفس المشكلات مع المهاجرين الذين قدموا، هناك العديد من الممارسات غير القانونية داخل تلك المراكز”، وفق ما قالته الناشطة في منصة “جميعنا لاجئون- لا للعنصرية” (Hepimiz Göçmeniz- Irkçılığa Hayır) يلدز أونين في حديث إلى عنب بلدي.
تركيا مُلزَمة بالقانون العرفي الدولي بعدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة أي شخص إلى مكان قد يتعرض فيه لخطر حقيقي من الاضطهاد أو التعذيب أو غيره من أساليب سوء المعاملة أو تهديد للحياة.
يشمل ذلك طالبي اللجوء، الذين يحق لهم أن يُبَت في دعاواهم بشكل عادل وعدم إعادتهم، دون استفادتهم من الإجراءات الواجبة، إلى الأماكن التي يخشون التعرّض لأذى فيها.
“سمعنا أنه جرى إرسال لاجئين أفغان إلى سوريا”، وفق ما قالته أونين، في إشارة إلى سوء التنظيم الإداري في مراكز الترحيل داخل تركيا.
“دون منحهم حق استخدام الهاتف أو حق توكيل محامٍ أو التواصل مع أي شخص، يجد اللاجئون أنفسهم في سوريا في مدينة ليست مدينتهم، إذ يجري إرسالهم إلى أقرب مكان على الحدود، ويجدون صعوبات كثيرة في مسألة العودة إلى تركيا، وفي مسألة التواصل”، قالت الناشطة يلدز أونين.
وأوصت الناشطة باتخاذ خطوات حكومية ملموسة، وإعادة تشكيل مراكز إعادة اللاجئين بطريقة تناسب القانون، إذ إن الأشخاص الذين يحتجزون في هذه المراكز لهم الحق في توكيل محامٍ، ولهم الحق في إخبار أقاربهم، “يجب توفير هذه الحقوق لهم على الفور”.
لا يوجد تشريع خاص
صفة “الحماية المؤقتة” واضحة من اسمها، فمن الممكن أن تطبق لفترة سنتين أو ثلاث، ولكن بعد 11 عامًا بدأت تبدو هذه الآلية غير مكتملة، بحسب الناشطة التركية يلدز أونين، خصوصًا أن السوريين لا يمتلكون تصاريح عمل، ولا يمكنهم التنقل للعيش بين مدينة وأخرى كما يريدون، ولا يزالون يواجهون خطر إعادتهم بقرار من مجلس الوزراء التركي.
لهذا السبب يجب سن قانون رسمي بشأن السوريين يخوّل منح تصاريح العمل، والحق في الذهاب إلى الأماكن التي يريدونها، وفق ما أوصت به الناشطة أونين.
تمنح أوروبا تصريح إقامة لمدة ثلاثة أعوام في الوقت الحالي، أو تصريح عمل للاجئين المهاجرين من أوكرانيا، وتعتقد الناشطة أن من المستحسن تنفيذ نفس الآلية في أسرع وقت ممكن بالنسبة للسوريين في تركيا.
لا يُحاكم أغلبية السوريين الذين ارتكبوا مخالفة أو جنحة أو جناية وفق القوانين التركية، بدلًا من ذلك يتم ترحيلهم إلى الشمال السوري كعقوبة لهم، يعود ذلك في الأساس إلى فكرة أن يكونوا خاضعين لقانون ما، كي يكون هناك دعوى ومحامون وقرارات قضائية بناء على هذا القانون.
ودون وجود هذا القانون سيكون مصيرهم مجهولًا في حال ارتكبوا أي فعل مخالف للقوانين التركية، وترحيلهم هو قرار مخالف للقانون ولحقوق الإنسان، بحسب الناشطة التركية، معظم الذين رُحّلوا فعلًا يملكون إذن إقامة لكن في غير المدن التي يقيمون فيها، في هذه الحالات يجب إعادتهم إلى الأماكن المسجلة فيها أوراقهم الرسمية وليس إلى سوريا.
وختمت الناشطة يلدز أونين حديثها بأن ترحيل اللاجئين “إخلال بحقوق اللاجئين”، مقترحة أن يتقدم الأشخاص الذين يتم انتهاك حقوقهم بهذه الطريقة بدعاوى رسمية في المحاكم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :