ديانا رحيمة – عنب بلدي
على الرغم من استمرار حالة عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي، تبرز في الفترة الأخيرة ظاهرة شراء المغتربين من السوريين عقارات في مناطق سيطرة النظام.
تحدثت عنب بلدي مع عدد من المغتربين الذين أقدموا على شراء عقارات في هذه المناطق، للتقصي عن الأسباب والدوافع التي شجعتهم، على الرغم من كل الصعوبات التي وضعها النظام في مجال الشراء من جهة، واستيلائه على أموال المعارضين له من جهة أخرى.
ياسين، سوري مقيم في لبنان، يبلغ من العمر 49 عامًا، عمل خلال الفترة السابقة على شراء عقارات، تشمل منازل ومحال، من خلال شريك لديه في مدينة حلب.
“سوق العقارات مزدهر خلال هذه الفترة، خصوصًا أن بعض المالكين يقومون بالبيع لأسباب عديدة منها الهجرة”، قال ياسين، وعليه قام بشراء عقارات وتجميدها، بينما باع عقارات أخرى بأسعار مرتفعة، مع ارتفاع الطلب عليها، لوجود توجه لدى الناس في شراء الأراضي القريبة من مركز مدينة حلب، لإمكانية بناء “فيلات” مستقبلًا في المنطقة.
ويرى ياسين (تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، أن سوق عقارات المنازل يزدهر في الأحياء الغربية بشكل خاص، لأنها لم تتعرض للضرر، على عكس الأحياء الشرقية التي تعرضت لنسبة ضرر كبيرة.
من جهته، بدأ “إياد” (29 عامًا) المقيم في ألمانيا، استثماره في سوق العقارات، من خلال شرائه منزلين وبيعهما بمبلغ مرتفع، وحصوله على مردود مالي كبير.
“إياد” (اسم مستعار لأسباب أمنية) قال لعنب بلدي، إنه اشترى منزلًا في حي العزيزية بمبلغ 180 مليون ليرة سورية عام 2019، وبعد حوالي عام ونصف، قام ببيعه عن طريق وكيله بمبلغ 380 مليون ليرة سورية.
بينما ربح في المنزل الآخر نحو 75 مليون ليرة سورية، وهو يعمل حاليًا بتجارة العقارات في سوريا على الرغم من أنه مقيم في ألمانيا.
وأضاف أنه يقوم بتنسيق عمليات البيع والشراء للعقارات عن طريق وكيل، إلى جانب تعامله مع محامين، وكل العقود التي تجرى تأخذ طابعًا قانونيًا، وتُستكمل الإجراءات فيها بشكل اعتيادي، خوفًا من ملاحقته أو تعرضه للاعتقال في حال رغبته بالمجيء إلى سوريا في السنوات المقبلة.
وكان المحلل الاقتصادي محمد الجلالي قال، في 7 من شباط الماضي، لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام السوري، إن النسبة الكبرى من مالكي العقارات في سوريا هي من المغتربين.
وأضاف الجلالي أن “معظم الذين يعرضون عقاراتهم للبيع حاليًا، يعرضونها بغاية السفر، وهذا الأمر ملموس وملاحَظ على صفحات تسويق العقارات، وهو مؤشر غير صحي”.
ولا يؤثر قرار استبعاد من يملك أكثر من عقار في المحافظة نفسها، أو من يملك العقارات في المناطق الأغلى سعرًا من الدعم، لدرجة أن يقوم المواطنون ببيع عقاراتهم بهدف إعادة الدعم لهم، بحسب الجلالي.
وازداد منذ حوالي فترة الشهر المعروض من العقارات، لوجود حالة من الكساد والركود في بيع العقارات.
واعتبر المحلل أن زيادة العرض على الطلب حاليًا، هي أمر جيد للسوق لدورها بخفض الأسعار، ولكن انخفاض الأسعار في ظل حالة الكساد يعتبر انخفاضًا غير صحي، مستبعدًا أن تتحسن حركة بيع العقارات وشرائها في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
مصائب قوم..
ارتفاع أسعار العقارات بالليرة السورية له معنيان مختلفان تمامًا بين السوريين في داخل سوريا وخارجها، بحسب ما قاله الدكتور السوري في الاقتصاد ومدير الأبحاث في مركز “السياسات وبحوث العمليات”، كرم شعار، لعنب بلدي.
وأضاف شعار، أن أسعار العقارات تجاوزت مقدرة السوريين الذين ما زالوا في مناطق النظام على السداد، لأن الرواتب في مناطق النظام ما زالت بنفس القدر، والذي ازداد في مناطقه هو أسعار العقارات إلى جانب العديد من أبسط متطلبات الحياة اليومية، وبالتالي فإن الارتفاع في الأسعار هو ارتفاع حقيقي، يعوق مقدرتهم على شراء البيوت.
أما بالنسبة للسوريين المغتربين، فإن أسعار العقارات بسوريا انخفضت بشدة خلال فترة السنوات العشر السابقة.
وإذا تم حساب المبلغ بالدولار الأمريكي أو بأي عملة أجنبية، فإن السوريين الموجودين خارج سوريا، ولا سيما المؤمن منهم بأن المستقبل في سوريا هو للأحسن وليس للأسوأ، فإن الأسعار معقولة بالنسبة لهم.
كما أن الوضع الحالي هو أفضل وضع لشراء العقارات، لأنه في حال كانت الأمور متجهة للتحسن اقتصاديًا، فإن أسعار العقارات سترتفع لا محالة في سوريا، كما هي الحال بكل دول العالم.
وترتبط أسعار العقارات بالأداء الاقتصادي العام، ولهذا السبب فإن السوريين في الخارج هم الأعلى رغبة بشراء عقارات في الداخل.
أما السوريون الموجودون في مناطق النظام فهم الذين يقومون بالبيع، لأنهم يريدون السفر خارج البلاد.
ويظهر ذلك جليًا في عدد جوازات السفر المصدَرة بعد عام 2021، مقارنة بعام 2020، ما يعني أن الزيادة كانت “مرعبة” إذ تجاوزت حد الضعف، بحسب شعار.
ومنذ بداية تموز عام 2021 وحتى 20 من شباط الماضي، طبعت وزارة الداخلية 486 ألف جواز داخل سوريا، و86 ألف جواز في القنصليات خارج سوريا، و21 ألف وثيقة سفر للفلسطينيين السوريين، بحسب ما تحدث به مدير “إدارة الهجرة والجوازات”، خالد حديد.
رقابة أشمل.. فرض ضرائب أكثر
في آذار 2021، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء القرار رقم “28”، الذي يقضي الالتزام بدفع مبلغ لا يقل عن خمسة ملايين ليرة سورية عبر القنوات المصرفية لعمليات بيع العقارات السكنية والتجارية والمركبات، ودفع مبلغ لا يقل عن مليون ليرة سورية عبر القنوات المصرفية لعمليات بيع وشراء الأراضي، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
ويجب تجميد مبلغ 500 ألف ليرة سورية في الحسابات المستخدمة لعمليات البيوع المذكورة للعقارات السكنية والتجارية والأراضي والمركبات لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، بحسب القرار.
بررت رئيسة قسم الدراسات والتشريعات لدى مديرية المفوضية الحكومية في المصارف، حنان عيلبوني، القرار الوزاري، بضرورة وجود حسابات مصرفية لأكبر عدد ممكن من الأشخاص، وصولًا إلى جميع الأشخاص، وذلك عن طريق عقود بيع العقارات والمركبات، واستقطاب السيولة من السوق إلى المصارف وتداولها هو عامل مهم.
وبحسب الإحصائيات، فإن قيمة الأموال الموجودة في المصارف لا تشكّل إلا نسبة ضئيلة جدًا من قيمة التداول في السوق، وقد يعتبر هذا “مرعبًا أو غير طبيعي”.
بينما يعتقد الباحث شعار، أن الغرض الأساسي من القرار الوزاري هو دفع السوريين إلى استخدام النظام المصرفي في التعاملات المالية.
ويهدف هذا الضغط لتطبيق الضريبة التي أتت لاحقًا على البيوع العقارية إلى إجبار البائع والمشتري على التعامل من خلال النظام المصرفي الذي يحقق رقابة أقوى على عمليات البيع والشراء، وبالتالي مقدرة أفضل على فرض الضرائب.
هل من الآمن شراؤها؟
المحامي أحمد صوان قال لعنب بلدي، إن العديد من العقارات التي يتم بيعها اليوم للمغتربين من السوريين وغيرهم، هي مسلوبة من مالكيها الأصليين بإحدى الطرق الآتية، إما عن طريق سلبها من المغتربين المقيمين خارج سوريا، وإما عن طريق استخدام وثائق مزوّرة، عبر تزوير الوكالات، أو تزوير هويات المالكين الأصليين، الأمر الذي تكرر حدوثه بشكل كبير وخصوصًا في دمشق وحلب، وفي هذه الحالة يستطيع المغتربون المطالبة بأملاكهم مستقبلًا، لأنها سُلبت بطريقة التزوير.
كما توجد حالات معقّدة جدًا كحالة المالكين المتعاقبين، كأن يسجّل المزوّر وثائق العقار باسمه ثم يبيعه إلى شخص ثانٍ ثم إلى شخص ثالث، وبذلك تصبح هناك مشكلة في استعادة العقار، لأن المالك الثالث بحسب القانون هو “مالك حسن النية” (لا يعرف أن أصل العقار يعود إلى المالك الأصلي)، وذلك يخلق منازعات قضائية كثيرة، بحسب صوان.
أما الطريقة الثانية لسلب أملاك المالكين الأصليين، فهي الاستيلاء والمصادرة بتطبيق القوانين التي أصدرها النظام بعد عام 2011، التي أجازت لمحكمة “الإرهاب” أن تصادر الأموال، بإلقاء الحجز التنفيذي على أموال المعارضين، وتبيعها، وهذا البيع يعتبر من الجهة القانونية بيعًا سليمًا، لأنه يقوم على سند قانوني، وبناء على قرار محكمة.
ومنذ بداية عام 2011، أصدرت حكومة النظام السوري مجموعة من القوانين والمراسيم التشريعية المتعلقة بحقوق الملكية، كان لها تأثير على السوريين الموجودين داخل وخارج البلاد، كما شملت الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لمعارضين سياسيين أو متعاطفين مع الثورة السورية من فنانين ومثقفين وتجار، وُجهت إليهم تهم دعم ما يسمى بـ”الإرهاب”.
وقد عمد النظام السوري إلى الحجز على أملاك وأموال شخصيات بارزة في المعارضة السورية، كأداة عقاب وانتقام، ففي عام 2012، أصدر النظام السوري حكمًا بالإعدام بحق فراس طلاس ابن وزير الدفاع الأسبق، وهو رجل أعمال، ومؤسس “تيار الوعد السوري” ورئيسه السابق.
وأرفق الحكم بقرار ينص على مصادرة جميع أملاكه، نشرته وسائل إعلام سورية، وفق ما أشار في حديث سابق إلى عنب بلدي.
نص قانون “مكافحة الإرهاب” رقم “19” لعام 2012، في المادة “12” منه على أنه، “في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والأشياء التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة، وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وجودها”.
وسيط للتسهيل
فيما يتعلق بالطريقة الموثوقة لإجراء العقد نيابة عن المالك المغترب، يقوم وسيط بإجراء عقد الشراء نيابة عن الشخص المغترب أو يبيع العقار نيابة عنه، بحسب صوان.
ويعتبر العقد الذي يوقعه هذا الوسيط صحيحًا إذا تم بموجب وكالة رسمية موثقة بالقنصلية، أو عبر وكالة موثقة عند الكاتب العدل في الدولة الموجود فيها، كما يحدث في دول مثل مصر والأردن ولبنان وفي تركيا يسمى “النوتر”.
إذا كان التوكيل موثقًا عند الكاتب العدل في الدولة الموجود فيها، يعتبر العقد صحيحًا ومنتجًا لآثاره القانونية.
ولا يستطيع المغترب في المستقبل أن يتنصل من هذا العقد، لأنه عقد موقع عبر وكالة، والوكالة تسمح للوسيط أن يبيع ويشتري ويوقع نيابة عن المالك.
وبلغ عدد عقود البيع المنفذة خلال الفترة بين أيار 2021 وشباط الماضي، 231 ألف عقد بمعدل نمو أسبوعي وصل إلى 4.5%، بينما بلغ المتوسط اليومي لعدد عقود البيع المنفذة في آخر أسبوع 2012 عقدًا، بحسب وزارة المالية.
وتصدّرت محافظة ريف دمشق عدد البيوع المنفذة بين المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام، بنسبة 25.4% من العدد الإجمالي للعقود المنفذة، تليها اللاذقية بنسبة 12.4%، ودمشق بنسبة 9.4%.
ووصلت القيمة الرائجة لعقود البيع المنفذة إلى 7770 مليار ليرة، بمعدل أسبوعي بنحو 3.8%، بينما وصل الوسطي اليومي للقيم الرائجة لعقود البيع المنفذة في آخر أسبوع إلى 56.5 مليار ليرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :