المطالبة بالمعتقلين السوريين.. فوائد التحوّل من الفردية إلى الجماعية
رغم مشاهدة العالم آلاف الصور المسرّبة للضابط “قيصر“، والتي أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) صحتها وتأثيرها على الرأي العام العالمي، فإن القانون الصادر عام 2019 لم ينتج أثره كأداة ضاغطة على النظام بالإفراج الشامل عن كل المعتقلين داخل مراكز الاعتقال التابعة للنظام السوري.
وحتى الآن، يبقى مصير عشرات آلاف المعتقلين لدى النظام مجهولًا، بالتزامن مع فشل المجتمع الدولي في هذا الملف، بمقابل ذلك، لا تزال عائلات ضحايا المعتقلين تعمل على إيجاد آلية لمعرفة مصير أقربائها، ومحاولة إيجاد طرق للإفراج عنهم، أو الوصول إلى معلومات تخص حالتهم.
ومع استمرار تلك المحاولات، ثمة تغيرات حدثت في مسار المطالبة بحقوق المعتقلين السوريين خلال السنوات العشر الأخيرة، ففي شباط الماضي، برزت بشكل أوضح المحاولات الجماعية للمطالبة بمعرفة مصير المعتقلين، وعلى نقيض المحاولات الفردية، حملت معها عدة فوائد تعزز عمل الناشطين الحقوقيين وعائلات الضحايا لتحقيق مطالبهم.
اقرأ المزيد: المعتقلون السوريون.. ميثاق على طريق العدالة
سدّ الطريق أمام السماسرة
أدى غياب التنسيق المشترك للتعامل مع ملف المعتقلين خلال السنوات الأولى من الثورة السورية، إلى تعامل عائلات الضحايا وفق آليات فردية لمعرفة مصير أبنائها داخل السجون، فانتشرت حالات إطلاق سراح المعتقلين عن طريق دفع فدية أو رشوة مقابل إدراج أسماء معيّنة في قوائم الإفراج، حتى إن هذه الطرق صار لها سماسرة وقنوات منظمة.
تمثّلت المحاولات الفردية لمعرفة مصير معتقلي الرأي في استخدام الواسطة لتخفيف التعذيب عن معتقل معيّن، أو زيارة معتقل آخر، إلا أن نتائج هذه المحاولات لم تصل إلى درجة التنسيق المشترك بين مجموعة معيّنة، للمطالبة العلنية بالإفراج عن المعتقلين ومعرفة مصير المختفين قسرًا.
كما أن هذه المحاولات الفردية لمعرفة مصير المعتقلين، دفعت البعض إلى دفع مبالغ باهظة لضباط ينتمون إلى الأجهزة الأمنية، فمع معاناتهم المعنوية بفقدهم أحباءهم داخل السجون، وامتلاكهم صورة واضحة حول حجم التعذيب الذي يواجهونه، فهم يتكبدون خسارات اقتصادية تثقل حياتهم بالهموم أكثر.
اقرأ أيضًا: “جسور الحقيقة”.. مشروع جديد لرفع أصوات المعتقلين السوريين أكثر
ضغط جمعي أكبر
تأخذ الروابط المشتركة من عائلات الضحايا صورة الضغط الجمعي، عن طريق اتخاذ المعنيين بهذه القضية موقفًا يتجلى عبر حراك مطلبي وقانوني للضغط على النظام والمجتمع الدولي على السواء، من خلال إطلاق خمس منظمات سورية أُسست من قبل ناجين من الاعتقال وأهالي الضحايا وأفراد أسرهم، ميثاقًا تحت عنوان “ميثاق حقيقة وعدالة”، تضمّن رؤية مشتركة حول قضية الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي في سوريا.
وخلال الفترة الماضية، نفّذ ناشطون سوريون حملات إعلامية عدة، من أجل إثارة الرأي العام الدولي، والضغط على النظام لإطلاق سراح المعتقلين، مثل الحملة التي قامت بها منظمة “عائلات من أجل الحرية” بالعاصمة الألمانية برلين في آب الماضي، عن طريق فكرة نشر هواتف على الأرض في ساحة عامة كتجسيد لمعاناة وآلام أهالي المعتقلين، لتذكير العالم والشعوب بأوجاعهم حين ينتظرون أي خبر عن أحبائهم في السجون.
اقرأ المزيد: عائلات المعتقلين السوريين تنتظر في اليوم العالمي للاختفاء القسري
كذلك كانت حملة “المعتقلون أولًا” التي نظمت تظاهرة في باريس عام 2016 حاملة صور المعتقلين، ومطالبة المجتمع الدولي بالاهتمام بهذه القضية، إذ لفتت انتباه الرأي العام في فرنسا إلى قضية المعتقلين السوريين، بعد أن كانت هذه المطالب مقتصرة على محاولات فردية لمعرفة مصير معتقلي الرأي في السجون السورية.
تبادل خبرات
تعمل روابط عائلات المعتقلين على إقامة الندوات والنشاطات الاطلاعية، في إطار تنسيق وتبادل الخبرات الحقوقية التي تتيح معرفة تجارب البلدان التي عاشت تجربة اعتقال مكثّف في مجتمعها المدني خلال النزاعات الداخلية فيها.
ومن خلال عمل روابط العائلات، “رصدنا تجارب الدول الأخرى في الكشف عن مصير المخفيين، ودور آليات البحث في الكشف عنهم. لم نخترع العجلة، فسوريا ليست البلد الوحيد الذي عانى من الإخفاء القسري”، وفق ما قالته عضو “رابطة عائلات قيصر” ياسمين مشعان في حديث إلى عنب بلدي.
وبحسب ما تراه مشعان، فإن تبادل الخبرات “سيؤدي بالضرورة” إلى زيادة التركيز على جمع المعلومات، للحصول على آليات أكثر فائدة من أجل الوصول إلى الهدف الأساسي من كل ذلك، وهو الإفراج عن المعتقلين في سوريا، و”أي حراك وأي محاولة تثمر عن تقدم حقيقي تجاه قضيتنا، نحن نرحب بها بالتأكيد”.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقريرها السنوي العاشر حول الاختفاء القسري بسوريا في آب الماضي، ما لا يقل عن 102 ألف و287 شخصًا لا يزالون قيد الاختفاء القسري، منذ انطلاق الثورة السورية في آذار عام 2011، أغلبيتهم لدى النظام السوري، الذي يخفيهم بهدف “تحطيمهم وترهيب الشعب بأكمله”.
ويعتبر عام 2012 الأشد وطأة في عدد المختفين قسرًا، تبعه عام 2013 ثم 2011، ثم 2014، وفق التقرير.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :