عنب بلدي- زينب مصري
مع ازدياد شكاوى مواطنين من انقطاع الكهرباء المستمر ووصول ساعات التقنين حتى 23 ساعة في مناطق سيطرة النظام السوري، أعلن رئيس النظام، بشار الأسد، تعديل قانون الكهرباء لتتمكّن حكومته من شراء الكهرباء المنتجة من مشاريع الطاقة البديلة في شركات القطاع الخاص.
وبعد هذا التعديل، برزت مخاوف مواطنين في مناطق سيطرة النظام من تحديد أسعار مرتفعة للكهرباء المنتجة من مشاريع الطاقة المتجددة، على غرار الأسعار التي حددتها وزارة الكهرباء لتكلفة الاشتراك بخط “مُعفى من التقنين” الكهربائي، والتي تبلغ 300 ليرة سورية لكل كيلوواط.
لكن مسؤولين في حكومة النظام أكدوا أن هذا القانون لن يؤثر على تعرفة الكهرباء لدى الوزارة، وأوضحوا أنه مشروع مشترك بين القطاعين العام والخاص، نافين وجود علاقة مباشرة بين الشركات المستثمرة والمواطنين.
منفعة متبادلة
عدّل الأسد المادة رقم “28” من قانون الكهرباء رقم “32” لعام 2010، لتقضي بجواز شراء الكهرباء المنتجة من مشاريع الطاقات المتجددة التي يمكن ربطها على شبكة النقل أو شبكة التوزيع إذا توفرت الإمكانيات الفنية لذلك، وحسب القواعد والشروط والاستطلاعات التي تضعها المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء وتعتمدها الوزارة بأسعار محددة تصدر بقرار من مجلس الوزراء في حالتين.
الحالتان هما، وجود فائض إنتاج المشتركين، والمشتركين الرئيسين الذين يعتمد استهلاكهم أساسًا على الكهرباء المنتجة من مصادر توليد الطاقات المتجددة الخاصة بها، والكهرباء المنتجة من مشاريع الطاقات المتجددة المرخصة التي يمكن ربطها على شبكة النقل أو شبكة التوزيع، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 28 من تشرين الثاني الماضي.
وزير الكهرباء في حكومة النظام، غسان الزامل، اعتبر أن أهمية القانون تأتي كونه يسمح بشراء الكهرباء الناتجة عن الطاقات المتجددة من المشتركين على شبكات التوتر العالي، ما يتيح شراء كميات حتى 300 ميغاواط.
ولم يكن مسموحًا شراء مثل هذه الكهرباء إلا من المشتركين على شبكات التوتر المنخفض والمتوسط وباستطاعة حدها الأعظمي عشرة ميغاواطات، بحسب تصريحات لصحيفة “الوطن” المحلية، في 29 من تشرين الثاني الماضي.
ويسهم ذلك، بحسب الزامل، في تشجيع مشروعات الطاقات المتجددة من قبل المستثمرين، وبيعها وتوريدها عبر منظومة الكهرباء بخطوط وشبكات النقل، وفي المحصلة مشاركة القطاع الخاص في تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء إلى جانب الجهد الحكومي الكبير في ذلك.
من جهته، أوضح مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة، يونس علي، أن قانون الكهرباء الجديد لا يعني الاتجاه نحو خصخصة الكهرباء، وهو نوع من التشاركية بين القطاعين العام والخاص، الهدف منها التزام وزارة الكهرباء بشراء ما يُنتَج من هذه المشاريع، بحسب تصريحات لإذاعة “شام إف إم” المحلية، في 28 من تشرين الثاني الماضي.
واعتبر مدير الأبحاث في مركز “السياسات وبحوث العمليات” الباحث والدكتور في الاقتصاد، كرم شعار، القانون الجديد “جيدًا” من حيث المبدأ بالنسبة إلى حكومة النظام وشركات القطاع الخاص، وهو قانون سيخدم الطرفين.
وعلّل الباحث ذلك بأن مصادر الطاقة المتجددة ببلد مثل سوريا ستكون بأغلبيتها من الطاقة الشمسية وليس من طاقة الرياح أو المياه، خصوصًا أن طاقة المياه شبه معدومة، وتناقصت على مدى العقود الماضية بسبب انخفاض منسوب المياه، كما أن حكومة النظام غير مسيطرة على العنفات المائية في جميع الأحوال.
وبناء على ذلك، سيكون هناك اختلاف كبير في الإنتاج، وسيكون فائض الكهرباء خلال النهار طوال فترة ظهور الشمس، وستكون هناك حاجة خلال الليل.
وقال شعار في حديثه إلى عنب بلدي، إن تخزين الكهرباء الفائضة ببطاريات أمر مكلف للغاية، ومن الممكن ألا يكون مفيدًا من الناحية الاقتصادية بالنسبة إلى الشركات التي تنتج الكهرباء باستخدام الطاقة البديلة.
ولذلك من المستحسن أن يربط المُنتج للكهرباء بالطاقة البديلة شبكته بالشبكة الحكومية، بحيث يبيعها الفائض خلال النهار، خصوصًا أنها بحاجة إلى الكهرباء على مستوى مناطق سيطرتها ككل، بسبب عدم إنتاجها للكهرباء وعدم توفر طاقة بديلة.
وأوضح الباحث أن حكومة النظام غير قادرة على الاستثمار بالطاقة البديلة، لكونه استثمارًا مكلفًا للغاية، ليس فقط لسوريا، بل للبلدان الأخرى أيضًا، ولا تزال الجدوى الاقتصادية لاستخدام الوقود الأحفوري أكبر من الطاقة البديلة، وهذا الأمر ينطبق على البلدان الأخرى أيضًا، ولهذا السبب يحتاج التحول في الدول الغربية تجاه الطاقة البديلة إلى ضغط سياسي وشعبي.
مخاوف من ارتفاع الأسعار
مطلع تشرين الثاني الماضي، رفعت وزارة الكهرباء الأسعار بنسب تصل إلى أربعة أضعاف في بعض الشرائح، إذ تراوحت نسب الرفع بين 100% و800%.
وعلى الرغم من حديث سابق لوزير الكهرباء، غسان الزامل، استبعد فيه تعديل أو زيادة تعرفة الكهرباء، تحدثت صحيفة “الوطن” المحلية في 25 من تشرين الأول الماضي، عن “مذكرة رسمية” تتناول نية الحكومة رفع الأسعار لـ”تحفيز” المشتركين للاعتماد على مصادر الطاقات المتجددة.
ويأتي ذلك، بحسب الصحفية، لتغطية جزء من استهلاك الكهرباء عبر الحكومة، بالإضافة إلى تحقيق تخفيض بالخسائر المالية لدى مؤسسات الكهرباء، وتوفير السيولة المالية لاستمرار عمل المنظومة الكهربائية.
وعاد الزامل ليؤكد أن شراء الكهرباء المنتجة من مشاريع الطاقة المتجددة لن يؤثر في تعرفة الكهرباء المطبقة لدى الوزارة، وأن تحديد أسعار شراء الكهرباء الناتجة عن مشروعات الطاقات المتجددة يتم من رئاسة مجلس الوزراء، بناء على دراسة ومقترحات تنفذها وزارة الكهرباء.
لكن مدير عام مؤسسة “نقل وتوزيع الكهرباء”، فواز الظاهر، تحدث قبل هذه التأكيدات، في تصريحات لإذاعة “شام إف إم” المحلية، عن إمكانية الاشتراك بخطوط كهرباء معفاة من التقنين، لكن بتكلفة “كبيرة جدًا”، تبلغ 300 ليرة سورية لكل كيلوواط.
وكان مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الكهرباء، أدهم بلان، اعتبر أن الزيادة جاءت “للحفاظ على قطاع الكهرباء”، إذ تصل التكاليف فيه سنويًا إلى حدود 5.3 تريليون ليرة، وإيراداته حسب التعرفة السابقة لم تكن تتجاوز 300 مليار ليرة.
ويوجد نوع من المبالغة في تكلفة الدعم الحكومي المتعلقة بالكهرباء، كما يوجد تلاعب في التصريحات فيما يتعلق بخطوط الكهرباء المُعفاة من التقنين، بحسب الباحث كرم شعار.
وأوضح الباحث أن الأرقام ليست منطقية، خصوصًا أن الدعم يُعرف بحسب توزعه وأوجه استخدامه، إذ قال بلان، إن التكاليف السنوية تتخطى خمسة تريليونات ليرة، بينما موازنة سوريا للعام الحالي كلها كانت 8.5 تريليون ليرة.
ويرى شعار أن المشكلة الأساسية في سوريا ليست القدرة على الإنتاج، وإنما توفر الطاقة، فحكومة النظام غير قادرة على شراء الغاز والفيول لتشغيل المحطات الموجودة حاليًا، ولذلك تحاول تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الطاقات البديلة وربطها بالشبكة العامة، لتخفيف المشكلة التي يواجهها قطاع الكهرباء بشكل عام.
وتولي حكومة النظام منذ أشهر اهتمامًا واضحًا بمشاريع الطاقة البديلة، وتروّج لها على أنها حل لمشكلة انقطاع التيار الكهربائي، على الرغم من تكلفة مشاريعها المرتفعة التي لا تستطيع تغطيتها.